من معالم شخصيته

 

خُلقه العظيم
 

لقد كان الرسول صلى الله عليه وآله على خلق عظيم في جميع إبعاد حياته، فقد قال سبحانه في مدحه: «وإنَّك لعلى خُلق عظيم».
وقد سئل الامام علي بن أبي طالب سلام الله عليه عنها ، فأجاب:
«كيف أصف أخلاق النّبّي وقد شهد الله تعالى بأنّه عظيم حيث قال:وإنك لعلى خلق عظيم».
وسئلت إحدى أزواجه عن أخلاقه صلى الله عليه وآله، فأجابت:
(كان خُلق رسول الله صلى الله عليه وآله القرآن).
فقد كان صلى الله عليه وآله قبل الدعوة يصنع على عين الله عزّوجّل، ويعد وفق تخطيط إلهي ليكون تجسيداً حيّاً للرفعة والسمو.
وإلى هذا اللّون من الإعداد الإلهي لرسول الله صلى الله عليه وآله أشار الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وهو أكثر المسلمين معرفة به في حديث له:
(ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره).
بكاؤه صلى الله وعليه وآله
ومن هنا فإنّ وعي سيرة النبّي صلى الله عليه وآله والانفتاح عليها، انّما هو وعي للرسالة بوجهها الحقيقي التطبيقي السليم، ليتخذ نموذجاً للاقتداء والعمل للتقديم والتقدّم.
وقد كان صلى الله عليه وآله عظيم الخضوع لله سبحانه.
فعن الحسين بن علي سلام الله عليه – وهو بصدد ذكر خشوع رسول الله صلى الله عليه وآله في صلاته – يقول:(كان يبكي حتّي يبتل مصلاّه خشية من الله عزّوجّل من غير جرم).
 

صلاته صلى الله عليه وآله:
 

ولعظيم خشوعه صلى الله عليه وآله في صلاته يقول مطرف بن عبدالله بن الشخير في رواية له عن أبيه، قال:(رأيت النّبي صلى الله عليه وآله يصلّي ولصدره أزيز كأزيز المرجل). وهو إشارة إلى تردّد صوت بكاء الرّسول صلى الله عليه وآله في صدره الشريف واختناقه بعبرته – كما هو المتعارف عند الخائف.
ولشدّة إقباله صلى الله عليه وآله على الله تعالى وانشداده إليه تشير عائشة في حديث لها:(كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحدّثنا ونحدّثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنّه لم يعرفنا ولم نعرفه).
ولأهمية الصلاة لديه وتعاهد الرّسول صلى الله عليه وآله لأمرها، أشار أمير المؤمنين علي سلام الله عليه في حديث له يوصي به أصحابه:
(وكان رسول الله صلى الله عليه وآله نَصِباً بالصلاة، بعد التبشير له بالجنّة، لقول الله سبحانه: «وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها» فكان يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه).
ولعظيم شوقه للوقوف بين يدي الله في الصلاة، فإنّه صلى الله عليه وآله كان ينتظر وقت الصلاة ويشتد شوقه، ويترقّب دخوله، ويقول لبلال مؤذنه: أرحنا يا بلال.
إذ كانت راحته صلى الله عليه وآله في الصلاة والاقبال على الله سبحانه. ولمدى تعلّقه بالله وانشداده إليه عن طريق الصلاة، أشار صلى الله عليه وآله في حديثه لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه: (يا أباذر: إنّ الله تعالى جعل قرّة عيني في الصلاة، وحبّبها إليّ، كما حبّب إلى الجائع الطعام وإلى الظمآن الماء، فإنّ الجائع إذا أكل الطعام شبع، وإذا شرب الماء روي، وأنا لا أشبع من الصلاة).
ومن مصاديق دأبه على العبادة والتوجّه إلى الله سبحانه وشكر فضله العظيم عليه، ما روى عنه صلى الله عليه وآله إنّه صلّى حتّى تورّمت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟
قال صلى الله عليه وآله: (أفلا أكون عبداً شكوراً).
وسُئلت أُمّ سلمة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله في اللّيل، فقالت: (ومالكم وصلاته: كان يصلّي ثمّ ينام قدر ما صلّى، ثمّ صلِّى قدر ما ينام، ثمّ ينام قدر ما صلّى، ثمّ يصبح).
 

صيامه صلى الله عليه وآله
 

وكذلك كان كثير الصيام والاعتكاف والدّعاء والاستغفار والحمد والحج والصدقة، وكان يقول:(الصائم في عبادة وإن كان على فراشه مالم يغتب مسلماً).
وعنه صلى الله عليه وآله: (قال الله عزّوجلّ: الصوم لي وأنا أجزي به).
وعنه صلى الله عليه وآله قال: (نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح).
وعن أبي عبدالله الصادق سلام الله عليه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم حتّى يقال: لايفطر، ويفطر حتّى يقال: لايصوم، ثمّ صام يوماً وأفطر يوماً. ثمّ صام الاثنين والخمسين، ثمّ آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيّام في الشهر: الخميس في أوّل الشهر، والأربعاء في وسط الشهر، والخميس في آخر الشهر).
وعن عنبسة العابد قال: (قبض النَّبي صلى الله عليه وآله على صوم شعبان ورمضان وثلاثة أيّام في كلّ شهر أوّل خميس وأوسط أربعاء وآخر خميس).
عن أبي عبدالله الصادق سلام الله عليه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل العشرالأواخر – يعني من شهر رمضان – شدّ المئزر واجتنب النساء وأحيا الليل وتفرّغ للعبادة).
وعن عليّ أمير المؤمنين سلام الله عليه قال: (صام رسول صلى الله عليه وآله الدّهر كلّه ماشاءالله ثمّ ترك ذل: وصام صيام داوود سلام الله عليه يوماً لله ويوماً له ماشاءالله، ثمّ ترك ذلك، فصام الاثنين والخميس ماشاء الله، ثمّ ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيّام من كلّ شهر....).
 

اهتمامه صلى الله عليه وآله بالدعاء
 

ورد في القرآن الحكيم: ّ«وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم انّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين».
وقال عزّوجلّ: «وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أُجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤُمنوا بي لعلّهم يرشدون».
وقال سبحانه: «قل ما يعبؤ بكم ربّي لولا دعاؤكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاماً».
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (الدعاء مخّ العبادة).
وقال صلى الله عليه وآله: (سلوا الله من فضله فإنّه يحبّ أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج).
وقال صلى الله عليه وآله: (الدّعاء سلاح المؤمن وعمود الدّين ونور السماوات والأرض).
وقال صلى الله عليه وآله: (انّ العبد لا يخطئه من الدّعاء احدى ثلاث: امّا ذنب يغفر له، وامّا خير يعجل له، وامّا خير يدّخر له).
إستفغاره صلى الله عليه وآله
وكان صلى الله عليه وآله يكثر من قول: (سبحانك اللّهم وبحمدك اللّهمّ اغفر لي إنّك أنت التوّاب الرّحيم).
ويقول صلى الله عليه وآله: (إنّي استغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرّة).
وعن الامام علي بن موسى الرضا سلام الله عليه: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله لايقوم من مجلس وإن خفّ حتى يستغفر الله عزّوجلّ خمساً وعشرين مرّة).
وعن الامام الصادق سلام الله عليه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله يستفغر الله عزّوجلّ كل يوم سبعين مرّة، ويتوب إلى الله سبعين مرّة».
 

حمده صلى الله عليه وآله لله عزّوجلّ
 

وعن أمير المؤمنين سلام الله عليه يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأى ما يحبّ، قال: الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات».
ويقول الامام الصادق سلام الله عليه:«كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ورد عليه أمر يسرّه، قال: الحمدلله على هذه النعمة، وإذا ورد عليه أمرٌ يغتمّ به، قال: الحمدلله على كلّ حال».
وعنه سلام الله عليه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحمدالله في كل يوم ثلاثمائة مرّة وستين مرّة، عدد عروق الجسد، يقول: الحمدلله ربِّ العالمين كثيراً على كل حال».
 

حثّه صلى الله عليه وآله على الصدقة
 

وقال صلى الله عليه وآله: (تصدّقوا ولو بتمرة، فإنّها تسدّ من الجائع، وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار).
وقال صلى الله عليه وآله: (ما أحسن عبد الصدقة إلاّ أحسن الله الخلافة على تركته).
وقال صلى الله عليه وآله: (من سرّه أن يدفع عنه نحس يومه فليفتح يومه بصدقة).
ومن وصيّة لرسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ سلام الله عليه جاء فيها:
(وأمّا الصدقة فجهدك جهدك، حتّى تقول قد أسرفت ولم تسرف).
وعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه قال: (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً قطّ، فقال: لا).
وعن علي سلام الله عليه في حديث له حول أخلاق المصطفى صلى الله عليه وآله جاء فيه:
(وما سُئل شيئاً قطّ، فقال: لا، وما ردّ سائل حاجة قطّ إلاّ بها أو بميسور من القول).
 

تعايشه صلى الله عليه وآله مع الناس
 

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وآله ذا أخلاق رفيعة في كل أبعاد الحياة.
فعن الحسين بن علي سلام الله عليه قال: سألت أبي عن مدخل رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: إذا آوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لله، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثمّ جزّأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد بذلك الخاصّة على العامّة، ولايدخر عنهم منه شيئاً، وكان من سيرته في جزء الاُمّة ايثار أهل الفضل بأدبه، وقسّمه على قدر فضلهم في الدّين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم، والاُمّة من مسألته عنهم، وبأخبارهم بالذي ينبغي، ويقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني في حاجة من لايقدر على إبلاغ حاجته).
قال الحسين سلام الله عليه: فسألته عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وآله كيف كان يصنع فيه:
فقال سلام الله عليه: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخزن لسانه إلاّ فيما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرّقهم، ويكرم كريم كلّ قوم، ويوليه عليهم، ويحذّر الناس الفتن، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولاخلقه، ويتفقّد أصحابه، ويسأل الناس عمّا في الناس، فيحسن الحسن ويقويه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لايغفل مخافة أن يغفلوا ويميلوا.
لكلّ حال عنده عتاد، لايقصر عن الحق، ولايجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة).
قال سلام الله عليه فسألته عن مجلسه: فقال سلام الله عليه : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله لايجلس، ولايقوم إلاّ على ذكر الله جلّ اسمه، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كلاً من جلسائه نصيبه، حتى لايحسب جليسه ان أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة، صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة، لم يرد إلاّ بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فكان لهم أباً، وصاروا عنده في الحق سواء.
مجلسه، مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لاترفع فيه الأصوات، ولايوهن فيه الحرم، ولاتثنى فلتاته، متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى، متواضعون، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب).
ويقول الحسين سلام الله عليه نقلاً عن أبيه أمير المؤمنين سلام الله عليه: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظّ ولاغليظ، ولاصَخّاب، ولافحّاش، ولاعيّاب، ولامدّاح، يتغافل عمّا لايشتهي، فلايؤنس منه ولايخيب فيه مؤمّليه، قد ترك نفسه من ثلاث، المراء، والاكثار، وممّا لايعنيه.
وترك الناس من ثلاث: كان لايذم أحداً ولايعيّره، ولايطلب عورته، ولا يتكلّم إلاّ فيما يرجو ثوابه، إذا تكلّم أطرق جلسائه كأنّما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلّموا، ولايتنازعون عنده الحديث، متى تكلّم أنصتوا له حتّى يفرغ، حديثهم عنده أوّلهم، يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه، يصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى ان كان أصحابه ليستجلبونهم.
ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه، ولاقبل الثناء إلاّ من مكافئ، ولايقطع على أحد حديثه حتّى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام).
عن زيد بن ثابت قال: (انّ النّبيّ صلى الله عليه وآله كنّا إذا جلسنا إليه، ان إخذنا بحديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وان أخذنا في الدُّنيا أخذ معنا، وان أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا).
(ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يداعب الرجل يريد أن يسرّه).
وعن عليّ سلام الله عليه: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليسرّ الرّجل من أصحابه إذا رآه مغموماً بالمداعبة).
عن أنس قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وآله مرّ على صبيان فسلّم عليهم).
وعن أسماء بنت زيد قالت: (إنّ النبي مرّ بنسوة فسلّم عليهن).
(كان صلى الله عليه وآله لايدعوه أحد من أصحابه وغيرهم إلاّ قال: لبيك).
(ولقد كان يدعو أصحابه بكناهم إكراماً لهم واستمالة لقلوبهم، ويكنّي من لم يكن له كنية، فكان يدعى بما كنّاه له ويكنّي أيضاً النساء اللّواتي لهن أولاد، واللاّتي لم يلدن، ويكنّي الصبيان فيستلين به قلوبهم).
(وكان رسول الله صلى الله عليه وآله من أشدّ الناس لطفاً، والله ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد، ولا من أمة ولاصبي، أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه، وما سأله سائل قطّ إلاّ أصغى إليه أذنه، فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وما تناول أحد بيده إلاّ ناوله إيّاها).
 

تواضعه صلى الله عليه وآله
 

عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويحلب الشاة، ويجيب دعوة الحرّ والعبد ولو على ذراع أو كراع).
وعن أبي عبدالله سلام الله عليه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل منزلاً قعد أدنى المجلس).
وسألت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وآله يعمل إذا خلا؟
قالت: (يخيّط ثوبه، ويخصف نعله، ويصنع ما يصنع الرّجل في أهله).
وكان صلى الله عليه وآله يقول: (خمس لا أدعهن حتّى الممات: الأكل على الحضيض مع العبيد، وركوبي الحمار مؤكفاً، وحلبي العنز بيدي، ولبس الصوف والتسليم على الصبيان، لتكون سنّة من بعدي).
وعن الامام الحسن سلام الله عليه في حديث له حول أخلاق رسول صلى الله عليه وآله قال: (لا والله ما كان يغلق دونه الأبواب، ولايقوم دونه الحجّاب، ولايغدي عليه بالجفان ولايراح عليه بها... ولكنّه كان بارزاً، من أراد أن يلقى نبيّ الله لقيه، كان يجلس بالأرض، ويوضع طعامه بالأرض، ويلبس الغليظ، ويركب الحمار، ويردف بعده، ويعلق وريده صلى الله عليه وآله).
وعن ابن أبي أوفى قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله لايأنف ولايستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته).
وعن الامام الصادق سلام الله عليه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أمرني ربّي بسبع خصال: حبّ المساكين والدنوّ منهم، وأن أكثر من قول لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وأن أصل رحمي وإن قطعني، وأن أنظر إلى من هو أسفل منّي، ولاأنظر إلى من هو فوقي، وأن لا يأخذني في الله لومة لائم، وأن أقول الحق وإن كان مرّاً، وأن لاأسأل أحد شيئاً).
وعن أنس بن مالك قال: (ما كان شخص أحبّ إليهم – يعني أصحابه – من رسول الله صلى الله عليه وآله وكانوا إذا رأوه لم يقوموا، لما يعلمون من كراهيته لذلك).
 

النبي صلى الله عليه وآله عنوان الحبّ والبركة
 

(وإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأن على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلّموا ولا يتنازعون عنده الحديث).
ولقد وصف عروة بن مسعود الثقفي شدّة حبّ المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وآله وتفانيهم فيه، وطاعتهم له – حين أوفدته قريش إليه في مسألة الحديبية – فقال مخاطباً قريشاً: (أي قوم، والله، لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله محمّداً صلى الله عليه وآله، إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له).
وعن أنس بن مالك قال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله والحلاّق يحلقه، وأطاف به أصحابه، فما يريدون أن يقع شعره إلاّ في يد رجل).
وعن الامام الرضا سلام الله عليه قال: (سمعت أبي يحدّث عن أبيه عن جدّه سلام الله عليه عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله في قبّة من آدم، وقد رأيت بلالاً الحبشي، وقد خرج من عنده، ومعه فضل وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فابتدره الناس، فمن أصاب منه شيئاً تمسّح به وجهه، ومن لم يصب منه شيئاً أخذ من يدي صاحبه، فمسح به وجهه).
قال أنس بن مالك: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وآله سنين، فما سبّني قطّ، ولاضربني ضربة، ولا انتهرني، ولا عبس في وجهي، ولاأمرني بأمرفتوانيت فيه، فعاتبني عليه، فإن عاتبني عليه أحد من أهله، قال: دعوه، فلو قدر شيء كان).
وعن عائشة قالت: (ما ضرب النبيّ صلى الله عليه وآله إمرأة قطّ، ولا ضرب خادماً قطّ، ولاضرب بيده شيئاً قطّ، إلاّ أن يجاهد في سبيل الله عزوجل ولانيل منه، فانتقم من صاحبه، إلاّ أن تنتهك محارمه فينتقم).
وعن الامام الحسن سلام الله عليه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله لاتغضبه الدُّنيا، وماكان منها، فإذا تعدّى الحق لم يقم لغضبه شيء، حتّى ينتصر له ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها).
 

حلمه وعفوه صلى الله عليه وآله
 

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: (إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله جعل يقبض للناس يوم حنين من فضّة في ثوب بلال، فقال له رجل: يا نبيّ الله أعدل. فقال النبي صلى الله عليه وآله ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل؟ فقد خبت إذن وخسرت إن كنت لاأعدل.
فقام عمر: الا أضرب عنقه فإنّه منافق؟
فقال صلى الله عليه وآله: معاذ الله أن يتحدّث الناس أنّي أقتل أصحابي).
وعن أنس قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وآله قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثمّ قال: يا محمّد صلى الله عليه وآله، مر لي من مال الله الذي عندك.
فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وآله ثمّ ضحك، ثمّ أمر له بعطاء).
وقيل له في القتال: ادع الله على المشركين.
فقال صلى الله عليه وآله: (انّما بعثت رحمة مهداة، لم أبعث لعّاناً).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (أوصانى ربّي بسبع: أوصاني بالاخلاص في السرّ والعلانية، وأن أعفو عمّن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكراً، ونظري عبراً).
ولمّا رحل عن ثقيف بعد أن ذاق منهم الهوان والعذاب، قال له رجل من أصحابه: يا رسول الله ادع عليهم. فقال صلى الله عليه وآله: اللّهمّ أهد ثقيفاً وأت بهم.
 

صموده صلى الله عليه وآله
 

وكان صلى الله عليه وآله يحرّض المسلمين السابقين على المواجهة والتزام الحق، فيقول: (قد كان من قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه، من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشقّ باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتم الله هذا الأمر، حتّى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلاّ الله عزوجلّ، والذئب على غنمه، ولكنّكم تستعجلون).
كما كان له صلى الله عليه وآله صمود واستقامة إلى أبعد حدّ، مثلاً لمّا بلَّغه أبو طالب سلام الله عليه ما تبيّته قريش له ولبني هاشم جمعاء، فقال صلى الله عليه وآله :« يا عمّاه لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر، حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته».
وحين زار الطائف ووجه بأكثر الأساليب لؤماً، فقد أغرى أهلها به الصبيان، والعبيد فصاروا يرمونه بالحجارة، حتى أصبح لايرفع رجلاً ولايضع اُخرى إلاّ على حجر، فشجوا رأسه وأدموا جسده الشريف).
لكنّه لم يزد على الدّعاء والضراعة إليه سبحانه قائلاً: (اللّهمّ إنّي أشكو إليك ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدوّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أُبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي).
ولقد كانت أكثر أيّامه عسراً وشدّة، معركة اُحد والأحزاب، ففي أُحد إنهزم المسلمون أمام قوى الشرك بعد عصيانهم لأمر الرّسول صلى الله عليه وآله ولم يبق في قلب المعركة غير رسول الله صلى الله عليه وآله وعليّ سلام الله عليه، وبعض المخلصين من الصحابة، فأُصيب الرّسول صلى الله عليه وآله إصابات بالغة، كسر بسبببها أنفه، وشجّ وجهه، فتفجّر دمه غزيراً، حتى أُشيع نبأ وفاته، ولكنّه مع ذلك ظلّ صادماً حتّى أطفأ الله الفتنة.
وفي غزوة الأحزاب: بلغ الضيق بالمؤمنين كلّ مبلغ، وقد حكى القرآن الكريم ذلك الكرب العظيم: « إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً).
فقد كان المسلمون معرّضين للفناء من لدن جيش الأحزاب الذي حاصر المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يشهد كلّ ذلك، فهو خطب ينهزم أمامه صبر الرّجال العظام.
لكن رسول الله صلى الله عليه وآله ظلّ طوال تلك المحنة صامداً متفائلاً بالنصر يشمخ بصموده فوق المحنة، فيبثّ الأمل في نفوس المؤمنين، ويرفع من معنوياتهم، ويشدّ من أزرهم، ويعزّز ثقتهم بالله الكبير المتعال، ويخطط لمواجهة الموقف بكل اتزان وحزم وعزم، حتى نصر الله عبده ورسوله وهزم الأحزاب وحده.
 

زهده صلى الله عليه وآله
 

وكان صلى الله عليه وآله مثالاً أعلى للزهد، فعن ابن عبّاس، قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله دخل عليه عمر، وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا نبيّ الله لو اتخذت فراشاً!
فقال صلى الله عليه وآله: (مالي وللدّنيا، وما مثلي ومثل الدّنيا إلاّ كراكب سار في يوم صائف، فاستظلّ تحت شجرة ساعة من نهار، ثمّ راح وتركها).
وعن ابن عبّاس، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يبيت الليالي المتتابعات طاوياً وأهله لايجدون شيئاً، وكان أكثر خبزهم شعير).
وعن أنس بن مالك: جاءت فاطمة سلامه الله عليها بكسرة خبز إلى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: ما هذه يا فاطمة؟ قالت: قرص خبزته، فلم تطب نفسي حتّى آتيك بهذه الكسرة.
فقال صلى الله عليه وآله: (أما إنّه أوّل طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاثة).
وعن عائشة، قالت: (إنّما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وآله الذي ينام عليه من أَدَمْ حشوه ليف).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله من أصبر الصابرين في كلّ شأن يحتاج إلى الصبر، وقد قال سبحانه: «وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. واصبر وما صبرك إلاّ بالله ولاتحزن عليهم ولا تكن في ضيق ممّا يمكرون».
وكان صلى الله عليه وآله ينام على حصير ليس تحته شيء غيره، وكان يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته ويجلس مع العبد ويركب على الحمار ويردفه ولايمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع.
 

رأفته ورحمته صلى الله عليه وآله
 

كما كان صلى الله عليه وآله مثال الرحمة والرأفة: (إن النبي صلى الله عليه وآله كان يسمع بكاء الصبي، وهو في الصلاة، فيخفف الصلاة فتصير إليه اُمّه.
فقيل: يا رسول الله، خففت هذه الصلاة اليوم؟
فقال صلى الله عليه وآله: (إنّي سمعت بكاء صبي، فخشيت أن يفتن أُمّه).
وعن ميسرة بن معبد قال: انّ رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، انّا كنّا أهل جاهلية، وعبادة أوثان، وكنّا نقتل الأولاد، وكانت عندي بنت، وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها فدعوتها يوماً، فاتبعتني فمررت حتى أتيت بئراً من أهلي غير بعيد، فأخذت بيدها، فوريتها – أخفيتها – في البئر، وكان آخر عهدي بها أن تقول: يا أبتاه، يا أبتاه، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى كفّ دمع عينيه).
وكانت رأفته تعمّ الحيوانات أيضاً، قال عبدالرحمن بن عبدالله: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر، فرأينا حمرة – طائر كالعصفور – معها فرخان لها، فأخذناهما ، فجاءت الحمرة ترعش – ترفرف – فلمّا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (من فجع هذه بولدها؟ ردّوا ولدها إليها).
وقد قال أحد المسيحيين انّ من أسباب التفاف الناس حول الرسول صلى الله عليه وآله من أوّل يوم وإلى هذا اليوم إنّه كان فيه ثلاث خصال:
الاُولى: وفائه، فقد كان أصحابه ساعة موته هم أصحابه من أوّل يوم البعثة في مكّة.
الثانية: انّه كان يعيش في بساطة وزهد من أوّل يومه إلى يوم موته ، مع انّه صار حاكمً كبيراً تتدفّق إليه الأموال.
الثالثة: انّه كان شعبياً إلى أبعد حد، فكان كأحد الناس لايترفّع عليهم.
 

شجاعته صلى الله عليه وآله
 

قال أمير المؤمنين سلام الله عليه: «كنّا إذا احمّر البأس إتّقينا برسول الله صلى الله عليه وآله، فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه».
وقال سلام الله عليه أيضاً: «خاض إلى رضوان الله كل غمرة، وتجرّع فيه كل غصّة، وقد تلوّن له الأدنون وتألّب عليه الأقصون، وخلعت إليه العرب أعنّتها، وضربت إلى محاربته بطون رواحلها حتّى أنزلت بساحته عداوتها من أبعد الدار وأسحق المزار».
وقال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وآله أشجع الناس وأحسن الناس وأجود الناس، وقال: (ذات مرّة) فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قِبَلَ الصوت، (يريدون أن يتعرّفوا الخبر) فتلقّاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد سبقهم وهو يقول: لم تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة وفي عنقه السيف، قال: فجعل صلى الله عليه وآله يقول: لم تراعوا (أي لا تخافوا) وجدناه بحراً، أو إنّه لبحر.
وقال صلى الله عليه وآله: « إن الله يحبّ ... والشجاعة ولو على قتل حيّة».
 

روائع من سيرته صلى الله عليه وآله
 

قال أمير المؤمنين سلام الله عليه يصف النبيّ صلى الله عليه وآله: «كان أجود الناس كفّاً ، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من خالطه فعرفه أحبّه...».
وقال سلام الله عليه: « ... كان عليه الصّلاة والسّلام أشفق الناس على الناس، وأرأف الناس بالناس...».
وقال سلام الله عليه: «ما صافح رسول الله صلى الله عليه وآله أحداً قطّ فنزع يده من يده، حتّى يكون هو (الرجل) الذي ينزع يده، وما فاوضه أحد قطّ في حاجة أو حديث فانصرف حتّى يكون الرجل هو الذي ينصرف. وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت، وما رؤي مقدّماً رجله بين يدي جليس له قطّ، وما ردّ سائل حاجة قطّ إلاّ أتى بها أو بميسور من القول ... وكان نظره اللحظ بعينه، وكان لايكلّم أحداً بشيء يكرهه، ... وكان لايذمّ ذواقاً (طعاماً) ولايمدحه...».
وقال الإمام الصادق سلام الله عليه: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسّم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسّويّة».
وعن أبي الدرداء قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا حدّث بحديث تبسَّم في حديثه».
وعن أنس بن مالك قال: « وما قعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله رجل قطّ فقام حتّى يقوم».
وعنه أيضاً قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة إيّام سأل عنه، فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده».
«ولم يكن له صلى الله عليه وآله خائنة الأعين».
ونُقل عنه انّه صلى الله عليه وآله كان: «... لايجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، وكان (إكثر الناس تبسّماً ما لم ينزل عليه قرآن ولم تجر عظة، وربّما ضحك من غير قهقهة، ... ولايأتيه أحد حرّاً وعبداً وأمة إلاّقام معه في حاجته، لافظّ ولاغليظ، ولاصخّاب في الأسواق، ولايجزي بالسيّئة السيّئة، ولكن يغفر ويصفح، ويبدأ من لقيه بالسلام، ومن رامه بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف... وإذا لقي مسلماً بدأه بالمصافحة...».
«وما ذم رسول الله صلى الله عليه وآله طعاماً قطّ، وكان إذا أعجبه أكله، وإذا كرهه تركه...».
وذات مرّة كان ليهودي ديْنٌ على رسول الله صلى الله عليه وآله فجاءه ليتقاضى الدين، فقال له صلى الله عليه وآله: « يا يهوديّ ما عندي ما أُعطيك.
فقال اليهودي: فإنّي لااُفارقك يا محمّد حتى تقضيني، فقال:
إذاً أجلس معك، فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يتهدّدونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله اليهم فقال:
ما الذي تصنعون به؟
فقالوا : يا رسول الله يهودي يحبسك ؟
فقال صلى الله عليه وآله: لم يبعثني ربّي عزّوجلّ بأن أظلم معاهداً ولاغيره.
فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله ، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلاّ لأَنظر إلى نعتك في التوراة، فإنّي قرأت نعتك في التوراة: محمّد بن عبدالله مولده بمكّة مهاجره بطيبة، وليس بفظّ ولاغليظ ولاصخّاب ولامتزيّن بالفحش ، ولا قول الخناء ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال».
وذات مرّة جاء جرير بن عبدالله البجلي إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مكتظّ فلم يجد مكاناً، « فقعد خارج البيت، فأبصره النبيّ صلى الله عليه وآله فأخذ ثوبه فلفّه فرمى به إليه، وقال : إجلس على هذا، فأخذه جرير فوضعه على وجهه فقبّله».
ويُنقل عنه صلى الله عليه وآله انّه كان: «يجيب دعوة الحرّ والعبد ولو على ذراع أو كراع، ويقبل الهدية ولو أنّها جرعة لبن...، ولايثبت بصره في وجه أحد، يغضب لربّه ولا يغضب لنفسه، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ... ويشيّع الجنائز، ويعود المرضى في أقصى المدينة، يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده، ... يقبل معذرة المعتذر إليه،... لايرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا في ملبس،... ولايتقدّمه مطرق، ولايجلس متكئاً...».
وعن أنس بن مالك قال: خدمت النبيّ صلى الله عليه وآله تسع سنين فما اعلمه قال لي قط: هلاّ فعلت كذا وكذا، ولاعاب عليَّ شيئاً قطّ.
وعنه أيضاً: صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله عشر سنين وشممت العطركلّه فلم أشم نكهة أطيب من نكهته، وكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه ، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول بيده ناولها إيّاه فلم ينزع عنه حتّى يكون الرجل هو الذي ينزع عنه، وما أخرج ركبتيه بين يدي جليس له قطّ...».
وروي عن الامام الكاظم سلام الله عليه أنّه قال:« ... إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتيه الأعرابي فيهدي له الهديّة ثم يقول مكانه: أعطنا ثم هديتنا فيضحك رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان إذا اغتمَّ يقول: ما فعل الاعرابي ليته أتانا».
وذات مرّة جاء إليه رجل فقال له: إحملني يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله : إنّا حاملوك على ولد ناقة، فقال: ما أصنع بولد ناقة؟ قال صلى الله عليه وآله : وهل يلد الإبل إلاّ النوق.
وقال صلى الله عليه وآله ذات مرّة لإمرأه ذكرت زوجها : أهذا الذي في عينه بياض؟
فقالت: لا، ما بعينه بياض.
وحكت لزوجها، فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادها؟
وقالت عجوز من الأنصار للنبيّ صلى الله عليه وآله : ادع لي بالجنّة . فقال صلى الله عليه وآله:
إنّ الجنّة لايدخلها العجز.
فبكت المرأة ، فضحك النبي صلى الله عليه وآله وقال:
أما سمعت قول الله تعالى:
« إنّا أنشأناهنّ إنشاءاً فجعلناهنّ أبكاراً عُرباً أتراباً».
وعن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله حييّاً (كثير الحياء ) لايُسأل شيئاً إلاّ أعطاه.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لايبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئاً، فإنّي أُحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر.
وعن أبي سعيد الخدري قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله أشدّ حياءاً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه».

 

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم