(63)
لا نثبّط الآخرين عن التعامل بالحسنى مع المسيئ*
إنّ معظم الناس يثبّطون المرء عن التعامل مع
المسيئ بالخلق الحسن ولا يشجّعونه في الاستمرار على ذلك. مثلاً، لو
حدث شجار بينك وبين أحد أرحامك، وأردت أن تضغط على نفسك لتصله،
وقرّرت أن تزوره لتسدل الستار على ما حدث بينكما، فإنّ معظم الناس
قد لا يشجّعونك ويضعون أمامك مختلف الأعذار والعراقيل.
يُذكر أنّ أحد مراجع التقليد ابتلي بشخص كان يشتمه ويسيئ الأدب في
الكلام معه حتى في المجالس العامّة، ويبدو أنّه كان من حاشيته.
فاتّفق يوماً أن رأى المرجع وحيداً، فانتهز الفرصة وشكا له الحاجة
إلى المال، حينها لم يبخل عليه المرجع بل أغدق عليه ولم يردّه،
ولكنّ العجيب أنّ هذا الشخص لم يكفّ عن سوء أدبه مع المرجع والجرأة
على انتقاصه، بل أخذ يقول: إنّ فلاناً أعطاني المال لقطع لساني
وأنّ إعطاءه لم يكن لله، وأنّ فمي لا يغلقه المال!
وعندما بلغ الأمر بعض أصحاب ذلك المرجع تأثّروا كثيراً وعقدوا
العزم في انتداب أحدهم ليكلّم المرجع. وبالفعل توجه المنتدَب إلى
المرجع وسأله إن كان قد أعطى فلاناً مالاً؟! فقال: ولِمَ؟ وما الذي
حدث؟ عندها قال الشخص: أتعلمون سماحتكم أنّه كان يشتمكم؟ قال: نعم.
قال: وتدرون أنّه لا يزال يشتمكم ويدّعي أنّكم لم تعطوه المال من
أجل الله بل ثمناً لسكوته أو رياءً؟
وأضاف مسترسلاً: هب أنّا لا نقول أنّك عالِم دينيّ ومرجع تقليد،
أفلا نقول أنّك رجل مؤمن؟ أفيصحّ تشجيع مَن يسبّ مؤمناً؟ ألا يشكّل
إعطاؤكم المال لذلك الشخص تشجيعاً له؟! أليس في عملكم تربية له على
إهانة العلماء وتشجيعاً للآخرين فتستمرّ هذه السنّة حتى بعد
وفاتكم؟ و… و…
وهنا رفع المرجع رأسه وقال: أنا أسألك عن شيء: هل هذا الرجل
متزوّج؟
أجاب: نعم وله أولاد.
قال المرجع: وكيف وضعه المادّي؛ أهو فقير أم غنيّ؟
قال: بل فقير، لا يملك داراً، بل هو مستأجر لها.
فقال المرجع: لنفرض أنّه ارتكب حراماً إذ شتمني، ولكن ما ذنب زوجته
وأطفاله إذا كان سيعود إليهم في المساء ولا مال عنده يقوتهم به؟!
|