(73)
لا تبخسوا الناس أشياءهم*
«جواهر الكلام» كتاب لا يستغني عنه أيّ فقيه
حتى اليوم، فهو دورة كاملة وواسعة، أي مفصّلة في الفقه الاستدلالي.
هناك كثير من الدورات الفقهية. فشرح اللمعة مثلاً، دورة كاملة في
الفقه الاستدلالي، وكذلك كتاب رياض المسائل وغيرهما، ولكن كتاب
الجواهر إضافة إلى كونه دورة كاملة فهو يمتاز بالسعة والتفصيل، وقد
بذل مؤلّفه قرابة ثلاثين سنة من عمره في تأليفه، كما يظهر من بعض
التواريخ التي سجّلها في نهايات فصول الكتاب.
وكان صاحب الجواهر عالِماً متبحّراً ذكيّاً حافظاً متقناً، وكان هو
المرجع الديني في النجف الأشرف، واتّفق يوماً أن جرى الحديث في
مجلس يضمّه وعلماء آخرين عن مسألة فقهية، فأدلى كلُّ عالِم بدلوه
وأعطى كلّ صاحب رأي رأيه، لكنّ صاحب الجواهر اكتفى بالقول أنّه قد
ذكر المسألة في كتاب الجواهر، وأنّ رأيه موجود هناك.
وكان في المجلس عالِم ـ أو بالأحرى: دارس! ـ فالتفت إلى صاحب
الجواهر وقال: لو تعطي جواهرك للعطّارين ليستفيدوا من أوراقه في
لفّ التوابل، يستفيد المجتمع منه أكثر!
وكان يريد بقوله هذا: إنّ كتاب الجواهر لا يستحقّ القراءة أو أن
يُنقل عنه شيء، وأنّ الأوراق التي كُتبت عليه خسارة وتبديد للثروة،
لأنّ ما كُتب عليها لا ينفع.
لقد ذهب صاحب الجواهر ولكن بقي اسمه وكتابه الجواهر يدلّ على نور
علمه، أمّا ذلك الرجل فقد ذهب اسمه بذهابه، ولا يعرفه اليوم إلاّ
من ينبش الكتب التي أرّخت لحياة العلماء، مع أنّه كان عالِماً ـ
وبتعبير أدق: دارساً ـ هو الآخر، ولكنه كان يفتقد لذلك العلم الذي
عبّر عنه الحديث بأنّه نور يقذفه الله في قلب مَن يشاء؛ لأنّ ذلك
العلم يكون مصاحباً للفضيلة، وصاحب الفضيلة لا يبخس الناس أشياءهم
ولا يقول مثل هذا القول لعالم أتعب نفسه ثلاثين سنة حتى كتب ذلك
الكتاب النادر في تاريخ الفقه.
|