(50)
يسقي عدوّه وقاتليه!*
لقد ضرب الإمام الحسين سلام الله عليه أروع
الأمثلة في سيرته وتعامله مع أعدائه وقاتليه، ومنها: عندما كان
سلام الله عليه في طريقه إلى كربلاء، اعترضته عصابة من ألف فارس،
مدججين كلّهم بالسلاح، وعلى رأسهم الحر بن يزيد الرياحي، وكانت
مهمتهم القبض على الإمام سلام الله عليه وتسليمه إلى ابن زياد لعنة
الله عليه، وأعلنوا مهمتهم هذه للإمام. وكان الإمام سلام الله عليه
يعلم علم اليقين أن هذه العصابة ـ عدا الحُر ـ سيشتركون في إراقة
دمه الطاهر وقتله في يوم عاشوراء وقتل أهل بيته وأصحابه سلام الله
عليهم أجمعين، وكان يعلم أن هؤلاء من أبغض الخلق إلى الله تعالى،
لكنه سلام الله عليه رآهم عطاشا فسقاهم الماء، ولم يمنعه من ذلك
كونهم أعداء له وسيشتركون في جريمة قتله.
تقول الروايات: فقال الحسين سلام الله عليه لفتيانه: اسقوا القوم
وارووهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفاً. ففعلوا وأقبلوا يملئون
القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثاً
أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقى آخر حتى سقوها عن آخرها. فقال
علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من
أصحابه فلما رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية ـ
والراوية عندي السقاء ـ ، ثم قال: يا ابن الأخ أنخ الجمل، فأنخته،
فقال: اشرب، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين:
اخنث السقاء ـ أي اعطفه ـ، فلم أدر كيف أفعل، فقام فخنثه فشربت
وسقيت فرسي. (1)
ففي جبهة أي حرب تجدون تعاملاً كهذا؟!
هكذا كان الإمام الحسين سلام الله عليه وهكذا يجب علينا أن نكون
ونتعلّم منه سلام الله عليه.
|