(75)
لنتقبّل النقد البنّاء*
بعض الأشخاص يستاء لو وُجّه نقدٌ لعمله أو
إنتاجه، كما لو نُبّه على وجود أخطاء في كتابه أو أمور غير سائغة
في خطابته، وبعض آخر وإن كان يتقبّل النقد إلا أنّه لا يأخذ به في
تطوير قدراته، وهناك طائفة ثالثة تطالب الآخرين بالنقد وترحّب به
من أجل تطوير عملها.
يُنقل أنّ صاحب «الجواهر» رحمه الله كان يطلب من تلاميذه أن يذكروا
له كلّ نقد أو إشكال يأتي إلى أذهانهم على المادّة التي يلقيها
عليهم في درس الخارج يومياً، ولهذا كانت دروسه تتميّز بالفاعلية
والنشاط، فكان من طلاّبه من يناقش في سند الرواية التي ذكرها
أستاذه، وآخر يستفسر عن صحّة اللفظ، وثالث يعترض على مداليله،
ورابع يشكّك في الإجماع المدّعى مثلاً، وبهذا الأسلوب كان الشيخ
الأستاذ يجمع علوم الطلبة إلى علمه.
وفي أحد الأيام لاحظ أنّ أحداً من طلابه لم يستشكل في الدرس الذي
ألقاه، فتعجّب وقال لهم: لم أسمع اليوم مَن يوجّه إشكالاً أو نحوه،
فهل كان ما ذكرناه اليوم وحياً منزّلاً أم ماذا؟! فأجابه بعض
الطلاب: كلا، ولكنا لم نطالع الدرس ولم نحضّر له أمس بسبب ارتفاع
درجة الحرارة وكثرة الهوامّ والحشرات؛ لذا لا علم لنا بمدى ثبوت ما
ذكرت اليوم.
لم تكن كلّ الإشكالات التي توجّه لصاحب الجواهر صحيحة، لكن حتى لو
كان بعضها ـ مهما قلّ ـ صحيحاً، كان ذلك فائدة للشيخ؛ إذاً فأن
يسمح الإنسان للآخرين، في نقده، يوجب استفادته من وجهات النظر
الصحيحة من بينها، في الاستفادة من قابليّاته وتطوير أعماله.
|