اعظم الاعياد

 

إضاءات من محاضرة لسماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)

 

 ما هو السر في أن عيد الغدير هو أعظم الأعياد في الإسلام على الإطلاق، كما ورد في الروايات؟! وما الذي خسرناه إذ أقصي الغدير وطويت صفحته في التاريخ؟ وماذا ينبغي لنا أن نعمل الآن؟ إننا إذ نشهد اليوم بعض الحرية في العالم، في أي بقعة من الأرض وبأي درجة، فإن الفضل في ذلك يعود لأمير المؤمنين(عليه السلام)، لأنه هو الذي وضع أساسها وأرسى دعائمها ـ طبعاً بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فحديثنا عن مرحلة الغدير وما بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله). لقد جاء الإمام(عليه السلام) إلى سُدّة الحكم بعد مرور 25 سنة من غياب العدالة وكبت الحريات، فحتى تدوين الحديث ـ بل نقله ـ كان ممنوعاً يعاقَب مرتكبه وإنْ كان من أتباع السلطة وأنصارها، في ظل أوضاع كهذه ـ حيث الحرية مُغيَّبة إلى هذا الحد والمشاكل تحيط بالأمة من كل جهة ـ استلم الإمام(عليه السلام) زمام الحكم، ترى كيف تصرّف(عليه السلام) مع الناس، وما هي حدود الحريات التي سمح بها لهم، سواءً في عاصمته الكوفة، حيث اختلاف المذاهب والمشارب والأعراق والأذواق، أو في البصرة بعدما تمرّدت بعض الطوائف ضدّه في حرب الجمل، أو مع غيرهم من المارقين والقاسطين (الخوارج، وأتباع معاوية). عندما حل شهر رمضان في السنة الأولى من حكومة الإمام نهى(عليه السلام) أن تصلى النافلة في ليالي شهر رمضان جماعةً، وأوصى بأن تصلَّى فرادى، كما سنّها رسول الله (ص)، واحتجَّ(عليه السلام) لرأيه بقوله: "إنه ما زال هناك من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) من يشهدون أنه(صلى الله عليه وآله) جاء إلى المسجد الليلة الأولى من الشهر الكريم يريد أداء النافلة فاصطفَّ المسلمون للصلاة خلفه، فنهاهم وقال: هذه الصلاة لا تؤدَّى جماعة ثم ذهب إلى بيته للصلاة". إلا أن أولئك الذين اعتادوا على أدائها طيلة سنين لم يطيقوا منعها، فخرجوا في مظاهرات تطالب بإلغاء المنع، فماذا كان رد فعل الإمام(عليه السلام)؟ لقد استجاب لمطالبهم ورفع المنع الذي أصدره وسمح لهم بممارسة سنّتهم هذه رغم أن تلك السنَّة لم تكن حتى من الباطل المدلَّس بالحق، بل كانت باطلاً واضحاً لا شك في بطلانها ولا شبهة.

* الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) لم يبادر بأية حرب ابتداء، فكُل حروبه فُرضت عليه، وأولها حرب الجمل، والتي ما إن وضعت أوزارها وهُزم جندها حتى هرب الذين أشعلوا فتيلها واختبؤوا في حجرات إحدى الدور في موضع من البصرة، فتوجه أمير المؤمنين(عليه السلام) في كوكبة من جنوده إلى ذلك المحل حتى انتهى إلى الحجرة التي كانت فيها مَن ألبت الأعداء على الإمام فعاتبها أولاً قائلاً لها: أبهذا أمرك الله أو عهد به إليك رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ ثم أمرها بالتهيؤ لإرجاعها إلى المدينة المنورة. وبعد أن اضطر الإمام(عليه السلام) لخوض معركة صفين وسقط القتلى من الطرفين وكان النصر قاب قوسين أو أدنى من أمير المؤمنين(عليه السلام)، تدارك الجيش المعادي الأمر بحيلة رفع المصاحف وانطلت حيلتهم على قسم كبير ممن كان يحارب في ركاب أمير المؤمنين(عليه السلام)، فطالبوه بوقف الحرب وهدَّدوه إن لم يفعل. فاضطُرّ الإمام لوقف الحرب كما اضطُر لخوضها، وطلب من مالك الأشتر التوقّف عن التقدم، ثم أجبروه على قبول التحكيم، ثم اعترضوا على قبوله له بعد ذلك مطلقين شعاراً ينطوي على مغالطة فقالوا: "لا حكم إلا لله". وهكذا نشأت فرقة الخوارج من بطن جيش الإمام نفسه! ولم يكتفِ هؤلاء بمروقهم حتى تظاهروا ضد الإمام أيضاً، ورفعوا في وجهه هذا الشعار عندما دخل المسجد وكان يوم الجمعة، وهو إمام وحاكم لأكبر دولة وأقواها على وجه الأرض يوم ذاك، ومع ذلك لم يعاقبهم الإمام(عليه السلام)، بل لم يسمح لقادة جيشه أن يمنعوهم، ولا أحال أحداً منهم إلى القضاء أو السجن؛ مع أنهم كانوا يعلمون ـ كما كان الإمام نفسه يعلم ـ بأن رسول الله(عليه السلام) قال: "علي مع الحق والحق مع علي". وهذا معناه أن الباطل كان يهتف بشعاراته في وجه الحق، ومع ذلك لم يمنع الحق أصحاب الباطل من حرية التعبير. فأين تجدون مثل هذه الحرية؟! هل عهدتم حرية كهذه حتى ممن يدعي حرصه عليها في هذا اليوم المعروف بعصر الحريات؟ والأعظم من هذا أن الإمام(عليه السلام) لم يسمّ هؤلاء الذين خرجوا عليه وهتفوا بهذا الشعار في وجهه - ولا رضي أن يُسمّوا - بالمنافقين مع أنهم كانوا أجلى مصداق لهذه المادة، لأن هناك رواية متواترة عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي بن أبي طالب(عليه السلام): "لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أو كافر".

* إن المفاهيم التي ينطوي عليها الغدير لا تتوفر حتى في عيدي الفطر والأضحى وغيرهما من أعياد الإسلام. فقارنوا بين كل الأعياد الإسلامية ومنها الجمعة وبين عيد الغدير وانظروا هل يؤيدنا التاريخ في كونه أعظم الأعياد أم لا؟ وإذا كان العالم لا يعرف الغدير وحقيقته بسبب إقصائه، وحُرم النهل من مبادئه وعطاياه، وحتى بعض المسلمين لم يتعلّم من عليّ(عليه السلام) وابتعد من سيرته، فما هي مسؤوليتنا نحن الذين أدركنا بعضاً من عظمة الغدير، ووعينا خسارة البشرية جراء تغييب الغدير؟ وبتعبير آخر: كيف نُحيي الغدير؟ أقول: روي عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) يقول: "رحم الله عبداً أحيا أمرنا" فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: "يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس". والإمام لم يحصر المسألة في الشيعة أو المسلمين فقط بل قال "الناس" أي كل الناس. فعالم اليوم يجهل الغدير، وتعاليم أهل البيت(عليهم السلام) بل يجهلها أكثر المسلمين مع الأسف!.

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم