الحسن العسكري سلام الله عليه صاحب الدلائل والآيات والمعجزات

الامام أبو محمد الحسن العسكري سلام الله عليه هو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت سلام الله عليهم الذين حملوا رسالة الإسلام، وتبنوا أهداف الدين الحفيف ووهبوا حياتهم في سبيله، ووطّنوا أنفسهم لمواجهة الكوارث وتحدي الصعاب والشدائد من أجل نشر قيمه وأهدافه، فما أعظم عائداتهم عليه، وما أكثر ألطافهم وأياديهم على المسلمين.

لقد كان هذا الإمام العظيم فذاً من أفذاذ العقل البشري بمواهبه وطاقاته الثقافية وئالعلمية، كما كان بطلاً من أبطال التاريخ، وذلك بصموده أمام الأحداث، وبإرادته الصلبة تجاه الحكم العباسي المنحرف، فقد عارض الإمام ذلك النظام الفاسد، وسعى إلى تحقيق الحق والعدل بين الناس.
 

اسمه الشريف: الحسن.

وقد سمّاه أبوه الامام علي الهادي سلام الله عليه ب (الحسن) وحقاً إنه من أحلى الأسماء، وهو كإسم عمّه الأعلى سيد شباب أهل الجنة، وريحانة رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله الإمام الحسن المجتبى ابن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليهما، وقد سمّاه الله عزوجل بهذا الإسم.

كنيته الشريفة: أبو محمد.

وكنّي الإمام العسكري بأبي محمد و هو اسم ولده الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف المصلح والمنقذ الأعظم للبشرية، وهو أمل المحرومين والمستضعفين في الأرض.

ألقابه الكريمة:

أما ألقابه فهي تحكي ما اتصف به من النزعات العظيمة، والصفات الشريفة وهي:
1. الخالص. فقد كان خالصاً من كل دنس، ومنزهاً عن كل عيب.
2. الهادي. وقد كان علماً لهداية الناس وإرشادهم إلى طرق الخير.
3. العسكري: ولقب بذلك للبلد الذي كان يقطنه وهو سامراء، فقد كانت ثكنة عسكرية، ومن الجدير بالذكر أن هذا اللقب إذا أطلق فإنه ينصرف إلى الإمام الحسن لا إلى إبيه حسب ما نصَّ عليه بعض المؤرخين.
4. الزكي: وهو أزكى إنسان في عصره، فقد زكا نفسه، ونماها في فعل الخيرات.
5. الخاص: وقد خصه الله بالفضائل واستجابة الدعاء.
6. الصامت: وكان صامتاً لا ينطق إلا بالحكمة والعلم وذكر الله.
7. السراج: لقد كان سراجاً يضيء معالم الطريق، ويهدي الحائرين والضالين إلى التقى والصلاح.
8. التقي: وهو أتقى إنسان في عصره، وأشد الناس تمسكاً بالدين واعتصاماً بالله.
 

نسبه الساطع الطاهر

ابن الامام علي الهادي بن الامام محمد الجواد بن الامام الرضا بن الامام موسى الكاظم بن الامام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر بن الامام علي السجاد بن الامام الحسين الشهيد بن الامام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قادة الاُمم وأولياء النعم، وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار، وساسة العباد وأركان البلاد، وأبواب الإيمان واُمناء الرحمن، وسلالة النبيين وصفوة المرسلين وعترة خيرة رب العالمين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

ميلاده

ولد إمامنا الحسن العسكري سلام الله عليه في يوم الثامن من ربيع الثاني سنة 232 هجرية في مدينة سامراء.
وقد أشرقت الدنيا بمولود سليل خاتم النبوة، وبقية الإمامة الزكي أبي محمد، وازدهرت سامراء بهذا المولود العظيم الذي كان إمتداداً لحياة آبائه الذين أضاءوا الحياة الفكرية في دنيا الاسلام. وقد عمَّت البهجة والأفراح الأسرة النبوية فقد علموا أنه الإمام والحجة بعد أبيه حسب ما أخبرهم بذلك الامام علي الهادي سلام الله عليه.

مراسيم المولادة

وسارع الامام الهادي سلام الله عليه حينما بُشّر بوليده المبارك فأجرى عليه مراسم الولادة الشرعية فأذَّن في اُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى. وقد إستقبل الحياة بهذا النشيد المقدس الذي هو قبس من نور الله إنه:
«الله اكبر» «لا إله إله الله».
وفي اليوم السابع من ولادته بادر الامام الهادي سلام الله عليه فحلق رأس وليده، وتصدَّق بزنته فضة أو ذهباً على المساكين كما عَقَّ عنه بكبش، عملاً بالسُنة الاسلامية التي ندبت الى ذلك، وجعلته حقاً للمولود على أبيه.
 

الاُم الطاهرة

أما اُمه الكريمة فكانت أفضل نساء عصرها، من السيدات الزاكيات، في عفّتها، وورعها وطهارتها، وكانت من العارفات الصالحات، وقد إثنى عليها الامام علي الهادي سلام الله عليه ثناءً عاطراً وأشاد بمكانتها، وسموّ منزلتها، فقال:
«سليل _ وهو إسمها _ مسلولة من الآفات، والأرجاس، والأنجاس».
وكفى بها فخراً وشرفاً، أنها لم تلوَّث بالأرجاس والأدناس، ولابما يشين المرأة وينقصها في شرفها وعفّتها، وهي ام ولد نوبية (منطقة في جنوب مصر)، ولا يضرّ في سمو منزلتها أنها ام ولد، فإن الإنسان _ في الاسلام _ إنما يسمو بهديه وتقواه وصلاحه، وينحط بضلاله، وإنحرافه عن الطريق القويم. وليس علو النسب أو إنخفاضه، بل ولا الكرسي، ولا المال، ولاغيرها من الشؤون الإعتبارية التي يؤول أمرها الى التراب مما ترفع شأن الإنسان أو تعلي مركزه عنه الله تعالى.
 

الإمامة

أما الأمامة فأنها القاعدة الصلبة للتطور السياسي والاجتماعي في الإسلام. وهي من أهم الركائز التي تبتني عليها حضارة الإنسان وأمنه ورخاؤه، وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، إنها هي التي توفر له الحياة الكريمة التي ينعم في ظلالها، وتنعدم فيها جميع الفوارق العرقية والطبيعية، وإنها الإمتياز في الاسلام بمقدار ما يسديه الإنسان من الخدمات الاجتماعية للأمة، وبما يقرّبه إلى الله زلفى.
الإمامة _ بمعناها الصحيح _ لطف من ألطاف الله، ونفحة من رحماته، نتحدث عنها بإيجاز.
أولاً: إن من يتصدى لهذا المنصب الخطير لا بد أن تتوفر فيه الصفات الرفيعة، والتي منها ما يلي:
أ _ الإحاطة التامة بأحكام الدين وشؤون الشريعة لتكون تصرفاته السياسية على ضوئها.
ب- علم ما تحتاج إليه الأمة في شؤونها الإدارية.
ج- الدراية التامة بالوسائل التي تحقق التنمية الاقتصادية للأمة.
د- نكران الذات، ومعاملة القريب والبعيد على حد سواء فقد عامل الإمام أمير المؤمنين رائد العدالة الاجتماعية في الأرض الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وآله كبقية أبناء شعبه فلم يؤثرهما بأي شيء من متع الدنيا ورغباتها.
هـ - الشجاعة في تنفيذ الخطط الإسلامية التي تتصادم مع النفعيين والانتهازيين وذوي الأطماع.
إن الشجاعة عنصر أساسي في الإمام فإنه إذا كان جباناً فإنه يعرض الأمة للأزمات و الأخطار.
و - أن يملك الإمام رصيداً من التقوى والإيمان يمنعه من اقتراف أي ذنب.
ثانياً: إن الواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتق الإمام تنحصر في ما يلي:
أ - نشر الإيمان بالله الذي تبتني عليه قوى الخير والسلام في الأرض فإنه لم يكن هناك عامل أقوى من ضبط سلوك الإنسان، ومنعه من الاعتداء على غيره سوى الإيمان بالله.
ب- نشر الوعي العلمي والثقافي، والقضاء التام على الجهل الذي يعتبره الإسلام الأداة المدمرة لحياة الشعوب.
ج- العمل على ازدهار الاقتصاد العام لتنجو الأمة من ويلات الفقر وكوارث البؤس.
د- توفير الأمن والاستقرار لجميع أبناء المجتمع.
هـ - القضاء على جميع ألوان العنصريات وسائر العوامل المؤدية إلى تفكك المجتمع وانحلاله.
و- إيجاد مجتمع متطور تسوده المحبة والألفة والرخاء.
ز- توفير الحريات العامة لأبناء المجتمع، ونعني بها حرية العقيدة والقول والعمل، وهذه الحريات من أهم الحقوق الشعبية التي يجب على الإمام توفيرها للناس.
ح- تحقيق المساواة العادلة بين أبناء المجتمع، والقضاء على جميع ألوان المحسوبيات التي تؤدي إلى الغبن، ونشر التذمر بين أبناء الأمة.
هذه بعض المسؤوليات والواجبات التي يسأل الإمام عن تنفيذها وتحقيقها بين الناس.
ثالثاً: إن الشيعة قد آمنت بأئمة أهل البيت عليهم السلام، واعتبرت ذلك جزءاً من حياتها العقائدية، والسبب في ذلك ما يلي:

1. النصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله في لزوم اتباع أهل البيت، وجعلهم كالكتاب العظيم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، قال صلى الله عليه آله: «إني تارك فيكم، ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما، أعظم من الآخر: كتاب الله: حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما». ويدل هذا الحديث دلالة صريحة، واضحة على حصر الإمامة في أهل البيت عليهم السلام، وعلى عصمتهم من الآثام لأن النبي صلى الله عليه وآله قرنهم بكتاب الله العظيم، ومن الطبيعي أن أي انحراف منهم عن الدين يعتبر افتراقاً عن الكتاب العزيز وقد صرح النبي صلى الله عليه وآله بعدم افتراقهما حتى يردا عليه الحوض.
وقال صلى الله عليه وآله: «أنما مثلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له..».
وفي هذا الحديث الشريف دعوة ملزمة إلى التمسك بالعترة الطاهرة فإنه ضمان للنجاة والسلامة، والبعد عنهم ضلالة وغواية، يقول الإمام شرف الدين: وأنت تعلم إن المراد من تشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح أن من لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه وأصوله عن أئمته نجا من عذاب النار، ومن تخلف عنهم كان كمن أوى «يوم الطوفان» إلى جبل ليعصمه من أمر الله، غير أن ذاك غرق في الماء، وهذا في الحميم _ والعياذ بالله _ والوجه في تشبيههم عليهم السلام بباب حطة هو أن الله تعالى جعل ذلك الباب مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله والبخوع لحكمه، وبهذا كان سبباً للمغفرة، هذا وجه الشبه، وقد حاول ابن حجر إذ قال: بعد أن أورد هذه الأحاديث وغيرها من أمثالها ووجه تشبيههم بالسفينة، إن من أحبهم وعظمهم شكراً لنعمة شرفهم، وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، وهلك في مفاوز الطغيان، إلى أن قال: «وباب حطة _ يعني ووجه تشبيههم بباب حطة _ أن الله جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحا أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفارسبباً للمغفرة، وجعل لهذه الأمة مودة أهل البيت سبباً لها...
وكثير من أمثال هذه الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله في لزوم مودة الائمة الطاهرين، وقد رواها الحفاظ والثقات ودونتها الصحاح، وليس لها معارض، ولا ناسخ _ إن صح هذا التعبير _ وقد آمنت بها الشيعة لأنها حجة يجب التعبد بها.

2. إن الشيعة إنما دانت بالولاء لأئمة أهل البيت عليهم السلام لأنهم نسخة من الشرف والكرامة لا ثاني لهم في تاريخ الإنسانية على امتداد التاريخ، فليس أحد في العالم الإسلامي يشابههم في هديهم وسلوكهم والتزامهم بحرفية الإسلام، يقول الكميت شاعر الإسلام فيهم:

القريبين من ندى والبعـيدين

 من الجور في عرى الأحكام

والمصيـبين باب ما اخطأ النا

س ومرسى قواعد الإسـلام

والحماة الكفاة في الحرب

 إن لف ضرام وقـوده بضـرام

والغلـيوث الذين إن أمحل

الناس فمأوى حواضن الأيتام

والولاة الكفاة للأمر إن طر

وق أتتنا بمجهـض أو تمـام

والأساة الشـفاة للداء ذي

الريـبة والمدركين بالأوغـام

ويأخذ الكميت في وصفهم، وبيان مآثرهم التي شاهدها فيقول:
 

راجحي الوزن كاملي العدل في

السيرة ملبين بالأمور العظام

فضلوا الناس في الحديث حديثاً

وقـديماً في أول القـدام

والكميت من أصدق الناس حديثاً، ومن أكثرهم تحرجاً في الدين، فهو لم يضف على أهل البيت عليهم السلام هذه النعوت الكريمة والأوصاف العظيمة إلا بعد أن اتصل بهم اتصالاً وثيقاً فرأى من فضائلهم ومآثرهم ما ملأ نفسه إعجاباً وإكباراً، فهام في حبهم، ونظم فيهم هاشمياته التي هي من مناجم الأدب العربي ومن ذخائر الفكر الإسلامي.
وعلى أي حال فإن إيمان الشيعة بأهل البيت عليهم السلام لم يكن منبعثاً عن هوى أو عاطفة، وإنما كان منبعثاً عن وعي أصيل ودراسة جادة لواقعهم المشرف.
3. إن الشيعة لم تؤمن بإمامة ملوك الأمويين والعباسيين، وذلك لأفلاس أكثرهم من القيم الأخلاقية والإنسانية، فقد عانت الأمة في ظلال حكمهم ألواناً رهيبة من الظلم والجور، ونهب ثروات الأمة، وإنفاقها بسخاء على شهواتهم وملاذهم، وإشاعة الفسق والفجور بين المسلمين، ومن ثم قامت الشيعة، وغيرهم بثورات مسلحة ضدهم من أجل إقامة العدل بين الناس... وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الإمامة.
 

النصّ على إمامته

1. روى علي بن عمر النوفلي، قال: كنت مع أبي الحسن (الهادي) سلام الله عليه في صحن داره، فمرّ بنا محمد إبنه _ وهو أبو جعفر _ فقلت له: جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك (أي الامام من بعدك)؟
فقال له (الامام الهادي):
«صاحبكم بعدي الحسن».
2. روى داود بن القاسم، قال: سمعت أبا الحسن (الهادي) سلام الله عليه يقول:
«الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟» فقلت: ولم جعلني الله فداك ؟
فقال: «إنكم لاترون شخصه، ولا يحلّ لكم ذكره بإسمه ». فقلت: فكيف نذكره ؟ فقال «قولوا: الحجة من آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين».
3. روى أبو بكر الفهنكي قال: كتب إليّ أبو الحسن سلام الله عليه:
«أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة، وأوثقهم حجة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه تنتهي عرى الإمامة، وأحكامها، فما كنت سائلي فسله عنه فعنده ما يحتاج إليه».
4. روى الصقر بن دلف قال: سمعت علي بن محمد بن علي الرضا سلام الله عليهم يقول: «الإمام بعدي الحسن، وبعد الحسن إبنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً...».
 

نشأته

نشأ الإمام أبو محمد عليه السلام في بيت الهداية، ومركز الإمامة، والمرجعية العامة للمسلمين، ذلك البيت الرفيع الذي أذهب الله عن أهله الرجس، وطهرهم تطهيراً... يقول الشبراوي في البيت الذي نشأ فيه الإمام وترعرع: «فلله در هذا البيت الشريف، والنسب الخضم المنيف، وناهيك به من فخار، وحسبك فيه من علو مقدار، فهم جميعاً في كرم الأرومة، وطيب الجرثومة كأسنان المشط متعادلون، ولسهام المجد مقتسمون، فيا له من بيت عالي الرتبة، فلقد طاول السماء علاً ونبلاً وسما على الفرقدين منزلة ومحلاً، واستغرق صفات الكمال فلا يستثنى فيه ب «غير»، ولا ب «الاَّ»، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة انتظام اللآلي، وتناسقوا في الشرف فاستوى الأول والتالي، وكم أجتهد قوم في خفض منارهم، والله يرفعه، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم، والله يجمعه، وكم ضيعوا من حقوقهم، ما لا يهمله الله ولايضيعه..».
لقد أكدت البحوث التربوية على أن للبيت أثراً في تكوين سلوك الإنسان وبناء شخصيته، وإن ما يشاهده في جو بيته من صور صحيحة أو فاسدة تنطبع في أعماق نفسه، وتظل ملازمة له طوال حياته، وعلى ضوء ذلك فقد ظفر الإمام أبو محمد عليه السلام بأسمى صور التربية الرفيعة فقد تربى وترعرع في بيت زكاه الله، وأعلى ذكره، ورفع شأنه. ذلك البيت الذي رفع كلمة الله عالية في الأرض، وقدم القرابين الغالية في سبيل الإسلام.
لقد نشأ الإمام الزكي إبو محمد في بيت القرآن، ومركز الإسلام، وكان أبوه الإمام علي الهادي عملاق هذه الأمة يغذيه بهديه، ويفيض عليه بمثله ليكون امتداداً ذاتياً لرسالة الإسلام.
 

الخشية من الله:

الظاهرة المتميزة في طفولة الإمام الحسن عليه السلام الخشية من الله تعالى، فقد كان خائفاً وجلاً منه. روى المؤرخون أن شخصاً مَرَّ به، وهو واقف مع أترابه من الصبيان، يبكي، فظن ذلك الشخص أن هذا الصغير يبكي متحسراً على ما في أيدي أترابه ولذا فهولا يشاركهم لعبهم، فقال له: اشتري لك ما تلعب به. فرد عليه:
- «لا، ما للعب خلقنا !..».
- وبهر الرجل فقال له: «لماذا خلقنا؟..».
- «للعلم والعبادة».
- «من أين لك هذا ؟ ».
- «من قوله تعالى: «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً».
وبهت الرجل، ووقف حائراً، وانطلق يقول له: «ما نزل بك، وأنت صغير لا ذنب لك !!؟».
- «إليك عني، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار، فلا تتقد إلا بالصغار، وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنم...».
لقد كان الإيمان بالله تعالى عنصراً من عناصره، ومقوماً من مقوماته، فلم يَخشَ إلا الله، ولم يخف إلاَّه، وظلت هذه الظاهرة ملازمة له طوال حياته.
 

مع أبيه:

وقطع الإمام الزكي أبو محمد عليه السلام شوطاً من حياته مع أبيه الإمام الهادي عليه السلام لم يفارقه في حله وترحاله، وكان يرى فيه صورة صادقة لأخلاق جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله التي امتاز بها على سائر النبيين كما كان يرى فيه ذاتيات آبائه الأئمة الطاهرين عليهم السلام، وكان الإمام الهادي عليه السلام يرى في ولده الزكي امتداداً ذاتياً للإمامة الكبرى، والنيابة العظمى عن النبي صلى الله عليه وآله فاهتم بأمره، وأشاد بفضله قائلاً فيه:
«أبو محمد ابني أصح آل محمد صلى الله عليه وآله غريزة، وأوثقهم حجة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامنا» ومن المؤكد أن مقام الإمام الهادي عليه السلام بعيد كل البعد عن المحاباة، أو الاندفاع لأية عاطفة من عواطف الهوى، فلم يشد بمنزلة ولده الزكي ويذع فضله إلا بعدما توفرت فيه جميع النزعات الكريمة، والصفات الرفيعة، وقد أضفى عليه أنه أصح آل محمد صلى الله عليه وآله غريزة وطبيعة، وأوثقهم حجة ودليلاً، وإليه تنتهي عرى الإمامة، والخلافة العظمى، وبذلك فقدجمع الإمام الحسن عليه السلام أصول الفضائل والمكارم ولازم الإمام أبو محمد عليه السلام أباه الإمام الهادي، وقد شاهد ما جرى عليه من صنوف الإرهاق والتنكيل من ملوك بني العباس خصوصاً في عهد الطاغية المتوكل، الذي جهد في ظلم الإمام، وأسرف في الجور والاعتداء عليه، ففرض عليه الإقامة الجبرية في سامراء، وأحاط داره بقوى مكثفة من المباحث والأمن، تحصي عليه أنفاسه، وتمنع العلماء والفقهاء وسائر الشيعة من الاتصال به، كما ضيق المتوكل على الإمام في شؤونه الاقتصادية، وكان يأمر بتفتيش داره بين حين و آخر، وحمله إليه بالكيفية التي هو فيها، والمتوكل هو الذي منع رسمياً زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه رائد الكرامة والإنسانية، وأمر بهدم القبر الشريف الذي هو من مراكز النور والشرف في الأرض، وكانت كل هذه الأحداث المروعة والمفجعة بمرأى ومسمعٍ من الإمام الزكي أبي محمد عليه السلام وهو في نضارة العمر وغضارة الشباب فكوت قلبه، وملأت نفسه آلاماً وأحزاناً وقد عاش تلك الفترة مع أبيه وهو مروع، فذابت نفسه أسىً وتقطعت حسرات !..

سيرته

وسيرة المرء وسلوكه ينبثقان من سريرته، وما طبعت عليه ذاته، وانطوى بين جوانحه، واكنّه ضميره، واضمرته نفسه، وجبلت عليه غريزته.
سيرة المرء _ فيما احسب _ ميزان القياس له أو عليه، وعنوان التفاضل بين الناس، ومحك النفس الانسانية.
ولما كان الإمام أبو محمد أفضل الخلق سريرة، وأشرفهم سجية، طهرت ذاته المقدسة، وتسامت نفسه الكبيرة، فلا غرو اذا بلغت سيرته الغاية في السمو والرفعة، ومنتهى الكمال والفضيلة، واوج العظمة، وفي هذه الصفحات بعض ما ورد من سيرته عليه السلام:
1. ارسل عليه السلام الى داود بن الاسود: إذا سمعت لنا شاتما فامض لسبيلك التي امرت بها، واياك أن تجاوب من يشتمنا، أو تعرفه من أنت.
2. ولما أمر الخليفة باطلاقه من الحبس وقف عند باب المحبس وقال: حتى يجىء جعفر.
فقال السبحان: إنّما أمرني باطلاقك دونه.
فقال له: ترجع اليه فتقول له: خرجنا من دار واحدة، فإذا رجعت وليس هو معي كان في ذلك مالا خفاء به عليك، فمضى وعاد فقال: يقول لك: قد اطلقت جعفر لك لأني حبسته بجنايته على نفسه و عليك وما يتكلم به. وخلّى سبيله فصار معه الى داره.
3. قال كامل بن ابراهيم المدني: دخلت على سيدي ابي محمد، نظرت إلى ثياب بياض ناعمة، فقلت في نفسي: ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب، ويأمرنا نحن بمواساة الاخوان، وينهانا عن لبس مثله.
فقال مبتسما: يا كامل.. وحسر عن ذراعيه فاذا مسح اسود خشن على جلده، فقال: هذا لله، وهذا لكم.
 

إحسانه وكرمه

لا يخلو كتاب ترجم أئمة اهل البيت عليهم الصلاة والسلام إلاّ وذكر كرمهم عليهم السلام، واحسانهم الى الناس، وبرهم لفقراء الامة وضعفائها.
والحديث في هذا الفصل طويل، حتى أنّ الباحث يستطيع أن يجمع لكل واحد منهم عليهم السلام كتابا مستقلا في (احسانه وكرمه ) لكثرة ما ذكره لهم المؤرخون وأهل الحديث والسير.
نعود لذكر بعض ما اوردوه للإمام أبي محمد عليه السلام:
1. أرسل عليه السلام الى أبي هاشم الجعفري مائة دينار وكتب اليه: إن كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم واطلبها فإنّك على ما تحب إن شاء الله.
2. روى الحميري في الدلائل عن أبي يوسف الشاعر القصير – شاعر المتوكل – قال: ولد لي غلام وكنت مضيقاً، فكتبت رقاعا الى جماعة استرفدهم فرجعت بالخيبة، فقلت: اجيء فاطوف حول دار أبي محمد لعل الله يفرج عني، فطفت وصرت الى الباب، فخرج ابو حمزة ومعه صرة سوداء فيها اربعمائة درهم فقال:
يقول لك سيدي:انفق هذه على المولود، بارك الله لك فيه.
3. عن اسماعيل بن محمد بن علي _ من ولد العباس بن عبدالملطب – قال: قعدت لأبي محمد عليه السلام على ظهر الطريق، فلما مربي شكوت اليه الحاجة وحلفت له ان ليس عندي درهم فما فوقه، ولا غداء ولا عشاء.
فقال: اتحلف بالله كاذبا وقد دفنت مائتي دينار وليس قولي هذا دفعا لك عن العطية، اعطه يا غلام ما معك.
فأعطاني مائة دينار.
4. قال أبو جعفر العمري: إنّ أبا الطاهر بلبل حج فنظر إلى علي بن جعفر الهمداني وهو ينفق النفقات العظيمة. فلما انصرف كتب بذلك الى أبي محمد، فوقع في رقعته: قد أمرنا له بمائة الف دينار، ثم أمرنا لك بمثلها.
5. قال ابو جعفر العمري: لما ولد السيد عليه السلام قال أبو محمد عليه السلام: ابعثوا الى أبي عمرو – عثمان بن سعيد – فبعث اليه فصار اليه، فقال: اشتر عشرة آلاف رطل خبزاً وعشرة آلاف رطل لحما وفرقه حسبة على بني هاشم، وعق عنه بكذا وكذا شاة.
6. قال محمد الشاكري: كان عليه السلام قليل الأكل، كان يحضره التين والعنب والخوخ وماشاكله، فيأكل منه الواحدة والاثنين ويقول: شل هذا يا محمد الى صبيانك.
فاقول: هذا كله ؟
فيقول: خذه.
ما رأيت قط اسدى منه.
7. اعطى عليه السلام الى علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي مائتي دينار و قال: اصرفها في ثمن جارية.
8. بعث عليه السلام الى عمرو بن أبي مسلم خمسين دينارا وقال: اشتر بهذا جارية.
9. اعطى عليه السلام احمد بن صالح الكوفي ثلاثة آلاف درهم.
10. أمر عليه السلام أن يعق عن ولده الإمام المهدي عليه السلام ثلثمائة شاة.
 

الحياة العقائدية

أما الحياة العقائدية في عصر الإمام أبي محمد عليه السلام فلم تكن سليمة ولامستقيمة، فقد منيت بالاضطراب من جراء بعض المنحرفين الذين أثار الشبه حول العقيدة الإسلامية الناصعة كما قال بعض المشعوذين من غير المسلمين بشعوذة لتضليل المسلمين وإفساد عقيدتهم، وقد تصدى الإمام أبو محمد عليه السلام للذب عن الإسلام، والدفاع عنه، فأبطل أوهامهم، وزيف شبههم وأبرز الواقع المشرق للإسلام.
كما أن هناك ظاهرة أخرى في عصر الإمام عليه السلام، وهي قيام بعض الدجالين بالكذب على الإمام وعلى أبيه من قبله، وذلك لإفساد عقيدة أتباع أهل البيت، فانبرى الإمام عليه السلام إلى لعنه، وأمر شيعته بلعنه والبراءة منه، ونعرض في مايلي إلى ذلك، وإلى بعض الجهات الأخرى التي ترتبط بالموضوع.

إبطال الإمام لشبه الكندي:

كان إسحاق الكندي فيلسوف العراق قد راودته بعض الشبه حول القرآن الكريم، فأشاع في الأوسط العلمية أنه ألف كتاباً أسماه (تناقض القرآن) وقد أشغل نفسه بذلك، وانتهى الخبر إلى الإمام إبي محمد عليه السلام فالتقى ببعض تلامذة الكندي، فقال عليه السلام: أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟ فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره، فقال له الإمام عليه السلام:
- «أتؤدي إليه ما ألقيه إليك ؟».
- «نعم».
وأدلى الإمام عليه السلام بالحجة القاطعة، والدليل الحاسم الذي ينسف جميع شبه الكندي، فقال لتلميذه:
«صر إليه، وتلطف في مؤانسته، ومعونته على ما هو بسبيله فإذا وقعت الأنسة، فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها فإنه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن، هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت إليها، فإنه سيقول لك إنه من الجائز لأنه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله أراد غير هذا الذي ذهبت إنت إليه، فيكون واضعاً لغير معانيه...».
ونسف الإمام عليه السلام بهذه الحجة الدامغة شبهة الكندي، وسد فيها كل ثغرة يسلك منها لإثبات التناقض في كتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن إيهام ذلك إنما يكون حسب ما يفهمه الكندي من المعنى، ويجوز أن يكون له معنى آخر لم يفهمه، ولم يتوصل إلى معرفته يرتفع به التناقض، ولا يبقى حينئذ أي مجال للإشكال.
سار الرجل حتى التقى بأستاذه الكندي، وتلطف معه وألقى عليه ما تفضل به الإمام عليه السلام، وإخذ يفكر ويطيل النظر في الأمر في أي الحق والصواب في ذلك، فإنه أمر محتمل، وسائغ في اللغة، والتفت إلى تلميذه فقال له:
- «أقسمت عليك إلا ما أخبرتني من أين لك هذا ؟..»
- «إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك...».
- «كلا ما مثلك من يهتدي إلى هذا... عرفني من أين لك هذا ؟...».
- «أمرني به الإمام أبو محمد...».
- «الآن جئت به، وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت...».
- وعمد الكندي إلى كتابه فأحرقه وأتلفه فقد رأى المنطق والصواب في كلام الإمام عليه السلام.
 

إبطاله لشعوذة راهب

وكشف الإمام أبو محمد عليه السلام النقاب عن شعوذة راهب أراد أن يضلل المسلمين، ويشككهم في دينهم، وبيان ذلك حسبما ذكره الرواة أن الناس أصابهم قحط شديد، فأمر المعتمد العباسي بالخروج إلى الاستسقاء ثلاثة أيام فخرجوا، ولم يغاثوا بالمطر، وخرج النصارى ومعهم راهب كلما مدّ يده إلى السماء هطلت، وفعل ذلك مكرراً فشك بعض الجهلة في دينهم، وارتد البعض الآخر، وشق ذلك على المعتمد، ففزع إلى الإمام أبي محمد عليه السلام وكان في سجنه وقال له: أدرك أمة جدك رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن يهلكوا، فقال له الإمام: يخرجون غداً، وأنا أزيل الشك إن شاء الله واخرجه المعتمد من السجن، وطلب منه أن يطلق سراح أصحابه من السجن فاستجاب له، وأخرجهم، وفي اليوم الثاني خرج الناس للاستسقاء، فرفع الراهب يده إلى السماء، فغيمت ومطرت، فأمر الإمام بإلقاء القبض على يده، وإخذ ما فيها، وإذا فيها عظم آدمي فأخذه منه، وأمره بالاستسقاء، فرفع يده إلى السماء، فزال ما فيها من غيم وطلعت الشمس، فعجب الناس من ذلك، وبادر المعتمد قائلاً:
- «ما هذا يا أبا محمد ؟»
- «هذا عظم نبي ظفر به هذا الراهب من بعض القبور، وما كشف عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر...».
- وتفحص المعتمد عن ذلك، فكان كما أخبر الإمام عليه السلام فزالت الشبهة، وانتفى الشك.

 

الكاذبون والوضاعون:

ومن آفات ذلك العصر انتشار الكاذبين والوضاعين، وهو مما ينم عن ضعف العقيدة الإسلامية في النفوس، ومن أشهر الوضاعين والكذابين عروة بين يحيى الدهقان البغدادي، فقد كان يكذب على أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام وعلى أبي محمد الحسن بن علي من بعده، وكان يختلس الأموال التي ترد للإمام من شيعته، ويكذب عليه، وقد لعنه الإمام، وأمر الشيعة بلعنه والبراءة منه لئلا يفسد عقيدتهم.
وبهذا العرض الموجز ينتهي بنا الحديث عن الحياة العقائدية في عصر الإمام عليه السلام، وهي كما ذكرنا كانت مضطربة وغير سليمة.
 

كلامكم نور

وأثرت عن الإمام أبي محمد سلام الله عليه كوكبة من غرر الحكم، وبدائع الأفكار وهي من ذخائر الآداب الإسلامية، وقد عالجت مختلف القضايا الاجتماعية، والتربوية، ونرفع إلى القراء طاقات معطرة منها:

فضائل أهل البيت:

«قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة، والولاية، ونورنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة، فنحن ليوث الوغى، وغيوث الندى، وفينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الآجل، وأسباطنا خلفاء الدين، وحلفاء اليقين، ومصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم والكليم لبس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء، وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة وشيعتنا الفئة الناجية، والفرقة الزاكية، صاروا لنا رداءً وصوناً، وعلى الظلمة إلبا.. وسينفجر لهم ينابيع الحيوان، بعد لظى النيران، لتمام الرواية، والغواشي من السنين...».

وصيته لشيعته:

«أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برأو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلى الله عليه وآله، صلوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم وعودا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا شيعي فيسرني ذلك.
اتقوا الله، وكونوا زيناً، ولا تكونوا شيناً، جروا إلينا كل مودة، وارفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن ذلك. لنا حق في كتاب الله، وقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله، وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذب، أكثروا ذكر الله، وذكر الموت، وتلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فأن في الصلاة على الرسول الله صلى الله عليه وآله عشر حسنات، احفظوا ما وصيتكم به، واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام..».

نصيحة قيمة:

«ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك، فإن لكل يوم خيراً جديداً، والالحاح في المطالب يسلب البهاء إلا أن يفتح لك باب يحسن الدخول فيه، فما أقرب الصفع من المهلوف، وربما كانت الغير نوعاً من آداب الله عز وجل، وللحظوظ مراتب فلا تجعل على ثمرة لم تدرك فإنها تنال في أوانها، والمدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح لك فيه، فثق بخبرته في أمورك، ولا تعجل حوائجك في أول وقتك فيضيق قلبك، ويغشاك القنوط، واعلم أن للحياء مقداراً فإن زاد على ذلك فهو ضعف، وللجود مقداراً فإن زاد علي ذلك فهو سرف، وللاقتصاد مقداراً فإن زاد عليه فهو بخل، وللشجاعة مقداراً فإن زاد فهو التهور...».

وعظ وارشاد:

أنكم في آجال منقوصة، وأيام معدودة، والموت يأتي بغتة، من يزرع خيراً يحصد غبطة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة، لكل زارع ما زرع، لايسبق بطيء بحظه، ولايدرك حريص ما لم يقدر له، من أعطي خيراً فالله أعطاه، ومن وقي شراً فالله وقاه..».
«بئس العبد عبداً يكون ذا وجهين، وذا لسانين، يطري أخاه شاهداً، ويأكله غائباً إن أعطي حسده، وإن ابتلي خانه...».
«حسن الصورة جمال ظاهر، وحسن العقل جمال باطن..».
«من أنس بالله استوحش من الناس..».
«من لم يتق وجوه الناس، لم يتق الله..».
«جعلت الخبائث في بيت، وجعل مفتاحه الكذب..».
«إذا نشطت القلوب فأودعوها، وإذا نفرت فودعوها..».
«اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شره..».
«الجهل خصم، والحلم حكم، ولم يعرف راحة القلب من لم يجرعه الحلم غصص الغيظ..».
«نائل الكريم يحببك إليه ونائل اللئيم يضعك لديه..».
«من كان الورع سجيته والافضال حليته انتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه، وتحصن بالذكر الجميل من وصول نقص إليه..».
«من مدح غير المستحق فقد قام مقام المتهم..».
«لا يعرف النعمة إلا الشاكر، ولا يشكر النعمة إلا العارف..».
«السهر ألذ للمنام، والجوع أزيد في طيب الطعام..».
«إن الوصول إلى الله عزوجل سفر لايدرك إلا بامتطاء الليل..».
«من لم يحسن أن يمنع لم يحسن أن يعطي..».
«لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه ولا النصح من صرفت سوء ظنك إليه، فإنما قلب غيرك لك كقلبك له..».
«من الجهل الضحك من غير عجب..».
«إن لكلام الله فضلاً على الكلام كفضل الله على خلقه، ولكلامنا فضل على كلام الناس كفضلنا عليهم..».
«من التواضع السلام على كل من تمر به، والجلوس دون شرف المجلس..».
«أولى الناس بالمحبة من أملوه..».
«من الفواقر التي تقصم الظهر جار إن رأى حسنة أطفأها، وأن رأى سيئة أفشاها».
«بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها..».
«لا تمار فيذهب بهاؤك، ولا تمازح فيجترأ عليك..».
«من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلون عليه حتى يقوم من المجلس...».
«الإشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على المسح الأسود في الليلة المظلمة..».
«للقلوب خواطر من الهوى، والعقول تزجر، وتزاد في التجارب علماً مستأنفاً، والاعتبار يفيد الرشاد..».
«المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره والمطالبة.. تذلل للمقادير نفسك، واعلم أنك غير نائل بالحرص إلا ما كتب لك..».

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم