(83)
لنحترم رأي الآخرين*
حدّثني أحد العلماء المعاصرين، قال:
كنت في شبابي أحضر درس الأستاذ الفلاني ـ وسمّاه ـ لكنّي
بعد مدّة انقطعتُ عن الحضور، ثم لقيني الأستاذ ذات مرّة
وسألني عن سبب غيبتي، فقلت له: شبهة حصلت عندي. قال: وما
هي؟ قلت: لأنّكم عندما تناقشون الرأي المخالف لرأيكم
تناقشونه بأسلوب يترك لدى السامع انطباعاً أنّ صاحب ذلك
الرأي رجل عاديّ وليس عالِماً أصلاً، أي يخلق عنده تشكيكاً
بعلميّته؛ حتى لو كان الشيخ الطوسي أو الشيخ المفيد أو
العلاّمة الحلّي أو الشيخ الأنصاري رحمهم الله. فخشيت أن
يتزلزل اعتقادي بعلم كلّ العلماء جرّاء ذلك، ولذلك انسحبت
وتخلّيت عن الحضور في مجلس درسك!
ثم أضاف ذلك العالم الذي حدّثني بهذه القضية، قائلاً: كنّا
نحضر درس آية الله البروجردي رضوان الله عليه، فكان إذا
أراد أن يردّ علَماً قال: لا أدري هل هذا ما يقصده الشيخ
الفلاني ـ مثلاً ـ من عبارته؟ أو: لعلّ عبارة الشيخ قاصرة
عن إفادة مطلبه، أو: لعلّي غير ملتفت لأبعاد رأيه.. وهكذا.
فكان يعظّمه في نظرنا أوّلاً ثم يبيّن لنا رأيه المخالف
بعبارات من قبيل: يبدو لي كذا، أو أرى أنّ الصحيح كذا،
والعلم عند الله. فكنّا ننفضّ من مجلس آية الله البروجردي
معتقدين بصواب رأيه، دون أن تتزعزع في أنظارنا المكانة
العلمية للعلماء الآخرين.
|