موقع يازهراء سلام الله عليها                          www.yazahra.org

الاعتداء على بيت وديعة الرسول

عن كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال: سمعت سلمان الفارسي قال: لزم علي بيته وأقبل على القرآن يؤلّفه ويجمعه فلم يخرج من بيته حتّى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. فلمّا جمعه كلّه وكتبه بيده تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ. بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع فبعث علي عليه السلام: إنّي لمشغول وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي رداءً إلاّ للصلاة حتّى أُؤلّف القرآن وأجمعه فسكتوا عنه أيّاماً فجمعه في ثوب واحد وختمه ثمّ خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله فنادى علي بأعلى صوته: أيّها الناس إنّي لم أزل منذ قبض رسول الله مشغولاً بغسله ثمّ بالقرآن حتّى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد فلم ينزل الله على رسوله آية إلاّ وقد جمعتها وليست منه آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول الله وعلّمني تأويلها. ثمّ قال علي عليه السلام: لئلاّ تقولوا غداً إنّا كنّا عن هذا غافلين. ثمّ قال لهم: لا تقولوا يوم القيامة إنّي لم أدعكم إلى نصرتي ولم أُذكّركم حقّي ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته.

كذبهم على رسول الله

فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه ثمّ دخل علي عليه السلام بيته. فقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع فإنّا لسنا في شيء حتّى يبايع ولو قد بايع أمناه فأرسل إليه أبو بكر: أجب خليفة رسول الله فأتاه الرسول فقال له ذلك. فقال له علي عليه السلام: سبحان الله ما أسرع ما كذّبتم على رسول الله إنّه ليعلم ويعلم الذي حوله أنّ الله ورسوله لم يستخلفا غيري.
وذهب الرسول فأخبره بما قال له. قال: اذهب فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر. فأتاه فأخبره بما قال. فقال علي عليه السلام: سبحان الله ما والله طال العهد فينسى. والله إنّه ليعلم إنّ هذا الإسم لا يصلح إلاّ لي ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلّموا عليّ بامرة المؤمنين. فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أفمن الله ورسوله؟ فقال لهما رسول الله: إنّه أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وصاحب لواء الغرّ المحجّلين يقعده الله عزّوجلّ يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار.
فانطلق الرسول فأخبره بما قال. قال: فسكتوا عنه يومهم ذاك. فلمّا كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة على حمار وأخذ بيده إبنيه الحسن والحسين. فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله إلاّ أتاه في منزله فناشدهم الله حقّه ودعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة قال سلمان: أنا وأبو ذرّ والمقداد والزبير فإنّا حلقنا له رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا وكان الزبير أشدّنا بصيرة في نصرته. فلمّا رأى علي عليه السلام خذلان الناس إيّاه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم إيّاه لزم بيته.

عمر يأمر بإحراق بيت النبوة

فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع فإنّه لم يبق أحد إلاّ وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة. وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غوراً والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما فقال له أبو بكر: من ترسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً وهو رجل فظّ غليظ جافّ من طلقاء أحد بني عدي بن كعب. فأرسله وأرسل معه أعواناً وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد والناس حولهما فقالوا: لم يؤذن لنا.
فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم وإلاّ فادخلوا بغير إذن.
فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام: أخرج عليكم أن تدخلوا عليّ بيتي بغير إذن.
فرجعوا وثبت قنفذ الملعون. فقالوا: إنّ فاطمة قالت: كذا وكذا. فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء. ثمّ أمر أُناساً حوله: أن يحملوا الحطب. فحملوا الحطب وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي. وفيه فاطمة وإبناها. ثمّ نادى عمر حتّى أسمع علياً وفاطمة _ : والله لتخرجنّ ياعلي ولتبايعنّ خليفة رسول الله وإلاّ أضرمت عليك النار.
فقالت فاطمة: ياعمر ما لنا ولك! فقال: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: ياعمر أما تتّقي الله تدخل على بيتي.
فأبى أن ينصرف. ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثمّ دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة وصاحت ياأبتاه يارسول الله. فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت ياأبتاه. فرفع السوط فضرب به ذراعيها. فنادت. يارسول الله لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر.
فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه ثمّ نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله فذكر قول رسول الله وما أوصاه به. فقال: والذي كرّم محمّداً بالنبوّة يابن صهّاك لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليّ رسول الله لعلمت إنّك لا تدخل بيتي.
فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتّى دخلوا الدار وثار علي إلى سيفه فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدّته. فقال لقنفذ ارجع فإن خرج وإلاّ فاقتحم عليه بيته فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار. فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن وثار علي إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فتكاثروه فألقوا في عنقه حبلاً وحالت بينهم وبينه فاطمة عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت وإنّ في عضدها كمثل الدملج من ضربته.
ثمّ أُنطلق بعلي يعتلّه عتلاً حتّى انتهى به إلى أبي بكر وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن خضير وبشير بن سعد وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح.
قال: قلت لسلمان أدخلوا على فاطمة بغير إذن؟ قال: إي والله وما عليها خمار. فنادت: ياأبتاه يارسول الله فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر وعيناك لم تفقئا في قبرك. تنادي بأعلى صوتها. فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون ما فيهم إلاّ باكٍ غير عمر وخالد والمغيرة بن شعبة. وعمر يقول: إنّا لسنا من النساء ورأيهنّ في شيء.

 أمير المؤمنين يكشف المؤامرة

قال: فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر وهو يقول: أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنّكم لم تصلوا إلى هذا أبداً. أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلاً لفرّقت جماعتكم ولكن لعن الله أقواماً بايعوني ثمّ خذلوني.
ولمّا أن أبصر به أبو بكر صاح خلّوا سبيله. فقال علي: ياأبا بكر ما أسرع ما توثّبتم على رسول الله صلّى الله عليه وآله. بأي حقّ وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله.
قال له عمر: بايع ودع عنك هذه الأباطيل. فقال له علي فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟
قالوا نقتلك ذلاً وصغاراً. قال: إذاً تقتلون عبداً لله وأخا رسوله.
قال أبو بكر: أمّا عبد الله فنعم وأمّا أخا رسول الله فما نقرّ لك بهذا. قال: أتجحدون أنّ رسول الله آخى بيني وبينه؟ قال: نعم فأعاد ذلك عليه ثلاث مرّات. ثمّ أقبل عليهم علي عليه السلام فقال: يامعشر المسلمين والمهاجرين والأنصار أُنشدكم الله أسمعتم رسول الله يقول يوم غدير غمّ كذا وكذا؟
فلم يدع عليه السلام شيئاً قاله فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله علانية للعامّة إلاّ ذكّرهم إيّاه. قالوا: نعم. فلمّا تخوّف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال: كلّما قلت حقّ قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا. ولكن قد سمعت رسول الله يقول بعد هذا إنّا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا وإنّ الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة.
فقال علي عليه السلام: هل أحد من أصحاب رسول الله شهد هذا معك؟
فقال عمر: صدق خليفة رسول الله قد سمعته منه كما قال.
وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: قد سمعنا ذلك من رسول الله.
فقال علي عليه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمّداً أو مات لتزون هذا الأمر عنّا أهل البيت.
فقال أبو بكر: فما علمك بذلك ما أطلعناك عليها؟
فقال عليه السلام: أنت يازبير وأنت ياسلمان وأنت ياأبا ذرّ وأنت يامقداد. أسألكم بالله وبالإسلام أما سمعتم رسول الله يقول لي ذلك وأنتم تسمعون أنّ فلاناً وفلاناً. حتّى عدّهم هؤلاء الخمسة وقد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا فيه وتعاقدوا على ما صنعوا؟
فقالوا: اللهمّ نعم قد سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول ذلك لك إنّهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا وكتبوا بينهم كتاباً إن قتلت أو مت أن يزووا عنك هذا ياعلي. قلت بأبي أنت يارسول الله فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم وإن أنت لم تجد أعواناً فبايع واحقن دمك.
فقال علي: أما والله لو أنّ أُولئك الأربعين رجلاً: الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة وفيما يكذب قولكم على رسول الله قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً).

 إعتراض الصحابة المؤمنين

فالكتاب النبوّة والحكمة السنّة والملك الخلافة ونحن آل إبراهيم فقام المقداد فقال: ياعلي بما تأمرني؟ والله إن أمرتني لأضربنّ بسيفي وإن أمرتني كففت؟
فقال علي عليه السلام: كفّ يامقداد واذكر عهد رسول الله وما أوصاك به.
قال سلمان: فقمت وقلت والذي نفسي بيده لو أنّي أعلم إنّي أدفع ضيماً وأعزّ لله ديناً لوضعت سيفي على عنقي ثمّ أضرب به قدماً قدماً. أتثبون على أخي رسول الله ووصيّه وخليفته في أُمّته وأبي ولده؟ فأبشروا بالبلاء وأقنطوا من الرخاء.
وقام أبو ذرّ فقال: أيّتها الأُمّة المتحيّرة بعد نبيّها المخذولة بعصيانها إنّ الله يقول: (إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم).
وآل محمّد الأخلاف من نوح وآل إبراهيم من إبراهيم الصفوة والسلالة من إسماعيل وعترة النبي محمّد وأهل بيت النبوّة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة. وهم كالسماء المرفوعة والجبال المنصوبة والكعبة المستورة والعين الصافية والنجوم الهادية والشجرة المباركة أضاء نورها وبورك زيتها محمّد خاتم الأنبياء وسيّد ولد آدم وعلي وصي الأوصياء وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين وهو الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ووصي محمّد ووارث علمه وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم كما قال الله: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أُمّهاتهم وأُولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فقدّموا من قدّم الله وأخّروا من أخّر الله. واجعلوا الولاية والوارثة لمن جعل الله.

عمر يطلب قتل امير المؤمنين

فقام عمر وقال لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك أو تأمر به فنضرب عنقه.
والحسن والحسين عليهما السلام قائمان. فلمّا سمعا مقالة عمر بكيا فضمّهما عليه السلام إلى صدره فقال: لا تبكيا فوالله ما يقدران على قتل أبيكما.
وأقبلت أُمّ أيمن حاضنة رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت: ياأبا بكر ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم.
فأمر بها عمر فأُخرجت من المسجد وقال: ما لنا وللنساء؟
وقام بريدة الأسلمي وقال: أتثب ياعمر على أخي رسول الله وأبي ولده وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك. ألستما اللذين قال لكما رسول الله: انطلقا إلى علي وسلّما عليه بامرة المؤمنين فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ قال: نعم.
فقال أبو بكر: قد كان ذلك ولكن رسول الله قال بعد ذلك: لا يجتمع لأهل بيتي الخلافة والنبوّة.
فقال: والله ما قال هذا رسول الله. والله لا سكنت في بلدة أنت فيها أمير.
فأمر به عمر فضرب وطرد. ثمّ قال: قم يابن أبي طالب فبايع فقال: فإن لم أفعل؟ قال إذاً والله نضرب عنقك.
فاحتجّ عليهم ثلاث مرّات ثمّ مدّ يده من غير أن يفتح كفّه. فضرب عليها أبو بكر ورضى بذلك منه.
فنادى علي عليه السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه: يابن أُمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.
وقيل للزبير بايع فأبى فوثب إليه عمر وخالد والمغيرة بن شعبة في أُناس فانتزعوا سيفه فضربوا به الأرض حتّى كسروه. ثمّ لبتوه فقال الزبير وعمر على صدره يابن صهّاك أما والله لو أنّ سيفي في يدي لحدت عنّي ثمّ بايع.
قال سلمان ثمّ أخذوني فوجؤا عنقي حتّى تركوها كالسلعة ثمّ أخذوا يدي فبايعت مكرهاً. ثمّ بايع أبو ذرّ والمقداد مكرهين. وما بايع أحد من الأُمّة مكرهاً غير علي عليه السلام وأربعتنا ولم يكن منّا أحد أشدّ قولاً من الزبير فإنّه لمّا بايع قال :يابن صهّاك أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم عليّ ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك. ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول.
فغضب عمر وقال: أتذكر صهّاك؟ فقال: ومن صهّاك وما يمنعني من ذكرها وقد كانت صهّاك زانية أو تنكر ذلك أو ليس كانت أمة حبشية لجدّي عبدالمطّلب فزنى بها جدّك نفيل فولدت أباك الخطّاب فوهبها عبدالمطّلب لجدّك بعد ما زنى بها فولدته وإنّه لعبد جدّي ولد زنى.
فأصلح بينهما أبو بكر وكفّ كلّ واحد منهما عن صاحبه.

سلمان يفضح سوءات المتآمرين

قال سليم بن قيس: فقلت لسلمان : فبايعت أبا بكر ياسلمان ولم تقل شيئاً؟ قال: قد قلت بعد ما بايعت: تبّاً لكم سائر الدهر أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم أصبتم وأخطأتم. أصبتم سنّة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف. وأخطأتم سنّة نبيّكم حتّى أخرجتموها من معدنها وأهلها. فقال عمر: ياسلمان أمّا إذا بايع صاحبك وبايعت فقل ما شئت وافعل ما بدا لك وليقل صاحبك ما بدا له، قال سلمان: فقلت سمعت رسول الله يقول: إنّ عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أُمّته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعاً.
فقال له: قل ما شئت أليس قد بايعت ولم يقرّ الله عينك بأن يليها صاحبك. فقلت: أشهد أنّي قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة أنّك باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنّم.
فقال: قل ما شئت أليس قد أزالها الله عن أهل البيت الذين اتّخذتموهم أرباباً من دون الله.
فقلت له: أشهد إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول وسألته عن هذه الآية: (فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) فأخبرني إنّك أنت هو.
فقال لي عمر: اسكت أسكت الله نامتك أيّها العبد ابن اللخناء.
فقال لي علي عليه السلام: أقسمت عليك ياسلمان لما سكت.
فقال سلمان: والله لو لم يأمرني علي عليه السلام بالسكوت لخبّرته بكلّ شيء نزل فيه وكلّ شيء سمعته من رسول الله فيه وفي صاحبه فلمّا رآني قد سكت. قال: إنّك له لمطيع مسلّم.

عمر يعير بحب آل محمد

فلمّا أن بايع أبو ذرّ والمقداد ولم يقولا شيئاً قال عمر: ياسلمان ألا تكفف كما كفّ صاحباك والله ما أنت بأشدّ حبّاً لأهل هذا البيت منهما ولا أشدّ تعظيماً لحقّهم منهما وقد كفّا كما ترى وبايعا.
قال أبو ذرّ: ياعمر أفتعيّرنا بحبّ آل محمّد وتعظيمهم _ لعن الله _ وقد فعل _ من أبغضهم وافترى عليهم وظلمهم حقّهم وحمل الناس على رقابهم وردّ هذه الأُمّة القهقرى على أدبارها.
فقال عمر: آمين لعن الله من ظلمهم حقّهم، لا والله ما لهم فيها حقّ وما هم فيها وعرض الناس إلاّ سواء.
قال أبو ذرّ: فلِمَ خاصمتم الأنصار بحقّهم وحجّتهم.
قال علي لعمر: يابن صهّاك فليس لنا فيها حقّ وهي لك ولابن آكلة الذباب.
قال عمر: كفّ الآن ياأبا الحسن إذ بايعت فإنّ العامّة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك فما ذنبي؟
قال علي عليه السلام: ولكن الله عزّوجلّ ورسوله لم يرضيا إلاّ بي فابشر أنت وصاحبك ومن اتّبعكما ووازركما بسخط من الله وعذابه وخزيه ويلك يابن الخطّاب لو تدري ما منه خرجت وفيما دخلت وماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك؟
فقال أبو بكر: ياعمر أمّا إذ قد بايعنا وأمنا شرّه وفتكه وغائلته فدعه يقول ما يشاء.

أمير المؤمنين يخبر بعاقبة المنافقين

فقال علي عليه السلام: لست بقائل غير شيء واحد أُذكّركم الله أيّها الأربعة _ قال لسلمان وأبي ذرّ والزبير والمقداد _ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: أنّ تابوتاً من نار فيه إثنا عشر رجلاً ستّة من الأوّلين وستّة من الآخرين في جبّ في قعر جهنّم في تابوت مقفل على ذلك الجبّ صخرة فإذا أراد الله أن يسعر جهنّم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجبّ فاستعرت جهنّم من وهج ذلك الجبّ ومن حرّه.
وقال علي عليه السلام: فسألت رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنتم شهود به عن الأوّلين فقال أمّا الأوّلون فابن آدم الذي قتل أخاه. وفرعون الفراعنة. والذي حاجّ إبراهيم في ربّه. ورجلان من بني إسرائيل بدّلا كتابهم وغيّرا سنّتهم. أمّا أحدهما فهوّد اليهود. والآخر نصّر النصارى وعاقر الناقة وقاتل يحيى بن زكريا. وفي الآخرين الدجّال وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة والكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك ياأخي وتظاهروا عليك بعدي هذا وهذا. حتّى سمّاهم وعدّهم لنا.
قال سلمان: فقلنا: صدقت نشهد أنّا سمعنا ذلك من رسول الله .فقال عثمان :ياأبا الحسن ما عندك وعند أصحابك هؤلاء حديث فيّ؟
فقال علي عليه السلام: بلى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يلعنك ثمّ لم يستغفر الله لك بعد ما لعنك.
فغضب عثمان ثمّ قال: ما لي وما لك ولا تدعين علي حال عهد النبي ولا بعده.
قال له علي عليه السلام: نعم فأرغم الله أنفك.
فقال عثمان: فوالله لقد سمعت رسول الله يقول: الزبير يقتل مرتدّاً عن الإسلام.
قال سلمان: فقال علي عليه السلام لي فيما بيني وبينه: صدق عثمان وذلك إنّه يبايعني بعد قتل عثمان وينكث بيعتي فيقتل مرتدّاً.
قال سلمان: فقال علي: إنّ الناس كلّهم ارتدّوا بعد رسول الله غير أربعة إنّ الناس صاروا بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله بمنزلة هارون ومن تبعه. ومنزلة العجل ومن تبعه. فعلي في نسبة هارون وعتيق في شبه العجل وعمر في شبه السامري وسمعت رسول الله يقول ليجيئ قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة منّي ليمرّوا على الصراط فإذا رأيتهم ورأوني وعرفتهم وعرفوني اختلجوا دوني فأقول: أي ربّ أصحابي أصحابي. فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك إنّهم ارتدّوا على أدبارهم حيث فارقتهم. فأقول: بعداً وسحقاً.

الزهراء ودفاعها عن وصي رسول الله صلى الله عليه وآله

وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: لتركبنّ أُمّتي سنّة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذّة بالقذّة شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباعاً بباع حتّى لو دخلوا جحراً دخلوا فيه معهم. إنّ التوراة والقرآن كتبه ملك واحد في رقّ بقلم واحد. وجرت الأمثال والسنن سواء.
وذكر الطبرسي في الاحتجاج عن الصادق عليه السلام أنّه قال: لمّا استخرج أمير المؤمنين من منزله خرجت فاطمة عليها السلام خلفه فما بقيت امرأة هاشمية إلاّ خرجت معها حتّى انتهت قريباً من القبر فقالت لهم: خلّوا عن ابن عمّي فوالذي بعث محمّداً أبي بالحقّ إن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري ولأضعنّ قميص رسول الله على رأسي ولأصرخنّ إلى الله تعالى فما صالح بأكرم على الله من أبي ولا الناقة بأكرم منّي ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي.
قال سلمان: كنت قريباً منها فرأيت والله أساس حيطان مسجد رسول الله تقلّعت من أسفلها حتّى لو أراد الرجل أن ينفذ من تحتها لنفذ فدنوت منها فقلت: ياسيّدتي ومولاتي: إنّ الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة.
فرجعت ورجعت الحيطان حتّى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا.
وجاء في روضة الكافي عن أبي هاشم قال: لمّا خرج بعلي خرجت فاطمة واضعة قميص رسول الله على رأسها آخذة بيد إبنيها فقالت: ما لي ولك ياأبا بكر تريد أن تيتم إبني وترملني في زوجي والله لولا أن تكون سنّة لنشرت شعري ولصرخت إلى ربّي. فقال رجل من القوم: والله ما تريد إلاّ هذا _ يعني علياً _ فوالله ما برحت حتّى أخذت بيده وانطلقت.
وجاء في الإمامة والسياسة: وقد خرجت عن خدرها وهي تبكي وتنادي بأعلى صوتها: ياأبت يارسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة.
وجاء في شرح النهج: خرجت تصرخ ومعها نسوة من الهاشميات تنادي ياأبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله والله لا أُكلّم عمر حتّى ألقى الله.
وجاء في العقد الفريد والإمامة والسياسة ج1 ص13 وشرح النهج وكثير من كتب المؤرخين: أنّ أمير المؤمنين يقاد إلى البيعة كما يقاد الجمل المخشوش ويدفع ويساق سوقاً عنيفاً وهو يقول _ مخاطباً رسول الله _ : يابن أُمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.
وجاء في الصوارم الحاسمة في مصائب الزهراء فاطمة قال الشيخ ابن العرندس في كشف اللئالي: لمّا أُوقف علي عليه السلام بين يدي الأوّل تكلّم فقال _ ومنه نعرف مدى تأثّره عليه السلام ومدى كفرهم ونفاقهم وارتدادهم _ :
ياأيّتها الغدرة الفجرة والنطفة القذرة المذرة والبهيمة السائمة نهضتم على أقدامكم وشمّرتم للضلال عن ساعدكم تبغون بذلك النفاق وتحسبون مراقبة الجهل والشقاق أفظننتم أنّ سيوفكم ماضية وأنّ نفوسكم واعية ألا ساء ما قدّمتم لأنفسكم أيّتها الأوقة المتشتّتة بعد اجتماعها والملحدة بعد انتفاعها وأنتم غير مراقبين ولا من الله بخائفين أجل والله ذلك أمر أبرزته ضمائركم وأضربت عن مخضه خبث سرائركم فاستبقوا انتم الجذل بالباطل فتندموا ونستبقي نحن الحقّ فيهدينا ربّنا إلى سواء السبيل وينجز لنا ما وعدنا على الصبر الجميل وما ربّك بظلاّم للعبيد فدحضاً دحضاً وشوهة بوهة لنفوسكم التي رغبت بدنيا طالما حذّركم رسول الله عنها فعلقتم بأطراف قطيعتها ورجعتم متسالمين دون جديعتها زهدت نفوسكم الأمّارة في الآخرة الباقية ورغبت نفوسنا فيما زهدتم فيه فالموعد قريب والربّ نعم الحاكم فاستعدّوا للمسألة جواباً ولظلمكم لنا أهل البيت احتساباً أو تضرب الزهراء نهراً ويؤخذ منّا حقّنا قهراً وجبراً فلا نصير ولا مجير ولا مسعد ولا منجد فليت ابن أبي طالب مات قبل يومه فلا يرى الغدرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم البررة فتبّاً وسحقاً سحقاً ذلك أمر إلى الله مرجعه وإلى رسول الله مدفعه فقد عزّ على ابن أبي طالب أن يسودّ متن فاطمة ضرباً وقد عرف مقامه وشوهدت أيّامه فلا يثور إلى عقيلته ولا يضرى دون حليلته فالصبر أيمن وأجمل والرضى بما رضى الله به أفضل لكي لا يزول الحقّ عن وقره ويظهر الباطل من وكره حتّى ألقى ربّي فأشكو إليه ما ارتكبتم من غصبكم حقّي وتماطلتم عن صدري وهو خير الحاكمين وأرحم الراحمين وأقول وسيجزي الله الشاكرين والحمد لله ربّ العالمين.

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه