يمثل الإمام الشيرازي (اعلى الله درجاته) بحد ذاته
مدرسة فكرية متكاملة جسدت الأبعاد المختلفة والمتعددة للفكر الإسلامي المعاصر فقد
أجاب (اعلى الله درجاته) عن أهم الأسئلة إلحاحا في واقعنا المعاصر، والذي يتتبع
الإنتاج الفكري الكبير كما ونوعا لسماحته يجد الأجوبة الشافية لكل ما يطرحه
المشككون في قدرة الإسلام على التعامل الديمومي مع الحياة، لذلك فان أفكار الإمام
الشيرازي الراحل ترفع تلك الإشكاليات وتؤسس نظرية متينة تستمد قوتها من جذورها
النابعة من العمق والاصالة الإسلامية ومن قدرتها على التعاصر مع كافة التحديات
الجديدة التي تهب عليها من مختلف الجهات.
فقد كان رجلاً استثنائياً في ميادين الإيمان،
والتقوى، والعلم، والتأليف، والورع، والزهد، والجهاد، والأخلاق، والعمل والريادة،
والتأسيس والتربية وغير ذلك من الأبعاد التي يصعب اجتماعها في رجل واحد.
إذ كانت مرجعيته تمثل نموذجاً نادراً في تاريخ
المرجعيات، فهي مرجعية علمية فقهية أصولية، حضارية، جهادية، ثورية، منظورة غير
منعزلة في النطاق التقليدي، كما أنها مثلت مدّاً حضارياً أعاد صياغة مفاهيم الأمة
وأحيى قيمها وتعاليمها الأصيلة، إضافة إلى ذلك فقد كانت هذه المرجعية، مرجعية
التجديد والإنقاذ والإنهاض.
لقد تناول الإمام الشيرازي الراحل (اعلى الله
درجاته) في أطروحته الحضارية الإسلامية مختلف العلوم في التفسير والحديث والأخلاق،
واللغة والمنطق والكلام والعلوم المعاصرة كالسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والتاريخ
والبيئة إلى غير ذلك من العلوم التي جعلت في أطروحته النهضوية الحلول الوافية لكل
ما يطرح من استفهامات حول أهلية الإسلام في كونه دين الإنسان والحياة، والبلسم
الشافي لكل جراحات الأمة التي سببتها أفعال الأنظمة الاستبدادية والظالمة.
لقد أعطى العلماء الأعلام من الأسرة الشيرازية
الشريفة الخدمات الجليلة والمساهمات العظيمة للأمة لاسيما في مجال الفكر والثقافة
سواء من زمن المجدد الاول السيد محمد حسن الشيرازي الذي قاد ثورة التنباك المعروفة
في ايران ضد الاستعمار البريطاني وهو في مقر اقامته في سامراء التي كانت انذاك تشكل
واحدة من اهم الحوزات العلمية في العالم ، او في عهد اية الله العظمى المرجع الشيخ
محمد تقي
الشيرازي الذي قاد ثورة العشرين ضد الاستعمار
البريطاني ، او في عهد المرجع الديني السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي زعيم
الحوزة العلمية في كربلاء حتى منتصف الستينات او سماحة المجدد الثاني الامام الراحل
السيد محمد الحسيني الشيرازي الذي جاهد الحكم الملكي والانظمة المتعاقبة حتى نظام
البعث البائد ، هذه السلسلة المباركة من قيادات العلم والجهاد تمثلها بحق المدرسة
الشيرازية لخدمة الدين والاوطان ، ونجد لها امتدادها الان فاعلا ومتابعا ومندكا مع
ما يعانيه الوطن والمواطن من تحديات الاحتلال والارهاب ويتمثل هذا الامتداد العلمي
الجهادي حاليا في مرجعية اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله .
|