قال الله تعالى:
"وأَذّن في النّاسِ بِالحَجّ يأْتُوكَ رجالاً وعلى كُلّ
ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ"
الحج/27
قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
إذا أردت الحج فجرِّد قلبك لله من قبل عزمك من كل شاغل
وحجاب كل حاجب، وفوض أمورك كلها إلى خالقك، وتوكل عليه في
جميع ما يظهر من حركاتك وسكناتك، وسلم لقضائه وحكمه وقدره،
وودع الدنيا والراحة والخلق، واخرج من حقوق تلزمك من جهة
المخلوقين، ولا تعتمد على زادك وراحلتك وأصحابك وقوتك
وشبابك ومالك مخافة أن يصير ذلك عدواً ووبالاً.. مَنْ ادعى
رضا الله واعتمد على شيء سواه صيره عليه عدواً ووبالاً
ليعلم أنه ليس له قوة ولا حيلة ولا لأحد إلا بعصمة الله
وتوفيقه. واستعد استعداد من لا يرجو الرجوع، وأحسن الصحبة،
وراع أوقات فرائض الله وسنن نبيه وما يجب عليك من الأدب
والاحتمال والصبر والشكر والشفقة والسخاء وإيثار الزاد على
دوام الأوقات، ثم اغسل بماء التوبة الخالصة ذنوبك، والبس
كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع، وأحرم عن كل شيء
يمنعك من ذكر الله ويحجبك عن طاعته، ولبِّ بمعنى إجابة
صافية خالصة زاكية لله (عز وجل) في دعوتك متمسكاً بالعروة
الوثقى، وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع
المسلمين بنفسك حول البيت، وهرول هرباً من هواك وتبرياً من
جميع حولك وقوتك، واخرج عن غفلتك وزلاتك بخروجك إلى منى،
ولا تتمن ما لا يحل لك ولا تستحقه، واعترف بالخطايا
بعرفات، وجدِّد عهدك عند الله بوحدانيته، وتقرب إلى الله
واتقه بمزدلفة، واصعد بروحك إلى الملأ الأعلى بصعودك إلى
الجبل، واذبح حنجرة الهوى والطمع عند الذبيحة، وارم
الشهوات والخساسة والدناءة والأفعال الذميمة عند رمي
الجمرات، واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق شعرك، وادخل
في أمان الله وكنفه وستره وكلاءته من متابعة مرادك بدخولك
الحرم، وزر البيت متحققاً لتعظيم صاحبه ومعرفة جلاله
وسلطانه، واستلم الحجر رضاء بقسمته وخضوعاً لعزته، وودع ما
سواه بطواف الوداع، وأصف روحك وسرك للقاء الله يوم تلقاه
بوقوفك على الصفا، وكن ذا مروة من الله نقياً أوصافك عند
المروة، واستقم على شرط حجتك ووفاء عهدك الذي عاهدت به مع
ربك، وأوجبت له إلى يوم القيامة. واعلم بأن الله تعالى لم
يفترض الحج ولم يخصه من جميع الطاعات بالإضافة إلى نفسه
بقوله (عز وجل) "وللَّهِ علَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" ولا شرع نبيه سنة في
خلال المناسك على ترتيب ما شرعه إلا للاستعداد والإشارة
إلى الموت والقبر والبعث والقيامة".
|