عندما كان الإمام الحسين (ع) في طريقه إلى كربلاء، اعترضته عصابة
من ألف فارس مدججين كلّهم بالسلاح، وعلى رأسهم الحر بن يزيد
الرياحي، وكانت مهمتهم القبض على الإمام (ع) وتسليمه إلى ابن زياد،
وقد أعلنوا مهمتهم للإمام. وكان الإمام (ع) يعلم علم اليقين أن هذه
العصابة ـ عدا الحُر ـ سيشتركون في إراقة دمه الطاهر وقتله في يوم
عاشوراء وقتل أهل بيته وأصحابه (ع)، وكان يعلم أن هؤلاء من أبغض
الخلق إلى الله تعالى، لكنه (ع) رآهم عطاشاً فسقاهم الماء، ولم
يمنعه من ذلك كونهم أعداء له، وسيشتركون في جريمة قتله. تقول
الروايات: (فقال الحسين (ع) لفتيانه: "اسقوا القوم وارووهم من
الماء ورشّفوا الخيل ترشيفاً". ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع
والطساس من الماء، ثم يدنونها من الفرس، فإذا عب فيها ثلاثاً أو
أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقي آخر، حتى سقوها عن آخرها". قال علي
بن الطعان المحاربي: "كنت مع الحر يومئذ، فجئت في آخر من جاء من
أصحابه، فلما رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية ـ
والراوية عندي السقاء ـ ، ثم قال: يا ابن الأخ أنخ الجمل. فأنخته،
فقال: اشرب. فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين:
أخنث السقاء. ـ أي اعطفه ـ، فلم أدر كيف أفعل، فقام فخنثه, فشربت,
وسقيت فرسي) .. هكذا كان الإمام الحسين (ع)، وهكذا يجب علينا أن
نكون ونتعلّم منه.
بلا واسطة!!
بعد استشهاد الإمام الباقر (ع) قال سالم بن أبي حفصة لأصحابه:
انتظروني حتى أدخل على أبي عبد الله جعفر بن محمد فأُعزّيه"، فدخلت
عليه فعزّيته، ثم قلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ذهب والله مَن
كان يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يسأل عمّن بينه
وبين رسول الله (ص). لا والله لا يُرى مثله أبداً. قال: فسكت أبو
عبد الله ساعة، ثم قال: "قال الله (عز وجل) إن من عبادي مَن يتصدّق
بشق تمرة فأُربّيها له كما يربّي أحدكم فُلوّه حتى أجعلها له مثل
أُحد". فخرجت إلى أصحابي فقلت: ما رأيت أعجب من هذا، كنّا نستعظم
قول أبي جعفر (قال رسول الله صلى الله عليه وآله) بلا واسطة، فقال
لي أبو عبد الله: قال الله (عز وجل) بلا واسطة.
هو للحسين (عليه السلام)!!
كان هناك شخصان يعيشان في أحد البلدان، أحدهما بائع بسيط بدخل
متواضع، والآخر من أغنياء المدينة وأعيانها، وكلاهما رحل عن هذه
الدنيا. كان البائع البسيط يكدّ ويشقى من الصباح حتى المساء لتأمين
رزقه، وعندما كان يعود إلى بيته كان يأخذ ثلث دخله اليومي ويقول:
"هذا سهم الإمام الحسين (ع)". وكان يدفع عن المبلغ المتبقّي
(الثلثين الآخرين) فريضة الخمس إن فاض عنه شيء. فكان يجمع المال
باسم الإمام الحسين (ع) ويبتاع به أراضي خارج المدينة، وكان الناس
يقولون له: لماذا تشتري أرضاً في البراري، حيث لا ماء ولا عمران؟،
وكان يجيبهم: "ليس لديّ المال الكافي لشراء أراضٍ في المدينة، وقد
اشتريت هذه الأراضي على أمل أن يبنى في موضعها حسينية". وبعد سنوات
أصبحت تلك القفار مدينة عامرة، تقع في مركزها تلك الأرض التي
تحوّلت إلى حسينية كبيرة, تقام فيها مراسيم العزاء على سيد الشهداء
(ع). وقد قال لي ابن ذلك الكاسب، بأنّ أهل البلد الذي تقع فيه تلك
الحسينية عرضوا عليه شراء تلك الحسينية مقابل مبلغ كبير, وذلك
لتحويله إلى مبنى عام، لكنه رفض وقال: "هذا المكان وقف، وهو
بالتالي ليس لنا، هو للإمام الحسين (ع)".