( 500 )


جَعَلَ اللهُ فِيهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ، وَذِرْوَةَ دَعَائِمِهِ، وَسَنَامَ طَاعَتِهِ، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ وَثِيقُ الاَْرْكَانِ، رَفِيعُ الْبُنْيَانِ، مُنِيرُ الْبُرْهَانِ، مُضِيءُ النِّيرَانِ، عَزِيرُ السُّلْطَانِ، مُشْرِفُ الْمَنَارِ(1)، مُعْوِذُ الْمَثَارِ(2).
     فَشَرِّفُوهُ وَاتَّبِعُوهُ، وَأَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ، وَضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ.

[الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله)]


     ثُمَّ إِنَّ اللهِ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله) بالْحَقِّ حِينَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الانْقِطَاعُ، وَأَقْبَلَ مِنَ الاْخِرَةِ الاْطِّلاَعُ(3)، وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاق، وَقَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاق، وَخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ(4)، وَأَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ(5)، فِي انْقِطَاع مِنْ مُدَّتِهَا،
____________
     1. مُشْرِف المنار: مرتفعه.
     2. مُعْوِذُ المَثَار: من أعْوَذَ ـ بالذال ـ كأعاذ بمعنى ألجأ. والمَثار: مصدر ميمي من ثار الغبار إذا هاج، أي لو طلب أحد إثارة هذا الدين لالجأه إلى مشقة لقوته ومتانته.
     3. الاطّلاع: الاتيان، اطّلع فلان علينا: أي أتانا.
     4. خُشونة المِهاد: كناية عن شدة آلام الدنيا.
     5. أزِف ـ كفرح ـ : أي قرب، والمراد من القِياد انقيادها للزوال.


( 501 )


وَاقْتِرَاب مِنْ أَشْرَاطِهَا(1)، وَتَصَرُّم(2) مِنْ أَهْلِهَا، وَانْفِصَام(3) مِنْ حَلْقَتِهَا، وَانْتِشَار مِنْ سَبَبِهَا(4)، وَعَفَاء مِنْ أَعْلاَمِهَا(5)، وَتَكَشُّف مِنْ عَوْرَاتِها، وَقِصَر مِنْ طُولِهَا.
     جَلَعَهُ اللهُ تعالى بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ، وَكَرَامَةً لاُِمَّتِهِ، وَرَبِيعاً لاَِهْلِ زَمَانِهِ، وَرِفْعَةً لاَِعْوَانِهِ، وَشَرَفاً لاَِنْصَارِهِ.

[القرآن الكريم]


     ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ، وَسِرَاجاً لاَ يَخْبُو(6) تَوَقُّدُهُ، وَبَحْراً لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَمِنْهَاجاً(7) لاَ يُضِلُّ نَهْجُهُ(8)، وَشُعَاعاً لاَ يُظْلِمُ
____________
     1. الاشراط ـ جمع شَرَط كسبب ـ أي: علامات انقضائها.
     2. التصرّم: التقطع.
     3. الانفصام: الانقطاع، وإذا انفصمت الحَلْقة انقطعت الرابطة.
     4. انتشار الاسباب: تبددها حتى لا تُضْبَط.
     5. عَفَاء الاعلام: اندراسها.
     6. خَبَتِ النار: انطفأت.
     7. المِنْهاج: الطريق الواسع.
     8. النَهْج ـ هناـ : السلوك، ويُضِلّ رباعى، أي لايكون من سلوكه إضلال.


( 502 )


ضَوْؤُهُ، وَفُرْقَاناً لاَ يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ، وَتِبْيَاناً لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ، وَشِفَاءً لاَ تُخْشَى أَسْقَامُهُ، وَعِزّاً لاَ تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ، وَحَقّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ.
     فَهُوَ مَعْدِنُ الاْيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ(1)، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَبُحُورُهُ، وَرِيَاضُ(2) الْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ(3)، وَأَثَافِيُّ(4) الاْسْلاَمِ وَبُنْيَانُهُ، وَأَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَغِيطَانُهُ(5). وَبَحْرٌ لاَ يَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ(6)، وَعُيُونٌ لاَ يُنضِبُهَا الْمَاتِحُونَ(7)، وَمَنَاهِلُ(8)لاَ يَغِيضُهَا(9) الْوَارِدُونَ، وَمَنَازِلُ لاَ يَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ،
____________
     1. بُحْبُوحة المكان: وسطه.
     2. الرياض ـ جمع روضة ـ : وهي مستنقع الماء في رمل أو عشب.
     3. الغُدْران ـ جمع غَدِير ـ : وهو القطعة من الماء يغادرها السيل.
     4. الاثافيّ ـ جمع أثْفِيّة ـ : الحجر يوضع عليه القدر، أي عليه قام الاسلام.
     5. غِيطان الحق ـ جمع غاط أوغَوْط ـ : وهو المطمئن من الارض.
     6. لا يُنْزِفه: لايفنى ماؤه ولا يستفرغه المغترفون.
     7. لا يُنْضِبُها ـ كيُكْرِمها ـ : أي ينقصها. والماتحون ـ جمع ماتح ـ : نازع الماء من الحوض.
     8. المناهل: مواضع الشرب من النهر.
     9. لا يغيضها من غاض الماءَ: نقصه.


( 503 )


وَأَعْلاَمٌ لاَ يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ، وَآكَامٌ(1) لاَ يَجُوزُ عنْهَا(2) الْقَاصِدُونَ.
     جَعَلَهُ اللهُ رِيّاً لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ، وَرَبِيعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ، وَمَحَاجَّ(3) لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ، وَدَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ، وَنُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ، وَحَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ، وَمَعْقِلاً مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ، وَعِزّاً لِمَنْ تَوَلاَّهُ، وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ، وَهُدىً لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ، وَعُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَهُ، وَبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ، وَفَلْجاً(4)لِمَنْ حَاجَّ بِهِ، وَحَامِلاً لِمَنْ حَمَلَهُ، وَمَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ، وَآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ، وَجُنَّةً(5) لِمَنِ اسْتَلاْمَ(6)، وَعِلْماً لِمَنْ وَعَى، وَحَدِيثاً لِمَنْ رَوَى، وَحُكْماً لِمَنْ قَضَى(7).
    
____________
     1. آكام ـ جمع أكَمة ـ : وهو الموضع يكون أشد ارتفاعاً مما حوله، وهو دون الجبل في غلظ لا يبلغ أن يكون حجراً.
     2. يجوز عنها: يقطعها ويتجاوزها.
     3. المَحَاجّ ـ جمع مَحَجّة ـ : وهي الجادّة من الطريق.
     4. الفَلْج ـ بالفتح ـ : الظفر والفوز. 5. الجُنّة ـ بالضم ـ : مابه يتقى الضرر. 6. اسْتَلامَ: أي لبس اللاْمَةَ وهي الدِرْع أو جميع أدوات الحرب، أي أن من جعل القرآن لامة حربه لمدافعة الشبه، كان القرآن وقاية له.
     7. قضى: حكم وفصل.


( 504 )


[ 199 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
كان يوصي به أصحابه


     تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلاَةِ، وَحَافِظُوا عَلَيْهَا، وَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا، وَتَقَرَّبُوا بِهَا، فَإِنَّهَا (كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)
     أَلاَ تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)
     وَإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ(1)، وَتُطْلِقُهَا إِطْلاَقَ الرِّبَق(2)، وَشَبَّهَهَا رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله)بِالْحَمَّة(3) تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ، فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرّات، فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ(4)؟
     وَقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لاَ تَشْغَلُهُمْ عنْهَا زِينَةُ مَتَاع، وَلاَ قُرَّةُ عَيْن مِنْ وَلَد وَلاَ مَال، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: (رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)
    
____________
     1. حتّ الورقَ عن الشجرة: قشره.
     2. الرِبق ـ بكسر الراء ـ : حبل فيه عدة عرىً كل منها رِبْقة.
     3. الحَمَّة ـ بالفتح ـ : كل عين ينبع منها الماء الحار ويستشفى بها من العلل.
     4. الدَرَن: الوسخ.


( 505 )


وَكَانَ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) نَصِباً(1) بِالصَّلاَةِ بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَهُ بِالْجَنَّةِ، لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)، فَكَانَ يَأُمُرُ بِهَا أَهْلَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهَا نَفْسَهُ.

[الزكاة]


     ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلاَةِ قُرْبَاناً لاَِهْلِ الاِْسْلاَمِ، فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا، فإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً، وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً، فَلاَ يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ، وَلاَ يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفـَهُ، فإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا، يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ، مَغْبُونُ الاَْجْرِ(2)، ضَالُّ الْعَمَلِ، طَوِيلُ النَّدَمِ.

[الامانة]


     ثُمَّ أَدَاءَ الاَْمَانَةِ، فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّماوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ، وَالاَْرَضِينَ الْمَدْحُوَّةِ(3)، وَالْجِبَالِ ذَاتِ الطُّولِ الْمَنْصُوبَةِ، فَلاَ أَطْوَلَ وَلاَ أَعْرَضَ، وَلاَ أَعْلَى وَلاَ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَلَوِ امْتَنَعَ شَيْءٌ بِطُول أَوْ عَرْض أَوْ قُوَّة أَوْ عِزٍّ لاَمْتَنَعْنَ، وَلكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ،
____________
     1. نَصِباً ـ بفتح فكسر ـ : أي تَعِباً.
     2. مَغْبون الاجر: منقوصه.
     3. المَدْحُوّة: المبسوطة.


( 506 )


وَعَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ، وَهُوَ الاِْنْسَانُ، (إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)

[علم الله تعالى]


     إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ(1) فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ، لَطُفَ بِهِ خُبْراً(2)، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْماً، أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ، وَجَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ، وَضَمائِرُكُمْ عُيُونُهُ، وَخَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ(3).

[ 200 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[في معاوية]


     وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ فَجْرَة كَفْرَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
     وَاللهِ مَا أَُسْتَغْفَلُ بالْمَكِيدَةِ، وَلاَ أُسْتَغْمَزُ بالشَّدِيدَةِ(4).
    
____________
     1. مقترفون: أي مكتسبون.
     2. الخُبْر ـ بضم الخاء ـ : العِلْم.
     3. العِيان ـ بكسر العين ـ : المعاينة والمشاهدة.
     4. لا أُسْتَغْمَزُ ـ مبني للمجهول ـ : أي لا أُسْتَضْعَفُ بالقوة الشديدة، والمعنى: لا يستضعفني شديد القوة. والغَمَز ـ محركة ـ : الرجل الضعيف.


( 507 )


[ 201 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[يعظ بسلوك الطريق الواضح]


     أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَىُ لِقِلَّةِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَة شِبَعُهَا قَصِيرٌ، وَجُوعُهَا طَوِيلٌ.
     أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضِى وَالسُّخْطُ(1)، وَإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بالرِّضَى، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)، فَمَا كَانَ إِلاَّ أَنْ خَارَتْ(2) أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَةِ خُوَارَالسِّكَّةِ الْـمُحْمَاةِ(3) فِي الاَْرْضِ الْخَوَّارَةِ(4).
     أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ سَلَكَ الطّرِيقَ الْوَاضِحَ وَرَدَ الْمَاءَ، وَمَنْ خَالَفَ وَقَعَ فِي التِيهِ!

____________
     1. السُخْط: الغضب، ضد الرضى.
     2. خارَت: صوّتَت كخُوار الثور.
     3. السِكّة المُحْماة: حديدة المِحْراث إذا أُحْمِيَتْ في النار فهي أسرع غَوْراً في الارض.
     4. الخَوّارة: السهلة اللينة.


( 508 )


[ 202 ]
ومن كلام له(عليه السلام)


     روي عنه أنّه قاله عند دفن سيدة النساء فاطمة صلّى الله عليها، كالمناجي به رسول الله(صلى الله عليه وآله) عند قبره:
     السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَنِّي، وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ، وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ!
     قَلَّ يَا رَسُولَ اللهِ، عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي، إِلاَّ أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّيِ(1) بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ، وَفَادِحِ(2) مُصِيبَتِكَ، مَوْضِعَ تَعَزّ(3)، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ(4)، وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ.
     (إنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ! أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ(5)، إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ.
    
____________
     1. يريد بالتأسي: الاعتبار بالمثال المتقدم.
     2. الفادح: المثقِل.
     3. التعزّي: التصبر.
     4. مَلْحُودة القبر: الجهة المشقوقة منه.
     5. مُسَهّد: أي ينقضي بالسهاد وهو السهر.


( 509 )


وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ [بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا](1)، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ(2)، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، هذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ.
     وَالْسَّلاَمُ عَلَيْكُمَا سَلاَمَ مُوَدِّع، لاَ قَال(3) وَلاَ سَئم(4)، فَإنْ أَنْصَرِفْ فَلاَ عَنْ مَلاَلَة، وَإِنْ أُقِمْ فَلاَ عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللهُ الصَّابِرِينَ.

[ 203 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[في التزهيد من الدنيا والترغيب في الاخرة]


     أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الدُّنْيَا دارُ مَجَاز(5)، وَالاْخِرَةُ دَارُ قَرَار، فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ، وَلاَ تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُم، وَأَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ، فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ، ولِغِيْرِهَا خُلِقْتُمْ.
     إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ: مَا تَرَكَ؟ وَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ: مَا قَدَّمَ؟ لله آبَاؤُكُمْ! فَقَدِّمُوا بَعْضَاً يَكُنْ لَكُمْ قَرْضاً، وَلاَ تُخَلِّفُوا كُلاًّ فَيَكُونَ عَلَيْكُمْ.
    
____________
     1. هَضْمها: ظلمها.
     2. إحْفَاء السؤال: الاستقصاء فيه.
     3. القالي: المبغض.
     4. السئم: من السآمة وهي الضجر.
     5. مجاز: أي ممر إلى الاخرة.


( 510 )


[ 204 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
كان كثيراً ما ينادي به أصحابه


     تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللهُ! فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ، وَأَقِلُّوا الْعُرْجَةَ(1) عَلَى الدُّنْيَا، وَانْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ، فإنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَؤُوداً(2)، وَمَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً، لاَبُدَّ مِنَ الْوُرُودِ عَلَيْهَا، وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا.
     وَاعْلَمُوا أَنَّ مَلاَحِظَ الْمَنِيَّةِ(3) نَحْوَكُمْ دَانِيَةٌ(4)، وَكَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَقَدْ نَشِبَتْ(5) فِيكُمْ، وَقَدْ دَهَمَتْكُمْ فِيهَا مُفْظِعَاتُ الاُْمُورِ، وَمُعْضِلاَتُ الْـمَحْذُورِ.
     فَقَطِّعُوا عَلاَئِقَ الدُّنْيَا، وَاسْتَظْهِرُوا(6) بِزَادِ التَّقْوَى.

      وقد مضى شيء من هذا الكلام فيما تقدم، بخلاف هذه الرواية.

    
____________
     1. العُرْجة ـ بالضم ـ : اسم من التعريج، بمعنى حبس المطية على المنزل.
     2. الكَؤود: الصَعبة المرتقى.
     3. مَلاحِظ المنيّة: منبعث نظرها.
     4. دانية: قريبة.
     5. نَشِبَتْ: علقت بكم.
     6. استظهروا: استعينوا.


( 511 )


[ 205 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
كلّم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة
     وقد عتبا من ترك مشورتهما، والاستعانة في الامور بهما


     لَقَدْ نَقَمْتُما(1) يَسِيراً، وَأَرْجَأْتُمَا(2) كَثِيراً، أَلاَ تُخْبِرَانِي، أَيُّ شَيْء لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ؟ وأَيُّ قَسْم اسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ؟ أَمْ أَيُّ حَقّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ، أَمْ جَهِلْتُهُ، أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ ؟!
     وَاللهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلاَفَةِ رَغْبَةٌ، وَلاَ فِي الْوِلاَيَةِ إِرْبَةٌ(3)، وَلكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا، وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَمَا وَضَعَ لَنَا، وَأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ، وَمَا اسْتَسَنَّ النَّبِيُّ(صلى الله عليه وآله)فَاقْتَدَيْتُهُ، فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذلِكَ إِلَى رَأْيِكُمَا، وَلاَ رَأْيِ غَيْرِكُمَا، وَلاَ وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ، فَأَسْتَشِيرَكُمَا وَإِخْوَانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ; وَلَوْ كَانَ ذلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا، وَلاَ عَنْ غَيْرِكُمَا.
     وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ الاُْسْوَةِ(4)، فَإِنَّ ذلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي،
____________
     1. نَقَمْتما: أي غضبتما.
     2. أرجأتما: أي أخرتمامما يرضيكما كثيراً لم تنظرا إليه.
     3. الارْبة ـ بكسر الهمزة ـ : الغرض والطلبة.
     4. الاسْوَة ـ ها هنا ـ : التسوية بين المسلمين في قسمة الاموال، وكان ذلك قد أغضب القوم على ما روي.


( 512 )


وَلاَ وَلِيتُهُ هَوىً مِنِّي، بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَأَنْتُما مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيَما قَدْ فَرَغَ اللهُ مِنْ قَسْمِهِ، وَأَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمَا، وَاللهِ، عِنْدِي وَلاَ لِغَيْرِكُمَا فِي هذَا عُتْبَى(1).
     أَخَذَ اللهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ، وَأَلْهَمَنَا وَإِيَّاكُمْ الصَّبْرَ.
     ثم قال(عليه السلام):
     رَحِمَ اللهُ رَجُلاً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ، وَكَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ.

[ 206 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
وقد سمع قوماً من اصحابه يسبّون أهل الشام
أيام حربهم بصفين


     إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، وَلكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلاَلَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ(2) عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ(3).

____________
     1. العُتْبَى: الرجوع عن الاساءة.
     2. الارعواء: النزوع عن الغيّ والرجوع عن وجه الخطأ.
     3. لَهِجَ به: أُولع به.


( 513 )


[ 207 ]
وقال(عليه السلام)
في بعض أيام صفين وقد رأى الحسن(عليه السلام) يتسرع إلى الحرب


     امْلِكُوا عنِّي(1) هذَا الْغُلاَمَ لاَ يَهُدَّنِي(2)، فَإِنَّنِي أَنْفَسُ(3) بِهذَيْنِ ـ يَعْنِي الحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ(عليهما السلام) عَلَى الْمَوْتِ، لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله).

      قوله(عليه السلام): «املكوا عني هذا الغلام» من أعلى الكلام وأفصحه.

    

[ 208 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
قاله لمّا اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة


     أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَمْري مَعَكُمْ عَلَى مَا أُحِبُّ، حَتَّى نَهَكَتْكُمُ(4) الْحَرْبُ، وَقَدْ، وَاللهِ أَخَذَتْ مِنْكُمْ وَتَرَكَتْ، وَهِيَ لِعَدُوِّكُمْ أَنْهَكُ.
     لَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ أَمِيراً، فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَأْمُوراً! وَكُنْتُ أَمْسِ نَاهِياً، فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَنْهِيّاً! وَقَدْ أَحْبَبْتُمُ الْبَقَاءَ، وَلَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ!
____________
     1. املكوا عني: أي خذوه بالشدة وامسكوا به، والهمزة وَصْلية، فالمادة من المِلْك.
     2. يَهُدّني: يهدمني.
     3. نَفِسَ به ـ كفرح ـ : أي ضنّ به.
     4. نَهِكَتْه الحمى: أضعفته وأضْنَتْه.


( 514 )


[ 209 ]
ومن كلام له(عليه السلام)


     بالبصرة، وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي ـ وهو من أصحابه ـ يعوده، فلما رأى سعة داره قال:
     مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هذِهِ الدارِ فِي الدُّنْيَا، أَنْتَ إِلَيْهَا فِي الاْخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ؟ وَبَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا الاْخِرَةَ، تَقْرِي فِيهَا الضَّيْفَ، وَتَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ، وَتُطْلِعُ مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا(1)، فَإذَا أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الاْخِرَةَ.
     فقال له العلاء: يا أميرالمؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد.
     قال: وما له؟
     قال: لبس العباءة وتخلّى من الدنيا.
     قال: عليَّ به.
     فلمّا جاء قال:
     يَا عُدَىَّ(2) نَفْسِهِ! لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ! أَمَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ! أَتَرَى
____________
     1. أطْلَعَ الحقّ مَطْلَعَهُ: أظهره حيث يجب أن يظهر.
     2. عُدَيّ: تصغير عَدُوّ.


( 515 )


اللهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا! أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذلِكَ!
     قال: يا أميرالمؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجُشوبة مأكلك!
     قال: وَيْحَكَ، إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ(1) بِضَعَفَةِ النَّاسِ، كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ(2) بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ!

[ 210 ]
ومن كلام له(عليه السلام)


     وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر.
     فقال(عليه السلام):
     إنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلاً، وَصِدْقاً وَكَذِباً، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً، وَعَامّاً وَخَاصّاً، وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً، وَحِفْظاً وَوَهْماً، وَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) عَلَى عَهْدِهِ، حَتَّى قَامَ خَطِيباً، فَقَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
    
____________
     1. يُقَدِّروا أنفسهم: أي يقيسوا أنفسهم.
     2. يَتَبَيّغ: يهيج به الالم فيهلكه.


( 516 )


وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَال لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ:

[المنافقون]


     رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلاِْيمَانِ، مُتَصَنِّعٌ بِالاِْسْلاَمِ، لاَيَتَأَثَّمُ(1) وَلاَ يَتَحَرَّجُ(2)، يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)مُتَعَمِّداً، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) رآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَلَقِفَ عَنْهُ(3)، فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللهُ عَنِ الْمُنَاقفِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ(عليه السلام)، فَتَقرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ، وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، فَوَلَّوهُمُ الاَْعْمَالَ، وَجَعَلُوهُمْ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا، إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللهُ، فَهذَا أَحَدُ الاَْرْبَعَةِ.

[الخاطئون]


     وَرَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَوَهِمَ(4) فِيهِ،
____________
     1. يتأثّم: يخاف الاثم.
     2. يتحرّج: يخشى الوقوع في الحرَج وهو الجُرْم.
     3. لَقِفَ: تناول وأخذ عنه.
     4. وَهِمَ: غلط وأخطأ.


( 517 )


وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً، فَهُوَ فِي يَدَيْهِ، يَرْوِيهِ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَقُولُ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)، فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَذلِكَ لَرَفَضَهُ!

[أهل الشبهة]


     وَرَجُلٌ ثَالِثٌ، سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) شَيْئاً يَأْمُرُ بِهِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَىُ عَنْ شَيْء، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لايَعْلَمُ، فَحَفِظَ المَنسُوخَ، وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ.

[الصادقون الحافظون]


     وَآخَرُ رَابِعٌ، لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اللهِ، وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ، مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ، خَوْفاً لله، وَتَعْظيِماً لِرَسُولِ اللهِ، وَلَمْ يَهِمْ(1)، بَلْ حَفظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ، لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ، وَحَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ، وَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ(2)، وَعَرَفَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ، فَوَضَعَ كُلَّ شَيْء مَوْضِعَهُ، وَعَرفَ المُتَشَابِهَ وَمُحْكَمَهُ(3).
    
____________
     1. لم يَهِم: لم يخطىء ولم يظن خلاف الواقع.
     2. جنّب عنه: أي تجنب.
     3. المتشابه من الكلام: هو مالا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم. ومُحْكَم الكلام: صريحه الذي لم يُنْسَخ.


( 518 )


وَقَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) الْكَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ: فَكَلاَمٌ خَاصٌّ، وَكَلاَمٌ عَامٌّ، فَيَسْمَعُهُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مَا عَنَى اللهُ بِهِ، وَلاَ مَا عَنَى بِهِ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله)فَيَحْمِلُهُ السَّامِعُ، وَيُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَة بِمَعْنَاهُ، وَمَا قُصِدَ بِهِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَفْهِمُهُ، حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الاَْعْرَابِيُّ أَوْ الطَّارِىءُ، فَيَسَأَلَهُ(عليه السلام)حَتَّى يَسْمَعُوا، وَكَانَ لاَ يَمُرُّ بِي مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ إِلاَّ سَأَلْتُ عَنْهُ وَحَفِظْتُهُ.
     فَهذِهِ وَجُوهُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي اخْتِلاَفِهِمْ، وَعِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ.

[ 211 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[في عجيب صنعة الكون]


     وَكَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَروتِهِ، وَبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ(1) الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ(2)، يَبَساً(3) جَامِداً، ثُمَّ فَطَرَ(4) مِنْهُ
____________
     1. زَخَرَ البحر ـ كمنع ـ زُخوراً، وَتَزَخّرَ: طمَى وامتلا.
     2. المتقاصف: المتزاحم كأن أمواجه في تزاحمها يقصف بعضها بعضاً، أي يكسر.
     3. اليَبَس ـ بالتحريك ـ : اليابس.
     4. فَطَرَ: خلق.


( 519 )


أَطْبَاقاً(1)، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَات بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا(2)، فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ(3)، وَقَامَتْ عَلَى حَدِّهِ(4)، [وَأَرْسَى أَرْضاً] يَحْمِلُهَا الاَْخْضَرُ(5) المُثْعَنْجِرُ(6)، وَالْقَمْقَامُ(7) الْمُسَخَّرُ، قَدْ ذَلَّ لاَِمْرِهِ، وَأَذْعَنَ لِهَيْبَتِهِ، وَوَقَفَ الْجَارِي مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ، وَجَبَلَ(8) جَلاَمِيدَهَا(9)، وَنُشُوزَ(10) مُتُونِهَا(11) وَأَطْوَادِهَا(12)، فَأَرْسَاهَا في مَرَاسِيهَا(13)، وَأَلْزَمَهَا
____________
     1. الاطباق: طبقات مختلفة في تركيبها.
     2. كانت الاطباق رتقاً يتصل بعضها ببعض، ففتقها سبعاً وهي السموات وقف كل منها حيث مكنه الله على حسب ما أودع فيه من السر الحافظ له.
     3. استمسكت بأمره: أي بأمرالله التكويني.
     4. قامت على حدّه: أي حدالامر الالهي.
     5. المراد من الاخضر: الحامل للارض وهو البحر.
     6. المثْعَنْجِر ـ بكسر الجيم ـ معظم البحر وأكثر مواضعه ماء.
     7. القمقام ـ بفتح القاف وتضّم ـ : البحر أيضاً.
     8. جبل: خلق.
     9. الجلاميد: الصخور الصُلْبة.
     10. النُشُوز ـ جمع نَشْز بسكون الشين وفتحها وفتح النون ـ : ما ارتفع من الارض.
     11. المُتون ـ جمع مَتْن ـ : ما صلب منها وارتفع.
     12. الاطواد: عطف على المتون وهي عظام الناتئات.
     13. مراسيها: ما «رست» أي رسخت فيه.


( 520 )


قَرَارَاتِهَا(1)، فَمَضَتْ رُؤُسُهَا فِي الْهَوَاءِ، وَرَسَتْ أُصُولُهَا فِي الْمَاءِ، فَأَنْهَدَ جِبَالَهَا(2) عَنْ سُهُولِهَا، وَأَسَاخَ قَوَاعِدَهَا(3) فِي متُونِ أَقْطَارِهَا، وَمَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا(4)، فَأشْهَقَ قِلاَلَهَا(5)، وَأَطَالَ أَنْشَازَهَا(6)، وَجَعَلَهَا لِلاَْرْضِ
____________
     1. قرارتها: ما استقرت فيه.
     2. قوله: «أنْهَدَ جبالها...» كأن النشوز والمتون والاطواد كانت في بداية أمرها على ضخامتها غير ظاهرة الامتياز ولا شامخة الارتفاع عن السهول، حتى إذا ارتجت الارض بما أحدثت يد القدرة الالهية في بطونها نهدت الجبال عن السهول فانفصلت كل الانفصال.
     3. أساخ قواعدها: أي جعلها غائصة.
     4. مواضع الانصاب ـ جمع نُصُب ـ : وهو ما جعل عَلَماً يُشهَد فيُقصَد.
     5. قُلّة الجبل: أعلاه. وأشهقها: جعلها شاهقة أي بعيدة الارتفاع.
     6. أطال أنشازها: أي متونها المرتفعة في جوانب الارض.


( 521 )


عِمَاداً، وَأَرَّزَهَا(1) فِيهَا أَوْتَاداً، فَسَكَنَتْ عَلَى حَرَكَتِهَا مِن أَنْ تَمِيدَ(2) بِأَهْلِهَا، أَوْ تَسِيخَ(3) بِحِمْلِهَا، أَوْ تَزُولَ عَنْ مَواضِعِهَا.
     فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بعَْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا، وَأَجْمَدَهَا بَعْدَ رُوطُوبَةِ أَكْنَافِهَا، فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً، وَبَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً! فَوْقَ بَحْر لُجِّيّ رَاكِد لاَ يَجْرِي(4)، وَقَائِم لاَ يَسْرِي، تُكَرْكِرُهُ(5) الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ، وَتَمْخُصُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ(6)، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)

____________
     1. أرّزها ـ بالتشديد ـ : ثبّتها.
     2. تَمِيد: أي تضطرب وتتزلزل.
     3. تَسِيخ ـ كتَسُوخ ـ أي: تغوص في الهواء فتنخسف.
     4. لا يجري: المراد هنا أنه لايسيل في الهواء.
     5. تُكَرْكِرُه: تذهب به وتعود.
     6. الذَوَارِف ـ جمع ذَارِفة ـ : من ذرف الدمع إذا سال.


( 522 )


[ 212 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[كان يستنهض بها أصحابه إلى جهاد أهل الشام في زمانه]


     اللَّهُمَّ أَيُّمَا عَبْد مِنْ عِبَادِكَ سَمِعَ مَقَالَتَنَا الْعَادِلَةَ غَيْرَ الْجَائِرَةِ، وَالْمُصْلِحَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا غَيْرَ الْمُفْسِدَةِ، فَأَبَى بَعْدَ سَمْعِهِ لَهَا إِلاَّ النُّكُوصَ عَنْ نُصْرَتِكَ، وَالاِْبْطَاءَ عَنْ إِعْزَازِ دِينِكَ، فَإِنَّا نَسْتَشْهِدُكَ عَلَيْهِ يَا أَكْبَرَ الشَّاهِدِينَ شَهَادَةً، وَنَسْتَشْهِدُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا اَسْكَنْتَهُ أَرْضَكَ وَسَمَاوَاتِكَ، ثُمَّ أَنْتَ بَعْدُ الْمُغْنِي عَنْ نَصْرِهِ، وَالاْخِذُ لَهُ بِذَنْبِهِ.

[ 213 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[في تمجيدالله وتعظيمه]


     الْحَمْدُ لله الْعَلِيِّ عَنْ شَبَهِ(1) الْـمَخْلُوقِينَ، الْغَالِبِ لِمَقَالِ الْوَاصِفِينَ، الظَّاهِرِ بَعَجَائِبِ تَدْبِيرِهِ لِلنَّاظِرينَ، الْبَاطِنِ بِجَلاَلِ عِزَّتِهِ عَنْ فِكْرِ الْمُتَوَهِّمِينَ، الْعَالِمِ بَلاَ اكْتِسَاب وَلاَ ازْدِيَاد، وَلاَ عِلْم مُسْتَفَاد، الْمُقَدِّرِ لِجَميِعِ الاُْمُورِ بِلاَ رَوِيَّة وَلاَ ضَمِير، الَّذِي لاَ تَغْشَاهُ الظُّلَمُ، وَلاَ يَسْتَضِيءُ بِالاَْنْوَارِ، وَلاَ يَرْهَقُهُ(2) لَيْلٌ، وَلاَ يَجْرِي عَلَيْهِ نَهَارٌ، لَيْسَ إِدْرَاكُهُ بِالاِْبْصَارِ، وَلاَ عِلْمُهُ بِالاِْخْبَارِ.
    
____________
     1. شَبَه ـ بالتحريك ـ : أي مشابهة.
     2. رَهِقَهُ ـ كفرح ـ : غَشِيَهُ.


( 523 )


منها: في ذكر النبي(صلى الله عليه وآله):


     أَرْسَلَهُ بِالضِّيَاءِ، وَقَدَّمَهُ فِي الاصْطِفَاءِ، فَرَتَقَ(1) بِهِ الْمَفَاتِقَ(2)، وَسَاوَرَ بِهِ الْمُغَالِبَ(3)، وَذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ، وَسَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ(4)، حَتَّى سَرَّحَ الضَّلاَلَ، عَنْ يَمِين وَشِمَال.

[ 214 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[يصف جوهر الرسول، ويصف العلماء، ويعظ بالتقوى]


     وَأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ، وَحَكَمٌ فَصَلَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَسَيِّدُ عِبَادِهِ، كُلَّمَا نَسَخَ اللهُ الْخَلْقَ(5) فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا، لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ(6)، وَلاَ ضَرَبَ فِيهِ(7) فَاجِرٌ.
    
____________
     1. الرَتْق: سدّ الفَتْق.
     2. المفاتق: مواضع الفَتْق وهي ما كان بين الناس من فساد وفي مصالحهم من اختلال.
     3. سَاوَرَ به المُغالِبَ أي: واثب بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كل من يغالب الحق.
     4. الحُزُونة: غِلَظ في الارض.
     5. نَسَخَ الخلق: نَقَلَهم بالتناسل عن أصولهم، فجعلهم بعد الوحدة في الاصول فِرَقاً.
     6. العاهر: من يأتي غير حِلّه كالفاجر.
     7. ضرب في الشيء: صار له نصيب منه.


( 524 )


أَلاَ وإِنَّ اللهَ جَعَلَ لِلْخَيْرِ أَهْلاً، وَلِلْحَقِّ دَعَائِمَ، وَلِلطَّاعَةِ عِصَماً(1)، وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدَ كُلِّ طَاعَة عَوْناً مِنَ اللهِ يَقُولُ عَلَى الاَْلْسِنَةِ، وَيُثَبِّتُ الاَْفْئِدَةَ، فِيهِ كِفَاءٌ(2) لِمُكْتَف، وَشِفَاءٌ لِمُشْتَف.

[صفة العلماء]


     وَاعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اللهِ الْمُسْتَحْفَظِينَ(3) عِلْمَهُ، يَصُونُونَ مَصُونَهُ، وَيُفَجِّرُونَ عُيُونَهُ، يَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلاَيَةِ(4)، وَيَتَلاَقَوْنَ بالْـمَحَبَّةِ، وَيَتَسَاقَوْنَ بِكَأْس رَوِيَّة(5)، وَيَصْدُرُونَ بِرِيَّة(6)، لاَ تَشُوبُهُمُ الرِّيبَةُ(7)، وَلاَ تُسْرِعُ فِيهِمْ
____________
     1. العِصَم ـ بكسر ففتح ـ : جمع عصمة وهي ما يعتصم به، وعِصَم الطاعات: الاخلاص لله وحده.
     2. الكِفاء ـ بالكسر ـ : الكافي أو الكِفاية. 3. المستحفَظين ـ بصيغة اسم المفعول ـ : الذين أُودعوا العلم ليحفظوه.
     4. الوِلاية: الموالاة والمصافاة.
     5. الرّوية ـ فعيلة بمعنى فاعلة ـ : أي يروي شرابها من ظمأ التباعد والنُفْرة.
     6. رِيّة ـ بكسر الراء وتشديد الياء ـ : الواحدة من الرِيّ: زوال العطش.
     7. الرِيبة: الشك في العقائد.


( 525 )


الْغِيبَةُ. عَلَى ذلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَأَخْلاَقَهُمْ(1)، فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ، وَبِهِ يَتَوَاصَلُونَ، فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ يُنْتَقَى(2)، فَيُوْخَذُ مِنْهُ وَيُلْقَى، قَد مَيَّزَهُ التَّخْلِيصُ، وَهذَّبَهُ(3) الـتَّمْحيصُ(4).

[العظة بالتقوى]


     فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً(5) بِقَبُولِهَا، وَلْيَحْذَرْ قَارِعَةً(6) قَبْلَ حُلُولِهَا، وَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ، وَقَلِيلِ مُقَامِهِ، فِي مَنْزِل حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلاً، فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ(7)، وَمَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ(8).
    
____________
     1. عقد خلقهم: أي وصل خلقهم الجسماني وأخلاقهم النفسية بهذه الصفات، وأحكم صلتهما بها حتى كأنهما معقودان بها.
     2. كتفاضل البَذْرِ يُنْتَقَى: أي كانوا إذا نسبتهم إلى سائر الناس رأيتهم يفضلونهم ويمتازون عليهم كتفاضل البذر، فان البذر يعتنى بتنقيته ليخلص النبات من الزوان، ويكون النوع صافياً لايخالطه غيره، وبعد التنقية يؤخذ منه ويلقى في الارض، فالبذر يكون أفضل الحبوب وأخلصها.
     3. التهذيب ـ هنا ـ : التنقية.
     4. التمحيص: الاختبار.
     5. الكرامة ـ هنا ـ : النصيحة، أي اقبلوا نصيحة لا ابتغي عليها أجراً إلا قبولها.
     6. القارعة: داعية الموت أو القيامة تأتي بغتةً.
     7. المُتَحَوّل ـ بفتح الواومشددة ـ : ما يُتَحَوّل إليه.
     8. معارف المنتقَل: المواضع التي يعرف الانتقال إليها.


( 526 )


فَطُوبَى لِذِي قَلْب سَلِيم، أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ، وَتَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ، وَأَصَابَ سَبِيلَ السَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ، وَطَاعَةِ هَاد أَمَرَهُ، وَبَادَرَ الْهُدى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ، وَتُقْطَعَ أَسْبَابُهُ، وَاسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ، وَأَمَاطَ الْحَوْبَةَ(1)، فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَهُدِيَ نَهْجَ السَّبِيلِ.

[ 215 ]
ومن دعائه (عليه السلام)
[كان يدعو به كثيراً]


     الْحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يُصبِحْ بِي مَيِّتاً وَلاَ سَقِيماً، وَلاَ مَضْرُوباً عَلَى عُرُوقِي بِسُوء، وَلاَ مَأْخُوذاً بِأَسْوَاَ عَمَلِي، وَلاَ مَقْطُوعاً دَابِرِي(2)، وَلاَ مُرْتَدّاً عَنْ دِينِي، وَلاَ مُنْكِراً لِرَبِّي، وَلاَ مُسْتَوْحِشاً مِنْ إِيمَانِي، وَلاَ مُلْتَبِساً(3) عَقْلِي، وَلاَ مُعَذَّباً بَعَذابِ الاُْمَمِ مِنْ قَبْلِي.
     أَصْبَحْتُ عَبْداً مَمْلُوكاً ظَالِماً لِنَفْسِي، لَكَ الْحُجَّةُ عَلَيَّ وَلاَ حُجَّةَ لِي، لاَ
____________
     1. الحَوْبة ـ بفتح الحاء ـ : الاثم. وإماطتها: تنحيتها.
     2. الدابر: بقية الرجل من ولده ونسله، وأصل الدابر: الظهر، وكنى بقطعه عن الدواعي التي من شأنها قطع القوة وإبادة النسل.
     3. الالتباس: الاختلاط.


( 527 )


أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ إِلاَّ مَا أَعْطَيْتَنِي، وَلاَ أَتَّقِيَ إِلاَّ مَا وَقَيْتَنِي.
     اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَفْتَقِرَ فِي غِنَاكَ، أَوْ أَضِلَّ فِي هُدَاكَ، أَوْ أُضَامَ فِي سُلْطَانِكَ، أَوْ أُضْطَهَدَ وَالاَْمْرُ لَكَ!
     اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَفْسِي أَوَّلَ كَرِيمَة تَنْتَزِعُهَا مِنْ كَرَائِمِي، وَأَوَّلَ وَدِيعَة تَرْتَجِعُهَا مِنْ وَدَائِعِ نِعَمِكَ عِنْدِي!
     اللَّهُمْ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَذْهَبَ عَنْ قَوْلِكَ، أَوْ نُفْتَتَنَ عَنْ دِينِكَ، أَوْ تَتَابَعَ(1) بِنَا أَهْوَاؤُنَا دُونَ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ!

[ 216 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
بصفين


     أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلاَيَةِ أَمْرِكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ، فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الاَْشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ، وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ، لاَيَجْرِي لاَِحَد إِلاَّ جَرَى عَلَيْهِ، وَلاَ يَجْرِي عَلَيْهِ إِلاَّ جَرَى لَهُ، وَلَوْ كَانَ لاَِحَد أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلاَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ، لَكَانَ ذلِكَ خَالِصاً لله سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ، وَلكِنَّهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلاً مِنْهُ، وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ.
    
____________
     1. التتابع: ركوب الامر على خلاف الناس، أراد به هنا الاسراع إلى الشر واللجاجة.


( 528 )


[حق الوالي وحق الرعية]


     ثُمَّ جَعَلَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْض، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ(1) فِي وُجُوهِهَا، وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلاَ يُسْتَوْجَبُ بعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْض.
     وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ، عَلَى الْوَالِي، فَرِيضةً فَرَضَهَا اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لِكُلّ عَلَى كُلّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لاُِلْفَتِهِمْ، وَعِزّاً لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ.
     فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا(2)السُّنَنُ(3)، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الاَْعْدَاءِ.
     وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ(4)، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ
____________
     1. تتكافأ: تتساوى.
     2. أذْلال الطريق: جمع ذِلّ ـ بكسر الذال ـ : مجراه ووسطه وجرت أمور الله أذلالها، وعلى أذلالها، أي: وجوهها. 3. السُنَن: جمع سُنّة.
     4. أجحف بالرعيّة: ظلمهم.


( 529 )


الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الاِْدْغَالُ(1) فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ(2)، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَعُطِّلَتِ الاَْحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ(3) حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِل فُعِلَ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الاَْبْرَارُ، وَتَعِزُّ الاَْشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللهِ عِنْدَ الْعِبَادِ.
     فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذلِكَ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ ـ وَإنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَى اللهِ حِرْصُهُ، وَطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ ـ بِبَالِغ حَقِيقَةَ مَا اللهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ، وَلكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللهِ عَلى العِبَادِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ. وَلَيْسَ امْرُؤٌ ـ وَإنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ ـ بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ(4)عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللهُ مِنْ حَقِّهِ. وَلاَ امْرُؤٌ ـ وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ، وَاقْتَحَمَتْهُ(5) الْعُيُونُ ـ بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلى ذلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ.
     فأجابه(عليه السلام) رجل من أصحابه بكلام طويل، يكثر فيه الثناء عليه، ويذكر
____________
     1. الادغال في الامر: إدخال ما يفسده فيه.
     2. مَحَاجّ السُنَن: جمع مَحَجّة، وهي جادّة الطريق وأوسطها.
     3. لا يستوحش لعظيم: أي لا تأخذ النفوس وحشة أو استغراب، لتعودها على تعطيل الحقوق.
     4. بِفَوْقِ أن يُعان...، أي: بأعلى من أن يحتاج إلى الاعانة، أي بغنى عن المساعدة. 5. اقتحمتْهُ: احتقرته وازدرته.


( 530 )


سمعه وطاعته له.
     فقال(عليه السلام): إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلاَلُ اللهِ فِي نَفْسِهِ، وَجَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ، أَنْ يَصْغُرَ عِنْدَهُ ـ لِعِظَمِ ذلِكَ ـ كُلُّ مَا سِوَاهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ كَانَ كَذلِكَ لَمَنْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، وَلَطُفَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ تَعْظُمْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَى أَحَد إِلاَّ ازْدَادَ حَقُّ اللهِ عَلَيْهِ عِظَماً، وَإِنَّ مِنْ أَسْخَفِ(1) حَالاَتِ الْوُلاَةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ، أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ، وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ.
     وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الاِْطْرَاءَ، وَاسْتَِماعَ الثَّنَاءِ، وَلَسْتُ ـ بِحَمْدِ اللهِ ـ كَذلِكَ، وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لله سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ.
     وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلاَءِ(2)، فَلاَ تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاء، لاِِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللهِ وَ إِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ(3) فِي حُقُوق لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا، وَفَرَائِضَ لاَ بُدَّ مِنْ إِمْضائِهَا، فَلاَ تُكَلِّمُونِي بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَلاَ
____________
     1. أصل «السخف» رقة العقل وغيره، أي ضعفه.
     2. البَلاء ـ هنا ـ : إجهاد النفس في إحسان العمل.
     3. التَقِيّة: الخوف، والمراد لازمه، وهو العقاب.


( 531 )


تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ(1)، وَلاَ تُخَالِطُونِي بالْمُصَانَعَةِ(2)، وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَلاَ الِْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ.
     فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَال بِحَقّ، أَوْ مَشُورَة بِعَدْل، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِىءَ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي(3)، فَإنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُو كُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ، يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَى، وَأَعْطَانَا الْبصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى.

____________
     1. البادرة: الغضب.
     2. المُصَانعة: المُدَاراة.
     3. أملك به مني: أي أشد ملكاً منى.


( 532 )


[ 217 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[في التظلم والتشكي من قريش]


     اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ(1) عَلَى قُرَيْش، فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَأَكْفَأُوا إِنَائِي(2)، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي، وَقَالُوا: أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَفِي الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً، أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً.
     فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ(3)، وَلاَ ذَابٌّ(4) وَلاَ مُسَاعِدٌ، إِلاَّ أَهْلَ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ(5) بِهِمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ، فَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذى(6)، وَجَرِعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا(7)، وَصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الغَيْظِ عَلى أَمَرَّ مِنَ العَلْقَمِ، وَآلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ خَزِّ الشِّفَارِ(8).

      وقد مضى هذا الكلام في أثناء خطبة متقدمة، إلاّ أنّني كرّرتُهُ هاهنا لاختلاف الروايتين.

     ____________
     1. أستعديك: أستعينك لتنتقم لي.
     2. إكفاء الاناء: قلبه، مجاز عن تضييع الحق.
     3. الرافد: المُعِين.
     4. الذابّ: المدافع.
     5. ضننت: أي بخلت.
     6. القذى: ما يقع في العين، وأغضيت على القذى: غضضت الطرف عنه.
     7. الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، يريد به غصة الحزن.
     8. الشِفار ـ جمع شَفْرة ـ : حدّ السيف ونحوه. ووَخْز الشِفار: طعنها الخفيف.


( 533 )


ومنه:
في ذكر السائرين إلى البصرة لحربه(عليه السلام)


     فَقَدِمُوا عَلَى عُمَّالِي، وَخُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي في يَدَيَّ، وَعَلى أَهْلِ مِصْر، كُلُّهُمْ فِي طَاعَتِي وَعَلَى بَيْعَتِي، فَشَتَّتُوا كَلِمَتَهُمْ، وَأَفْسَدُوا عَلَيَّ جَمَاعَتَهُمْ، وَوَثَبُوا عَلى شِيعَتِي، فَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنْهُمْ غَدْراً، وَطَائِفَةٌ عَضُّوا عَلى أَسْيَافِهِمْ(1)، فَضَارَبُوا بِهَا حَتَّى لَقُوا اللهَ صَادِقِينَ.

[ 218 ]
ومن كلام له(عليه السلام)


     لمّا مر بطلحة وعبدالرحمن بن عتاب بن أسيد وهما قتيلان يوم الجمل
     لَقَدْ أَصْبَحَ أَبُو مُحَمَّد بِهذَا الْمَكَانِ غَرِيباً! أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كَنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ قَتْلَى تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ! أَدْرَكْتُ وَتْرِي(2) مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَاف، وَأَفْلَتَتْنِي أَعْيَانُ بَنِي جُمَحَ، لَقَدْ أَتْلَعُوا(3) أَعْنَاقَهُمْ إِلَى أَمْر لَمْ يَكُونُوا أَهْلَهُ فَوُقِصُوا(4) دوُنَهُ.
____________
     1. العض ّ على السيوف: كناية عن الصبر في الحرب وترك الاستسلام.
     2. الوِتْر: الثأر.
     3. أتلعوا: أي رفعوا أعناقهم ومدّوها لتناول أمر، وهو مناوأة أميرالمؤمنين على الخلافة.
     4. وُقِصوا: أي كُسرَت أعناقهم، دون الوصول إليه.


( 534 )


[ 219 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[في وصف السالك الطريق إلى الله سبحانه]


     قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ(1)، وَأَمَاتَ نَفْسَهُ(2)، حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ(3)، وَلَطُفَ غَلِيظُهُ(4)، وَبَرَقَ لَهُ لاَمِعٌ كَثِيرُ الْبَرْقِ، فَأَبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ، وَسَلَكَ بِهِ السَّبِيلَ، وَتَدَافَعَتْهُ الاَْبْوَابُ(5) إِلَى بَابِ السَّلاَمَةِ، وَدَارِ الاِْقَامَةِ، وَثَبَتَتْ رِجْلاَهُ بِطُمَأْنِينَةِ بَدَنِهِ فِي قَرَارِ الاَْمْنِ وَالرَّاحَةِ، بِمَا اسْتَعْمَلَ قَلْبَهُ، وَأَرْضَى رَبَّهُ.

____________
     1. إحياء العقل: بالعلم والفكر والنفوذ في الاسرار الالهية.
     2. إماتة النفس: بكفّها عن شهواتها.
     3. الجليل: العظيم. ودق: أي صغر حتى خفي أوكاد، والمراد نحول بدنه الكثيف.
     4. لَطُفَ غليظه: تلطفت أخلاقه وصفت نفسه.
     5. تَدافَعتهُ الابواب: أي مازال يتنقل من مقام إلى آخر من مقامات الكمال.


( 535 )


[ 220 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
قاله بعد تلاوته: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ(1) * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)


     يَا لَهُ مَرَاماً(2) مَا أَبْعَدَهُ! وَزَوْراً(3) مَا أَغْفَلَهُ(4)! وَخطراً مَا أَفْظَعَهُ! لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ(5) أَيَّ مُذّكر، وَتَنَاوَشُوهُمْ(6) مِنْ مَكَان بَعِيد! أَفَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ! أَمْ بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ! يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ(7)، وَحَرَكَات سَكَنَتْ، وَلاََنْ يَكُونُوا عِبَراً، أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا
____________
     1. ألهاه عن الشيء: صرفه عنه باللهو، أي صرفكم عن الله اللهوُ والتكاثر بمكاثرة بعضكم لبعض وتعديد كل منكم مزايا أسلافه.
     2. المَرام: الطلب بمعنى المطلوب.
     3. الزَوْر ـ بالفتح ـ : الزائرون.
     4. ما أغفلهُ: أي ما أشدّ غفلته.
     5. اسْتَخْلَوْهم: وجدوهم خالين.
     6. تَنَاوَشُوهم: تناولوهم.
     7. خَوَتْ: سقط بناؤها وخلت من أرواحها.


( 536 )


مُفْتَخَراً، وَلاََن يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّة، أَحْجَى(1) مِنْ أَنْ يَقُوموُا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّة!
     لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ(2)، وَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَة، وَلَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ(3)، وَالْرُّبُوعِ(4) الْخَالِيَةِ، لَقَالَتْ: ذَهَبُوا فِي الاَْرْضِ ضُلاَّلاً(5)، وَذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً، تَطَأُونَ فِي هَامِهِمْ(6)، وَتَسْتَنْبِتُونَ(7) فِي أَجْسَادِهِمْ، وَتَرْتَعُونَ(8) فِيَما لَفَظُوا،
____________
     1. أحْجَى: أقرب للحجى أي العقل.
     2. العَشْوَة: ضعف البصر.
     3. الخاوية: المنهدمة.
     4. الربوع: المساكن.
     5. الضّلاّل ـ كعُشّاق ـ : جمع ضال.
     6. هَام ـ جمع هَامة ـ : أعلى الرأس.
     7. تَسْتَنْبِتون: أي تزرعون النبات في أجسادهم.
     8. ترتعون: تأكلون وتتلذذون بما لفظوه، أي طرحوه وتركوه.


( 537 )


وَتَسْكُنُونَ فِيَما خَرَّبُوا، وَإِنَّمَا الاَْيَّامُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ بَوَاك(1) وَنَوَائِحُ(2) عَلَيْكُمْ.
     أُولئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ(3)، وَفُرَّاطُ(4) مَنَاهِلِكُمْ(5)، الَّذِينَ كَانتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ(6) الْعِزِّ، وَحَلَبَاتُ(7) الْفَخْرِ، مُلُوكاً وَسُوَقاً(8)، سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلاً سُلِّطَتِ الاَْرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ، وَشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ(9) قُبُورِهِمْ جَمَاداً لاَ يَنْمُونَ(10)، وَضِماراً(11) لاَ
____________
     1. بَواك: جمع باكية.
     2. نوائح: جمع نائحة.
     3. سلف الغاية: السابق إليها، وغايتهم حد ما ينتهون إليه، وهو الموت.
     4. الفُرّاط ـ جمع فارط ـ وهو كالفَرَط ـ بالتحريك ـ : متقدم القوم إلى الماء ليهيىء لهم موضع الشرب.
     5. المَنَاهِل: مواضع ما تشرب الشاربة من النهر مثلاً.
     6. مَقَاوِم: جمع مَقام. 7. الحَلَبات ـ جمع حَلْبة بالفتح ـ : وهي الدفعة من الخيل في الرِهان.
     8. السُوَق ـ بضم ففتح ـ : جمع سُوقة ـ بالضم ـ : بمعنى الرعية.
     9. الفَجَوات ـ جمع فَجْوة ـ : وهي الفُرْجة، والمراد منها هنا شق القبر.
     10. يَنْمُون: من النماء، وهو الزيادة في الغذاء.
     11. الضِمار ـ ككتاب ـ : المال لايرجى رجوعه.


( 538 )


يُوجَدُونَ، لاَ يُفْزِعُهُمْ وُروُدُ الاَْهْوَالِ، وَلاَ يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الاَْحْوَالِ، وَلاَ يَحْفِلُونَ(1) بِالرَّوَاجِفِ(2)، وَلاَ يَأْذَنُونَ(3) لِلْقَوَاصِفِ(4)، غُيَّباً لاَ يُنْتَظَرُونَ، وَشُهُوداً لاَ يَحْضُرونَ، وَإِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا، وَآلاَفاً(5) فافْتَرَقُوا، وَمَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ، وَلاَ بُعْدِ مَحَلِّهِمْ، عَمِيَتْ أخْبَارُهُمْ، وَصَمَّتْ(6) دِيَارُهُمْ، وَلكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً، وَبِالسَّمْعِ صَمَماً، وَبِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً، فَكَأَنَّهُمْ فِي ارْتِجَالِ الصِّفَةِ(7) صَرْعَى(8)
____________
     1. لايَحْفِلون ـ بكسر الفاء ـ : لايبالون. 2. الرَوَاجِف ـ جمع راجفة ـ : الزلزلة توجب الاضطراب.
     3. يَأذَنُون: يستمعون، والمصدر منه الاَذَن بالتحريك.
     4. القواصف: من قصف الرعد: اشتدت هَدْهَدَته.
     5. آلافاً ـ جمع أليف ـ : أي مؤتلف مع غيره.
     6. صَمّ يَصَمّ ـ بالفتح فيهما ـ : خرس عن الكلام، وخرس الديار: ألاّ يصعد الصوت من سكانها.
     7. ارتجال الصفة: وصف الحال بلا تأمل.
     8. صرعى ـ جمع صريع ـ : أي هالك.


( 539 )


سُبَات(1)، جِيرَانٌ لاَ يَتَأَنَّسُونَ، وَأَحِبَّاءُ لاَ يَتَزَاوَرُونَ، بَلِيَتْ(2) بَيْنَهُمْ عُرَا(3) التَّعَارُفِ، وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الاِْخَاءِ، فَكُلُّهُمْ وَحِيدٌ وَهُمْ جَمِيعٌ، وَبِجَانِبِ الْهَجْرِ وَهُمْ أَخِلاَّءُ، لاَ يَتَعَارَفُونَ لِلَيْل صَبَاحاً، وَلاَ لِنَهَار مَسَاءً.
     أَيُّ الْجَدِيدَيْنِ(4) ظَعَنُوا فِيهِ كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً، شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا، وَرَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا، فَكِلا الْغَايَتَيْنِ(5)مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَة(6)، فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ.
     فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا لَعَيُّوا(7) بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَمَا عَايَنُوا، وَلَئِنْ عَمِيَتْ
____________
     1. السُبات ـ بالضم ـ : أي النوم.
     2. بَلِيَتْ: رثّت وَفَنِيَت.
     3. العُرا ـ جمع عُرْوة ـ : وهي مَقْبِض الدلو والكوز مثلاً.
     4. الجديدان: الليل والنهار.
     5. يريد بالغايتين هنا: الجنة والنار.
     6. المَبَاءة: مكان التبوّء والاستقرار، والمراد منها ما يرجعون إليه في الاخرة.
     7. عَيّوا: عجزوا.


( 540 )


آثَارُهُمْ، وَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ، لَقَدْ رَجَعَتْ فِيهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ(1)، وَسَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ، وَتَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ، فَقَالُوا: كَلَحَتِ(2) الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ(3)، وَخَوَتِ(4) الاَْجْسَادُ النَّوَاعِمُ، وَلَبِسْنَا أَهْدَامَ(5) الْبِلَى، وَتَكَاءَدَنَا(6) ضِيقُ الْمَضْجَعِ، وَتَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ، وَتَهَكَّمَتْ(7) عَلَيْنَا الرُّبُوعُ(8) الصُّمُوتُ(9)، فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا، وَتَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا، وَطَالَتْ فِي مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا، وَلَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْب فَرَجاً، وَلاَ
____________
     1. العِبَر ـ جمع عِبْرة ـ : وهي ما يعتبر به، ويتخذ موعظة
     2. كَلَح ـ كمنع ـ كُلُوحاً: تكشّر في عُبوس.
     3. النواضر: الحسنة البواسم.
     4. خَوَت: تهدمت بنيتها.
     5. الاهدام ـ جمع هدم بكسر الهاء ـ : الثوب البالي أو المرقع.
     6. تَكَاءدَهُ الامرُ: أي شقّ عليه. 7. تهكّمت: المراد هنا تهدمت.
     8. الرُبُوع: أماكن الاقامة.
     9. الصُموت: جمع صامت، والمراد بها القبور.


( 541 )


مِنْ ضِيق مُتَّسعاً!
     فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ، أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ، وَقَدِ ارْتَسَخَتْ(1) أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ(2) فَاسْتَكَّتْ(3)، وَاكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَابِ فَخَسَفَتْ(4)، وَتَقَطَّعَتِ الاَْلْسِنَةُ فِي أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلاَقَتِهَا(5)، وَهَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِي صُدُورِهِمْ بَعْدَ يَقَظَتِهَا، وعَاثَ(6) فِي كُلِّ جَارِحَة مِنْهُمْ جدِيدُ بِلىً(7) سَمَّجَهَا(8)، وَسَهَّلَ طُرُقَ الاْفَةِ إِلَيْهَا، مُسْتَسْلِمَات فَلاَ أَيْد تَدْفَعُ، وَلاَ قُلُوبٌ تَجْزَعُ، لَرَأَيْتَ أَشْجَانَ قُلُوب(9)، وَأَقْذَاءَ عُيُون(10)، لَهُمْ فِي كَلِّ فَظَاعَة صِفَةُ
____________
     1. ارتسخ: مبالغة في رسخ، ورسخ الغدير: نش ماؤه، أي أخذ في النقصان ونضب. 2. الهوام: الديدان.
     3. استكّت الاذن: صمّت.
     4. خسفت عين فلان: فقئت.
     5. ذلاقة الالسن: حدتها في النطق.
     6. عاث: أفسد.
     7. البِلى: التحلل والفناء.
     8. سمّج الصورة تسميجاً: قبّحها.
     9. أشجان القلوب: همومها.
     10. أقذاء العيون: ما يسقط فيها فيؤلمها.


( 542 )


حَال لاَ تَنْتَقِلُ، وَغَمْرَةٌ(1) لاَ تَنْجَلِي.
     فَكَمْ أَكَلَتِ الاَْرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَد، وَأَنِيقِ(2) لَوْن، كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ(3) تَرَف، وَرَبِيبَ(4) شَرَف! يَتَعَلَّلُ(5) بالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ، وَيَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَةِ(6) إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ، ضَنّاً(7) بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ(8)، وَشَحَاحَةً(9) بِلَهْوِهِ وَلَعِبِهِ!
    
____________
     1. الغَمْرة: الشدة.
     2. الانيق: رائق الحسن.
     3. الغَذِيّ: اسم بمعنى المفعول أي مغذّى بالنعيم. 4. الربيب: بمعنى المربى، ربّه يربّه أي رباه.
     5. يتعلّل: يتشاغل.
     6. السلوة: انصراف النفس عن الالم بتخيّل اللذة. 7. ضناً: أي بخلاً.
     8. غَضارة العيش: طيبه.
     9. شحاحةً: بخلاً وضناً.


( 543 )


فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وَتَضْحَكُ إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْش غَفُول(1)، إِذْ وَطِىءَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ(2)، وَنَقَضَتِ الاَْيَّامُ قُوَاهُ، وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ(3) مِنْ كَثَب(4)، فَخَالَطَهُ(5) بَثٌّ(6) لاَ يَعْرِفُهُ، وَنَجِيُّ(7) هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ، وَتَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ(8) عِلَل، آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ، فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ الاَْطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِينِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ(9)، وَتَحْرِيكِ الْبَارِدِ بالْحَارِّ، فَلَمْ يُطْفِىءْ
____________
     1. عيش غَفول: وصف العيش بالغفلة لانه إذا كان هنيئا يوجبها.
     2. الحَسَك: نبات تعلق قشر ته بصوف الغنم، ورقه كورق الرجلة أو أدق، وعند ورقه شوك ملزز صلب ذوثلاث شُعب، وهو تمثيل لمسّ الالام.
     3. الحُتوف: المهلكات، وأصل الحَتْف: الموت.
     4. كَثَب ـ بالتحريك ـ : أي قُرْب.
     5. خالطه الحزن: مازج خواطره.
     6. البَثّ: الحزن.
     7. النَجِيّ: المُناجي.
     8. الفَترات: جمع فتْرة، وهي المدة من الزمن، ويريد بفترات العلل أوائلَ السقم والمرض وانحطاط القوة.
     9. القارّ ـ بتشديد الراء على وزن اسم الفاعل ـ هنا: البارد.


( 544 )


بِبَارِد إِلاَّ ثَوَّرَ حَرَارَةً، وَلاَ حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلاَّ هَيَّجَ بُرُودَةً، وَلاَ اعْتَدَلَ بِمُمَازِج(1) لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلاَّ أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاء، حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ(2)، وَذَهَلَ مُمَرِّضُهُ، وَتَعَايَا أَهْلُهُ(3)بِصِفَةِ دَائِهِ، وَخَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّائِلِينَ عَنْهُ، وَتَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِيَّ خَبَر يَكْتُمُونَهُ، فَقَائِلٌ [يَقُولُ] هُو لِمَا بِهِ(4)، وَمُمَنّ(5) لَهُمْ إِيَابَ(6) عَافِيَتِهِ، وَمُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى فَقْدِهِ، يُذَكِّرُهُمْ أُسَى(7) الْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ.
     فَبَيْنَا هُوَ كَذلِكَ عَلَى جَنَاح مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا، وَتَرْكِ الاَْحِبَّةِ، إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ، فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ(8)، وَيَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ، فَكَمْ
____________
     1. اعتدل بممازج: أي طلب تعديل مزاجه بدواء يمازج ما فيه من الطبائع.
     2. مُعَلّل المريض: من يسليه عن مرضه بترجية الشفاء.
     3. تَعَايا أهله: اشتركوا في العجز عن وصف دائه. 4. هو لِمَا به: أي هو مملوك لعلته فهو هالك.
     5. المُمَنّى: مخيّل الامنية.
     6. الاياب: الرجوع.
     7. أُسى: جمع أُسوة.
     8. نوافذ الفِطْنة: ما كان من أفكار نافذة أي مصيبة للحقيقة.


( 545 )


مِنْ مُهِمّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ(1) عَنْ رَدِّهِ، وَدُعَاء مُؤْلِم لِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عنْهُ، مِنْ كَبِير كَانَ يُعَظِّمُهُ، أَوْ صَغِير كَانَ يَرْحَمُهُ! وَإِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَات(2) هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَة، أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ(3) أَهْلِ الدُّنْيَا.

[ 221 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
قاله عند تلاوته:
(رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ)


     إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الذِّكْرَ(4) جِلاَءً(5) لِلْقُلُوبِ، تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ(6)، وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ(7)، وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ، وَمَا بَرِحَ لله ـ عَزَّتْ آلاَؤهُ
____________
     1. عَيّ: عجز لضعف القوة المحركة للسانه.
     2. الغَمرات: الشدائد، ويريد بها هنا سَكَرات الموت. 3. تعتدل على عقولهم: أي تستقيم عليها بالقبول والادراك.
     4. الذّكر: استحضار الصفات الالهية.
     5. جِلاء ـ بالكسر ـ : من جلا السيف يجلوه إذا صقله وأزال منه صدأه.
     6. الوَقْرَة: ثِقَل في السمع.
     7. العَشْوة: ضعف البصر.


( 546 )


ـ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ، وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ(1)، عِبَادٌ نَاجَاهُمْ(2) فِى فِكْرِهِمْ، وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ، فَاسْتَصْبَحُوا(3) بِنُورِ يَقَظَة فِي الاَْسْمَاعِ وَالاَْبْصَارِ وَالاَْفْئِدَةِ، يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللهِ، وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ، بِمَنْزِلَةِ الاَْدِلَّةِ(4) فِي الْفَلَوَاتِ(5)، مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ(6) حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ، وَبَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ، وَمَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَشِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ، وَحَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ، فَكَانَوا كَذلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ، وَأَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ.
     وَإِنَّ لِلذِّكْرِ لاََهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلاً، فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْهُ، يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ، وَيَهْتِفُونَ(7) بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ، في أَسْمَاعِ
____________
     1. الفَتْرة بين العملين: زمان بينهما يخلو منهما، والمراد: أزمنة الخلوّ من الانبياء مطلقاً.
     2. ناجاهم: أي خاطبهم بالالهام.
     3. استصبح: أضاء مصباحه.
     4. الادلة: الذين يدلون المسافرين على الطريق.
     5. الفَلَوات: المَفَازَات والقِفار.
     6. أخذ القصد: ركب الاعتدال في سلوكه.
     7. هَتَفَ به ـ كضرب ـ : صاح ودعا، وهتفت الحمامة: صاتت.


( 547 )


الْغَافِلِينَ، وَيَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ(1) وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ(2)، وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ، فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الاْخِرَةِ وَهُمْ فِيهَا، فَشَاهَدُوا مَاوَرَاءَ ذَلِكَ، فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِي طولِ الاِْقَامَةِ فِيهِ، وَحَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا(3)، فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذلِكَ لاَِهْلِ الدُّنْيَا، حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَى النَّاسُ، وَيَسمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ.
     فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ(4) الْـمَحْمُودَةِ، وَمَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ، وَقَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ(5) أَعْمَالِهِمْ، وَفَرَغُوا لِـمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ صَغِيرَة وَكَبِيرَة أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا، أَوْ نُهوُا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فِيهَا، وَحَمَّلُوا ثِقَلَ أَوْزَارِهِمْ(6) ظُهُورَهُمْ، فَضَعُفُوا عَنِ الاْسْتِقلاَلِ بِهَا، فَنَشَجُوا(7) نَشِيجاً،
____________
     1. القِسْط: العدل.
     2. يأتمرون به: يمتثلون الامر.
     3. العِدَات ـ جمع عِدَة بكسر ففتح مخفف ـ : الوعود.
     4. مَقاوِم ـ جمع مَقام ـ : مقاماتهم في خطاب الوعظ.
     5. الدواوين: جمع ديوان وهو مجتمع الصحف. والدفتر: ما يكتب فيه أسماء الجيش وأهل الاعطيات.
     6. الاوزار ـ جمع وِزْر ـ : الحِمْل، ويراد بها هنا الذنوب.
     7. نَشَجَ الباكي يَنْشِج ـ كضرب يضرب ـ نشيجاً: غصّ بالبكاء في حلقه.


( 548 )


وَتَجَاوَبُوا نَحِيباً(1)، يَعِجُّونَ(2) إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَم وَاعْتِرَاف، لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ هُدىً، وَمَصَابِيحَ دُجىً، قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَفُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّماءِ، وَأَعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ، فِي مَقْعَد اطَّلَعَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ، وَحَمِدَ مَقَامَهُمْ، يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ(3) التَّجَاوُزِ، رَهَائِنُ فَاقَة إِلَى فَضْلِهِ، وَأُسَارَى ذِلَّة لِعَظَمَتِهِ، جَرَحَ طُولُ الاَْسَى(4) قُلُوبَهُمْ، وَطُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ. لِكُلِّ بَابِ رَغْبَة إِلَى اللهِ سُبحانَهُ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعةٌ، يَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ(5)، وَلاَ يَخِيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ.
     فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الاَْنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ.

____________
     1. النَحِيب: أشد البكاء. وتجاوبوا به: أجاب بعضهم بعضاً يتناحبون.
     2. عجّ: يَعِجّ ـ كضرب ومل ـ : صاح ورفع صوته، فهم يصيحون في مواقف الندم والاعتراف بالخطا.
     3. تنسّمَ النسيمَ: تشمّمه. والرَوْح ـ بالفتح ـ : النسيم، أي يتوقعون التجاوز بدعائهم له.
     4. الاسى: الحزن.
     5. المَنَادح ـ جمع منْدوحة ـ : وهي كالنُدْحة ـ بالضم والفتح ـ . والمُنْتَدَح ـ بفتح الدال ـ : المتسع من الارض.


( 549 )


[ 222 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
قاله عند تلاوته:
(يَا أَيُّهَا الاِْنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ)


     أَدْحَضُ مَسْؤُول حُجَّةً(1)، وَأَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَةً، لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَةً بِنَفْسِهِ(2).
     يَا أَيُّهَا الاِْنْسَانُ، مَا جَرَّأَكَ عَلَى ذَنْبِكَ، وَمَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ، وَمَا آنَسَكَ بِهَلَكَةِ نَفْسِكَ؟ أَمَا مِنْ دَائِكَ بُلوُلٌ(3)، أَمْ لَيْسَ مِنْ نَوْمَتِكَ يَقَظَةٌ؟ أَمَا ترْحَمُ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَرْحَمُ مِنْ غَيْرِكَ؟ فَلَرُبَّمَا تَرَى الضَّاحِيَ(4) مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَتُظِلُّهُ، أَوْ تَرَى الْمُبْتَلَى بِأَلَم يُمِضُّ جَسَدَهُ(5) فَتَبْكِي رَحْمَةً لَهُ! فَمَا صَبَّرَك عَلَى دَائِكَ، وَجَلَّدَكَ عَلَى مُصَابِكَ، وَعَزَّاكَ عَنِ الْبُكَاءِ عَلَى نَفْسِكَ وَهِيَ أَعَزُّ الاَْنْفُسِ عَلَيْكَ! وَكَيْفَ لاَ يُوقِظُكَ خَوْفُ بَيَاتِ نِقْمَة(6)، وَقَدْ تَوَرَّطْتَ بمَعَاصِيهِ مَدَارِجَ سَطَوَاتِهِ!
____________
     1. دَحَضَت الحجّةُ ـ كمنع ـ : بَطَلَت.
     2. أبرح جهالة بنفسه أي: أعجبته نفسه بجهالتها.
     3. بَلّ مرضُهُ يَبِلّ ـ كقلّ يقلّ ـ بُلولاً: حسنت حاله بعد هُزال.
     4. ضحا ضَحْواً: برز في الشمس.
     5. يُمِضّ جسده: يبالغ في نهكه.
     6. بَيَات نِقْمة: أي أن تبيت بنقمة من الله ورزية تذهب بنعيمك وقد وقعت بمعاصيه.


( 550 )


فَتَدَاوَ مِنْ دَاءِ الْفَتْرَةِ فِي قَلْبِكَ بِعَزِيمَة، وَمِنْ كَرَى(1) الْغَفْلَةِ فِي نَاظِرِكَ بِيَقَظَة، وَكُنْ لله مُطِيعاً، وَبِذِكْرِهِ آنِساً، وَتَمَثَّلْ(2) فِي حَالِ تَوَلِّيكَ(3) عَنْهُ إِقْبَالَهُ عَلَيْكَ، يَدْعُوكَ إِلَى عَفْوِهِ، وَيَتَغَمَّدُكَ(4) بِفَضْلِهِ، وَأَنْتَ مُتَوَلٍّ عنْهُ إِلَى غَيْرِهِ.
     فَتَعَالى مِنْ قَوِيّ مَا أَكْرَمَهُ! وَتَوَاضَعْتَ مِنْ ضَعِيف مَا أَجْرَأَكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ! وَأَنْتَ فِي كَنَفِ سِتْرِهِ مُقيِمٌ، وَفِي سَعَةِ فَضْلِهِ مَتَقَلِّبٌ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ فَضْلَهُ، وَلَمْ يَهْتِكْ عَنْكَ سِتْرَهُ، بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرِفَ عَيْن(5) فِي نِعْمَة يُحْدِثُهَا لَكَ، أَوْ سَيِّئَة يَسْتُرُهَا عَلَيْكَ، أَوْ بَلِيَّة يَصْرِفُهَا عَنْكَ، فَمَا ظَنُّكَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ! وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ هذِهِ الصِّفَةَ كَانَتْ فِي مُتَّفِقَيْنِ فِي الْقُوَّةِ، مُتَوَازِيَيْنِ فِي الْقُدْرَِ، لَكُنْتَ أَوَّلَ حَاكِم عَلى نَفْسِكَ بِذَمِيمِ الاَْخْلاَقِ، وَمَسَاوِىءِ الاَْعَمْالِ.
    
____________
     1. الكَرَى ـ بالفتح والقصر ـ : النوم.
     2. تمثّل: تصور.
     3. تَوَلّيك: إعراضك.
     4. يتغمدك: أي يغمرك ويسترك.
     5. طَرَفَ عينه ـ كضرب ـ : أطبق جفْنَيْها، والمراد من المَطْرَف: اللحظة يتحرك فيها الجفن.


( 551 )


وَحَقّاً أَقُولُ! مَا الدُّنْيَا غَرَّتْكَ، وَلكِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ، وَلَقَدْ كَاشَفَتْكَ الْعِظَاتِ(1)، وَآذَنَتْكَ(2) عَلَى سَوَاء، وَلَهِيَ بِمَا تَعِدُكَ مِنْ نُزُولِ الْبَلاَءِ بِجِسْمِكَ، وَالنَّقْصِ فِي قُوَّتِكَ، أَصْدَقُ وَأَوْفَى مِنْ أَنْ تَكْذِبَكَ، أَوْ تَغُرَّكَ، وَلَرُبَّ نَاصِح لَهَا عِنْدَكَ مُتَّهَمٌ(3)، وَصَادِق مِنْ خَبَرِهَا مُكَذَّبٌ، وَلَئِنْ تَعَرَّفْتهَا(4) فِي الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ، وَالرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ، لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْكِيرِكَ، وَبَلاَغِ مَوْعِظَتِكَ، بِمَحَلَّةِ الشَّفِيقِ عَلَيْكَ، وَالشَّحِيحِ بك(5)! وَلَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا دَاراً، وَمَحَلُّ مَنْ لَمْ يُوَطِّنْهَا(6) مَحَلاًّ! وَإِنَّ السُّعَدَاءَ بالدُّنْيَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ مِنْهَا الْيَوْمَ.
    
____________
     1. كاشَفَتْكَ العظاتِ ـ بالنصب على نزع الخافض ـ : أظهرت لك العظات أي المواعظ.
     2. آذنتك: أعلمتك على عدل.
     3. رب ناصح لها عندك مُتّهم: رب حادث من حوادثها يلقي إليك النصيحة بالعِبْرة فتتّهمه وهو مخلص.
     4. تعرّفتها: طلبت معرفتها وعاقبة الركون إليها.
     5. الشحيح بك: البخيل بك على الشقاء والهَلَكة.
     6. وطّنه ـ بالتشديد ـ : اتخذه وطناً.


( 552 )


إِذَا رَجَفَتِ الرَّاجِفَةُ(1)، وَحَقَّتْ(2) بِجَلاَئِلِهَا الْقِيَامَةُ، وَلَحِقَ بِكُلِّ مَنْسَك(3) أَهْلُهُ، وَبِكُلِّ مَعْبُود عَبَدَتُهُ، وَبِكُلِّ مُطَاع أَهْلُ طَاعَتِهِ، فَلَمْ يُجْزَ(4) فِي عَدْلِهِ وَقِسْطِهِ يَوْمَئِذ خَرْقُ بَصَر فِي الْهَوَاءِ، وَلاَ هَمْسُ قَدَم فِي الاَْرْضِ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَكَمْ حُجَّة يَوْمَ ذَاكَ دَاحِضَة، وَعَلاَئِقِ عُذْر مُنْقَطِعَة!
     فَتَحَرَّ(5) مِنْ أَمْرِكَ مَايَقُومُ بِهِ عُذْرُكَ، وَتَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُكَ، وَخُذْ مَا يَبْقَى لَكَ مِمَّا لاَ تَبْقَى لَهُ، وَتَيَسَّرْ(6) لِسَفَرِكَ، وَشِمْ بَرْقَ(7) النَّجَاةِ، وَارْحَلْ مَطَايَا(8) التَّشْمِيرِ.
    
____________
     1. الراجفة: النفخة الاولى حين تهب ريح الفناء فتنسف الارض نسفاً.
     2. حقّت القيامة: وقعت وثبتت بعظائمها.
     3. المَنْسَك ـ بفتح الميم والسين ـ : العبادة أو مكانها. 4. لم يُجْزَ ـ من الجزاء ـ : مبني للمجهول ونائب فاعله «خَرْقُ بصر» و«هَمْسُ قدم»، أي لاتجازَى لمحة البصر تنفذ في الهواء ولا همسة القدم في الارض إلاّ بحق، وذلك بعدل الله.
     5. تَحَرّ: من التحري، أي اطلب ما هو أحرى وأليق.
     6. تيسر: تأهب.
     7. شامَ البرق: لمحه.
     8. رَحَل المطيةَ: وضع عليها رحلها للسفر.


( 553 )


[ 223 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[يتبرّأ من الظلم]


     وَاللهِ لاََنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ(1) مُسَهَّداً(2)، أَوْ أُجَرَّ فِي الاَْغْلاَلِ مُصَفَّداً(3)، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وَغَاصِباً لِشَيْء مِنَ الْحُطَامِ، وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْس يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا(4)، وَيَطُولُ فِي الثَّرَى(5) حُلُولُهَا؟!
     وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَقَدْ أمْلَقَ(6) حَتَّى اسْتماحَنِي(7) مِنْ بُرِّكُمْ(8)
____________
     1. كأنه يريد من الحَسَك: الشوك. والسَعْدان: نبت ترعاه الابل له شوك تشبه به حلمة الثدي.
     2. المُسَهّد: من سهّده إذا أسهره.
     3. المصفّد: المقيّد.
     4. قُفولها: رجوعها.
     5. الثرى: التراب.
     6. أمْلَقَ: افتقر أشدّ الفقر.
     7. استماحني: استعطاني.
     8. البُرّ: القمح.


( 554 )


صَاعاً، وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ(1)[ الشُّعُورِ، غُبْرَ(2) ] الاَْلْوَانِ، مِنْ فَقْرِهِمْ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ(3)، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً، وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمَعِي، فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي، وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ(4)، مُفَارِقاً طَرِيقِي، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً، ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَف(5) مِنْ أَلَمِهَا، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا(6)، فَقُلْتُ لَهُ : ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ(7)، يَا عَقِيلُ ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَة أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَار سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ! أَتَئِنُّ مِنَ الاَذَى وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظىً(8)؟!
    
____________
     1. شُعْث: جمع أشْعثْ، وهو من الشعر المتلبد بالوسخ.
     2. الغُبْر ـ بضم الغين، جمع أغبر ـ : متغير اللون شاحبه.
     3. العِظْلِم ـ كزِبْرج ـ : سواد يصبغ به، قيل هو النيلج أي النيلة.
     4. القِياد: ما يُقادُ به كالزِمام.
     5. الدَنَف ـ بالتحريك ـ : المرض.
     6. المِيسَم ـ بكسر الميم وفتح السين ـ : المكْواة.
     7. ثَكِلَ ـ كفرح ـ : أصاب ثُكْلاً ـ بالضم ـ وهو فقدان الحبيب أو خاص بالولد. والثواكل: النساء.
     8. لَظَى: اسم جهنم.


( 555 )


وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَة(1) فِي وِعَائِهَا، وَمَعْجُونَة شَنِئْتُهَا(2)، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِريقِ حَيَّة أَوْ قَيْئِهَا، فَقُلْتُ: أَصِلَةٌ(3)، أَمْ زَكَاةٌ، أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ! فَقَالَ: لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ، وَلكِنَّهَا هَدِيَّةٌ، فَقُلْتُ: هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ(4)! أَعَنْ دِينِ اللهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي؟ أَمُخْتَبِطٌ(5) [ أَنْتَ ]أَمْ ذُوجِنَّة(6)، أَمْ تَهْجُرُ(7)؟ وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاَْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ(8) شَعِيرَة مَا فَعَلْتُهُ، وَإِنَّ
____________
     1. الملفوفة: نوع من الحلواء أهداها الاشعث بن قيس إلى عليّ.
     2. شَنِئْتها: أي كرهتها.
     3. الصلة: العطية.
     4. هَبِلَتْكَ ـ بكسر الباء ـ : ثكلتك; والهَبُول ـ بفتح الهاء ـ : المرأة لا يعيش لها ولد.
     5. أمُخْتَبِطٌ في رأسك: أمختلّ نظام إدراكك؟
     6. ذوجِنّة: من أصابه مسّ من الشيطان.
     7. تهجر: أي تهذي بما لا معنى له في مرض ليس بصرع.
     8. جلب الشعيرة: قشرتها. وأصل الجلْب غطاء الرحل فتجوّزَ في إطلاقه على غطاء الحبة.


( 556 )


دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لاََهْوَنُ مِنْ وَرَقَة فِي فَمِ جَرَادَة تَقْضَمُهَا(1)، مَا لِعَلِيّ وَلِنَعِيم يَفْنَى، وَلَذَّة لاَ تَبْقَى!
     نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ، وَقُبْحِ الزَّلَلِ(2)، وَبِهِ نَسْتَعِينُ.

[ 224 ]
ومن دعاء له(عليه السلام)
[يلتجىء إلى الله أن يغنيه]


     اللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِي(3) بِالْيَسَارِ(4)، وَلاَتَبْذُلْ جَاهِيَ(5) بِالاِْقْتَارِ(6)، فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقِكَ، وَأَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ،وَأُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي، وَأُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي، وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ الاِْعْطَاءِ والْمَنْعِ،(إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ)
____________
     1. قَضِمَتِ الدابّةُ الشعيرَ ـ من باب عَلِمَ ـ : كسرته بأطراف أسنانها.
     2. سُبات العقل: نومه. والزَلَل: السقوط في الخطأ.
     3. صيانة الوجه: حفظه من التعرض للسؤال.
     4. اليسار: الغنى.
     5. بذل الجاه: إسقاط المنزلة من القلوب.
     6. الاقتار: الفقر.


( 557 )


[ 225 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[في التنفير من الدنيا]


     دَارٌ بِالْبَلاَءِ مَحْفُوفَةٌ، وَبِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ، لاَ تَدُومُ أَحْوَالُهَا، وَلاَ يَسْلَمُ نُزَّالُهَا(1).
     أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَتَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ(2)، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ، وَالاَْمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ، وَإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتهْدَفَةٌ(3)، تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا، وَتُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا(4).
     وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّكُم وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ هذِهِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى قَبْلَكُمْ، مِمَّنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَاراً، وَأَعْمَرَ دِيَاراً، وَأَبْعَدَ آثَاراً(5)، أَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً، وَرِيَاحُهُمْ رَاكِدَةً(6)، وَأَجْسَادُهُمْ
____________
     1. النُزّال ـ بالضم وتشديد الزاي ـ : جمع نازل.
     2. متصرفة: متنقلة متحولة.
     3. مُسْتَهْدِفة ـ بكسر الدال ـ : منتصبة مهيّأة للرمي.
     4. الحِمام ـ بالكسر ـ : الموت.
     5. بعد الاثار: طول بقائها بعد ذَوِيها.
     6. راكدة: ساكنة، وركود الريح كناية عن انقطاع العمل وبطلان الحركة.


( 558 )


بِالِيَةً، وَدِيَارُهُمْ خَالِيَةً، وَآثَارُهُمْ عَافِيَةً(1)، فَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ الْمُشَيَّدَةِ، وَالـنَّمارِقِ(2) الْمُمَهَّدَةِ(3)، الصُّخُورَ وَالاَْحْجَارَ الْمُسَنَّدَةَ، وَالْقُبُورَ اللاَّطِئَةَ(4) الْمُلْحَدَةَ(5)، الَّتي قَدْ بُنِيَ عَلَى الْخَرَابِ فِنَاؤُهَا(6)، وَشُيِّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤُهَا، فَمَحَلُّهَا مُقْتَرِبٌ، وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ، بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّة مُوحِشِينَ، وَأهْلِ فَرَاغ مُتَشَاغِلِينَ، لاَيَسْتَأْنِسُونَ بِالاَْوْطَانِ، وَلاَ يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْجِيْرَانِ، عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ الْجِوَارِ، وَدُنُوِّ الدَّارِ، وَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَزَاوُرٌ، وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ(7) الْبِلَى(8)، وَأَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ(9)
____________
     1. آثارهم عافية: أي مندرسة.
     2. النمارق ـ جمع نُمْرُقة ـ : تطلق على الوِسادة الصغيرة وعلى الطنفسة أي البساط ولعله المراد هنا.
     3. الممهّدة: المفروشة.
     4. لطأ بالارض ـ كمنع وفرح ـ : لصق.
     5. المُلْحَدَة ـ من ألحد القبر ـ : جعل له لحداً أي شقاً في وسطه أو جانبه.
     6. فِناء الدار ـ بالكسر ـ : ساحتها وما اتسع أمامها.
     7. الكَلْكَل: هو صدر البعير.
     8. البِلى ـ بكسر الباء ـ : أي الفناء.
     9. الجنادل: الحجارة.


( 559 )


وَالثَّرَى(1)؟!
     وَكَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَاروا إِلَيْهِ، وَارْتَهَنَكُمْ ذلِكَ الْمَضْجَعُ(2)، وَضَمَّكُمْ ذلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ، فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ تَنَاهَتْ بِكُمُ الاُْمُورُ(3)، وبُعْثِرَتِ الْقُبُورُ؟!(4): (هُنَالِكَ تَبْلُو(5) كُلُّ نَفْس مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كَانُوا يفْتَرُون)

____________
     1. الثرى: التراب.
     2. ارتهنكم ذلك المضجع: أي لقرب آجالكم كأنكم قد صرتم إلى مصيرهم وحُبستم في ذلك المضجع كما يحبس الرهن في يد المرتهن.
     3. تناهى به الامر: وصل إلى غايته، والمراد انتهاء مدة البرزخ.
     4. بُعثرت القبور: قُلِب ثراها وأخرج موتاها.
     5. تَبْلُوه: تخبره فتقف على خيره وشره.


( 560 )


[ 226 ]
ومن دعاء له(عليه السلام)
[يلجأ فيه إلى الله لِيهديه إلى الرشاد]


     اللَّهُمَّ إِنَّكَ آنَسُ(1) الاْنِسِينَ لاَِوْلِيَائِكَ، وَأَحْضَرُهُمْ بِالْكِفايَةِ لِلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ، تُشَاهِدُهُمْ فِي سَرَائِرِهِمْ، وَتَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي ضَمائِرِهِمْ، وَتَعْلَمُ مَبْلَغَ بَصَائِرِهِمْ، فَأَسْرَارُهُمْ لَكَ مَكْشُوفَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ إِلَيْكَ مَلْهُوفَةٌ(2)، إِنْ أَوْحَشَتْهُمُ الْغُرْبَةُ آنَسَهُمْ ذِكْرُكَ، وَإِنْ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ لَجأُوا إِلَى الاِْسْتِجَارَةِ بِكَ، عِلْماً بَأَنَّ أَزِمَّةَ الاُْمُورِ بِيدِكَ، وَمَصَادِرَهَا عَنْ قَضَائِكَ.
     اللَّهُمَّ إِنْ فَهِهْتُ(3) عَنْ مسْأَلَتِي، أَوْ عَمِيتُ عَنْ طِلْبَتِي(4)، فَدُلَّنِي عَلَى مَصَالِحِي، وَخُذْ بِقَلْبِي إِلَى مَرَاشِدِي(5)، فَلَيْسَ ذَاكَ بِنُكْر(6) مِنْ هِدَايَاتِكَ، وَلاَ بِبِدْع(7) مِنْ كِفَايَاتِكَ.
     اللَّهُمَّ احْمِلْنِي عَلَى عَفْوِكَ، وَلاَ تَحْمِلْنِي عَلَى عدْلِكَ.
____________
     1. آنس: أشد أنساً.
     2. الملْهوف: المضطر يستغيث ويتحسّر.
     3. فَهِهَ ـ كفرح ـ : عيّ فلم يستطع البيان.
     4. الطِلْبة ـ بكسر الطاء ـ : المطلوب.
     5. المَرَاشد: مواضع الرشد.
     6. النُكْر ـ بالضم ـ : المُنْكَر.
     7. البِدْع ـ بالكسر ـ : الامر يكون أولاً أي الغريب غيرالمعهود.


( 561 )


[ 227 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[يريد به بعض أصحابه]


     لله بلادُ(1) فُلاَن، فَلَقَدْ قَوَّمَ(2) الاَْوَدَ، وَدَاوَى الْعَمَدَ(3)، وَأَقَامَ السُّنَّةَ، وَخَلَّفَ الْفِتْنَةَ(4)! ذَهَبَ نَقِيَّ الثَّوْبِ، قَلِيلَ الْعَيْبِ، أَصَابَ خَيْرَهَا، وَسَبَقَ شَرَّهَا، أَدَّى إِلَى اللهِ طَاعَتَهُ، وَاتَّقَاهُ بِحَقِّهِ، رَحَلَ وَتَرَكَهُمْ فِي طُرُق مَتَشَعِّبَة(5)، لاَ يَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّ، وَلاَ يَسْتَيْقِنُ الْمُهْتَدِي.

____________
     1. كذا في المخطوطتين، وفي النسخ المطبوعة: بلاء.
     وأصل هذا الكلام حكاه الامام علي(عليه السلام) عن النادبة أو الباكية لهذا البعض من الاصحاب، كما نقله ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق، المجلد 52 و 53، الصفحة 392-393، وفي آخره جاء: فقال علي: والله ما قالت ولكنها قوّلت! [المصحّح].
     2. قَوّمَ الاوَدَ: عَدّلَ الاعوجاج.
     3. العَمَد ـ بالتحريك ـ : العلة.
     4. خَلّفَ الفتنة: تركها خلفاً، لاهو أدركها ولا هي أدركته.
     5. متشعّبة: متباينة مختلفة.


( 562 )


[ 228 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
في وصف بيعته بالخلافة


     وقد تقدم مثله بألفاظ مختلفة
     وَبَسَطْتُمْ يَدِي فَكَفَفْتُهَا، وَمَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا، ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ(1) تَدَاكَّ الاِْبِلِ الْهِيمِ(2) عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، حَتَّى انْقَطَعَتِ النَّعْلُ، وَسَقَطَ الرِّدَاءُ، وَوُطِىءَ الضَّعِيفُ، وَبَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ أَنِ ابْتَهَجَ بِهَا الصَّغِيرُ، وَهَدَجَ(3) إِلَيْهَا الْكَبِيرُ، وَتَحَامَلَ نَحْوَهَا الْعَلِيلُ، وَحَسَرَتْ(4) إِلَيْهَا الْكِعَابُ(5).

____________
     1. التَدَاكّ: الازدحام كأن كل واحد يدك الاخر أي يدقه.
     2. الهِيم: أي العِطاش، جمع هَيْماء كَعَيْناء وعِين.
     3. هَدَجَ: مشى مشية الضعيف في ارتعاش.
     4. حسرت: كشفت عن وجهها.
     5. الكعاب ـ كسحاب ـ : الجارية حين يبدوثديها للنهود وهي الكاعبة.


( 563 )


[ 229 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[في مقاصد أُخرى]


     فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ مِفْتَاحُ سَدَاد، وَذَخِيرَةُ مَعَاد، وَعِتْقٌ منْ كلِّ مَلَكَة(1)، وَنَجَاةٌ مِنْ كلِّ هَلَكَة(2)، بِهَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ، وَيَنْجُوا الْهَارِبُ، وَتُنَالُ الرَّغَائِبُ.

[فضل العمل]


     فَاعْمَلُوا وَالْعَمَلُ يُرْفَعُ، وَالتَّوْبَةُ تَنْفَعُ، وَالدُّعَاءُ يُسْمَعُ، وَالْحَالُ هَادِئَةٌ، وَالاَْقْلامُ جَارِيَةٌ.
     وَبَادِرُوا(3) بِالاَْعْمَالِ عُمُراً نَاكسِاً(4)، أَوْ مَرَضاً حَابِساً(5)، أَوْ مَوْتاً خَالِساً(6)، فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ، وَمُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ، وَمُبَاعِدُ طِيَّاتِكُمْ(7)، زَائِرٌ غَيْرُ مَحْبُوب، وَقِرْنٌ(8) غَيْرُ مَغْلُوب، وَوَاترٌ(9) غَيْرُ
____________
     1. الملكة ـ بالتحريك ـ : كل ذنب موبق يملك الشيطان فاعله ويستحوذ عليه.
     2. الهَلَكة ـ بالتحريك ـ : الهلاك.
     3. بادروا: أي اسبقوا.
     4. عمراً ناكساً: أي يقلبكم من الحياة إلى الموت.
     5. الحابس: المانع من العمل.
     6. الخالس: الخاطف.
     7. طِيّاتكم: جمع طِيّة ـ بالكسر ـ : منزل السفر، والمراد أن السفر يباعد رحيل القوم.
     8. القِرْن ـ بالكسر ـ : الكفؤ في الشجاعة.
     9. الواتر: الجاني.


( 564 )


مَطْلُوب، قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ(1)، وَتَكَنَّفَتْكُمْ(2) غَوَائِلُهُ(3)، وَأَقْصَدَتْكُمْ(4)مَعَابِلُهُ(5)، وَعَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ، وَتَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ(6)، وَقَلَّتْ عَنْكُمْ نَبْوَتُهُ(7)، فَيُوشِكُ(8) أَنْ تَغْشَاكُمْ(9) دَوَاجِى(10)ظُلَلِهِ(11)، وَاحْتِدَامُ(12) عِلَلِهِ، وَحَنَادِسُ(13) غَمَرَاتِهِ(14)،
____________
     1. أعلقتكم الحَبَائل: أوقعتكم فيها فاقتنصتكم، وهي جمع حِبالة: المصيدة من الحبال.
     2. تكنفتكم: أحاطتكم.
     3. غوائله: دواهيه ومصائبه.
     4. قصده: رماه بسهم فأصاب مقتله.
     5. المَعَابِلُ ـ جمع مِعْبَلة كمِكْنَسة بكسر الميم ـ وهي: النصل الطويل العريض.
     6. العَدْوة ـ بالفتح ـ : العُدْوان.
     7. النَبْوة ـ بالفتح ـ : أن يخطىء في الضربة فلا يصيب.
     8. يوشك: يقرب.
     9. تَغْشاكم: تحيط بكم. 10. الدواجي ـ جمع دَاجِية ـ أي: مظلمة.
     11. الظلَل ـ جمع الظُلة ـ أي: السحابة.
     12. الاحتدام: الاشتداد.
     13. الحنادِس ـ جمع حِنْدِس بكسر الحاء والدال ـ : الظلمة الشديدة.
     14. الغَمَرَات: الشدائد.


( 565 )


وَغَوَاشِي سَكَرَاتِهِ، وَأَلِيمُ إِرْهَاقِهِ(1)، وَدُجُوُّ(2) أَطْبَاقِهِ(3)، وَجُشُوبَةُ(4) مَذَاقِهِ; فَكَأَنْ قَدْ أَتْاكُمْ بَغْتَةً فَأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ(5)، وَفَرَّقَ نَدِيَّكُمْ(6)، وَعَفَّى آثَارَكُمْ(7)، وَعَطَّلَ دِيَارَكُمْ، وَبَعَثَ وُرَّاثَكُمْ، يَقْتَسِمُونَ تُرَاثَكُمْ(8)، بَيْنَ حَمِيم(9) خَاصٍّ لَمْ يَنْفَعْ، وَقَرِيب مَحْزُون لَمْ يَمْنَعْ، وَآخَرَ شَامِت لَمْ يَجْزَعْ.
____________
     1. إرهاقه ـ بالراء ـ أي: إعجاله، من أرهقه إذ أَعجله.
     2. الدُجُوّ: الاظلام.
     3. أطباقه ـ جمع طَبَق ـ ويراد به تكاثف الظلمات طبقاً فوق طبق.
     4. الجُشُوبة: غلظ الطعام وخشونته.
     5. النَجِيّ: القوم يتناجون.
     6. النَدِيّ: الجماعة يجتمعون للمشاورة.
     7. عَفّى الاثار: محاها.
     8. التراث: الميراث. 9. الحَمِيم: الصديق.
    


( 566 )


[فضل الجد]


     فَعَلَيْكُمْ بِالْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ، وَالتَّأَهُّبِ وَالاسْتِعْدَادِ، وَالتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ.
     وَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الاُْمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَا(1)، وَأصَابُوا غِرَّتَهَا(2)، وَأَفْنَوْا عِدَّتَهَا، وَأَخْلَقُوا جِدَّتَهَا(3)، أَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً(4)، وَأَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً، لاَ يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ، وَلاَ يَحْفِلُونَ(5) مَنْ بَكَاهُمْ، وَلاَ يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ.
____________
     1. الدِرّة ـ بالكسر ـ : اللبن.
     2. الغِرّة ـ بالكسر ـ : الغفلة.
     3. أخلقوا جِدّتها: جعلوا جديدها قديماً خَلَقاً.
     4. الاجداث: القبور.
     5. يَحْفِلُون: يبالون.


( 567 )


فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ، مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ، مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ(1)، لاَ يَدُومُ رَخَاؤُهَا، وَلاَ يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا، وَلاَ يَرْكُدُ(2) بَلاَؤُهَا.

منها: في صفة الزّهاد


     كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا، فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا، عَمِلُوا فِيهَا بَمَا يُبْصِرُونَ، وَبَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ(3)، تَقَلَّبُ أَبْدَانُهُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الاْخِرَةِ(4)، يَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ وَهُمْ أَشدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ.

____________
     1. مُلْبِسَة نَزوعٌ: ما ألبست إلاّ نزعت لباسها عمن ألبسته.
     2. يَرْكُدُ: يسكن.
     3. بَادَرَ المحْذُورَ: سبقه فلم يصبه.
     4. تَقَلّب أبدانهم أي: تتقلب، أي أن أبدانهم وهي في الدنيا تتقلب بين أظهر أهل الاخرة، وهو بين ظهرانَيهم أي بينهم حاضراً ظاهراً.


( 568 )


[ 230 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
خطبها بذي قار، وهو متوجّه إلى البصرة


     وذكرها الواقدي في كتاب الجمل
     فَصَدَعَ(1) بَمَا أُمِرَ بِهِ، وَبَلَّغَ رِسَالَةِ رَبِّهِ، فَلَمَّ اللهُ بِهِ الصَّدْعَ(2)، وَرَتَقَ بِهِ الْفَتْقَ(3)، وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَ ذَوِي الاَْرْحَامِ، بَعْدَ الْعَدَاوَةِ الْوَاغِرَةِ(4) فِي الصُّدُورِ، والضَّغَائِنِ الْقَادِحَةِ فِي الْقُلُوبِ(5).

[ 231 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
كلّم به عبدالله بن زمعة وهو من شيعته


     وذلك أنه قَدِمَ عليه في خلافته يطلب منه مالاً، فقال(عليه السلام):
     إِنَّ هذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي وَلاَ لَكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَجَلْبُ أَسْيَافِهِمْ(6)، فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ(7) فِي حَرْبِهِمْ كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ، وَإِلاَّ فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لاَ تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ.
(8)
____________
     1. صَدَع: جهر، وأصل الصدع الشق.
     2. لمّ الصَدْعَ: لَحَمَ المنشقّ فأعاده الى القيام بعد الاشراف على الانهدام.
     3. الفتق: نقض خياطة الثوب فينفصل بعض أجزائه عن بعض، والرتق: خياطتها ليعود ثوباً.
     4. الواغِرة: الداخلة.
     5. القادحة في القلوب: كأنها تقدح النار فيها كما تقدح النار بالمِقْدحة.
     6. الجَلْب: المال المجلوب، وجلب أسيافهم: ما جلبته أسيافهم وساقته إليهم.
     7. شَرِكه ـ كعلمه ـ : شاركه.
     8. الجَناة ـ بفتح الجيم ـ : ما يُجْنى من الشجر، أي يقطف.


( 569 )


[ 232 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
[بعد أن أقدم أحدهم على الكلام فحصر]
[وهو في فضل أهل البيت، ووصف فسادالزمان]


     أَلاَ إِنَّ اللِّسَانَ بَضْعَةٌ(1) مِنَ الاِْنْسَانِ، فَلاَ يُسْعِدُهُ الْقَوْلُ إِذَا امْتَنَعَ، وَلاَ يُمْهِلُهُ النُّطْقُ إِذَا اتَّسَعَ، وَإِنَّا لاَُمَرَاءُ الْكَلاَمِ، وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ(2)، وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ(3) غُصوُنُهُ.

[فساد الزمان]


     وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَان الْقَائِلُ فِيهِ بالْحَقِّ قَلِيلٌ، وَاللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ(4)، وَاللاَّزِمُ لِلْحَقَّ ذَلِيلٌ، أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ، مُصْطَلِحُونَ عَلَى الاِْدْهَانِ، فَتَاهُمْ عَارِمٌ(5)، وَشَائِبُهُمْ آثِمٌ،عَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ، وَقَارِئُهُمْ مُمَاذِقٌ(6)، لايُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ، وَلاَ يَعُولُ غَنيِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ.

____________
     1. بَضْعَة: قطعة.
     2. تنشّبَت العروق: عَلِقت وثبتت، والمراد من العروق الافكار العاليه والعلوم السامية.
     3. تهدّلت: أي تدلت علينا فأظلتنا.
     4. كَلّ لسانه: نَبَا عن الغرض.
     5. عارم: شرس، سيىء الخلق. 6. مماذق: يمزج ودّه بالغشّ.
    


( 570 )


[ 233 ]
ومن كلام له(عليه السلام)


     روى اليماني، عن أحمد بن قتيبة، عن عبدالله بن يزيد، عن مالك بن دِحْيَةَ، قال: كنّا عند أميرالمؤمنين(عليه السلام)، فقال ـ وقد ذكر عنده اختلاف الناس ـ :
     إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمْ مَبَادِىءُ طِينِهِمْ(1)، وَذلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِلْقَةً(2) مِنْ سَبَخِ أَرْض(3) وَعَذْبِهَا، وَحَزْنِ تُرْبَة وَسَهْلِهَا، فَهُمْ عَلَى حَسَبِ قُرْبِ أَرْضِهِمْ يَتَقَارَبُونَ، وَعَلَى قَدْرِ اخْتِلاَفِهَا يَتَفَاوَتُونَ، فَتَامُّ الرُّوَاءِ(4) نَاقِصُ الْعَقْلِ، وَمَادُّ الْقَامَةِ(5) قَصِيرُ الْهِمَّةِ، وَزَاكِي الْعَمَلِ قَبِيحُ المَنْظَرِ، وَقَرِيبُ الْقَعْرِ(6) بَعِيدُ السَّبْرِ،مَعْرُوفُ الضَّرِيبَةِ(7) مُنْكَرُ الْجَلِيبَةِ(8)، وَتَائِهُ الْقَلْبِ مُتَفَرِّقُ اللُّبِّ، وَطَلِيقُ اللِّسَانِ حدِيدُ الْجَنَانِ.

____________
     1. طِينهم ـ جمع طينة ـ : يريد عناصر تركيبهم.
     2. الفِلْقَة ـ بكسر الفاء ـ : القطعة من الشيء.
     3. سَبَخ الارض: مالحها. 4. الرُواء ـ بالضم والمد ـ : حسن المنظر.
     5. مادّ القامة: طويلها.
     6. القَعْر: يريد به قعر البدن، أي أنه قصير الجسم لكنه داهي الفؤاد.
     7. الضريبة: الطبيعة.
     8. الجليبة: ما يتصنعه الانسان على خلاف طبعه.


( 571 )


[ 234 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
قاله وهو يلي غسل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتجهيزه


     بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي، لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالاِْنْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّماءِ، خَصَصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ، وَعَمَمْتَ حَتّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَواءً، وَلَوْ لاَ أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ، لاََنْفَدْنَا(1) عَلَيْكَ مَاءَ الشُّؤُونِ(2)، وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلاً(3)، وَالْكَمَدُ مُحَالِفاً(4)، وَقَلاَّ لَكَ(5)! وَلكِنَّهُ مَا لاَ يُمْلَكُ رَدُّهُ، وَلاَ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ!
     بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي! اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ!
____________
     1. لانفدنا: أي لافنينا.
     2. الشؤون: منابع الدمع من الرأس.
     3. لكان الداء مماطلاً: مماطلاً بالشفاء.
     4. الكَمَد: الحزن، ومحالفته: ملازمته.
     5. قلاّ: فعل ماض متصل بألف التثنية، أي مماطلة الداء ومحالفة الكمد قليلتان لك.


( 572 )


[ 235 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
اقتصّ فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي(صلى الله عليه وآله) ثم لحاقه به


     فَجَعَلْتُ أَتْبَعُ مَأْخَذَ رَسُولِ الله(صلى الله عليه وآله) فَأَطَأُ ذِكْرَهُ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرَجِ(1).

      في حديث طويل.
           فقوله(عليه السلام): «فَأطَأُ ذِكْرَهُ»، من الكلام الذي رُمِيَ به إلى غايتي والفصاحة والايجاز، وأراد أني كنتُ أُعْطي خبره(عليه السلام) من بدء خروجي إلى أن انتهيتُ إلى هذا الموضع، وكنّى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة.

    

[ 236 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
في شأن الحكمين وذمّ أهل الشام


     جُفَاةٌ(2) طَغَامٌ، عَبِيدٌ(3) أَقْزَامٌ، جُمِّعُوا مِنْ كُلِّ أَوْب(4)، وَتُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ
____________
     1. العَرَج ـ بالتحريك ـ : موضع بين مكة ومدينه.
     2. الجُفاة ـ بضم الجيم ـ : جمع جَاف أي غليظ فظ.
     3. الطَغَام ـ كسحاب ـ : أوغاد الناس. والعبيد: كناية عن رديئي الاخلاق.
     4. الاقزام ـ جمع قَزَم بالتحريك ـ : أرذال الناس. جُمّعوا من كل أوب: أي ناحية.


( 573 )


شَوْب(1)، مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَيُؤَدَّبَ، وَيُعَلَّمَ وَيُدَرَّبَ، وَيُوَلَّى عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ، لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ، وَلاَ مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّؤا الدَّارَ.
     أَلاَ وَإِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُوا لاَِنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تُحِبُّونَ، وَاخْتَرْتُمْ لاَِنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ، وَإِنَّمَا عَهْدُكُمْ بَعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْس بِالاَْمْسِ يَقُولُ: إِنَّهَا فِتْنَةٌ فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ(2) وَشِيمُوا سُيُوفَكُمْ(3)، فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَه، وَإِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التُّهَمَهُ.
     فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِوبْنِ الْعَاصِ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَخُذُوا مَهَلَ الاَْيَّامِ، وَحُوطُوا قَوَاصِيَ الاِْسْلاَمِ(4)، أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى بَلاَدِكُمْ تُغْزَى، وَإِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى(5)؟.
    
____________
     1. الشَوْب: الخلط، كناية عن كونهم أخلاطاً ليسوا من صراحة النسب في شيء.
     2. قطعوا أوتاركم: أي قطعوا أوتار القسي.
     3. شِيموا سيوفكم: أغمدوها ولا تقاتلوا.
     4. قواصي الاسلام: أطرافه.
     5. رمي الصَّفاة ـ بفتح الصاد ـ كناية عن طمع العدو فيما باليد، وأصل الصفاة الحجر الصلد.


( 574 )


[ 237 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
يذكر فيها آل محمد(عليهم السلام)


     هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ، يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ، لاَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، هُمْ دَعَائِمُ الاِْسْلاَمِ، وَوَلاَئِجُ(1) الاْعْتِصَامِ، بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ فِي نِصَابِهِ(2)، وَانْزَاحَ(3) الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ(4)، عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَة وَرِعَايَة(5)، لاَ عَقْلَ سَمَاع وَرِوَايَة، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ.

____________
     1. ولائج ـ جمع وَلِيجة ـ وهي ما يدخل فيه السائر اعتصاماً من مطر أوبرد أو توقياً من مفترس.
     2. نِصاب الحق: أصله، والاصل في معنى النصاب مقبض السكين، فكأن الحق نصل ينفصل عن مقبضه ويعود إليه.
     3. انزاح: زل.
     4. انقطاع لسان الباطل عن مَنْبِته ـ بكسر الباء ـ أي: عن أصله، مجاز عن بطلان حجته وانخذ اله عند هجوم جيش الحق عليه.
     5. عقل الوعاية: حفظ في فهم. والرِعاية: ملاحظه أحكام الدين وتطبيق الاعمال عليها، وهذا هو العلم بالدين.


( 575 )


[ 238 ]
ومن خطبة له(عليه السلام)
[في المسارعة إلى العمل]


     فَاعْمَلُوا وَأَنْتُمْ فِي نَفَسِ الْبَقَاءِ(1)، وَالصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ(2)، وَالتَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ(3)، وَالْمُدْبِرُ(4) يُدْعَى، وَالْمُسِيءُ يُرْجَى، قَبْلَ أَنْ يَخْمُدَ العَمَلُ(5)، وَيَنَقَطِعَ الْمَهَلُ، وَتَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ، وَتُسَدَّ أبْوابُ التَّوْبَةِ، وَتَصْعَدَ الْمَلاَئِكَةُ(6).
     فَأخَذَ امْرُؤٌ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَخَذَ مِنْ حَيّ لِمَيِّت، وَمِنْ فَان لِبَاق، وَمِنْ ذَاهِب لِدَائِم. امْرُءٌ خَافَ اللهَ وَهُوَ مُعَمَّرٌ إلَى أَجَلِهِ، وَمَنْظُورٌ(7) إلَى عَمَلِهِ.
____________
     1. نَفَس البقاء ـ بالتحريك ـ : أي سَعَة البقاء.
     وفي بعض النسخ: فاعلموا وأنتم في نفس البقاء.
     2. صحف الاعمال منشورة: أي لكتابة الصالحات والسيئات.
     3. بسط التوبة: قبولها.
     4. المُدْبِر: أي المعرض عن الطاعة يدعى إليها.
     5. خمود العمل: انقطاعه بحلول الموت.
     6. صعود الملائكة لعرض أعمال العبد إذا انتهى أجله ليس بعده توبة.
     7. منظور: أي ممهل من الله لا يأخذه بالعقاب إلى أن يعمل فيعفو عن تقصيره ويُثيبُه على عمله.


( 576 )


امْرُءٌ أَلْجَمَ نَفْسَهُ بِلِجَامِهَا، وَزَمَّهَا بِزِمَامِهَا(1)، فَأَمْسَكَهَا بِلِجَامِهَا عَنْ مَعَاصِي اللهِ، وَقَادَها بِزِمَامِهَا إِلَى طَاعَةِ اللهِ.

[ 239 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
يحثّ فيه أصحابه على الجهاد


     وَاللهُ مُسْتأْدِيكُمْ(2) شُكْرَهُ، وَمُوَرِّثُكُمْ أَمْرَهُ، وَمُمْهِلُكُمْ(3) فِي مِضْمار مَحْدُود(4)، لِتَتَنَازَعُوا سَبَقَهُ(5)، فَشدُّوا عُقَدَ الْمَـآزِرِ(6)، وَاطْوُوا فُضُولَ
____________
     1. زَمّها بزمامها: قادها بقيادها.
     2. مُسْتأدِيكم: طالب منكم أداء شكره.
     3. مُمْهِلكم: معطيكم مهلة.
     4. أصل المضمار: المكان تضمّر فيه الخيل أى تحضر للسباق، وهو هنا كناية عن مدة العمر.
     وفي بعض النسخ: في مضمار ممدود.
     5. لتتنازعوا سَبَقَهُ: أي تتنافسوا في سَبَقِهِ، والسَبَق ـ بالتحريك ـ : الخطر يوضع بين المتسابقين يأخذه السابق منهم، وهو هنا الجنة.
     6. العُقَد: جمع عُقْدة، والمآزر: جمع مِثْزَر، وشدّ عُقَد المآزر: كناية عن الجد والتشمير.


( 577 )


الْخَوَاصِر(1)، وَلاَ تَجْتَمِعُ عَزِيمَةٌ وَوَلِيمَةٌ(2)، وَمَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ،أَمحَى الظُّلَمَ(3) لِتَذَاكِيرِ الْهِمَمِ!

[ 240 ]
ومن كلام له(عليه السلام)
قاله لعبد الله بن العباس


     وقد جاء برسالة من عثمان بن عفان وهو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبُع، ليقلّ هتف(4) الناس باسمه للخلافة، بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل.
     فقال(عليه السلام):
     يَابْنَ عَبَّاس، مَا يُرِيدُ عُثْـمَانُ إِلاَّ أَنْ يَجَعَلَنِي جَمَلاً نَاضِحاً بِالْغَرْبِ(5)،
____________
     1. اطووا فُضول الخواصر: أي ما فضل من مآزركم يلتف على أقدامكم، فاطووه حتّى تَخِفّوا في العمل ولا يعوقكم شيء عن الاسراع في عملكم.
     وفي بعض النسخ: وأوطئوا فضول الخواصر.
     2. لاتجتمع عزيمة ووليمة: أي لا يجتمع طلب المعالي مع الركون إلى اللذائذ.
     3. الظُلَم ـ جمع ظُلْمة ـ : متى دخلت محت تذكار الهمة التي كانت في النهار.
     4. الهَتْف: مصدر هتف يهتف إذا نادى.
     5. نَضَحَ الجملُ الماءَ: حمله من بئر أونهر ليسقي به الزرع فهو ناضح. الغَرْب ـ بفتح فسكون ـ : الدلو العظيمة، والكلام تمثيل للتسخير.


( 578 )


أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ! بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ، ثُمَّ بَعَثَ إِليَّ أَنْ أَقْدُمَ، ثُمَّ هُوَ الاْنَ يَبْعَثُ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ! وَاللهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ آثِماً.
     آخر الخطب، و يتلوه المختار من كتبه و رسائله.

 

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معها