(43)
حتى بسبب الرؤيا يقتلون*
إن الظالم يظلم غيره ليجرّ النفع لنفسه.
فممّا ينقل في هذا المجال أنه في إحدى البلدان عزم رئيسها على
إرسال قاضٍ إلى إحدى المناطق، إلاّ أنّ حاكم تلك المنطقة سرعان ما
قام بقتله، وحتّى يتبيّن للرئيس السبب في ذلك، قام بإرسال قاضٍ
آخر، ولكنّ الحاكم ألحقه بالقاضي الذي سبقه، الأمر الذي أدّى ببعض
القضاة إلى الامتناع عن التوجّه إلى ممارسة القضاء في تلك المنطقة.
غير أنّ أحدهم تبرّع بقبول المنصب لقاء أجرٍ باهض جدّاً، مدّعياً
أنّه سيعمل على الكشف عن أسباب مقتل القاضيين اللذين سبقاه، ومن ثم
يعلم رئيسه ليقضي على الحاكم وفي الوقت نفسه يكسب ثقة الرئيس بعلمه
وعمله، ولكي يضمن لنفسه بعد ذلك منصباً أرفع وأجراً أعلى. وحين
توجّه إلى تلك المنطقة أخذ بمسامرة ومجالسة حاكمها، ليعرف منه
أسباب قتله القاضيين السابقين بصورة مباشرة، ولما اطمأنّ به الحاكم
بعدما أخذ بمجامع عقله وقلبه، قال له:
أنا لم أقتل القاضي الأوّل إلاّ بعد أن رأيت في المنام ذات مرّة
أنّه عدوّ لدود لي، وحينما استيقظت مرعوباً، أمرت بقتله فوراً.
أما القاضي الثاني فرأيت فيه رؤيا وكأنه حلّ مكاني حاكماً، ففزعت
والشرّ يتطاير من عيني، فألحقته بصاحبه.
فلما سمع القاضي الثالث تلك الإفادة لم يجد بدّاً حينها إلاّ
الهروب والعودة إلى رئيسه، مؤكّداً له بأنّه يعجز عن أن يأمن جانب
حاكم أن يقتله ويلحقه بالقاضيين الآخرين بسبب رؤيا يراها في حقّه.
|