قد يتحول الاختلاف أو
الخلاف الى حالة كره بلا حدود، فيتجرد فيه المختلفون عن الحكمة، فيسقطوا في
دوامة الاختلاف ذاته، ويصبح من كان مع الحق بعيداً عنه، ويتحول الصراع الى
"صراع بين باطلين"، وهو صراع - كما يقول الإمام الشيرازي الراحل - "ينتهي
بالمجتمع الى الانهيار فلا انتصار للباطل".
أخطر الأمراض أن يتناقض "المؤمن" مع إيمانه، فيقاتل "المجاهد" لاسترداد حق
ما، وفي الوقت نفسه "يبرر" اغتصاب حق شعب بكامله، فما زال مسلمون يفتخرون
بـ"فتوحات إسلامية" جلها كان لإبعاد صالحين الى أقاصي الحدود، ونهب أموال
شعوب ونسائها، وإشغال المسلمين بدوامة (الجهاد – الموت) وآثارها من فقر
وجهل ومرض.
يروى أنه بعد أن قرأ المأمون كتاباً فيه فتح لبعض قرى كابل، قال له الإمام
الرضا (سلام الله
عليه): "وسرّك فتح قرية من قرى
الشرك؟". فقال المأمون: "أو ليس في ذلك سرور". فقال
(سلام الله عليه):
"اتق الله في أمة محمد
(صلى الله عليه وآله)
وما ولاك الله من هذا الأمر وخصك به، فإنك قد ضيعت أمور المسلمين، وفوضت
ذلك الى غيرك، يحكم فيهم بغير حكم الله، وقعدت في هذه البلاد، وتركت بيت
الهجرة، ومهبط الوحي، وإن المهاجرين والأنصار يُظلمون دونك، ولا يرقبون في
مؤمن إلا ولا ذمة، ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه ويعجز عنه نفقته،
فلا يجد من يشكو إليه حاله ولا يصل إليك، فاتق الله في أمور المسلمين".
فقال المأمون: "يا سيدي فما ترى؟". قال الإمام الرضا
(سلام الله عليه):
"أرى أن تخرج من هذه البلاد وتتحول الى موضع آبائك وأجدادك وتنظر في أمور
المسلمين".
واليوم: كم "جهاد" يعده "مؤمنون" أنه لله وهو ليس إلا فتنة أو طيش أو بداية
انهيار، و"كم ضلالة زخرفت بآية"؟! يقول المرجع الشيرازي
(دام ظله):
"التمويه منشأ لكثير من البدع وما نشهده - اليوم - من صراعات بين المؤمنين،
وإن أطراف الصراع من المؤمنين لا يعلمون ما يعملون، ولا يعلمون أنه عصيان،
بل زين لهم بأنه حق وهو باطل محض".
|