موقع يازهراء سلام الله عليها
القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
  مواقع اسلامية
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز

 

الأسرة في الإسلام بحث للسيد الشهيد الصدر


بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الأوراق من كتاباتي القديمة التي مر عليها حوالي ثلاثين سنة. غير أن القدر المتيقن منها إنني كتبتها بعد تخرجي من كلية الفقه عام 1383 بردح قليل من السنين. والمهم إنها فعلا تمثل ثقافتي وتفكيري في زمن كتابتها بطبيعة الحال. ومن ثم كنت أجد إن الإعراض عن نشرها هو الأولى والاحجى.
غير إنني وجدت، إنها ـ على أي حال ـ نافعة لطبقة من الناس، وان لم تكن دقيقة بالمعنى المتوقع والمطلوب. فلا ينبغي البخل بها عن الآخرين، وحرمانها من النور. وخاصة بعد بيان هذه المقدمة وهي إنها تمثل ثقافتي في ذلك الزمان، ولا يمكن أن تمثل ثقافتي في ما بعد هذا الدهر، فضلا عن المستوى الحالي الذي أعيشه.
ولكنني أقول: إن القليل خير من العدم، وإلا فان أمثال هذه الموضوعات تحتاج إلى مجلدات ضخام من التوسع وحسن العرض وجدارة الدفاع والهجوم لو صح التعبير. إلا انه في الحكمة: إن ما لا يدرك كله لا يترك كله. وان الوجود القليل خير من العدم. عسى الله سبحانه أن ينفع به العباد ويجعله ذخرا للمعاد. وعليه التوكل في الشدة والرخاء.

محمد الصدر

الحديث الأول:

الأسرة بشكل عام

لا شك إن الأسرة هي الركيزة الأساسية للمجتمع والنواة الأولى لتكوينه ووجوده. لان المجتمع ليس هو إلا الأفراد الذين يعيشون فيه، تربطهم ببعضهم البعض روابط المصالح المشتركة، وكل فرد بلا شك نتيجة من نتائج التمازج العاطفي داخل نطاق الأسرة الواحدة. ذلك النطاق الذي تنصهر فيه من فجر حياة الفرد عواطفه وأخلاقه وأسس مرتكزاته الفكرية والأخلاقية والعقائدية، وإنحاء نظرته إلى المجتمع والى الكون والحياة.
والأسرة المتعاطفة الصالحة تنتج أفضل النتائج وأحسنه وتستطيع أن تعطي إلى المجتمع أفرادا صالحين وأناسا واعين، بما تعمل على غرس أنبل المبادئ وأفضل الأخلاق في نفوس أبنائها.
على حين إن النفوس الشريرة الحاقدة على المجتمع والحياة أو السائرة في سبيل الغي والإجرام، ناشئة في الغالب من منشأ عميق يمت إلى الأسرة الأولى بسبب وثيق. وذلك لأحد سببين: إما أن تكون أسرته الأولى على شاكلته ناقصة العقيدة والأخلاق، فحاك الفرد على منوالها وحذا في الحياة حذوها. وإما لأنه عاش في بيوت منشقة لم تجتمع فيها الأركان الأساسية لتكوين الأسرة، كما لو انفصل الوالدان عن بعضهما البعض منذ نعومة أظفار الولد، فنشأ الولد محروما من العطف والرعاية، فاقدا لمصدر التثقيف الأخلاقي والعقائدي، فألقى بنفسه في تيار الحقد والإجرام.
وإذا كانت الأسرة بهذه المثابة من الأهمية يدور صلاح الفرد مدار صلاحها، وتتوقف حسن صياغة الشخصية على حسن صياغتها. وهذا الفرد يكوّن بانضمامه إلى غيره المجتمع. والمجتمعات تكوّن الأمة، والأمم تكون البشرية. فالأسرة أذن هي الركيزة الأساسية في نضج وكمال سائر البشر ورفع مستوى الوعي والثقافة والأخلاق بين بني الإنسان.
ولهذا، إذا كنا نريد أن نرى المجتمع الأفضل ونعيشه، لابد أن نبدأ ببناء أسس وأصول تكوينية، وذلك بالبدء بإصلاح الأسرة وحسن تربية الناشئة، لكي ننتج إلى المجتمع أناساً واعين صالحين من حيث سائر جهات الكمال الإنساني.
والإسلام بقانونه الخالد ودستوره الشامل اخذ كل ذلك بنظر الاعتبار، وأهتم ببناء الأسرة أشد اهتمام، وأولاها من رعايته وتعاليمه الشيء الكثير، وسعى إلى صياغتها وصبها بأفضل وجه وأحسنه، بالشكل الذي تنتج إلى المجتمع أفضل النتائج وتعطيه أفضل الأفراد. ولا تحتاج هذه التشريعات في سبيل إنتاجها العادل وتطبيقها على المجتمع، إلا إيمان المجتمع بها ومحاولة إطاعتها وامتثالها، وان يضع كل فرد على ذهنه مسؤولية تطبيق تلك التعاليم بنصها وروحها وبسائر خصوصياتها، لينال أسرة طيبة ويحظى بأولاد طيبين، لكي يحرز خير الدنيا والآخرة، ويعم العدل والرفاه في ربوع المجتمع الإنساني.
ولا بد لنا ونحن نبدأ الكلام عن الأسرة في الإسلام، أن نعطي فكرة عن رأي الإسلام في الأسرة ككل، ليتفرع الكلام بعد ذلك، في أحاديث أخرى، إلى التكلم عن حقوق وواجبات كل فرد من أفراد الأسرة الإسلامية. لنعرض عندئذ بوضوح مقدار اهتمام الإسلام بالأسرة ومقدار عدالة أحكامه ودقتها في ضبطها وتكوينها.
فهو إذ ينظر إلى أساس الأسرة، يرى، إنها لابد أن تتكون من زوجين صالحين حاملين للصفات الحميدة، لكي يكون نتاجهما طيباًَ وحميداً. ولا شك أن مقدار الوعي والكمال الذي يحمله الزوجان ينعكس على الولد كما ينعكس عليه مقدار درجة الإجرام والرذيلة.
روي عن الإمام الصادق {عليه السلام} انه قال: إنما المرأة قلادة فانظر إلى ما تقَلده. وروي عن النبي الأعظم (صلى الله عليه واله) انه قال: ما أعطي أحد شيئا خير من امرأة صالحة إذا رآها سرّته وإذا اقسم عليها أبرّته وإذا غاب عنها حفظته.
وهو إذ ينظر إلى مركز المرأة وأهميتها في الأسرة وفي تكوين الجيل الصاعد وصياغة الإنسانية، ويريد لها صفات الكمال والعدل، يتوخى أن لا تتصف أيضاً بصفات السوء والرذيلة، الصفات التي تبعثر الأسرة وتقضي على العاطفة والتماسك. .
روي عن الإمام الصادق {عليه السلام} انه روى عن الرسول (صلى الله عليه واله) انه قال: ألا أخبركم بشرار نسائكم: الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تتوّرع عن قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عند ركوبها، ولا تقبل منه عذراً ولا تغفر له ذنبا.
وينظر الإسلام من جهة أخرى إلى الركن الأساسي الثاني في الأسرة، وهو الزوج، فيريده أيضاً متصفاً بأفضل الصفات، لكي يكون أهلا للاقتران بالزوجة الفاضلة، وإلا فشرار النساء أولى بشرار الرجال. قال الله تعالى:(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ…)
فمن ذلك انه روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) انه قال: ألا أخبركم بخيار رجالكم، قلنا: بلى يا رسول الله. قال: إن من خير رجالكم التقي النقي السمح الكفين، الكريم الطرفين، البر بوالديه، لا يلجئ عياله إلى غيره.
كما إن الإسلام يعتبر أضداد هذه الصفات، مزايا ظالمة هدامة تنخر في أساس الأسرة وتسبّب لها الفساد. لذا أضاف رسول الله {صلى الله عليه واله} قائلاً: ألا أخبركم بشر رجالكم. فقلنا: بلى. فقال: من شر رجالكم البهّات البخيل الفاحش، الآكل وحده، المانع رفده، الضارب أهله وعبده، الملجئ عياله إلى غيره، العاق بوالديه.
وإذا اجتمعت الشرائط الفاضلة في الزوجين، فالإسلام يحثّ على الزواج وعلى تكثير النسل وإنجاب الأولاد. لعلمه اليقين بان الأولاد الصالحين الصادرين عن الأسرة الصالحة، هم الأعضاء الأساسيون البنّاءون والأفراد الواعون المتماسكون في المجتمع البشري.
وهو لذلك لا يؤمن بتحديد النسل، فإن الاستزادة من الأيدي العاملة البناءة هو المفيد وهو المنفّذ للمصالح الاجتماعية العليا.
روي عن رسول الله {صلى الله عليه واله} انه قال: من كان يحب أن يتبع سنتي فان من سنتي التزويج. واطلبوا الولد، فاني مكاثر بكم الأمم غدا. وروي عنه {صلى الله عليه واله} انه قال: ما من شيء أحب إلى الله عزوجل من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح، وما من شيء أبغض إلى الله من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة، يعني الطلاق. وعن صلى الله عليه واله: ركعتان يصليها متزوج أفضل من رجلٍ عزبٍ يقوم ليله ويصوم نهاره.

الحديث الثاني:

الكفاءة في نظر الإسلام.
بعد أن عرفنا في الحديث السابق ما أعتبره الإسلام في الزوجين، اللذين هما الأساسان الرئيسيان للأسرة، من صفات حميدة كاملة، ناصحاً الأزواج والزوجات بالتحلي بها والسير على هداها لينالا السعادة والوئام وينجبا أفضل الأولاد، ويحضيا بخير الدنيا والآخرة.
ينبغي لنا الآن أن ننظر لنعرف مدى التكافؤ الذي يريده الإسلام بين الزوجين. وإذ ننظر في الحكم الإسلامي، نجد إن المشرع لهذا الدين العظيم، لم يشرع من التكافؤ بين الزوجين أكثر من كونهما معتنقين للإسلام معتقدين بعقائده وتعاليمه. فالمسلم كفؤ للمسلمة والمسلمة كفؤ للمسلم، ولا يراد بالإسلام في هذا المجال، إلا ذلك المقدار الذي تصان بمقتضاه النفس ويحفظ المال عن الهدر والضياع. ومن هنا روي عن الإمام الصادق {عليه الصلاة والسلام} انه قال: تتكافؤ دمائكم ولا تتكافؤ فروجكم.
فالدين الذي جعل معتنقيه سواسية كأسنان المشط ـ بتعبير النبي {صلى الله عليه واله} ـ أمام القانون وتجاه الحقوق والواجبات، هو الذي جعل الجنسين في الإسلام سواسية أمام الزواج.
وليس أدل على ذلك ولا أوضح مما روي من إن رسول الله {صلى الله عليه واله}، زوج جويبر الصحابي ابنة زياد بن لبيد وهو من أشرف بني بياضة حسبا. ولم يكن جويبر هذا ألا رجل دميما قبيحاً معدماً، إلا إن اعتناقه الإسلام وإخلاصه النية له، هو الذي جعله في نظر الدين الحنيف في مصافّ أعلى الناس شرفاً وفخراً. إذ إن الشرف والعز في نظر الإسلام ليس بالنسب ولا بالمال. وإنما مقاييس التفاضل عنده ثلاثة:
أحدها: التقوى: قال النبي {صلى الله عليه واله}: لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
ثانيهما: العلم: قال الله عزوجل: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) .
ثالثها: الجهاد: قال الله تعالى: (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) .
وبهذه المقاييس أو ببعضها ربما كان جويبر الدميم المعدم أفضل بكثير من أبنة زياد بن لبيد.
وروي عن الإمام أبي جعفر الصادق {عليه السلام}، انه قال: إن رجلاً من أهل اليمامة يقال له جويبر أتى رسول الله منتجعا للإسلام، فاسلم وحسن إسلامه. وكان رجلاً قصيراً دميما محتاجاً عادياً وكان من قباح السودان … إلى أن قال: وان رسول الله {صلى الله عليه واله} نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة ورقة عليه. فقال: يا جويبر لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك.. فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، ومن يرغب فيّ، فوالله ما من حسبٍ ولا نسبٍ ولا مالٍ ولا جمالٍ، فأية امرأة ترغب فيّ؟.
فقال له رسول الله {صلى الله عليه واله}: يا جويبر إن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً واعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً. وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها. فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيهم وعجميهم من آدم؛ وان آدم خلقه الله من طين. وان أحب الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم. وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين اليوم فضلاً، إلا لمن كان أتقى لله منك وأطوع.
ثم قال له: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فانه من أشرف بني بياضة حسبا فيهم، فقل له: أني رسول رسول الله إليك، وهو يقول لك. زوج جويبر ابنتك الذلفاء. وفي الحديث انه زوجه إياها بعدما راجع النبي {صلى الله عليه واله}. فقال له: يا زياد، جويبر مؤمن؛ والمؤمن كفؤ المؤمنة، والمسلم كفؤ المسلمة؛ فزوجه يا زياد، ولا ترغب عنه.
فمن هنا نعرف إن الإسلام حرص كل الحرص على جعل المقياس الأساسي في الكفاءة بين الزوجين، هو الإسلام نفسه. فما دام الزوجان أخوين في هذا الدين، لا يهم بعد ذلك أن يكون أحدهما أدنى من الآخر. بحسب المنزلة الاجتماعية أو النظرة الاقتصادية الضيقة. سواء كانت الضعة من جانب الزوج كما عرفت في جويبر وكتزويج رسول الله {صلى الله عليه واله} بنت عمه لزيد مولاه. أو كانت من جانب الزوجة كتزويج رسول الله {صلى الله عليه واله} بنفسه صفية بنت حي بن اخطب.
كتب الإمام السجاد علي بن الحسين {عليه السلام} يقول: إن الله رفع الإسلام كل خسيسة وأتم به الناقصة وأذهب به اللوم، فلا لوم على مسلم، وإنما اللوم لوم الجاهلية.
ولا يخفى إن الميزان في الكفاءة وان كان أصل الإسلام، إلا إن المشرع الإسلامي العظيم، أخذ بنظر الاعتبار أيضاً درجة إيمان الفرد بهذا الدين ومقدار إخلاصه له واستعداده لامتثال أوامره ونواهيه. فانه من المعلوم انه كلما كان الزوجان أحسن تدينا وأفضل أخلاقاً وأبعد عن ارتكاب الموبقات كان أحدهما أنسب للآخر وأكثر كفاءة.
قال الله عزوجل: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) . وقال رسول الله {صلى الله عليه واله}: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه. ألا تفعلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ.
ولا يخفى ما في هذا الحديث من حكمة كبرى وبعد نظر، فان أولياء الزوجة، إذا نظروا إلى الخاطب، زوج المستقبل، فلم يرضوا دينه وخلقه، فلهم كل الحق في رفضه والابتعاد عنه، فانه ليس مصداق الحق للمسلم الحق. إذن فلماذا يرتبطون معه بعقدة النكاح، مع إن بين المسلمين الآخرين من يرضون دينهم وخلقهم. وأما إذا اتصف الخاطب، زوج المستقبل، بهذه الصفات، وكان مرضي العقيدة والسلوك، يزنه ولي الزوجة من هذه الناحية بميزان الإسلام، فيجب على ولي الزوجة قبول خطبته وعدم رده، لأنه يعتبر محتويا في صفاته على المقياس الأمثل للكفاءة في الإسلام.
وأسمع إلى تعليل ذلك في كلام رسول الله {صلى الله عليه واله} إذ يقول: ألا تفعلوه (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ). وهي آية من القران الكريم طبقها النبي {صلى الله عليه واله} على هذا المورد، فما أحسن التطبيق!. إذ لو صار بناء الأولياء على انتظار الزوج الأكثر مالاً وجمالاً والأعظم مركزا اجتماعيا، ويجعلون ذلك ذريعة لرد الخاطبين. فسوف تقل نسبة الزواج في المجتمع وتزداد تبعا له نسبة العزوبة. وسوف تؤثر العزوبة أثرها الكبير في نفوس الشباب، بما تتضمنه من اندفاع جنسي وحرمان، وسيرتب على ذلك عند كثير من ذوي الضعف في العقيدة أو الإرادة، الانحراف إلى طريق الفاحشة والفساد، وترتب أسوأ النتائج في المجتمع، وتكون فيه فتنة وفساد كبير. والإسلام يريد إنقاذ المجتمع من ذلك والحيلولة دون حدوثه.
على حين انه لو اكتفى الفرد من الناحية الجنسية، فحتما سينسد أمامه باب كبير من أبواب الفساد، وينفتح أمامه باب كبير إلى طريق الفضيلة والخير. ومن هنا ورد: إن من تزوج فقد حفظ نصف دينه. وبذلك يسود العدل في ربوع المجتمع الإنساني.

الحديث الثالث

العلاقات الاجتماعية بين الجنسين
في الإسلام

الإسلام إذ نظر إلى الأسرة وأراد صياغتها بقوالب العدل والنور، شمل بعنايته وتعاليمه كل أفرادها، لكي يصهرهم في بوتقة الفضيلة والأخلاق ويجعلهم في حرز حصين عن الانزلاق في تيار الانحلال والفساد.
فمن هنا ينفتح الحديث سخياً وافراً، عن جهات التعاليم الإسلامية التي صاغ بها سلوك كل فرد من أفراد الأسرة الصياغة الإسلامية المطلوبة، وجعله إذا إمتثلها وأطاعها، الفرد الصالح البناء الذي يتكون منه ومن إخوانه الكيان العام للمجتمع الإسلامي الكبير.
فمن هنا ينفتح الحديث عن الرجل في العائلة الإسلامية، وعن المرأة فيها، وعن نتاجهما العزيز أعني الأولاد. الذي ينبغي أن يكون البذرة الصالحة للمجتمع الصالح.
ونحن إذ نبدأ الكلام عن الرجل نجد إن مدارج الكلام أمامنا عديدة؛ بما يقوم به الرجل من فعاليات، وما يمثله من أدوار داخل العائلة في المجتمع الكبير. فهو أولا: ركن من أركان العائلة بصفته زوجا يجب أن يتبادل مع زوجته أفضل الحقوق والواجبات.
والرجل ثانيا: والد أنجب إلى المجتمع الإسلامي أولادا، يجب أن يضحي في سبيل أن ينشأوا منشأ صالحاً من الناحية العقائدية والأخلاقية والعلمية.
والرجل ثالثاً: ولد لوالدين ضحيّا في سبيله وبذلا الكثير لأجل راحته وتربيته. ولهما عليه بهذا الاعتبار كثير من الحقوق.
والرجل رابعاً: شخص اجتماعي، يمكنه أن يكون على اتصال بالناس بسائر طبقاتهم وسائر ميولهم واتجاهاتهم، فيجب عليه أن يختار في علاقاته الأفراد الصالحين ويتجنب عناصر السوء والفساد، إلا إذا قصد بجد واهتمام إلى هدايتهم إلى الحق وإرجاعهم إلى جادة العدل والصواب. وحيث كانت هذه الجهة الأخيرة خارجة عن الحديث عن الأسرة، فنقتصر في الكلام عنها على ذكر التعاليم والآداب الإسلامية في اتصال الرجل والمرأة على صعيد المجتمع العام.
وليكن هذا هو محط الحديث الآن، إذ نبدأ بهذه الجهة الأخيرة لنعطي في مستهل الحديث صورة واضحة للآداب الإسلامية العامة التي شملت الجنسين وحفظت بينهما موازين الفضيلة والعدل والعفاف.
لعل أهم العناصر وأقواها في الكيان الإنساني، الغريزة الجنسية، في كلا الجنسين على حد سواء. لا يستثنى من ذلك من أفراد البشر إلا أفراد قليلون حصلت لهم موانع قهرية حرمتهم عن التمتع بهذه الصفة النفسية الكبرى.
ومما لا شك فيه إن الله عزوجل ركب هذه الغريزة الأساسية في النفس البشرية لأجل مصلحة كبرى وحكمة عظمى هي بقاء النوع الإنساني وتكثير أفراده واستمرار أجياله. إذ تساعد هذه الغريزة على تعاون الجنسين بما أولاهما الله تعالى من وظائف بايولوجية في الإنجاب والتوليد، بشكل يكون النسل صادرا عن هذا التعاون المشترك بينهما. ولولا هذه الغريزة الأصيلة لباد النوع وانقرضت البشرية، فسبحان الله الحكيم العليم.
ومن المعلوم والمحقق في علم النفس، إن الغرائز لا عقل لها، فان الغرائز عبارة عن دوافع نفسية صرفة وحاجات مفتوحة، تحث الفرد على إشباعها حثاً مستمراً، مع غض النظر عن طريق الإشباع وأسلوبه. فالجوع يتطلب الشبع والعطش يحتاج إلى الري، من دون أن يقترح على صاحبه مصدراً معيناً للطعام وللشراب، وإنما يطلب منه سدّ الحاجة بأي طريق كان.
ومن جملة هذه الغرائز التي تتطلب الإشباع، ولعلها أقواها تأثيراً وأكثرها اندفاعاً، الغريزة الجنسية، الغريزة التي تصاحب الفرد من كلا الجنسين فترة طويلة من حياته. ولا يمكن للفرد تناسيها ولا غض النظر عن إشباع متطلباتها. بل إن إهمالها قد يؤدي إلى أنواع من الأسقام النفسية والعقلية والجسمية مما لا يحمد عقباه.
من ذلك يظهر بكل وضوح، النتيجة الطبيعية المنطقية التي تترتب على إباحة الاختلاط بين الجنسين على سائر المستويات وفي كل زمان ومكان، وما ينتجه من فساد وانحراف. وقد لمسنا في مجتمعنا الحديث، مجتمع القرن العشرين، التجارب تلو التجارب والدليل العملي الصريح على ذلك مما لا يحتاج إيضاحه إلى بيان.
فلو إننا لم نكن نفهم معاني الفضيلة والرذيلة والعدل والظلم والنظام والفوضى،ولم تكن هذه المفاهيم مركوزة في عقولنا وأذواقنا لهان الأمر، ولأصبح الاتصال بين جنسي البشر كالاتصال بين أي جنسين من ذوات الأرواح، لا يحده حد ولا يقوم أمامه قانون. إلا إن الشيء الذي لا شك فيه، والذي أجمع على صحته أهل النظر وأرباب القوانين، بمقتضى ما يدركونه من قواعد العدل والنظام، هو لزوم تحديد هذا الانطلاق والوقوف أمام تياره الجارف، بشكل يضمن معه استتاب النظام وسيادة العدل والرفاه في ربوع المجتمع الإنساني.
والإسلام أدلى في هذا المضمار بدلوه بين الدلاء، فجاء بأفضل التعاليم التي تكفل في العلاقة الاجتماعية العامة بين الجنسين، أسمى معاني الفضيلة والعدل، وتصونها بيد حكيمة حنون عن الانسياق في تيار الرذيلة والفساد.
فقد منع بشكل قاطع كامل، أي نحو من أنحاء الاتصال الجنسي غير المشروع، مَنَعَهُ بكل مراتبه وأشكاله، ابتداء من تبادل النظر وانتهاء بالاتصال المباشر. قال الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) .
وقال الإمامان أبو جعفر الباقر وأبو عبد الله الصادق {عليهما السلام}: ما من أحد إلا وهو يصيب حظاً من الزنا. فزنا العينين النظر، وزنا الفم القبلة، وزنا اليدين المس.
فنعرف إن لكل من الحواس نحوا من المتعة الجنسية، واستعمالها في الطريق غير المشروع مرحلة وشكل من الزنا.
ولا يستثنى من هذا المنع العام إلا عدة موارد:
فأول المستثنيات: هو الجنس الآخر الذي ارتبط معه الفرد برباط شرعي مقدس، هو رباط الزوجية، أو أي نحو محلل في الشرع. وهو ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم إذ قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى أن قال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) .
وهذا هو الطريق الشرعي الوحيد في الإسلام، لإشباع الغريزة وسد حاجاتها، والاتصال على هذا المستوى المقدس جائز جوازاً مطلقاً.
ثاني المستثنيات: هم جماعة من أقارب الشخص يسمون بالمحارم في الاصطلاح الفقهي، يجوز للفرد الارتباط بأفرادهم اجتماعياً، وان كانوا من الجنس الآخر. وهم الذين نص عليهم في القران الكريم في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ) . إلى آخر الآية.
وهذا الجواز ثابت لكلا الجنسين، فان كان رجلاً جاز له مقابلة أقاربه من النساء، وان كانت امرأة جاز لها مقابلة هؤلاء الأقارب من الرجال. وجواز النظر في هذا المستوى مقتصر على النظر إلى الفرد بلباسه الاجتماعي الاعتيادي، ولا يجوز الزيادة عليه.
ثالث المستويات: هي تلك المرأة التي التزمت بالآداب الإسلامية وأطاعت أوامر الإسلام بالستر والحجاب، وغضت بصرها عن الحرام، وقصرت أعمالها وحواسها على الحلال. يجوز لها في حدود ذلك القيام بأي شكل من الفعاليات الاجتماعية، وبأي نشاط بناء في سبيل إرساء قواعد المجتمع على أفضل الأسس وأحسن القواعد.
فانه ليس معنى الحجاب، إلا صيانة الفضيلة والعدل في علاقات الجنسين، وليس معناه جعل سد منيع وهوة سحيقة بينهما.
فالمرأة في الإسلام، وفي حدود ما فرضه من آداب، لم تمنع عن تلقي العلم ولا عن التجارة ولا عن أي أمر اجتماعي آخر، مفيد للمجتمع الإسلامي. ومن ثم نرى إن سماع صوت المرأة الأجنبية جائز في الإسلام، بشرط أن تقتصر على أداء الحاجات الاجتماعية، من دون أن يكون مثيراً للفتنة والفساد. قال الله عزوجل: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) .
إلا انه من الصحيح أيضاً، إن الإسلام حث المرأة على الالتزام بما تقتضيه طبيعة تكوينها، كأم لأولاد وربة لأسرة وزوجة صالحة لها من هذه النواحي عدد من الحقوق وعليها كثيرا من الواجبات، مما سوف نتناوله في حديث جديد.

الحـديث الرابع

الرجل بصفته زوجا

لا شك إن الرجل في الأسرة يمارس، بصفته زوجا، مسؤوليات كثيرة وخطيرة، تتوقف على حسن أدائها ورعايتها، سعادته الزوجية واستمرار التعاطف الوجداني بينه وبين شريكة حياته، واستعداد كل منهما للتضحية في سبيل الآخر. وبمقدار ما يغض الزوج نظره عن هذه المستويات ويهمل أداءها، يمكنه أن يبتعد عن بيته، ويسقط نفسه كرب لعائلة وكزوج ناجح في الحياة.
والإسلام إذ لاحظ هذه الجهة بعمق وتدبر، وضع لها أحسن الحلول وأفضل التوجيهات، وأعطى بيد الزوج جملة من التعاليم التي يمكنه إن يسير ببركتها، لو أطاعها وامتثلها، على الطريق المستقيم ويطبق العدل الإسلامي على حياته الزوجية. روي عن رسول الله {صلى الله عليه وآله} انه قال: ألا أخبركم بخيار رجالكم. قلنا بلى يا رسول الله. قال: من خير رجالكم التقي النقي السمح الكفين الكريم الطرفين، البر بوالديه، لا يلجئ عياله إلى غيره. ثم قال: ألا أخبركم بشر رجالكم: فقلنا: بلى. فقال: من شر رجالكم البهات البخيل الفاحش، الآكل وحده المانع رفده الضارب أهله وعبده الملجئ عياله إلى غيره. العاق بوالديه.
فنرى انه أعتبر بالزوج عدة صفات وحمّله جملة من المسؤوليات:
فأولاً: يجب أن يكون الزوج تقيا. والتقوى عنصر فعال في صياغة سلوك الفرد وبلورته نحو العدل والكمال. إذ إن من صفات الفرد التقي استعداده الكامل لإطاعة أوامر الله وامتثاله تعاليمه في كل مجالات الحياة. إذن فالتقوى هي مفتاح سحري الذي به يكون الزوج صالحاً ومطبقا لمسؤولياته الإسلامية بجد وإخلاص.
وثانياً: يجب أن يكون نقياً. والنقاء عبارة عن إمساك النفس عن الانحدار في مهاوي المعاصي، كبيرها وصغيرها. فيجب أن يكون الفرد نقي القلب عن الضغن والعداء مع أفراد أو جماعة مؤمنين.. نقي الجيب من المال الحرام غير المشروع في الإسلام.. نقي الكلام من الكذب والنميمة والغيبة والسباب وغيرها من رذائل الألفاظ.. نقي السلوك من الانحدار في مهاوي الرذيلة، كالسرقة والفاحشة وشرب الخمر وغيرها من محرمات الإسلام.
وثالثها: ينبغي أن يكون الزوج كريم الطرفين، بمعنى انه ينبغي أن تختار الزوجة الشخص الكفؤ المولود عن طريق شرعي لم يشب بفاحشة أو حرام.
ورابعا: ينبغي أن يكون الزوج سمح الكفين، غير بخيل، بمعنى أن يكون على استعدادٍ ورضى بان يبذل أمواله في الطريق المحمودة في الإسلام المرضية لله تعالى. ولعل من أهم الطرق المطلوبة في الإسلام، هو صرف المال على العائلة والتوسع على أفرادها، على أن لا يصل إلى حد البذخ والتبذير المؤدي إلى الفساد. وأقله أن لا يلجئ عياله إلى غيره، بمعنى أن يضمن لهم النفقة الواجبة ولا يقتر عليهم بحيث يضطرهم إلى الرجوع إلى غيره في سبيل أداء حاجات حياتهم.
وعلى الزوج أن يسعى من أجل هذه الغاية، في طلب الرزق بكد يمينه وعرق جبينه وعمل يديه.
روي عن الإمام الصادق {عليه السلام}، انه قال: الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله. وعن الإمام الرضا {عليه السلام} انه قال: الذي يطلب من فضل الله ما يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله عزوجل.
وان العمل والكدح محبوب إلى الله عزوجل ومطلوب من الفرد، بحيث انه كان من عمل الأنبياء والأوصياء والصالحين. قال الراوي: رأيت أبا الحسن وهو الإمام الكاظم {عليه السلام} يعمل في أرض له، قد استنقعت قدماه في العرق. فقلت: جعلت فداك، أين الرجال؟ (يعني لأجل معاونته في عمله). فقال للراوي: ياعلي، قد عمل باليد من هو خير مني ومن أبي في أرضه. فقلت: ومن هو؟ فقال: رسول الله {صلى الله عليه وآله} وأمير المؤمنين {عليه السلام}، وآبائي كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم. وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين.
فنرى من هذا كيف إن العمل في سبيل التوسعة على العيال، مطلوب في الإسلام، وكيف إن الكاسب والعامل والفلاح والتاجر، محبوبون لله عزوجل مرضيون عنده، إذا كانوا واقفين عند تعاليمه وإرشاداته في عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم. وليس أدل على هذا الحث الإسلامي للزوج بالتوسعة على العائلة، من قول الإمام الكاظم {عليه السلام}: عيال الرجل أسراؤه، فمن انعم الله عليه بنعمه فليوسع على أسرائه. فان لم يفعل أو شك أن تزول تلك النعمة.
وخامساً: يجب أن يكون الزوج رحيماً بأهله، خلوقاً مع زوجته عطوفاً عليها، لا فظّاً غليظاً معها، يغتنم ضعفها أمامه وحاجتها إليه فيكيل لها أنواعاً من سيئ القول والفعل. بل يحرم عليه ضربها من دون مبرر شرعي. وينبغي أن يغفر لها هفوتها وتعديها عليه.
فعن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله {عليه السلام}: ما حق المرأة على زوجها، الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال: يشبعها ويكسوها، وان جهلت غفر لها، يعني إذا اعتدت عليه سمح لها وعفا عنها. وعن رسول الله {صلى الله عليه وآله} انه قال: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. وفي رواية: خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي.
ولا يستثنى من ذلك إلا الزوجة التي يخاف الرجل نشوزها، فانه من المعلوم إن الإسلام حينما جعل على الزوج هذه الواجبات، وجعل من حق الزوجة عليه القيام بها، لم يجعله على أساس تحرر الزوجة من المسؤوليات وتهاونها في حق زوجها، بل جعل له بإزاء ذلك على زوجته واجبات مماثلة يجب أن تبادله إياها، تضحية بتضحية وعطف بعطف. فإذا أصبحت الزوجة فضة الأخلاق كريهة السلوك لا يسرها مسامحة زوجها معها وعفوه عن سيئاتها وقيامه بواجباتها، فغمطت حقوقه وأهملت واجباتها تجاهه. ففي مثل ذلك يأمر الإسلام في القرآن الكريم بتدارك حال مثل هذه الزوجة، بالوعظ أولا، بمعنى تذكيرها بالتعاليم الإسلامية وتخويفها من غضب الله عزوجل، فان حركت الموعظة أوتار قلبها وعقلها وأعادتها إلى شدها، فهو المقصود.
وإلا هجرها زوجها في المضجع، ولم يتصل بها من الناحية الجنسية، لتشعر بالألم وتأنيب الضمير عقاباً لها ولتمردها. فان أفاد هذا السلوك معها فهو المقصود، وإلا جاز له ضربها توصلا إلى تقويمها والحصول على حسن سلوكها. قال الله عزوجل: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) .

الحديث الخامس

المرأة بصفتها زوجة

بعد ما عرفنا في الحديث السابق ما على الزوج من واجبات والفروض، تجاه زوجته في تعاليم الإسلام، لابد أن نعرف الحقوق التي يتمتع بها الزوج تجاه زوجته، وعليها واجب القيام بها والمحافظة عليها، إذا أرادت أن تكون زوجة صالحة محافظة على العلاقة العادلة بينها وبين زوجها. لنرى في نهاية المطاف كيف يريد الإسلام من الزوجين أن يبنيا الأسرة الفاضلة العادلة التي تكون لبنة أساسية في بناء المجتمع الإسلامي الكبير.
إن أحسن ما يصور ذلك، ما روي عن الإمام الباقر {عليه السلام} انه قال: جاءت امرأة إلى النبي {صلى الله عليه وآله} فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدّق من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب. ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وان خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها.
فنرى من ذلك إن الإسلام جعل على الزوجة تجاه زوجها عدة واجبات، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
فأولاً: ينبغي على الزوجة أن تطيع زوجها ولا تعصيه، في كل أمر يأمرها به مما فيه من مصلحة لهما وتوفير لهنائهما وسعادتهما، ما لم يكن مخالفاً للشرع الإسلامي المقدس وتعاليمه الإلزامية. ولا يجوز لها أن تعصيه فتغضبه، فانه كما قال الإمام الصادق {عليه السلام} فيما روي عنه : أيما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق، لم يتقبل منها صلاة حتى يرضى عنها. فقد أنيط قبول الله تعالى لصلاة الزوجة، والصلاة عمود الدين، بإطاعتها لزوجها وعدم إغضابه.
ومن أهم موارد إطاعة الزوج، هو وجوب تمكينه من الانتفاع الجنسي بشكل مطلق كامل على سائر مستويات الانتفاع، لا يحد إرادته لذلك أي مناقشة منها أو صدود. وفي ذلك قال النبي {صلى الله عليه وآله} في حقوق الزوج: ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب. ليرشد إلى إن الزوجة مهما كانت في حال صعوبة وإرهاق، كحال الركوب على القتب، فان عليها واجب التمكين، فضلاً عن حال اليسر والتمكن. وفي رواية أخرى عنه {صلى الله عليه وآله} انه يقول في الزوجة: وعليها أن تتطيب بأطيب طيبها وتلبس أحسن ثيابها وتتزين بأحسن زينتها وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية.
الواجب الثاني على الزوجة: أن تتقيد في مصارف المال وإعطاء الهبات والصدقات، في حدود رغبة زوجها وأذنه. لان الزوجة تعيش في كنف الزوج وبين ظهرانيه، فليس من العدل أن ترتكب في داره وأمواله ما يكره من الشراء أو البيع أو الهبات والصدقات. نعم، إذا كان المال ملكها، كان لها التصرف في حدود المشروع في الإسلام.
الواجب الثالث على الزوجة: أن لا تصوم الصوم المستحب إلا بإذنه. والصوم هو تلك العبادة الإسلامية الفضلى التي أوجبها الإسلام في شهر رمضان، وجعلها مطلوبة استحبابا في سائر الأيام. وما أدل هذه العبادة على قوة الإرادة والصبر، وما أقواها في مكافحة الشهوات والانحرافات. ومع ذلك فان الشارع الإسلامي الحكيم، منع الزوجة من الصوم المستحب إلا بإذن زوجها.
والسبب في ذلك: هو إن الزوجة إذا صامت، وأرادت المحافظة على صحة صومها، فان عليها أن تمنع زوجها من نفسها بالشكل المفسد للصيام. وفي ذلك هدر لحق الزوج لا يريده الإسلام. ومن هنا أمر الزوجة بإستحصال إذن الزوج إذا حاولت الصيام المستحب. فانه إذا أذن لها فقد اسقط حقه في التمكين، ولم يبق أمام الزوجة مانع من القيام بهذه العبادة الفضلى.
الواجب الرابع على الزوجة: أن لا تخرج من بيت زوجها. وخروجها إلى أي محل ولأي مناسبة وبأي قصد، محرم، ما لم يكن خروجها بإذن الزوج ورضائه. وذلك لأحد سببين:
أحدهما: ما يشابه السبب الذي قلناه في منع الزوجة عن الصوم المستحب. فان خروجها يقلل لا محالة من فرص الاستمتاع الجنسي للزوج، وحيث إن حقه في ذلك مطلق في نظر الإسلام، لا ينبغي أن يحول دونه حائل. لذلك منعت الزوجة من الخروج إلا بإذن زوجها، باعتبار إن إذنه لها متضمن لإسقاطه حقه عنها.
ثاني السببين: إشراف الزوج على تحركات زوجته وعلاقاتها الاجتماعية. فان الزوجة تعتبر في المجتمع، وجها لزوجها وممثلة له ووجوداً كوجوده. لذا فقد أعطى الإسلام للزوج حق الإشراف على علاقات زوجته، لكي يستطيع أن يحفظ بفكره وإرادته، التوازن الاجتماعي لها، ويمكنه أن يخطط بيده الأسلوب العام لعلاقات زوجته الاجتماعية.
ومن هنا تسمع من النبي {صلى الله عليه وآله}، التشديد العظيم على حرمة الخروج من دون إذن الزوج إذ يقول: وان خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها. الرواية. وليس هناك امرأة مسلمة تود أن تكون موضعا للعن الله ورسوله وملائكته.
ولنستمع إلى رسول الله {صلى الله عليه وآله}، ليرينا ـ في حديث آخر ـ صفات السوء في الزوجة، لكي تضعها الزوجة الصالحة نصب عينيها، وتحاول جهدها أن تبتعد عنها ولا تكون متصفة بها. قال النبي {صلى الله عليه وآله}، فيما روي عنه،: ألا أخبركم بشرار نسائكم: الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تتورع عن قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها الحصان معه إذا حضر. لا تسمع قوله ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عند كوبها، ولا تقبل منه عذراً ولا تغفر له ذنباً.
ولا يخفى شان الزوجة الصالحة وأثرها العظيم في تكوين الأسرة الصالحة المتعاطفة، وفي غرس أروع المثل والأخلاق والعقائد في الجيل الصاعد. كما لا يخفى فضل المرأة الصالحة عند الله وقربها إليه، وان العمل في سبيل الزوج وإطاعته يعتبر من المرأة جهاد في سبيل الله. فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب {عليه السلام} انه قال: كتب الله الجهاد على الرجال والنساء.. إلى أن قال: وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من زوجها وغيرته.
وروي عن النبي {صلى الله عليه وآله} انه قال: ما استفاد امرأ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله. وعن أمير المؤمنين {عليه السلام} انه قال: خير نسائكم الخُمُس. قيل: وما الخُمُس؟ قال: الهينة اللينة المؤاتية، التي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتى يرضى، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته. فتلك عامل من عمال الله وعامل الله لا يخيب.

الحديث السادس

صداق الزوجة

بعد أن حملنا أحاديثنا السابقة فكرة واضحة عن حقوق الزوج وحقوق الزوجة وواجبات الزوجة كل منهما تجاه الآخر، والممنا بما يضعه الإسلام في هذا المجال من أحكام وتعاليم لكي يكفل للزوجين السعادة والخير، لكي تكون هذه الأسرة، مع غيرها من الأسر المسلمة، النواة الأساسية في بناء المجتمع الإسلامي الكبير.
وإذا عرفنا ذلك ينفتح الكلام أمامنا سخياً وافراً، في التكلم عن بعض أنواع العلاقات والتصرفات التي تكون بين الزوجين في مبدأ الزواج تارة وفي مستقبل أيامه أخرى. فينفتح الكلام تارة عن المهر وعن وجهة نظر الإسلام في تحديده في مبدأ الزواج. وينفتح الكلام أخرى بلحاظ مستقبل الزواج واستمرار أيامه، عن إمكانيات الزوجة ومقدار حقها للعمل خارج البيت في تجارة أو صناعة أو دراسة. وعن مقدار واجبها في العمل داخل البيت لإدارة شؤون الأسرة وتدبيرها.
وقد فتحنا هذا الحديث للتكلم عن مهر الزوجة أو صداقها، محيلين الحديث عن عمل الزوجة إلى فرصة أخرى.
والمهر هو ما يعينه الزوج لزوجته من مال أثناء إنشاء عقد الزوجية. وهو ضروري الوجود فيه، إذ به تكتسب الزوجة حقاً على زوجها أن يعطيها الكمية المعينة من المال لقاء ما يكتسبه هو من الحق عليها في الاستمتاع الجنسي الكامل. فان أهملا ذكره في العقد، عين لهما الشارع الإسلامي مهر المثل أو مهر السنة على ما سيأتي من معناه.
والأساس العام لكمية المهر في نظر الإسلام، هو عدم التحديد، وجواز اتفاق الزوجين المتعاقدين على أي كمية من المهر مما يجوز تملكه في الإسلام. بشرط أن يبذلها الزوج عن طيب نفس، وتستلمها الزوجة عن رضاء وتسليم. ومن هنا ورد انه (ما تراضى عليه الناس) بمعنى انه ما أتفق عليه الزوجان من قليل أو كثير.
إلا أن هذا الأساس العام لكمية المهر وان كان ثابتاً، إلا إن الإسلام طبقاً لفلسفته العامة في الحياة، وقف بوجه تيار المغالات في المهور، وأكد بشدة وحزم على تقليلها وتخفيفها. وأعتبر إن من شؤم المرأة غلاء مهرها وعسر ولادتها، وفي رواية أخرى: وعقم رحمها. وكان لابد للإسلام أن يفعل ذلك، لما فيه من انسجام مع ذوقه العام، وإعطاء فرصة اكبر للمجتمع في إطاعة أوامره وناهيه. فانه من الواضح دائماً على طول الخط التاريخي الطويل، إن كثرة المهر وكثرة الزواج يتناسبان تناسباً عكسياً ولا يمكن أن يجتمعا بحال. فان زاد المهر قل الزواج وان قل المهر زاد زواج. باعتبار ما لكثرة المهر من عسر في التحصيل وتكليف في البذل، لا يقدر عليه إلا جملة من أهل الثروة واليسار، ومن ثم يبقى أغلب الأفراد في المجتمع من متوسطي الحال فما دون، ممن هم في حاجة إلى الزواج، يعانون من هذه العقبة الكؤود. على إن قلة المهر تيسر لهم الحصول على المال اللازم ومن ثم تفتح أمامهم أبوابا واسعة من فرص الزواج.
ولا يخفى ما لقلة الزواج من آثار سيئة على نفوس الشباب المتوّثبة، المشحونة بالطاقة الجنسية العارمة، وما يسبب لأكثرهم من الفساد والانحراف، إلا من ترسخت عقيدته وقويت إرادته. وهذا ما لا يريده الإسلام ويأبى عن وجوده في المجتمع الإسلامي العادل. ومن هنا أمر بتقليل المهور.
وقد تصدى الإسلام لتحديد الحد الأعلى للمهر بخمسمائة درهم، والدرهم مثقال من الفضة الخالصة، ومع عدم وجوده يعطي ما يساويه من العملة في أي بلد. وسمي هذا المهر بمهر السنة. وندب إلى جعله الأساس لعقد الزواج، وكره الزيادة عليه، وأستحب للزوجة التنازل عن الزيادة، إن كانت.
والإسلام يرى انه ليس المقصود الأساسي من الحياة الزوجية، هو مفاخرة الآخرين بكثرة الأثاث والرياش، لكي يكون هذا سبيلاً إلى اقتراح زيادة المهر. وإنما المقصود الأساسي من الحياة الزوجية، مضافاً إلى الانتفاع الجنسي، هو الاجتماع على طاعة الله تعالى، والجهاد في تطبيق الزوجين تعاليمه العادلة على انفسهما وذريتهما، والابتعاد عن النظرة المادية الضعيفة للكون والحياة.
وعلى هذا الأساس نرى من المنطقي جداً أن يكون المهر المسمى في عقد تزويج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب {عليه السلام} بفاطمة الزهراء {عليها السلام}، وهما على ما هما عليه من الجلال والكمال والقرب الإلهي، أن يكون المهر بينهما لا يزيد على (درع حطمية تساوي ثلاثين درهما) وفي رواية أخرى (كان فراشهما إهاب كبش يجعلان الصوف إذا اضطجعا تحت جنوبهما). وهذا المهر مما زوج به رسول الله {صلى الله عليه وآله} ابنته عليه، وقد جرى عقد الزواج بين يديه وتحت إشرافه {صلى الله عليه وآله}.
وإذا كانت هذه هي النظرة العامة، وذلك هو السلوك الذي يتمسك به إمامنا أمير المؤمنين {عليه السلام}، وهذا هو المثل الإسلامي الأعلى الذي يقترحه رسول الله {صلى الله عليه وآله}، فما احرانا بإتباعه والسير على هدى نوره ورفض النظرة الضيقة للحياة والمجتمع، والأخذ بالميزان الإسلامي الأوفى بالنظر إلى الأمور وفي فهم الحوادث والنتائج وفي صياغة السلوك، لكي تحظى بخير الدنيا وخير الآخرة. ولن يكون أي فرد منا أولى من ذينك الزوجين الكريمين عند الله عزوجل، في أسلوب المعاش ولا في كثرة الأثاث والرياش، ولا في زيادة المهور.
والإسلام بعد اشتراط وجود المهر في عقد الزوجية، جعله ملكا للزوجة ولها الحق المطلق في مطالبة زوجها به. فان دفعها إليها كان قد قام بواجبه، وإلا بقي ديناً في ذمته يستحق الأداء. ويحرم عليه بأي حال من الأحوال أن يأكل على زوجته مهرها ويعزم على عدم دفعه إليها. قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) . وقال: (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) . وروي عن الإمام الصادق {عليه السلام} انه قال: من أمهر مهراً ثم لا ينوي قضاؤه كان بمنزلة السارق. وعنه أيضاً: من تزوج امرأة ولا يجعل على نفسه أن يعطيها مهرها فهو زنا.
غاية الأمر إن لم يكن الزوج متمكنا فعلاً من الدفع وجب على زوجته إمهاله إلى حين التمكن.
إلا أن الإسلام في عين الوقت الذي أوجب على الزوج ذلك، حث الزوجة حثاً مؤكدا على تنازلها عن مهرها وتصدقها على زوجها وعدم تكليفه بدفعه أصلاً، ووعدها على ذلك أجراً كبيراً وثواباً عظيماً. روي عن رسول الله {صلى الله عليه وآله} انه قال: أيما امرأة وهبت مهرها لبعلها، فلها بكل مثقال ذهب كأجر عتق رقبة.
وإذا امتثلت الزوجة هذا الأمر، وتنازلت عن صداقها أو عن قسم منه على الأقل، جاز للزوج التصرف فيه وعدم دفعه إليها. قال الله تعالى: وان طبن عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً. باعتبار إن دفع المهر يعتبر حقاً للزوجة وواجبا على الزوج، والواجب يبقى مادام الحق باقياً في قبالة، فإذا تنازلت الزوجة عن حقها، سقط الواجب عن ذمة الزوج لا محالة.


الحديث السابع

عمل المرأة في البيت وخارجه

كلنا ندرك بوضوح ما أولته الطبيعة، بعناية الله عزوجل، للمرأة من مميزات جسمية وعاطفية، لأجل تكوين الأسرة وبناء الجيل الجديد، حتى لقد كانت المرأة مخلوقاً (أُسَرَّياً) أكثر منها ذات أي وصف آخر.
فهناك اللقاء العاطفي بين الجنسين، التي تنعقد به بذور الذرية الأولى، ذلك اللقاء التي تمثل المرأة أحد ركنيه الأساسيين. وانفعال المرأة بهذا اللقاء بشكل عاطفي حساس ضروري لان يكون اللقاء منتجاً وصالحاً للإنجاب، فان اللقاء الجاف وان كان ممكنا إلا انه لا يمكن أن يكون مثمراً بحال من الأحوال. ومن المعلوم إن اللقاء الوجداني بشكله المطلوب لا يتوفر إلا على صعيد الأسرة وفوق صرح الزواج.
وهناك مدة الحمل، وساعة الولادة التي تقاسي المرأة خلالها ثقل الحمل وألم المخاض، وتكون خلالها في أشد الحاجة للرعاية والاستجمام. فان العمل الممض قد يؤدي إلى الإجهاض. فتخسر البشرية فرداً كان يمكن أن يؤدي لها أجل الخدمات. ومثل تلك الرعاية يتعذر على المرأة الحصول عليها إلا في الجو العاطفي في الأسرة المتماسكة.
وهناك فوق كل ذلك ونتيجة لذلك، تربية الأولاد، التي هي العنصر الأهم في الأسرة، وهي رسالة المرأة الكبرى التي وجدت لأجلها واختارها الله للاضطلاع بمهامها. وأعطاها من المميزات الجسمية والنفسية ما تستطيع به الصبر والمثابرة على مهمتها الشاقة الطويلة. وهي رسالة كبرى ومهمة عظمى تتحمل المرأة قسطها الوافر اتجاه ربها ودينها وتجاه مجتمعها وأمتها من ناحية أخرى. واللازم عليها أن تكون بمستوى المسؤولية، فتنتج أفراداً صالحين خيرين بنائين، يقدمون لخير الأمة والبشرية ما استطاعوا من خدمات.
وأداء هذه الرسالة الكبرى منوط أيضاً بالأسرة، فان التربية الصالحة، وإنشاء الأنفس المخلصة البناءة، لا يكون مضمونا إلا تحت إشراف الأبوين، وما يبذلانه من عطف ورعاية، لأنها المدرسة الأولى للفرد، وبها ينال الفرد أسسه الفكرية الكبرى التي يحتذيها في سائر أيام حياته.
إذا عرفنا ذلك، وتميزنا بوضوح الدور الطبيعي الهام الذي تؤديه المرأة والمسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقها، استطعنا أن نفهم بوضوح أهمية عمل المرأة في البيت لإشرافها على مملكتها الصغيرة وإخلاصها بجد وشرف على أداء المسؤولية، ونفهم مدى الضرر الاجتماعي الكبير الذي يحدث إذا غادرت المرأة بيتها وغمطت حق أسرتها وعملت في مصافّ الرجال.
أما عملها في بيتها في الأداء الصحيح لرسالتها الجليلة تجاه زوجها وأولادها وأمتها. لكي تكون المدرسة الأولى لرجال الغد وبناة المستقبل، فتزرع في عقولهم المثل العليا وفي نفوسهم السجايا الصالحة والأخلاق الحميدة، لكي تقدم إلى المجتمع بكل فخر واعتزاز أفراده الصالحين المأمولين لكل خير.
ولا نقصد بعمل البيت إلا ما كان داخلا في هذا الخط، ومتمشيا مع هذا الهدف، أي الجهد الذي تبذله المرأة في سبيل أداء حق زوجها وتربية أولادها. وأما ما زاد على ذلك فليس واجباً عليها وليس من حق أحد مطالبتها به، وإنما تتبرع به الزوجة ـ إن تبرعت ـ في سبيل إرضاء أسرتها وإرضاء ربها وتحصيل ثوابه الموعود.
إذن، فالإسلام إذ يأمر المرأة بالقيام بواجباتها في الأسرة، وأداء مسؤولياتها اتجاهها، إنما يواكب بذلك طبيعتها الأساسية واصل خلقتها التي خولها الله تعالى إياها بصفتها زوجة وأماً. وتكون المبادئ الأخرى التي تكلف المرأة أكثر من ذلك، قد كلفتها شططا ما هو خارج عن مسؤوليتها وحدود طبيعتها.
وأما عمل المرأة خارج البيت، فانا إذا نظرنا إليه بصفتها وسيلة لكسبها للمال، لم نجده بنفسه وعنوانه محرماً في نظر الإسلام، فان للمرأة كما للرجل تماما، حق الملكية وإجراء المعاملات والمشاركة في الأعمال التجارية المهنية وغيرها. إلا أن ممارستها لحقها في هذا الميدان يجب أن يقتصر في حدود طاعة تعاليم دينها وعدم غمط حقوق غيرها وإهمال مسؤولياتها. فان استطاعت المرأة أن توفق بين ذلك وتقوم بواجباتها وعملها، جاز لها العمل وحل لها الكسب، وألا كان في كثير من الأحيان حراماً في نظر الإسلام.
وان عمل المرأة في خارج البيت عدة مفاسد اجتماعية وإسلامية يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:
أولاً: إن عملها في الخارج، كما عرفنا، إهدار لحق زوجها وأولادها، وإهمال لشؤونهم، مما يلجئ الزوج إلى الانحراف الخلقي، وقضاء وقت فراغه سائبا ما بين المطاعم العامة والأماكن المشبوهة.
ولئن كان حق الزوج قابلاً للإسقاط من قبله، فان حق الأولاد ومسؤولية تربيتهم غير قابلة للسقوط ولا يمكن تلافيها بتأسيس الملاجئ ودور الحضانة. حيث يعتني بالأولاد كما يعتنى بالآلة ولا ينال الفرد منهم إلا قسطاً ضئيلا من الإشراف العام، ويكون محروماً تماماً من عطف الأمومة والأبوة، ومن الجد والإخلاص في تربيته وإصلاحه. وسوف ينعكس ذلك بكل تأكيد على سلوك الفرد وعواطفه وأسلوب تفكيره. وسوف لن يستطيع أن يعطي للمجتمع ولا لأسرته وأولاده، ما كان محروما منه في صغره من حنان وإخلاص.
إذن فلا ينبغي إن يكون الغرض من دور الحضانة هو ذلك.. وإنما المهم في تأسيسها هو أن تتكفل بالرعاية أولئك الأطفال الذين حرموا اضطرارا من عطف الأبوين لبعض الظروف التي قد تطرأ عليهما كالموت والطلاق ونحو ذلك.
إذن فنعرف كم سوف يكون عمل المرأة وإهمالها للأسرة سبباً مباشراً في الإضرار بالمجتمع وتسليمه أفرادا قاصرين هدامين، عاجزين عن خدمة دينهم وأمتهم وأداء حقها والقيام بمسؤوليتها، كما هو المأمول في كل فرد فيها. فكيف ظنك إذا قام النظام الاجتماعي على عمل المرأة وأصبح اغلب الأفراد من نتاج الملاجئ ودور الحضانة.
وثانياً: إن عمل المرأة في الخارج، على النحو السائد في أنظمة كثير من الدول، منذ فجر ما يسمى بعصر النهضة والى الآن، يحتوي بشكل مباشر على إباحة اختلاط الجنسين لأجل تعاونهما في العمل، وهو بنفسه محرم في الإسلام، فانه يؤدي حتما إلى وجود العلاقات المشبوهة بين الجنسين. فان هؤلاء العمال رجالا ونساء، يغلب عليهم، بسبب العمل، الحرمان من الإشباع المشروع لغرائزهم الطبيعية أو النقص الكبير في ذلك على أحسن تقدير. على حين يجدون في اختلاطهم بالجنس الآخر مختلف الطبائع ودرجات الجمال. فتحصل بلا شك العلاقات غير المشروعة بين الكثيرين والكثيرات، إلا من وفقه الله تعالى إلى قوة الإيمان والإرادة. وهذه العلاقات بنفسها أيضاً محرمة في الإسلام.
بالإضافة إلى ما تولده من مشاكل اجتماعية خطيرة، من كثرة الإجهاض أو دفن الأطفال. أو ـ على أحسن تقدير ـ تربيتهم في الملاجئ لا يعرفون أماً ولا أباً ولا يشعرون بحنان، فينشأون أفراد غير صالحين لخدمة المجموع.
أما الاتصال غير المشروع مع تحاشي وجود الحمل، فهو تبذير للغريزة الجنسية واستعمال لها في غير طبيعتها الأصلية وهي تكثير النسل وحفظ النوع. مضافا لما ينتهي إليه هذا التبذير من قلة في الذرية المشروعة الصالحة. وهو أيضاً مما يتنافى وذوق الإسلام.
وثالثاً: إن في عمل المرأة، منافاة صريحة وواضحة في طبيعة تكوينها، فهو ينافي وقتها وجمالها وضعفها الطبيعي عن الرجل، وينافي فترات الحمل والولادة التي تمر بها. فالمرأة العاقلة إما أن تباشر الحمل بالشكل الطبيعي المستمر، فسوف تقاسي في العمل آلاماً مضاعفة قد تؤدي بها إلى الإجهاض. وإذا عرفت ذلك فحاولت الحيلولة دون وجود الحمل، أوقعها ذلك بالأمراض الناتجة عن استعمال موانع الحمل من ناحية، ونتج عن ذلك قلة الذرية من ناحية أخرى، وبالتالي قلة أفراد المجتمع. وهذا مما يتنافى وذوق الإسلام ووجهة نظره العامة في الحث على زيادة النسل.
إذن فلم يبق أمام المرأة، إذا أرادت أن تعمل فتكسب من الرزق الحلال، ألا أن تقدم مسؤولياتها تجاه زوجها وأولادها ودينها وأمتها، ويكون عملها في هذه الحدود جائزا وكسبها مشروعاً.
وخير لها أن لا تكلف نفسها هذا العناء، ولا تطمح إلى أكثر مما أوجبه الناس على زوجها من النفقة الواجبة التي تكفل لها الراحة في سائر جوانب الحياة. وتدع العمل لأولئك النساء البائسات اللائي حرمتهن الظروف عن المشرف والكفيل، وغير المرتبطات بزوج وأولاد، فان عملهن مما تمليه ضرورة الحياة، شريطة الاقتصار على حدود تعاليم الإسلام في الأخلاق والمعاملات.

الحديث الثامن

حقوق الوالدين

مما لا شك فيه إن القانون البشري العام، النافذ بقدرة خالقه العظيم، يقضي بان يولد الإنسان قاصرا من جميع الجهات لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً. ليس له إلا هذا الجسم الغض المهدد بالأخطار، وألا هذه النفس الصافية البيضاء الشديدة القابلية للتعليم. وقد انعم الله تعالى على هذا الطفل بالوالدين، وبحبهما واستعدادهما البعيد المدى للتضحية من أجله وتذليل الصعاب في سبيله.
ومن بين يدي الوالدين ينمو الطفل ويفتح عينيه على الدنيا بخيرها وشرها، ويتلقى منهما أولى معارفه، وركائز عقائده وأسس نظرته للكون والحياة. فكان لابد أن يساهم التشريع، توخيا للتربية الصالحة للولد، وحفظ العلاقة العادلة الصحيحة بينه وبين والديه، أن يساهم التشريع في الحث على طاعة الوالدين لكي يتلقى الولد منهما كل ما هو حق وصحيح من حقائق العقيدة والمجتمع والكون على مقدار ما يعرفانه من ثقافة ويحتويان عليه من وعي. لكي يكون بذلك مربوطاً بهما متعلقا بأقوالهما، لأجل صيانته، وهو في مقتبل تفكيره، عن الانحراف والتمرد، ولكي يقفا بصلابة ضد ما قد يتعرض له من خطأ أو زلل مما قد يقوده له التيار المنحرفة والمغريات المضللة الفاسدة.
وكان لابد للتشريع أيضاً، أن يساهم بالأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما، جهد الطاقة والمستطاع، فإنهما قد بذلا قصارى جهدهما في سبيل راحة الولد، حينما كانا قادرين وهو صغير عاجز؛ إذن فمن الحق والعدل أن يبذل الولد جهد طاقته في سبيل راحة والديه وإرضائهما، حينما يكون هو قادراً وهما عاجزين قد بلغا سن الشيخوخة.
وقد ساهم التشريع الإسلامي العظيم في كلا هذين الجانبين: إطاعة الوالدين والإحسان إليهما، وأعطى تعاليمه العادلة الحكيمة.
أما بالنسبة إلى طاعة الوالدين، فقد أوجبها الإسلام في حدود عقائده وواجباته، وندب إليها واستحبها في سائر الموارد. بمعنى إن الوالدين لو أمرا باعتقاد العقيدة الحق في الإسلام، أو بالقيام بالواجبات الإسلامية، فان قولهما يكون نافذاً وإطاعتهما واجبة إلزامية. لأنهما بذلك يبلغان لولدهما أحكام انفسهما، فإطاعتهما في ذلك إطاعة للإسلام، فتكون واجبة بوجوده.
ويندرج في ذلك، ما لو أمراه بالابتعاد عن البيئة الفاسدة وأصدقاء السوء الذين قد يؤثرون على أيمانه ويشككونه في عقيدته، وهو في مقتبل عمره. أو أمراه بالإعراض عن قراءة كتب الدعاية الكافرة اللاإسلامية الداعية إلى المبادئ الضالة المنحرفة. فان أطاعة الوالدين في كل ذلك واجب إلزامي في كل مراحل العمر.
وأما فيما لا يتصل بالإسلام من الأمور الاعتيادية التي قد يصدر الوالدان أوامرهما للولد بتنفيذها، فالإسلام وان لم يوجب الطاعة، إلا انه حث عليها حثاً شديداً واستحبها استحباباً أكيداً. فقد روي عن الإمام الصادق {عليه السلام} انه قال: إن رجلاً أتى إلى النبي {صلى الله عليه وآله}، فقال: أوصني قال: لا تشرك بالله شيئاً وان أحرقت بالنار وان عذبت، إلا وقلبك مطمئن بالإيمان. ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين وان أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فأفعل، فان ذلك من الإيمان.
فقد جعل للوالدين السيطرة المطلقة على أسرة الرجل وأمواله، بحيث لو أمراه بطلاق زوجته أو بيع داره لما وسعه المخالفة.
إلا إن السيطرة بهذا المقدار حكم إسلامي استحبابي، والخضوع لها دال بلا شك على إيمان الفرد وعمق عقيدته. نعم، تكون هذه الطاعة واجبة إذا لزم من العصيان إغضابهما وظلمهما وعدم الإحسان. وهو محرم بنص القرآن على ما سنتكلم فيه.
إلا إن هناك مورد واحد تكون فيه طاعة الوالدين محرمة في نظر الإسلام، وهو ما إذا عرف الولد في أوامر والديه الانحراف عن الإسلام. وانهما يأمرانه بالمحرمات وينهيانه عن الواجبات، ويثقفانه بالأفكار المنحرفة. فعند ذلك يجب على الولد طاعة الله وعصيات الوالدين والالتزام بالحق في العقيدة والسلوك. وذلك قوله عز من قائل: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ) .
وأما بالنسبة إلى الإحسان إلى الأبويين. فهو ما ثبت وجوبه بنص القران مع بالغ الشدة في التأكيد والصرامة في الإلزام. قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) . وقال تعالى في آية أخرى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) .
ونحن إذ ننظر إلى هذه الآيات وما خصت به الوالدين من الحقوق، فنستطيع أن نفهم منها النقاط التالية:
أولاً: إن الله تعالى قرن وجوب الإحسان إلى الوالدين بوجوب توحيده، في قوله تعالى: (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) . للدلالة على إن ذلك بمكان من الأهمية، بحيث يأتي بالدرجة الثانية بعد عقيدة التوحيد. وما أعظمها من درجة؟!.
ثانياً: أكد الله تعالى على جانب شيخوخة الوالدين وكبرهما، وأوجب على الولد بذل أقصى الرعاية لهما والرحمة بهما في عصر ضعفهما واحتياجهما، كما كانا قد بذلا في سبيله أضعاف ذلك حينما كان قاصرا محتاجا للعطف والرعاية. أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)، فهي تأمر بالإحسان إليهما طيلة أيام الحياة، سواء في حالة الشيخوخة أم قبلها.
ثالثاً: انه عزوجل نهى عن أي شكل من أشكال الزجر والإهانة بالنسبة إلى الوالدين. وذلك في قوله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا). وإنما ذكر التأفف لأنه بصفته أهون أساليب إظهار الامتعاض، يكون محرماً لما قد يؤثر على عواطف الوالدين تأثيرا سيئا. فكيف بما هو أشد من الزجر أو الغضب أو الضرب؟!.
رابعاً: انه جل وعلا أمر الولد مضافاً إلى ذلك بإبداء أقصى التواضع والرحمة والقول الكريم تجاه والديه. إذ قال عز من قائل: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ). وعن الإمام الصادق في تفسير هذه الآية، انه قال: إن ضرباك فقل لها: غفر الله لكما فذلك منك قول كريم. فما أسمى هذه الأخلاق وأعظم هذه المثل، وما أبعد واقعنا المؤلم عن الالتزام بها، وما أحرانا بإطاعتها وتطبيقها.
خامساً: انه عزوجل ألفت نظر الولد إلى التضحية والجهاد الذي عاناه الوالدان في تربيته وتدبير شؤونه أثناء صغره. كقوله عز من قائل: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) . ولذلك أمر الله تعالى الولد بأداء الشكر لوالديه بعد أدائه إلى ربه. فقال عزوجل: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) وأمره بالاستغفار لهما لعلهما يحضيان برضاء الله وحسن توفيقه. وذلك قوله عزوجل: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
وقد أولى الشارع الإسلامي اهتمامه بإكرام الأم ووجوب برها أكثر من اهتمامه بالأب. بحيث إن الله تعالى في قرانه الكريم خص تضحية الأم بالذكر، وإنها حملته وهناً على وهن، ولم يخص الوالد بشيء. أما في السنة النبوية وغيرها من النصوص الإسلامية فهو موجود بكثرة. وسر ذلك هو إن تضحية الأم وأتعابها أثناء الحمل والولادة والرضاع والتربية جهود جبارة تفوق تضحية الأب وجهوده أضعافاً كثيرة. فعن الإمام الصادق {عليه السلام} انه قال: جاء رجل إلى النبي {صلى الله عليه وآله} فقال: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك.. قال ثم من؟ قال: أمك.. قال: ثم من؟ قال: أمك.. قال: ثم من؟ قال: أباك.. فقد قدم الأم وكرر وجوب برها ثلاث مرات قبل ذكر الأب.
بقي أن نعرف إن وجوب الإحسان إلى الوالدين، لأهميته في نظر الإسلام ليس منحصراً بالوالدين الصالحين المؤمنين. فان تضحية الوالدين في سبيل الولد غير منحصرة بإيمانهما على أي حال. ومن ثم وجب بر الوالدين وان كانا فاسقين فاجرين كِبرّ الوالدين المؤمنين سواء بسواء. فعن الإمام الباقر {عليه السلام} انه قال: ثلاث لم يجعل الله فيهن رخصة… إلى أن قال: وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين. نعم، وجوب إطاعتهما أو استحبابها، متوقفة على أن لا يأمرا بما يخالف الإسلام.
===============

المحتوى

المقدمة 5
الحديث الأول: الأسرة بشكل عام. 7
الحديث الثاني: الكفاءة في نظر الإسلام. 12
الحديث الثالث: العلاقات الاجتماعية بين الجنسين في الإسلام. 17
الحديث الرابع: الرجل بصفته زوجاً. 23
الحديث الخامس: المرأة بصفتها زوجة. 28
الحديث السادس: صداق الزوجة. 33
الحديث السابع: عمل المرأة في البيت وخارجه. 38
الحديث الثامن: حقوق الوالدين. 44

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه