مقام السيدة الزهراء عند الأئمة الأطهار عليهم السلام

كل من يراجع سيرة أهل البيت سلام الله عليهم ويتمّعن فيها جيداً يلاحظ المقام الرفيع والمنزلة العظيمة التي يكنوّنها لأمّهم الصديقة الزهراء سلام الله عليها، فهذا الإمام الصادق سلام الله عليه لـمّا عرف أن السكوني سمَّى مولودته الجديدة بفاطمة تأوَّه بشدّة ووضع يده على جبهته تحسّراً وقال: أمّا إذا سمَّيتها فاطمة فلا تسبَّها ولا تلعنها ولا تضربها.
وفي موضع آخر: عندما كان الإمام الصادق كان مبعداً إلى الكوفة وسمع أن إمراة عجوز سجنت بسبب لعنها ظالمي جدّته الزهراء سلام الله عليها، لم يقرَّ له قرار ولم يهدأ له بال حتى سمع بخروجها من السجن.
يقول بشّار المكاري: دخلت على أبي عبد الله سلام الله عليه بالكوفة وقد قدِّم له طبق رطب طبرزد وهو يأكل فقال: يا بشارُ اُدن فكل. فقلت: هنّاك الله، وجعلني فداك، قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي! أوجع قلبي، وبلغ مني. فقال لي: بحقي لما دنوت فأكلت، قال: فدنوت فأكلت، فقال لي: حديثك. قلت: رأيت جلوازاً) يضرب رأس امرأة، ويسوقها إلى الحبس وهي تنادي بأعلى صوتها: المستغاث بالله ورسوله، ولا يغيثها أحد. قال: ولِم فعل بها ذلك؟ قال: سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت: لعن الله ظالميك يا فاطمة. فارتُكب منها ما ارتُكب. قال: فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتلُ منديله، ولحيته وصدره بالدموع، ثم قال: يا بشّار قم بنا إلى مسجد السهلة فندعو الله عزّ وجل و نسأله خلاص هذه المرأة. قال: ووجَّه بعض الشيعة إلى باب السلطان، وتقدَّم إليه بأن لا يبرح إلى أن يأتيه رسوله، فإن حدث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنّا. قال: فصرنا إلى مسجد السهلة، وصلّى كلّ واحد منّا ركعتين، ثم رفع الصادق سلام الله عليه يده إلى السماء وقال: {أنت الله لا إله إلا أنت مبدئ الخلق ومعيدهم، وأنت خالق الخلق ورازقهم، وأنت الله لا إله إلا أنت القابض الباسط وأنت الله لا إله إلا أنت مدبّر الأمور وباعث من في القبور، وأنت وارث الأرض ومن عليها، أسألك باسمك المخزون المكنون الحيّ القيوم، وأنت الله لا إله إلا أنت عالم السرّ وأخفى، أسألك باسمك الذي إذا دعيتَ به أجبتَ، وإذا سُئلت به أعطيتَ، وأسالك بحقّ محمد وأهل بيته وبحقّهم الذي أوجبته على نفسك أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تقضي لي حاجتي الساعة الساعة ياسامع الدعاء ياسيداه يامولاه ياغياثاه، أسألك بكلّ اسم سمَّيت به نفسك واستأثرت به في علم الغيب عندك أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تعجّل خلاص هذه المرأة، يا مقلّب القلوب والأبصار يا سميع الدعاء}، قال: فخرَّ ساجداً لا أسمع منه إلا النفس، ثم رفع رأسه فقال: قم فقد أُطلقت المرأة. قال: فخرجنا جميعاً، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجَّهناه إلى باب السلطان فقال له سلام الله عليه: ما الخبر؟ قال: قد أطلق عنها. قال: كيف كان إخراجها!؟ قال: لا أدري ولكنني كنت واقفاً على باب السلطان، إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها: ما الذي تكلّمت؟ قالت: عثرت فقلت: لعن الله ظالميك يا فاطمة، ففُعل بي ما فُعل. قال: فأخرج مائتي درهم وقال: خذي هذه واجعلي الأمير في حلّ. فأبت أن تأخذها، فلما رأى ذلك منها دخل، وأعلم صاحبه بذلك ثم خرج، فقال: انصرفي إلى بيتك. فذهبت إلى منزلها. فقال أبو عبد الله سلام الله عليه: أبت أن تأخذ المائتي درهم؟ قال: نعم وهي والله محتاجة إليها. قال: فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير وقال: اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقرئها مني السلام وادفع إليها هذه الدنانير. قال: فذهبنا جميعاً فأقرأناها منه السلام، فقالت: بالله أقرأني جعفر بن محمد السلام؟ فقلت لها: رحمك الله، والله إن جعفر بن محمد أقرأك السلام، فشقَّت جيبها ووقعت مغشيَّة عليها. قال: فصبرنا حتى أفاقت، وقالت: أعدها عليّ، فأعدناها عليها حتى فعلت ذلك ثلاثاً. ثم قلنا لها: خذي! هذا ما أرسل به إليك، وأبشري بذلك، فأخذته منّا، وقالت: سلوه أن يستوهب أمَته من الله، فما أعرف أحداً تُوسّل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده سلام الله عليهم. قال: فرجعنا إلى أبي عبد الله سلام الله عليه فجعلنا نحدّثه بما كان منها، فجعل يبكي ويدعو لها.
أقول: ليتنا نقتدي بإمامنا الصادق سلام الله عليه في دفاعه عن المظلومين بسبب جدته الزهراء سلام الله عليها، وكيف أنه لم يقرّ له قرار لما سمع بمظلومية تلك العجوز وبقي يتوسّل إلى الله عزّ وجل حتى سمع بنجاتها من أيدي الظلمة.
وليتنا تعلّمنا من مولانا الصادق سلام الله عليه كيف نقف إلى جانب من ظُلموا من أجل جدّته الصديقة من دون أن نبرر بالتبريرات الواهية ونلقي باللوم على عاتق من شمّروا عن سواعدهم بالدفاع عن قضية ظلامة سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين.
بل ليتنا تعلّمنا من هذه العجوز الموالية كيف نقدّس أئمّتنا ونواليهم ونخلص لهم الحبَّ والولاء.

 

موقع يازهراء سلام الله عليها يهتم بكل جديد ينفع في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم كي نرقى ونسمو في افكارنا وآراءنا فلا تبخلوا علينا في افكاركم وآراءكم