سماحة المرجع الشيرازي وثورة الفضائيات

شبكة النبأ المعلوماتية: محمد علي جواد تقي

التلفاز، هذا الجهاز الصغير، بشاشته الضوئية، إنما اخترعه وطوّره البريطانيون والألمان والأميركيون، ليكون وسيلة تسلية للمجتمع من جهة، ولنقل بعض الوقائع الرسمية، مثل الأحداث السياسية والعسكرية، بالصوت والصورة، وربما لم يفكّر القائمون على هذه الوسيلة الإعلامية الجديدة، أنها قد تحلّ يوماً محلّ الصحف والمجلاّت، وحتى الكتاب في صناعة الفكر وصياغة الثقافة للشعوب، لما للصورة المصحوبة بالصوت وعديد المؤثّرات المرئية، من ألوان ومقاطع وأصوات مثيرة، من تأثير سريع في النفوس، ويمهّد الطريق لعبور الأفكار إلى الأذهان.

صحيح؛ أن الغرب، لم يكن يشعر بالحاجة إلى التوجيه الثقافي والفكري من خلال شاشة التلفاز، كما هو الحال لدى المسلمين، بيد أنه تنبّه في الآونة الاخيرة إلى أنه مفيد لمواجهة أي نوع من اليقظة والصحوة في الساحة الإسلامية، من خلال اتّجاهين متوازيين؛ الأول: باتّجاه الميوعة والتحلّل الاخلاقي، وتغليب العواطف والغرائز على العقل، والاتّجاه الثاني: تصدير الأنماط الغربية المثيرة لمشاعر الحرمان والتخلّف التي تعيشها شعوبنا، حيث ان كل شيء في الغرب، يمثّل النجاح والسعادة والرفاهية.

هذا النمط من الخطاب الإعلامي، تواصل مع خروج التلفاز من دائرة البث الأرضي الضيق إلى رحاب الأقمار الصناعية والبثّ العالمي، فالقنوات الفضائية العربية التي انطلقت في أواسط التسعينيات، لم تحمل رسالة الوعي والتطوّر والنمو إلى الشعوب العربية والإسلامية، فمن جهة كرّست الواقع المرير في الأمّة، حيث الضعف أمام الكيان الصهيوني، وأمام القوى الكبرى، ومن جهة أخرى عكفت على تلميع وجوه الحكّام، - وما تزال ـ رغم كل الفضائح المريعة والدماء والجرائم التي ارتكبوها، وما يزالون.

لذا يمكن القول إن إطلاق سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، مبادراته بتشجيع تأسيس القنوات الفضائية، جاءت في وقت تشهد الساحة أوج المواجهة بين الحالة الإسلامية وبين ما يسمى بـ(الغزو الثقافي) أو حالة التغرّب والاستلاب الفكري والثقافي. فالثورة والنهضة التي أطلقها سماحته لم تأت من فراغ، بل العكس تماماً، حيث ان خوض هذا المجال الاحترافي التخصّصي في الإعلام المرئي، جاء انطلاقاً من قاعدة عريضة ورصينة من التراث الشيعي، متمثّلاً بتراث أهل البيت، عليهم السلام، لذا فإنّه دام ظله يؤكّد خلال كلماته للإعلاميين والقائمين على القنوات الفضائية، بأن هذه الوسيلة الإعلامية (التلفاز) يمثّل خير وسيلة لنقل الحقائق ونشر مدرسة أهل البيت، عليهم السلام، في العالم.

ثورة الحقائق
(أفضل وسيلة للدفاع هو الهجوم). انها القاعدة القديمة – الجديدة، والحكيمة، وهو ما يتضمّنه مشروع المرجع الشيرازي في تأسيس العديد من الفضائيات وبلغات عديدة، أبرزها؛ اللغات الثلاث في الوقت الحاضر؛ العربية والفارسية والإنجليزية. فلا مجال حالياً للحديث عن سلبيات الحضارة الغربية ومساوئها، بقدر ما أن المهم في عصر الفضائيات والقرية العالمية، وأيضاً زمن الشبكة المعلوماتية العنكبوتية، إطلاق ثورة الحقائق بموازاة ثورة تقنية الاتصالات.

التجارب التي خاضها الإخوة في القنوات الفضائية، أكّدت ان الإنسان الغربي محروم من الحقائق بشأن الإسلام ونظامه وقيمه. كما هو محروم من (الثقافة النظيفة)، كما يعبّر عنها سماحته، التي لا تتناقض مع العقل والفطرة السليمة. طبعاً؛ هذا التعتيم، لا يقتصر على الإنسان الغربي، إنما يشمل المسلم في طول وعرض البلاد الإسلامية، إضافة إلى الجاليات الإسلامية المنتشرة في العالم. ولعلّ أبرز دليل على الجهل المطبق لدى هذه الجاليات، تصديرها الإرهابيين إلى سوريا والعراق وأماكن أخرى، على أنها خير مكان يقاتل فيه الإنسان المسلم، في سبيل شعار (دولة الخلافة الإسلامية)، فيفعل كل شيء في هذا السبيل، من الاغتصاب والقتل والذبح والحرق وكل الفجائع، وهو مرتاح البال!

لكن كيف تصل هذه الحقائق إلى المخاطب؟ هذا هو السؤال الكبير.

وهذا تحديداً ما يجيب عليه سماحة المرجع الشيرازي، خلال كلماته العديدة إلى القائمين والعاملين في القنوات الفضائية، بأن (اتّباع الأسلوب المنطقي والهادئ والرصين). فقضية حضارية كبيرة مثل قضية الإمام الحسين، عليه السلام، (بالإمكان إيصالها إلى العالم من خلال التفسير المناسب للأحداث، فالعالم بحاجة إلى ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم).

وثمّة حقيقة نفسية وإنسانية غاية في الأهمية، يشير إليها سماحته، وهي أن (البشر في كل مكان، يمتلك العقل والضمير والوجدان...). بمعنى أن فكر وثقافة أهل البيت، عليهم السلام، محبّب للنفوس البشرية من حيث المبدأ، تبقى المسألة الفنية لا غير، وهذا تحديده يتجسّد في دور القائمين على القنوات الفضائية الشيعية، من إداريين وفنيّين ومحرّرين.

أحد القائمين على إحدى القنوات الناطقة بالإنجليزية في بريطانيا، يذكر قصص وحالات عديدة، لمشاهدي القناة من البريطانيين وهم يظهرون أسفهم من عدم معرفتهم الإسلام على حقيقته طيلة الفترة التي سبقت متابعتهم برامج هذه القناة التي بيّنت أن الإسلام الحقيقي، ليس إسلام (داعش)، وإسلام الكراهية والحقد والقسوة الذي روّجت له حكومات وجماعات في البلاد الإسلامية.

مسؤولية استثمار الحرية
سماحة المرجع الشيرازي، يشير إلى مسألة هامة في أمر النشر والتوعية الإسلامية، وهي أن التطوّر السريع في عالم الاتصالات والإعلام، يفرض مسؤولية جديدة على النخبة المثقّفة من المؤمنين، تتلخّص في إطلاق الأفكار بقوّة المنطق والبرهان، بكل قوّة وثقة، لأن هذه المسؤولية حملها غيرنا كثير، خلال القرون الماضية، وتحديداً في العهود الأولى، عندما كان الأئمة وأصحابهم في العهد العباسي يتعرّضون لأقسى أشكال التعذيب والتشريد والقتل الجماعي، الأمر الذي أعطى مبدأ التقيّة مكانة خاصة في مسيرة العمل الإيماني للأئمة المعصومين في ذلك العهد.

واليوم تتأكّد علينا المسؤولية العظيمة، بأن نستثمر الحرية الواسعة المتاحة في بعض البلاد للعمل على نشر ثقافة أهل البيت عليهم السلام. فالقضية أكبر من كون بعض الأعمال الثقافية والإعلامية، بنظر البعض نوعاً من الترف الفكري، إنما هي مسيرة ممتدة مع الزمن طواها أناس مضحّون ومجاهدون، بذلوا كل شيء في حياتهم من أجل إبلاغ رسالة الحقّ والحقيقة، كما فعل الأئمة والنبيّ الأكرم، صلى الله عليه وآله.

لذا نلاحظ سماحته يوصي (شباب العراق أولاً؛ وشباب الشيعة في كل العالم ثانياً، وشباب المسلمين في كل العالم، ثالثاً؛ ثم جميع الشباب في العالم كلّه، بقراءة ومطالعة تاريخ أهل البيت صلوات الله عليهم، في العراق، وتاريخ علماء الإسلام في هذا البلد، حتى يستشعروا بالنعمة التي هم عليها...). ومما يذكره سماحته من صورة النضال الذي خاضه كبار علماؤنا في سالف الأيام، ما يروى عن السيد مهدي بحر العلوم، وهو أحد أبرز علماء الدين الشيعة في زمانه، حيث كان ذات مرة في طريقه من النجف الأشرف إلى كربلاء المقدّسة، عبر طريق نهر الفرات، فوصل إلى ناحية (الكفل) وهناك التقى بعدد كبير من اليهود، والتقى بعدد من الأحبار هناك، ودخل معهم في نقاشات طويلة حول الإسلام واليهودية، وكانت تلك المناقشة سبباً في تحوّل العديد من أولئك الأحبار إلى الإسلام.

فهذا السيد العالم، التقى بأولئك الأحبار اليهود صدفةً ، وكان وحده، مع وجود مئات من علماء الدين والخطباء والشعراء في ذلك الزمان، فأين هي أعمالهم الثقافية والفكرية، بما يشابه ما قام به السيد بحر العلوم؟

هذا تحديداً ما يؤكّد عليه سماحة المرجع الشيرازي وبقوّة عندما يدعو إلى الإكثار من القنوات الفضائية، فهو لا يدعو إلى إطلاق قناة أو قناتين، إنما العشرات من القنوات الفضائية، لإدراكه حجم الحضور الهائل للقنوات الفضائية في العالم، والنجاح في هذا المشروع الحضاري العظيم، يتطلّب إضافة إلى الجانب الفنّي والتقني، التحقّق من الجانب الأخلاقي الذي يمثّل العقل المدبّر للإعلام الإسلامي الملتزم – إن صحّ التعبير- لذا يدعو سماحته العاملين في هذا القطّاع، إلى التحلّي بالإخلاص في العمل و(أن تسعوا إلى إعارة قلوبكم إلى لله تعالى، وأن يكون أملكم وهدفكم الوحيدين هو الله والأئمة المعصومين، عليهم السلام فقط)، كما يوصي سماحته بضرورة التفكّر والتأمل في الأعمال من أجل أن يضمن الإنسان ثمار أعماله.

إنها ثورة ونهضة حقيقية في ساحة الإعلام المرئي، يقودها المرجع الشيرازي إدراكاً منه بأن المهيمن عبر القنوات الفضائية على العقول والأذهان، هو من يحظى بالتأثير والنفوذ، ويكون قادراً على تحريك المشاعر ثم صنع المواقف انتهاء بتغيير الأحداث. 

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم