(76)
الأستاذ الجيّد يربّي طلاّباً جيّدين*
روى الديلمي في «إرشاد القلوب»؛ قال: «كان بعض
العلماء يقدّم تلميذاً له على سائر تلاميذه. فلاموه على ذلك، فأعطى
كلَّ واحد منهم طيراً وقال: اذبحه في مكان لا يراك فيه أحد، فجاءوا
كلّهم بطيورهم وقد ذبحوها، لكن ذلك التلميذ جاء بطيره وهو غير
مذبوح، فقال له: لِمَ لم تذبحه؟ قال: لقولك: لا تذبحه إلا في موضع
لا يراك فيه أحد، وما من مكان إلاّ يراني فيه الله. فقال له:
أحسنت. ثم قال لهم: لهذا فضّلته عليكم وميّزته منكم» (1).
يظهر أنّ هذا الأستاذ كان مربّياً وليس أستاذاً في الدروس المقرّرة
كالفقه والأصول والنحو حسب، فكان ممّن لا يرى واجبه منحصراً في
إلقاء الدروس بل بتربية التلاميذ أيضاً. ولهذا كثيراً ما نقرأ عن
بعض العلماء الماضين رضوان الله تعالى عليهم كيف أنّه كان متعايشاً
مع تلاميذه في السفر والحضر، أو أنّ التلميذ كان يرى نفسه خادماً
بين يدي أستاذه، كنتيجة حتميّة للتفاعل الروحي الذي يكون سائداً
بين أستاذ كهذا وتلاميذه.
فهذا الطراز الرفيع من الأساتذة كان يربّي ذلك الطراز الجيّد من
التلاميذ؛ والذين كان منهم ذاك التلميذ الذي ضرب أروع مثل في تنبيه
الغافلين عن الله تعالى.
|