هكذا هزَمتْ كربلاءُ المقدسةُ الشيوعيةَ*
9
في عهد عبد الكريم قاسم، اجتاحت الشيوعية العراق، وغزت صحفه
ومجلاته ووسائله الإعلامية من مذياع وتلفاز.. بل نفذت حتى إلى
الهيئة الحاكمة آنذاك. وكان الشيوعيون يوزّعون كتباً بالملايين
مجاناً، وقد وصلتني نسخة من إحدى الكتب التي كانت توزّع على الشباب
مجاناً، في المدن المقدسة مثل كربلاء المقدسة والنجف الأشرف، وكان
يحمل عنوان (أين الله؟)، ومؤلّفه (مكسيم غوركي)، فطالعت بعض صفحاته
التي تتجاوز الثلاثمائة صفحة، فوجدت فيه حشو كلام غير مناسب.
فالكتاب يُفتتح بكلمة (أنا ابن الخطيئة – أي من أبوين غير
شرعيين)!!، بدلاً من الافتتاح ببسم الله، ما يعني أن المؤلف يعرّف
نفسه، ويبيّن من هو؟ ومن هنا لك أن تعلم ـ عزيزي القارئ ـ ماذا
يريد أن يقول مؤلّف الكتاب المذكور.
وهكذا ملأوا العراق بكتب الشيوعية، ومنها كتاب (رأس المال) لكارل
ماركس، وكتب أخرى لقادة الشيوعيين، وكتب كبيرة الحجم وصغيرة،
ومفصلة ومختصرة.. مما أحدث موجة جارفة، بحيث راح بعض المؤمنين
يعبّر عن جزعه ويأسه من أن تقوم للدين قائمة أمام ذلك التيار
العنيف.
وكان الشيوعيون آنذاك يقومون بأعمال وحشية ضد من يخالفهم، ومنها
كانوا يقيّدون المخالف من أطرافه، ويرسلونه في الأزقة والأسواق ـ
وقد كرّروا هذا العمل في أكثر مدن العراق ـ وكانوا ينهالون عليه
بالضرب المبرّح حتى يسقط جثةً هامدةً أمام أعين الناس. وهناك قصص
شبيهة كثيرة قد عاصرتها بنفسي.
بإزاء هذه المعضلة، اقترح السيد الوالد رحمه الله(1) ـ وكان أخي(2)
المرجع الراحل حاضراً حينها ـ على أهل العلم أن يستغلّ كل واحد
منهم المسجد أو الحسينية المجاورة له في محل سكناه، لإقامة حلقة
درسية يبيّن خلالها للشباب أصول الدين وفروعه، ويردّ على شبهات
الشيوعيين وسمومهم التي كانوا يبثّونها من خلال المذياع والتلفاز
والمجلات والخطب، ويلقونها على طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة
والثانوية، وفي الجامعات والكليات..
وهكذا كان الشباب يختلفون إلى العلماء في حلقاتهم الدرسية تلك،
ويطرحون أسئلتهم، ويتلقّون الجواب، فإذا عجز أحد العلماء عن الردّ
الشافي، يذهب ليسأل بدوره من هو أعلم منه، حتى إن بعض مدرسي البحث
الخارج، كانوا قد شكّلوا حلقات توجيهية لتلاميذ المدارس
الابتدائية. وأنا كنت يومذاك أحد طلبة المقدمات في الدراسة
الحوزوية، وأقمت مجلساً عادياً في خمس مناطق من مدينة كربلاء، في
الأسبوع الواحد، كما كان يصنع أخي المرجع الراحل أعلى الله درجاته،
وكذلك أخي المرحوم السيد الشهيد قدّس سرّه(3).
وكان المرحوم السيد الوالد، يؤكد على مواصلة بيان أصول الدين
وفروعه، وجميع المسائل المتعلقة بهما، والإجابة على جميع الأسئلة
التي تدور في أذهان الناس، أمام الموجة الشيوعية..
هذه الحركة الإسلامية التثقيفية، فضلاً عن المجالس والمنابر
الإسلامية الأخرى، أدت إلى تجفيف جذور الشيوعية، في مدينة كربلاء
المقدسة، ونأت بأهلها وشبابها من هذا الفكر الخطر، بحيث إنّ العديد
من أولئك الشباب الذين كانوا يحضرون تلك المجالس والحلقات الدرسية،
أصبحوا بين مدرّس البحث الخارج، ومجتهد، وإمام جماعة، وبعضهم
أعرفهم شخصياً فقد كانوا يحضرون مجالسي.
|