يخاف الإبداع
لأنه أعتاد و(متعودة دايماً) على روتين حياتي معين حتى أن جميع
المبدعين قد تمت محاربتهم لأنهم خالفوا نسق عام كان سائد ولقد
تم الاستهزاء بهم ومحاربتهم بقدر ما نتفاخر بهم اليوم ونتشرف
باقتفاء أثرهم والإقتداء بهم ...!!
الروايات
الدينية التي تصور الجنة على أجمل ما يكون والنار على أبشع ما
يكون و(بعض) رجال الدين الذين ينقلون روايات دون (فلترة) (وبحث
فكري وتاريخي وعقلاني وروائي) ومنهم من يزيد في الترغيب ناسياً
الترهيب وآخر يزيد في الترهيب ناسياً الترغيب...
كلها ساهمت في
تكوين الفكرة (المبعثرة والمخيفة) عن الموت...
يصف أحدهم
الموت أنه عذاب ولا ينجو أحد من ضغطة القبر حتى ينطبق عظام
صدره على ظهره، بالرغم من أنه لاحقاً يتطرق لوصف الموت أن
الجسد سيبقى جثة هامدة والروح تمضي لعالم آخر، فكيف سيكون
القبر عذاباً لو كان جسده جثة هامدة...؟!
ومنهم من يحرم
زيارة قبور الموتى وأنهم انتهوا لما ماتوا ولا حاجة لزيارة
قبورهم وتذكرها، أفلم يعلم هذا أن الذكر للإنسان عمرٍ ثاني،
ومن الوفاء للميت وتذكره زيارة قبره...!!
أولم يعلم أن
الميت وفق أحد الآثار لا ينقطع عمله من ثلاثة يبقون يمدونه
بالذكر والثواب وهذه الثلاث (صدقة جارية كمشروع خيري أو خدمي
ينتفع منه عامة الناس) و(علم ينتفع به كاختراع أو تطوير فكرة
أو كتاب أو نشر أو أثر فكري) و(ولد صالح يدعو له بظهر الغيب
وهذا الولد قد ربيته لكي يكون صالحاً لنفسه ولغيره فمهما يفعل
من خير من جراء تربيتك الصالحة له سينالك من هذا الخير
خيراً)...
في رواية جميلة
تصف حفرة القبر بأنها أما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر
النيران، وهو الوصف الأدق لحفرة القبر حيث يكون قوامهما
معتمداً على أفعالك في الدنيا، ولكن لو فتحت القبر لن تجده
مختلفاً عن الحفرة التي تليه فلا نار ولا جنة ترى وهنا تكمن
منطقية تساؤلي في مطلع المقالة، حيث لا يعرف الإنسان الحي ما
هو الموت إلا عندما يموت، وهنا تكمن المشكلة أنه مات...؟!
ولا يمكن له
تصور بالضبط ماذا بعد الموت إلا لمن مات...؟!
من هنا يكون
الخوف من الموت الذي من الممكن جداً أن يكون أفضل من الحياة
فكثيراً من الأموات اليوم هم أفضل حالاً من حيث الثناء عليهم
والعرفان بفضلهم من أحياء كل عماد حياتهم الأكل والشرب
والتنفس...!!
والموت أفضل من
حيث الذكر والتمجيد والحياة الخالدة بعد عناء الحياة الدنيا
وقسوتها وظلمها وتحكم الجهلة بمصير العاقلين وتحكم المجرمين
بمصير الشرفاء وحكم الظالمين لأرض الطيبين...
في الموت تتحقق
عدالة كبيرة حيث يتساوى الغني الجائر والفقير الحائر والظالم
المستبد والمظلوم المستعبَد والحاكم القاهر والمحكوم المقهور
ومدير الدائرة الفاسد مع موظف صغير نزيه بالكاد يعيش حياة
بسيطة وبصعوبة ولا يسلم هذا المدير على موظفه الصغير مستنكفاً
منه، فالجميع الآن لديه حفرة تحت الأرض طولها متران وعرضها متر
يسكنون فيها وتعتمد راحتهم وعنائهم وفوزهم وخسارتهم على ما
قدموه لحياتهم ولمن حولهم في حياتهم الدنيا وكيف تصرفوا في
دنياهم...
جعل الله
الحياة الدنيا مرحلة انتقالية وهي دار امتحان وبلاء فلينظر كل
إنسان كيف يقدم فيها، وقد جعل الله كرامة الإنسان فيها من أعظم
الكرامات وحرمته من أعظم الحرمات ولذلك جعل جريمة القتل من
الجرائم الكبرى والذنوب العظمى ومن ضمنها جريمة قتل النفس
(الانتحار) فلا مسوغ للانتحار لأي سبب كان ومهما كانت قسوة
الحياة لأنك يجب أن تحاول أن تتغلب على تلك القسوة وتفكر بحل
مهما كانت صعوبة ذلك الحل ومرارة الصبر عليه، فالموت قادم
بصورته الاعتيادية وبأسبابه المنطقية وعندها ستتعرف على الكثير
من النتائج وتكتشف لك الكثير من الحقائق فبصرك يومها حديد...
من أدى وظيفته
على أكمل وجه، ولم يؤذي إنسان بلسانه ويده، ومن ربى نفسه
وأسرته ونصح عائلته وأصدقاءه وجعل من نفسه أولاً شخصاً جيداً
وساهم في جعل الآخرين المحيطين به جيدين قدر المستطاع فلا يخاف
فسيكون موته أفضل من حياته بغض النظر أن لو كانت حياته جميلة
أو تعيسة فستكون أفضل بكثير جداً...
ومن مات ولم
يكن في ذمته تجاوز على حقٍ عام أو سرقة من حق غيره بسبب فساد
إداري أو بسبب أخذه من مال الشعب وصرفه وفق رغباته، ومن مات
ولم يكن في عنقه دعوات عليه بسبب سوء تصرفاته مع جيرانه ومن
حوله فليطمئن فسيكون سعيداً بعد أدائه لفرائض الله عليه...
لا داعي للخوض
في الصراع الفكري حول ماهية الموت وصفاته فهي مرحلة ستمر بها
فالأهم الاهتمام بالحياة والنهوض بها ففيها سيكون رسم الخطوط
الأساسية لمرحة الموت وتحديد المصير...
سأل أحدهم
صديقٍ له حول بطلٍ مات في معركة قائلاً له: قل لي كيف مات هذا
البطل...؟!
فأجاب صديق
البطل: سأخبرك كيف عاش فهو أفضل لك أن تعرف كيف عاش من معرفتك
كيف مات...!!
الموت في أكثر
الأحيان يكون أكثر سلاماً من الحياة التي يزداد الدمار فيها
فكرياً ومادياً ومعنوياً كل يوم، حيث حياة البشر أصبحت أكثر
قسوة من براري أفريقيا وأدغال أمريكا الجنوبية...
ولربما يكون
الموت في أكثر الأحيان أفضل من الحياة فلا تخافوا منه، فالمهم
أن تعيش حياتك بسلام ووعي وفكر جميل ومرحباً بالموت إذا طرق
الباب فعندها سيحل ضيفاً عزيزاً من ربٍ غفورٍ رحيم قد سبقت
رحمته غضبه...