زواجها

 

زواجها

زواجها سلام الله عليها وأنه بأمر الله تعالى

1ـ قال المحقق البارع الشيخ شعيب الحريفش: وكان المختار كلما اشتاق إلى الجنة ونعيمها قبّل فاطمة وشم طيب نسيمها، فيقول حين ينشق نسماتها القدسية: (إن فاطمة لحوراء إنسية). فلما استنارت في سماء الرسالة شمس جمالها، وتم في أفق الجلالة بدر كمالها امتدت إليها مطالع الأفكار، وتمنت النظر إلى حسنها أبصار الأخيار، وخطبها سادات المهاجرين والأنصار، ردهم المخصوص من الله بالرضا، وقال: إني أنتظر بها القضاء.

 

 

وفي فخار وفي فـضل وفــي حسب

 

مـن مثل فاطمة الزهراء فـي نسب

إذ كـانت ابــنة خـير العجم والعرب

 

والله فـــضـلها حــقاً وشــرفــــهـــا

 

ولقد خطبها أبو بكر وعمر، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أمرها إلى الله تعالى. ثم إن أبا بكر وعمر وسعد بن معاذ كانوا جلوساً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فتذاكروا أمر فاطمة عليها السلام، فقال أبو بكر: قد خطبها الأشراف فردهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إن أمرها إلى الله عز وجل، وإن علياً لم يخطبها ولم يذكرها، ولا أرى ما يمنعه من ذلك إلا قلة ذات اليد، وإنه ليقع في نفسي أن الله تعالى ورسوله إنما يحبسانها لأجله (1) ...

 

 

 

2ـ الحافظ الهمداني يرفعه إلى الحسين بن علي عليهما السلام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة إذ هبط عليه ملك له عشرون رأساً، في كل رأس ألف لسان، يسبح الله ويقدسه بلغة لا تشبه الأخرى، وراحته أوسع من سبع سماوات وسبع أرضين، فحسب النبي صلى الله عليه وآله أنه جبرائيل، فقال: يا جبرائيل لم تأتني في مثل هذه الصورة قط. قال: ما أنا جبرائيل، أنا صرصائيل، بعثني الله إليك لتزوج النور من النور، فقال النبي صلى الله عليه وآله: من ممن؟ قال: ابنتك فاطمة من علي بن أبي طالب. فزوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من علي بشهادة جبرائيل وميكائيل وصرصائيل. قال: فنظر النبي صلى الله عليه وآله فإذا بين كتفي صرصائيل: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب مقيم الحجة). فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا صرصائيل منذ كم هذا كتب بين كتفيك؟ قال: من قبل أن يخلق الله الدنيا باثني عشر ألف سنة(2).

 

 

 

3ـ وفي حديث خباب بن الأرت: إن الله تعالى أوحى إلى جبرائيل: زوج النور من النور، وكان الولي الله، والخطيب جبرائيل، والمنادي ميكائيل، والداعي إسرافيل، والناثر عزرائيل، والشهود ملائكة السماوات والأرضين. ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك، فنثرت الدر الأبيض والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر واللؤلؤ الرطب، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهن إلى بعض(3).

 

 

 

4 ـ عن أنس بن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله تزوجني فاطمة ابنتك، وقد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محملة كلها قباطي مصر، وعشرة آلاف دينار ـ ولم يكن من أصحاب رسول الله أيسر من عبد الرحمن وعثمان ـ. وقال عثمان: وأنا أبذل ذلك، وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً.

 

 

فغضب النبي صلى الله عليه وآله من مقالتهما، فتناول كفاً من الحصى فحصب به عبد الرحمن وقال له: إنك تهول علي بمالك؟ فتحول الحصى دراً. فقومت درة من تلك الدرر فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن، وهبط جبرائيل في تلك الساعة فقال: يا أحمد إن الله يقرئك السلام ويقول: قم إلى علي بن أبي طالب فإن مثله مثل الكعبة يحج إليها ولا يحج إلى أحد، إن الله أمرني أن آمر رضوان خازن الجنان أن يزين الأربع جنان، وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تحملا الحلي والحلل، وأمر الحور العين أن يتزين وأن يقفن تحت شجرة طوبى وسدرة المنتهى، وأمر ملكاً من الملائكة يقال له: راحيل ـ وليس في الملائكة أفصح منه لساناً ولا أعذب منطقاً ولا أحسن وجهاً ـ أن يحضر إلى ساق العرش. فلما حضرت الملائكة والملك أجمعون، أمرني أن أنصب منبراً من النور، وأمر راحيل أن يرقى فخطب خطبة بليغة من خطب النكاح، وزوج علياً من فاطمة بخمس الدنيا لها ولولدها إلى يوم القيامة، وكنت أنا وميكائيل شاهدين، وكان وليها الله تعالى، وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تنثرا ما فيهما من الحلي والحلل والطيب، وأمر الحور أن يلقطن ذلك وأن يفتخرن به إلى يوم القيامة، وقد أمرك الله أن تزوجه بفاطمة في الأرض(4)...

 

 

 

5 ـ عن جابر بن عبد الله قال: لما زوج رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة من علي عليهما السلام كان الله تعالى مزوجه من فوق عرشه، وكان جبرائيل الخاطب، وكان ميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً(5) ...

 

 

 

6 ـ عن أبي جعفر عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما أنا بشر مثلكم، أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة، فإن تزويجها نزل من السماء(6).

 

 

 

7 ـ عن علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة وقالوا: خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت علياً، فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم وزوجته، بل الله منعكم وزوجه، فهبط علي جبرائيل فقال: يا محمد إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه(7).

صداقها سلام الله عليها في السماء

 


8 ـ قيل للنبي صلى الله عليه وآله: قد علمنا مهر فاطمة في الأرض، فما مهرها في السماء؟ قال: سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك، قيل: هذا مما يعنينا يا رسول الله، قال: كان مهرها في السماء خمس الأرض، فمن مشى عليها مبغضاً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة
(8).

 

 

 

9 ـ قال الصادق عليه السلام: إن الله تعالى مهر فاطمة ربع الدنيا، فربعها لها، ومهرها الجنة والنار فتدخل أولياءها الجنة وأعداءها النار(9).

 

 

 

10 ـ في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة، فهي في دار علي عليه السلام(10).

 

 

 

11 ـ وقد ورد في الخبر: إنها لما سمعت بأن أباها زوجها وجعل الدراهم مهراً لها، فقالت: يا رسول الله إن بنات الناس يتزوجن بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن؟ أسألك تردها وتدعو الله تعالى أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبرائيل عليه السلام ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: (جعل الله مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أمة أبيها).

 

 

فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن، فوضعت، وقالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أمة أبي. قال النسفي: سألت فاطمة (رضي الله عنها) النبي صلى الله عليه وآله أن يكون صداقها شفاعة لأمته يوم القيامة، فإذا صارت على الصراط طلبت صداقها(11).

 

 

 

12ـ في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله مخاطباً للحسنين عليهما السلام: أنتما الإمامان، ولأمكما الشفاعة(12).

 

 

 

13 ـ عن عتبة ابن الأزهري، عن يحيى بن عقيل قال: سمعت عقيلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة (رضي الله عنها) على خمس الدنيا أو على ربعها ـ شك فيه عتبة ـ فمن مشى على الأرض وهو يبغضك في الدنيا فالدنيا عليه حرام ومشيه فيها حرام(13).

 

 

 

14 ـ عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله: يا علي إن الله عز وجل زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض، فمن مشى عليها مبغضاً لك مشى حراماً(14).

 

 

 

15 ـ في خبر طويل عن الباقر عليه السلام: وجعلت نحلتها من علي خمس الأرض وثلث الجنة، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات ونيل مصر ونهروان ونهر بلخ، فزوجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك(15).

 

الخطباء والخطب في زواجها (سلام الله عليها)

 


والعاقد بينهما هو الله تعالى، والقابل جبرائيل، والخاطب راحيل، والشهود حملة العرش، وصاحب النثار رضوان، وطبق النثار شجرة طوبى، والنثار الدر والياقوت والمرجان، والرسول هو المشاطة، وأسماء صاحب الحجلة، ووليد هذا النكاح الأئمة عليهم السلام
(16).

 

 

 

الخطبة الأولى

 

 

في خبر: إنه كان الخطيب راحيل، وقد جاء في بعض الكتب أنه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع، فقال: الحمد لله الأول قبل أولية الأولين، الباقي بعد فناء العالمين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات، وقربنا إلى السرادقات، وحجب عنا النهم للشهوات(17)، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جل عن إلحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين. ثم قال بعد كلام: اختار الملك الجبار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمته سيدة النساء بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه، المصدق دعوته، المبادر إلى كلمته على الوصول، بفاطمة البتول ابنة الرسول. وروي أن جبرائيل روى عن الله تعالى عقيبها قوله عز وجل: الحمد ردائي، والعظمة كبريائي، والخلق كلهم عبيدي وإمائي، زوجت فاطمة أمتي، من علي صفوتي، اشهدوا ملائكتي(18).

 

 

 

الخطبة الثانية

 

 

في حديث طويل: أوحى الله إلى الأمين جبرائيل أن ارق منبر الكرامة، فرقى حتى استوى على المنبر واقفاً، فقام خطيباً: الحمد لله الذي خلق الأرواح، وفلق الإصباح، وصور على عرشه خمسة الأشباح، محيي الأموات، وجامع الشتات، ومخرج النبات، ومنزل البركات… بارئ الأنام، ومنشئ الغمام، لا تشتبه عليه الأصوات، ولا تخفى عليه اللغات، لا يأخذه نوم ولا نسيان... ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، ونشهد أن علي بن أبي طالب خليفة نبيه، واشهدوا يا ملائكة المقربين والملائكة الراكعين والملائكة المسبحين، وجميع أهل السماوات والأرضين بأني زوجت سيدة نساء العالمين بنت محمد الأمين فاطمة الزهراء بعلي بن أبي طالب سيد الوصيين. ألا أن لها بأمر رب العالمين خمس الدنيا أرضها وسماؤها، وبرها وبحرها، وجبالها وسهلها. وأوحى الله تعالى إليهم أني قد زوجت وليي ووصي رسول الله علياً ابن أبي طالب بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(19).

 

 

 

نكاحها (عليها السلام) في الأرض

 

 

قال ابن أبي الحديد: وإن نكاحه علياً إياها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إياها في السماء بشهادة الملائكة(20). وكان بين تزويج أمير المؤمنين بفاطمة في السماء وبين تزويجها في الأرض أربعون يوماً(21). عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أتاني ملك فقال: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: إني قد زوجت فاطمة ابنتك من علي بن أبي طالب في الملأ الأعلى، فزوجها منه في الأرض(22).

 

 

قال المحقق البارع علي محمد علي دخيل: للزهراء عليها السلام فضائل ومميزات على جميع النساء باعتبارها سيدة نساء العالمين، ومن هذه الفضائل ـ وما أكثرها ـ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام وأنه كان بأمر من الله تعالى، وأن مراسيمه تمت في السماء قبل الأرض، وفي العالم العلوي قبل السفلي، روى ذلك الخاص والعام وتواتر به الحديث(23).

 

 

عن جابر قال: لما أراد رسول الله أن يزوج فاطمة علياً قال له: اخرج يا أبا الحسن إلى المسجد فإني خارج في إثرك، ومزوجك بحضرة الناس، وذاكر من فضلك ما تقر به عينك. قال علي عليه السلام: فخرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا ممتلئ فرحاً وسروراً، فاستقبلني أبو بكر وعمر فقالا: ما وراءك: يا أبا الحسن؟ فقلت: يزوجني رسول الله فاطمة، وأخبرني أن الله زوجنيها، وهذا رسول الله خارج في إثري ليذكر بحضرة الناس، ففرحا وسرا ودخلا معي المسجد، فو الله ما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله وإن وجهه ليتهلل فرحاً وسروراً. فقال صلى الله عليه وآله: أين بلال؟ فقال: لبيك وسعديك، فقال: وأين المقداد؟ فلباه، فقال: وأين سلمان؟ فلباه، فلما مثلوا بين يديه قال: انطلقوا بأجمعكم إلى جنبات المدينة واجمعوا المهاجرين والأنصار والمسلمين. فانطلقوا لأمره، فأقبل حتى جلس على أعلى درجة من منبره، فلما حشد المسجد بأهله قام صلى الله عليه وآله فحمد الله وأثنى عليه وقال:

 

 

 

الخطبة الثالثة في المسجد

 

 

الحمد لله الذي رفع السماء فبناها، وبسط الأرض ودحاها، وأثبتها بالجبال فأرساها، وتجلل عن تحبير لغات الناطقين، وجعل الجنة ثواب المتقين، والنار عقاب الظالمين، وجعلني رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين. عباد الله! إنكم في دار أمل، بين حياة وأجل، وصحة وعلل، دار زوال متقلبة الحال، جعلت سبباً للارتحال، فرحم الله امرئ قصر من أمله، وجد في عمله، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوته، فقدمه ليوم فاقته، يوم تحشر فيه الأموات، وتخشع فيه الأصوات، وتنكر الأولاد والأمهات، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، يوم يوفيهم الله دينهم الحق، ويعلمون أن الله هو الحق المبين، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، يوم تبطل فيه الأنساب وتقطع الأسباب، ويشتد فيه على المجرمين الحساب، ويدفعون إلى العذاب، فمن زحزح عن النار وأدخل في الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. أيها الناس إنما الأنبياء حجج الله في أرضه، الناطقون بكتابه، العاملون بوحيه، وإن الله تعالى أمرني أن أزوج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي وأولى الناس بي علي بن أبي طالب، والله عز شأنه قد زوجه بها في السماء، وأشهد الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الأرض، وأشهدكم على ذلك. ثم جلس وقال: قم يا علي واخطب لنفسك، فقال علي: أ أخطب يا رسول الله وأنت حاضر؟ فقال: اخطب، فهكذا أمرني جبرئيل أن آمرك تخطب لنفسك، ولولا أن الخطيب في الجنان داود لكنت أنت يا علي. ثم قال: أيها الناس اسمعوا قول نبيكم: إن الله بعث أربعة آلاف نبي، ولكل نبي وصي، فأنا خير الأنبياء، ووصيي خير الأوصياء. ثم أمسك صلى الله عليه وآله وابتدأ علي عليه السلام فقال:

 

 

 

الخطبة الرابعة من علي (عليه السلام)

 

 

الحمد لله الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين، وأنار بثواقب عظمته قلوب المتقين، وأوضح بدلائل أحكامه طرق السالكين، وأبهج بابن عمي المصطفى العالمين، حتى علت دعوته دعوة الملحدين، واستظهرت كلمته على بواطن المبطلين، وجعله خاتم النبيين وسيد المرسلين، فبلغ رسالة ربه، وصدع بأمره، وأنار من الله آياته، فالحمد لله الذي خلق العباد بقدرته، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد، ورحم وكرم وشرف وعظم، والحمد لله على نعمائه وأياديه. وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة إخلاص ترضيه، وأصلي على نبيه محمد صلاة تزلفه وتحظيه. وبعد، فإن النكاح مما أمر الله تعالى به، وأذن فيه، ومجلسنا هذا مما قضاه الله تعالى ورضيه، وهذا محمد بن عبد الله رسول الله، زوجني ابنته فاطمة على صداق أربعمائة درهم ودينار، وقد رضيت بذلك، فاسألوه واشهدوا.

 

 

فقال المسلمون: زوجته يا رسول الله؟ قال: نعم، قال المسلمون: بارك الله لهما وعليهما وجمع شملهما(24).

 

 

 

الخطبة الخامسة

 

 

عن أنس قال: بينا أنا قاعد عند النبي صلى الله عليه وآله إذ غشيه الوحي، فلما سري عنه قال: يا أنس تدري ما جاءني به جبرائيل من صاحب العرش؟ قلت: الله ورسوله أعلم، بأبي وأمي ما جاء به جبرائيل؟ قال: إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة علياً، انطلق فادع لي المهاجرين والأنصار، قال: فدعوتهم، فلما أخذوا مقاعدهم قال النبي صلى الله عليه وآله: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرغوب إليه فيما عنده، المرهوب عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد، ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نسباً وصهراً، فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، فلكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)(25).

 

 

ثم إن الله أمرني أن أزوج فاطمة بعلي، فأشهدكم أني قد زوجته على أربعمائة مثقال من فضة إن رضي بذلك علي. وكان علي غائباً قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله في حاجته، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بطبق فيه بسر فوضع بين أيدينا، ثم قال: انتبهوا، فبينا نحن ننتبه إذ أقبل علي عليه السلام، فتبسم إليه النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: يا علي إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، فقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة، إن رضيت، فقال علي عليه السلام: قد رضيت يا رسول الله. ثم إن علياً مال فخر ساجداً شكراً لله تعالى، وقال: الحمد لله الذي حببني إلى خير البرية محمد رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بارك الله عليكما، وبارك فيكما، وأسعدكما، وأخرج منكما الكثير الطيب. قال أنس: فو الله لقد أخرج منهما الكثير الطيب. قلت: هذا حديث حسن عال(26).

 

نثار شجرة طوبى 

 


عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس هذا علي بن أبي طالب، أنتم تزعمون أنني أنا زوجته ابنتي فاطمة، ولقد خطبها إلي أشراف قريش فلم أجب كل ذلك، أتوقع الخبر من السماء، حتى جاءني جبرائيل عليه السلام ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وقد جمع الروحانيين والكروبيين في واد يقال له الأفيح تحت شجرة طوبى، وزوّج فاطمة علياً، وأمرني فكنت الخاطب، والله تعالى الولي، وأمر شجرة طوبى فحملت الحلي والحلل والدر والياقوت ثم نثرته، وأمر الحور العين اجتمعن فلقطن، فهن يتهادينه إلى يوم القيامة ويقلن: هذا نثار فاطمة
(27).

 

 

 

نقل الشيخ البهائي (ره) عن والده (ره) في كشكوله: وجد در مكتوب فيه:

 

يـوم تـــــزويـــج والـــد الســبطيـن

 

أنـــا در مـــن السماء نثــــــرونـي

صبــغتنـي دمـــاء نـــهـر الحسيـن

 

كنـــت أصـــفى مــن الـلجين بياضاً

 

 

ولبعضهم في تخميس هذا:

 

كــل ذي جــوهــر عــزيـز ثــــميـن

 

أيـهـا الســــائــل المســـائـل دونـي

أنــا در مـــن الســمـاء نثـــــرونـي

 

مـا أنــا ذا مــن الثــرى أخرجونـي

 

 

يوم تزويج والد السبطين

 

موضعي في السماء وليس انخفاضا

 

كــنــــت مــن جــوهر ولا أعـــراضا

كـــنـــت أصــفى مـن اللجين بياضـا

 

إنـــمـا حـــمرتـي أتـتـــني اعــتراضا

 

صبغتني دماء نهر الحسين(28)

 

ما نثرت بعد العقد في السماوات

 


عن بلال بن حمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم ضاحكاً مستبشراً، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: بشارة أتتني من عند ربي، إن الله لما أراد أن يزوج علياً فاطمة أمر ملكاً أن يهز شجرة طوبى فهزها، فنثرت رقاقاً ـ يعني صكاكاً ـ وأنشأ الله ملائكة التقطوها، فإذا كانت القيامة ثارت الملائكة في الخلق، فلا يرون محباً لنا أهل البيت محضاً إلا دفعوا إليه منها كتاباً براءة له من النار من أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار
(29).

 

 

 

وفي رواية: أنه يكون في الصكوك براءة من العلي الجبار لشيعة علي وفاطمة من النار(30).

 

 

 

للعبدي الكوفي:

 

يـــق شــــريــــف فــــي المــناسب

 

صـــديــقـــة خـــلقـــت لـصــــــــــد

طهــــريــــن مــــن دنــس المعايب

 

اخـــــتــــاره واخــــتــــــــارهـــــــا

بــــــظـــــــل الـعـــــرش راتـــــــب

 

اســــمـــاهــمــا قـــرنا عــلى سطر

أميـــنــه جبـــــريــــل خـــاطـــــــب

 

كـــــان الإلـــــــه ولــــيــــهــــــا و

هبــــة تـــعــالت فــــي الـمـــواهب

 

والــمــهـــر خــمـــس الأرض مــو

طـــيــبــــــت تـــــلك المــنــــــاهـب

 

وتــهــابـــها مــــن حـــمــل طوبـى

 

قوله: (صديقة) يعني به فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله، سماها به أبوها فيما أخرجه أبو سعيد في (شرف النبوة) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يؤتيهن أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم. (الرياض النضرة، ج2، ص202).

 

 

قوله: (لصديق) يعني به أمير المؤمنين عليه السلام… عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال لي ربي عز وجل ليلة أسري بي: من خلفت على أمتك يا محمد؟ قال: قلت: يا رب أنت أعلم، قال: يا محمد انتجبتك برسالتي، واصطفيتك لنفسي، وأنت نبيي وخيرتي من خلقي، ثم الصديق الأكبر الطاهر المطهر الذي خلقته من طينتك، وجعلته وزيرك وأبي سبطيك السيدين الشهيدين الطاهرين المطهرين سيدي شباب أهل الجنة، وزوجته خير نساء العالمين، أنت شجرة، وعلي غصنها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها، خلقتهما من طينة عليين، وخلقت شيعتكم منكم، إنهم لو ضربوا على أعناقهم، بالسيوف ما ازدادوا لكم إلا حباً. قلت: يا رب ومن الصديق الأكبر؟ قال: أخوك علي بن أبي طالب. أخرجه القرشي في (شمس الأخبار ص33)(31).

 

 

قوله: (وتهابها من حمل طوبى…) إشارة إلى ما في حديث بلال بن حمامة كما مر من (تاريخ بغداد).

 

مهرها وصداقها (سلام الله عليها) في الأرض 

 


عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان صداق فاطمة برد حبرة، وإهاب شاة على عرار. أقول: في اللسان: برود حبرة ضرب من البرود يمانية، يقال: برد حبر وبرد حبرة مثل عِنَبَة على الوصف والإضافة. والإهاب: الجلد ما لم يدبغ. والعرار: نبت رائحة الطيب. وفي (الكافي) للكليني (رحمه الله): زوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من علي على جرد برد
(32). وفي (مجمع البحرين): وانجرد الثوب: انسحق ولان، ومنه: كان صداق فاطمة عليها السلام جرد برد حبرة، ودرع حطمية، وجرد قطيفة لنجرد خملها وخلقت.

 

 

عن الحسين بن علي عليهما السلام في خبر: زوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة علياً على أربعمائة وثمانين درهماً. وروي أن مهرها أربعمائة مثقال فضة. وروي أنه كان خمسمائة درهم، وهو أصح(33). وعن الصادق عليه السلام قال: كان صداق فاطمة عليها السلام درع حطمية وإهاب كبش أو جدي(34). عن جعفر بن محمد، عن أبيه: إن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أصدق فاطمة (رضي الله عنها) درعاً من حديد، وجرة دوار(35)، وإن صداق نساء النبي صلى الله عليه وآله كان خمسمائة درهم(36).

 

 

عن أنس في حديث تزويج فاطمة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي (عليه السلام): وما عندك؟ قلت: فرسي وبدني ـ يعني درعي ـ قال: أما فرسك فلا بد لك منه، وأما بدنك فبعها. قال: فبعتها بأربعمائة وثمانين درهماً، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وآله فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة فقال: يا بلال ابتعنا بها طيباً(37).

 

 

وفي حديث: إن علياً تزوج فاطمة فباع بعيراً له بثمانين وأربعمائة درهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: اجعلوا ثلثين في الطيب، وثلثاً في الثياب(38). عن علي عليه السلام قال: قالت لي مولاة لي: هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قلت: لا، قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وآله يزوجك، فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وآله يزوجك، فو الله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله جلالة وهيبة، فلما قعدت بين يديه أفحمت، فو الله ما أتكلم، فقال: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟ فسكت، فقال: لعلك جئت تخطب فاطمة؟ قلت: نعم، قال: وهل عندك من شيء تستحلها به؟ قلت: لا والله يا رسول الله، فقال: ما فعلت الدرع التي سلحتكها؟ فقلت: عندي، والذي نفس علي بيده إنها لحطمية، ما ثمنها أربعمائة درهم، قال: قد زوجتكها، فابعث بها فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله. قال في ذيل الحديث: والحطمية: قال شمر في تفسيرها: هي العريضة الثقيلة، وقال بعضهم: هي التي تكسر السيوف، ويقال: هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم: حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع، قال ابن عيينة: هي شر الدروع، وهذا أمس بالحديث لأن علياً ذكرها في معرض الذم وتقليل ثمنها(39).

 

 

وإن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاطمة: إن علي بن أبي طالب ممن قد عرفت قرابته وفضله من الإسلام، وإني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترين؟ فسكتت، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها(40).

 

 

الهوامش

 

 

1 ـ (الروض الفائق) ص256.

 

 

2 ـ (البحار) ج43، ص123.

 

 

3 ـ (البحار) ج43، ص109 ـ110.

 

 

4 ـ (دلائل الإمامة) ص12 ـ13.

 

 

5 ـ (البحار) ج43، ص142

 

 

6 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113

 

 

7 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113.

 

 

8 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113.

 

 

9 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113.

 

 

10 ـ (معالم الزلفى) للسيد هاشم البحراني (ره) ص397.

 

 

11 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص367.

 

 

12 ـ (كشف الغمة) ج1، ص507.

 

 

13 ـ (مودة القربى) للسيد علي الهمداني، على ما في ذيل (إحقاق الحق) ج10، ص368.

 

 

14 ـ (كشف الغمة) ج1، ص472. وأن (مبغضاً لها) أشبه، كما في بعض النسخ.

 

 

15 ـ (البحار) ج43، ص113.

 

 

16 ـ (البحار) ج43، ص107.

 

 

17 ـ النهمة: بلوغ الهمة والشهوة في الشيء.

 

 

18 ـ (المناقب) لابن شهر آشوب، ج3، ص348.

 

 

19 ـ (الجنة العاصمة) ص100.

 

 

20 ـ (شرح النهج) ج9، ص193.

 

 

21 ـ (الجنة العاصمة) ص104.

 

 

22 ـ (ذخائر العقبى) ص31 ـ32.

 

 

23 ـ (فاطمة الزهراء عليها السلام) ص44.

 

 

24 ـ (دلائل الإمامة) للطبري، ص16 ـ17

 

 

25 ـ الرعد، 39.

 

 

26 ـ (كفاية الطالب) الباب 78، ص298 ـ299.

 

 

27 ـ (كفاية الطالب) الباب 79، ص300.

 

 

28 ـ (كشكول البهائي) كما في (رياض المدح والرثاء) للشيخ سليمان البلادي البحراني، ص221 ـ222. أقول: نقل السيد ابن طاووس (ره) في (الإقبال) ص468 في فضل يوم الغدير عن الصادق عليه السلام في حديث طويل: (وفي ذلك اليوم ليتهادون (الملائكة) نثار فاطمة عليها السلام).

 

 

29 ـ (تاريخ بغداد) ج4، ص210.

 

 

30 ـ (المناقب) لابن شهر آشوب، ج3، ص346.

 

 

31 ـ (الغدير) ج2، ص 305 ـ316.

 

 

32 ـ (البحار) ج43، ص112 ـ113

 

 

33 ـ (البحار) ج43، ص112 ـ113

 

 

34 ـ (البحار) ج43، ص112 ـ113

 

 

35 ـ الجرة: إناء من خزف كالفخار، وجمعها: جر وجرار

 

 

36 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص357

 

 

37 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص357 ـ360

 

 

38 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص357 ـ360

 

 

39 ـ (ذخائر العقبى) ص27.

 

 

40 ـ (البحار) ج43، ص111 ـ112

 

خطبة علي (ع) للزهراء (س)

فلما استنارت في السماء الدنيا له شمس جمالها،و تم في افق الجلالة بدر كمالها امتدت اليها مطالع الأفكار،تمنت النظر إلى حسنها أبصار الأخيار،خطبها سادات المهاجرين و الأنصار،ردهم المخصوص من الله بالرضى،و قال:إني انتظر بها القضاء:

من مثل فاطمة الزهراء في نسب‏ 
و في فخار و في فضل و في حسب‏ 
و الله شرفها حقا و فضلها 
إذ كانت ابنة خير العجم و العرب

و لقد خطبها أي فاطمة أبو بكر و عمر،فقال لهما رسول الله (صلى الله عليه و آله) :إن أمرها إلى الله تعالى،ثم إن أبا بكر و عمر و سعد بن معاذ كانوا جلوسا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فتذاكروا أمر فاطمة (عليها السلام) ،فقال أبو بكر قد خطبها الأشراف فردهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) ،و قال:أمرها إلى الله تعالى،و إنه عليا لم يخطبها و لم يذكرها،و لا أرى يمنعه من ذلك إلا قلة ذات اليد،إنه ليقع في نفسي أن الله تعالى و رسوله إنما يحبسانها من أجله.

ثم أقبل أبو بكر على عمر،و على سعد،و قال:هل لكما في القيام إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ،فنذكر له أمرها؟فإن منعه من ذلك قلة ذات اليد و اسيناه.

فقال سعد:وفقك اللهـيا أبا بكرـفخرجوا من المسجد و التمسوا عليا في‏المسجد،فلم يجدوا عليا،و كان ينضح الماء على نخلة لرجل من الأنصار باجرة،فانطلقوا معه نحوه،فلما رآهم،قال :ما وراءكم؟

قال أبو بكر:يا أبا الحسن،إنه لم يبق خصلة من خصال الخير إلا و لك فيها سابقة و فضل،و أنت من رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالمكان الذي عرفت من القرابة،و قد خطب الأشراف من قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) ابنته فاطمة فردهم،و قال:إن أمرها إلى الله تعالى،فما يمنعك أن تذكرها أو تخطبها،فإني أرجو أن يكون الله عز و جل و رسوله يحبسانها عليك.

قال:فتغرغرت عينا علي بالدموع،و قال:«يا أبا بكر،لقد هيجت علي ساكنا،و ايقظتني لأمر كنت عنه غافلا،و الله إن لي في السيدة فاطمة لرغبة،و ما مثلي من يقعد عن مثلها،و لكن أعز أن يمنعني من ذلك قلة ذات اليد».

فقال أبو بكر:لا تقل كذاـيا أبا الحسنـفإن الدنيا و ما فيها عند الله و رسوله لهباء منثور.

ثم إن عليا (عليه السلام) حل عن ناضحه و قاده إلى منزلة فشيده فيه و أخذه ليطله و أقبل إلى منزل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عند ام سلمة فطرق الباب،فقالت:من بالباب؟،فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) :«قومي و افتحي الباب له،هذا رجل يحبه الله رسوله و يحبهما».

فقالت:فداك أبي و امي،من هذا؟

فقال:«هذا أخي،و أحب الخلق إلي».

قالت ام سلمة:ففتحت مبادرة،اكاد أعثر في مرطي،ففتحت الباب فإذا أنا بعلي بن ابي طالب (عليه السلام) :فو الله ما دخل علي حتى علم أني قد رجعت إلى خدري،فدخل فسلم فرد عليه النبي (صلى الله عليه و آله) السلام،ثم قال له:اجلس،فجلس بين يدي النبي (صلى الله عليه و آله) و جعل يطرق إلى الأرض كأنه قاصد حاجة يستحي منه،فقال له النبي (صلى الله عليه و آله) :يا علي،كأنك قاصدحاجة فابدأ بما في نفسك فكل حاجتك عندي مقضية.

فقال علي (عليه السلام) :«فداك أبي و أمي يا رسول الله،إنك لتعلم أنك أخذتني من عمك أبي طالب و من فاطمة بنت أسد،و أنا صبي لا عقل لي،فهديتني و أدبتني،فكنت لي أفضل من أبي طالب و من فاطمة بنت أسد،في البر و الشفقة،و إن الله عز و جل هداني بك،و استنقذني عما كان عليه آبائي (1) ،و أعمامي من الشرك.

و إنك يا رسول اللهـذخري و وسيلتي في الدنيا و الآخرة،و قد أحببت مع ما شد الله عز و جل بك عضدي أن يكون لي بيت و زوجة اسكن إليها،و قد أتيت خاطبا ابنتك فاطمة،فهل تزوجني،يا رسول الله؟».

قالت ام سلمة:فرأيت وجه رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد تهلل فرحا و سرورا،ثم تبسم في وجه علي،و قال:«يا علي،هل معك شي‏ء تصدقها إياها؟

قال:و الله،ما يخفى عليك حالي،و لا من أمري شي‏ء ما أملك غير درعي و سيفي و ناضحي».

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) :«يا علي،أما سيفك فلا غنى لك عنه،تجاهد به في سبيل الله،و أما ناضحك فتنضح على أهلك،و تحمل عليه رحلك في سفرك،و لكن ازوجك على درعك،و رضيت به منك،و ابشرـيا أبا الحسنـفإن الله قد زوجك بها في السماء قبل أن ازوجك بها في الأرض،و لقد هبط علي ملك من السماء قبل أن تاتيني لم أر قبله في الملائكة مثله بوجوه شتى و اجنحة شتى،فقال لي:السلام عليكـيا رسول اللهـأبشر باجتماع الشمل و طهارة النسل .

فقلت:و ما ذاك،أيها الملك؟

فقال:يا محمد،أنا الملك الموكل بإحدى قوائم العرش سألت الله أن يأذن‏لي ببشارتك،و هذا جبرئيل (عليه السلام) على أثري يخبرك عن ربك بكرامة الله عز و جل لك.

قال النبي (صلى الله عليه و آله) :فما استتم الملك كلامه حتى هبط جبرئيل (عليه السلام) ،فقال:السلام عليكـيا رسول اللهـو رحمة الله و بركاته،ثم وضع في يدي حريرة بيضاء،فيها سطران مكتوبان بالنور.

فقلت:حبيبي جبرئيل،ما هذه الخطوط؟

قال:إن الله عز و جل قد اطلع على الأرض إطلاعة فاختارك من خلقه و بعثك برسالته،ثم أختار اليها ثانية و أختار منها لك أخا و وزيرا و صاحبا و حبيبا،فزوجه إبنتك فاطمة.

فقلت:حبيبي جبرئيل،و من هذا الرجل؟

فقال:أخوك في الدين،و ابن عمك في النسب علي بن أبي طالب،و ان الله تعالى أوحى إلى الجنان أن تزخر في،و إلى الحور العين ان تزيني،و إلى شجرة طوبى أن احملي الحلي و الحلل،و أمر الملائكة أن تجتمع في السماء الرابعة عند البيت المعمور،فهبطت ملائكة الصفح الأعلى.

و أمر الله تعالى رضوان أن ينصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور،و هو المنبر الذي خطب عليه آدم (عليه السلام) حين علمه الأسماء،و أمر الله عز و جل ملكا من الملائكة الحجب يقال له:راحيل فعلا على ذلك المنبر،فحمد الله تعالى بجميع محامده،و اثنى عليه بما هو أهله،فارتجت السماوات فرحا و سرورا.

قال جبرئيل (عليه السلام) :و أوحى الله تعالى إلي أن أعقد عقدة النكاح،فإني زوجت عليا وليي بفاطمة أمتي بنت رسولي،و صفوتي من خلقي محمد (صلى الله عليه و آله) ،فعقدت عقدة النكاح،و أشهد ذلك الملائكة و كتب شهادتهم في هذه الحريرة،و قد أمرني ربي أن أعرضها و اختمها بخاتم مسك أبيض و أدفعها إلى‏رضوان خازن الجنان،إن الله تعالى لما أشهد على تزويج فاطمة ملائكة،أمر شجرة طوبى أن تنثر ما فيها من الحلل فنثرت ذلك،و التقطته الحور العين و الملائكة،و إن الحور العين ليتهادونه إلى يوم القيامة،و قد أمرني أن آمرك بتزويجها عليا في الأرض،و أن ابشرها بغلامين زكيين نجيبين فاضلين جيدين في الدنيا و الآخرة».

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) :«فو الله ما عرج الملكـيا أبا الحسنـحتى طرقت الباب،ألا و إني مستنفذ فيك أمر ربي،فامضـيا أبا الحسنـأمامي فإني ذاهب إلى المسجد،و مزوجك على رؤوس الناس،و ذاكر من فضلك ما تقر به عينك».

قال علي (عليه السلام) :«فخرجت من عنده مسرعا و أنا لا أعقل من شدة الفرح،فاستقبلني أبو بكر و عمر،فقالا لي:ما وراءك يا أبا الحسن،قلت:زوجني رسول الله (صلى الله عليه و آله) فاطمة،و أخبرني أن الله تعالى زوجني بها في السماء،و هذا رسول الله آت على أثري إلى المسجد،فيقول ذلك في محضر من الناس،ففرحا بذلك و دخلا المسجد،فو الله ما توسطاه حتى لحق بنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و وجهه يتهلل سرورا».

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) :«يا بلال،اجمع المهاجرين و الأنصار»فانطلق بلال لامر رسول الله (صلى الله عليه و آله) و جلس النبي (صلى الله عليه و آله) قريبا من منبره حتى اجتمع الناس ثم قام فوق المنبر،و حمد الله و أثنى عليه،ثم قال:«معاشر المسلمين،إن جبرئيل أتاني آنفا فأخبرني أن الله تعالى استشهد الملائكة عند البيت المعمور،أنه زوج أمته فاطمة ابنتي من علي».

ثم قام علي (عليه السلام) ،و حمد الله و أثنى عليه،فقال:«الحمد لله شكرا لأنعمه و أياديه،و أشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له و لا شبيه،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و نبيه النبيه،و حبيبه الوجيه،صلى الله عليه و على آله‏و أصحابه،و أزواجه و بنيه،صلاة دائمة ترضيه.

و بعد:فإن النكاح سنة أمر الله به و أذن فيه،و قد زوجني رسول الله (صلى الله عليه و آله) ابنته فاطمة،و جعل صداقها درعي هذا،و قد رضي و رضيت،فسألوه و اشهدوا».

فقال المسلمون لرسول الله (صلى الله عليه و آله) ؟زوجته،يا رسول الله؟قال:«نعم».

فقال المسلمون:بارك الله لهما و عليهما و جمع شملهما.

تعليقة:

1) ليس أبوه مشركا بل كان موحدا كما ذكرنا في فصل أبيه،أبي أبوه طالب.

الفصول المائة ج 1 ص 288

تأليف: السيد اصغر ناظم‏زاده قمى

 

 

قدر مهر الزهراء عليها السلام

و الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليها السلام و الصواب انه كان خمسمائة درهم‏اثنتي عشرة اوقية و نصفا و الاوقية اربعون درهما لانه مهر السنة كما ثبت من طريق اهل البيت عليهم السلام و ما كان رسول الله«ص»ليعدوه في تزويج علي بفاطمة،و تدل عليه روايات كثيرة و رواه ابن سعد في الطبقات و ذكره علي عليه السلام في خطبته السابقة،اما ما دلت عليه خطبة النبي«ص»المتقدمة من انه اربعمائة مثقال فهو يقتضي ان يكون اكثر من خمسمائة درهم لان كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم و قيل كان اربعمائة و ثمانين درهما حكاه في الاستيعاب و يدل عليه قول الحسين عليه السلام في خبر خطبة مروان ام كلثوم بنت عبد الله بن جعفر على يزيد بن معوية:لو اردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في بناته و نسائه و اهل بيته و هو اثنتا عشرة اوقية يكون اربعمائة و ثمانين درهما (و في رواية) ان عليا عليه السلام باع بعيرا له بذلك المقدار (و في اخرى) ان المهر كان درع حديد تسمى الحطمية فباعها بهذا المقدار (و في ثالثة) انه كان درع حديد و بردا خلقا و الظاهر انه باع ذلك و دفعه في المهر كما تدل عليه بعض الروايات لا ان ذلك بعينه كان مهرا.فليعلم الذين يغالون في المهور انهم قد خالفوا السنة النبوية.

جهاز الزهراء عند تزويجها

فجاء علي بالدراهم فصبها بين يدي رسول الله«ص»فأمر رسول الله«ص»ان يجعل ثلثها في الطيبـاهتماما بامر الطيبـو ثلثها في الثياب و قبض قبضة كانت ثلاثة و ستين او ستة و ستين لمتاع البيت و دفع الباقي الى ام سلمة فقال ابقيه عندك،و ارسل ابا بكر و قال ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب و أثاث البيت و اردفه بعمار وعدة من اصحابه فكانوا يعرضون الشي‏ء على ابي بكر فان استصلحه اشتروه.بأبي انت و امي يا رسول الله بلغ من اهتمامك بجهاز فاطمة عند تزويجها ان ترسل جماعة من اصحابك برئاسة ابي بكر لشراء جهازها و ما يبلغ ما اعطيتهم من المال لشراء الجهاز سواء أكان الثلث من خمسمائة درهم ام اقل ام كان قبضة بكلتا يديك كما في بعض الاخبار.هذه فاطمة و هذا علي لا تزيدهما كثرة المال شرفا و لا تنقص قلته من شرفهما،هي سيدة النساء و هو سيد الرجال،فما يصنعان بالمال و ما يصنع بهما.فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم و خمار باربعة دراهم و قطيفة سوداءخيبرية (و هي دثار له خمل) و سرير مزمل (ملفوف) بشريط (خوص مفتول) و فراشان من خيش مصر (و هو مشاقة الكتان) حشو احدهما ليف و حشو الآخر من صوف الغنم و اربع مرافق (متكآت) من ادم الطائف (و الأدم الجلد) حشوها ادخر (نبات طيب الرائحة) و ستر رقيق من صوف و حصير هجري (معمول بهجر قرية بالبحرين) و رحى لليد.و مخضب من نحاس (اناء لغسل الثياب) و سقاء من ادم (قربة صغيرة) و قعب (قدح من خشب) لللبن و شن للماء (قربة صغيره عتيقة لتبريد الماء) و مطهرة اناء يتطهر به) مزفتة و جرة خضراء و كيزان خزف و نطع من أدم (بساط من جلد) و عباءة قطوانية (و هي عباءة قصيرة الخمل معمولة بقطوان موضع بالكوفة) و قربة للماء.فلما وضع ذلك بين يدي النبي«ص»جعل يقلبه بيده و يقول اللهم بارك لاهل البيت،و في رواية انه بكى و قال اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف.و لم يكن بكاؤه أسفا على ما فاتهم من زخارف الدنيا الفانية و لكنها رقة طبيعية تعرض للوالد في مثل هذه الحال.و كان من تجهيز علي داره انتشار رمل لين و نصب خشبة من حائط الى حائط و بسط اهاب كبش و مخذة ليف و قربة و منخل و منشفة و قدح.هكذا كان جهاز سيدة النساء و جهاز بيت سيد الاوصياء،و هو مما يدلنا على هو ان الدنيا على الله،و ما ضر عليا و فاطمة و لا أنقص من عزهما ان يكون جهاز فاطمة في عرسها قميص بسبعة دراهم و خمار باربعة و قطيفة سوداء لكنها خيبرية و عباءة بيضاء لكنها قطوانية و حصير لكنه هجري،و لا بد ان يكون ما صنع بخيبر اجود مما يصنع بالمدينة،و ما صنع بقطوان و هجر أجود مما يصنع بالحجاز،فلذلك اختيرت هذه لجهاز العرس،و سرير من جريد النخل لا من ساج و لا آبنوس و لا شي‏ء من المعادن،مشبك بخوص النخل المفتول و لم يزين بعاج و لا ذهب و لا فضة،و فراشان من مشاقة الكتان حشو أحدهما ليف،و متكآت من الجلود محشوة بنبات الارض،و نطع من جلد لا من طنافس ايران،و ستر من صوف،و رحى لتطحن بها سيدة النساء لقوتها و قوت علي و قد يساعدها علي على الطحن،و اناء نحاس لتغسل فيه الثياب و ربما عجنت فيه،و قربة صغيرة و اخرى كبيرة لتستقي بها،و قربة صغيرة عتيقة لتبريد الماء،و وعاء مصنوع من ورق النخل مزفت تغسل به يديها و يدي ابن عمها،و قدح من خشب لا من الصيني،و جرة لكنها خضراء و الخضراء أجود من سواها و لذلك اختيرت لجهاز العرس،و كيزان من الفخار،و لم يكن في جهازهاأساور و لا اقراط من ذهب و لا فضة و لا عقود من جواهر او لؤلؤ بل تزينت بحلي مستعار و ان يكون تجهيز علي بيته المعد لعرسه بفرش رمل في داره لكنه لين لا خشن (طبعا) لانه معد للعرس فلا يناسب ان يكون خشنا،و نصب خشبة من حائط الى حائط لتعليق الثياب فهي ثياب العرس لا يوافق ان توضع على الارض،و بسط جلد كبش و مخدة ليف و قربة و منخل لتنخل به الزهراء الدقيق الذي تطحنه و منشفة و قدح،و يمكن ان هذه كلها كانت عنده و هي أثاث بيته و لم يشتر منها شيئا و لذلك لم يكتف بالقربة التي كانت في جهاز الزهراء و هو عليه السلام قد باع درعه الأداء المهر فلم يكن عنده شي‏ء من المال لشراء شي‏ء.ما ضر عليا و فاطمة و لا انقص من عزهما ان يكون جهاز عرسهما ما ذكرناه و هو سيد الاوصياء و هي سيدة النساء ابنة سيد الانبياء .

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 162

السيد محسن الامين الحسيني العاملي

 

 

حفل الزواج‏

فمكثت بعد ذلك شهرا،لا اعاود رسول الله (صلى الله عليه و آله) شيئا منه،غير أني كنت إذا خلوت برسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول لي:يا أبا الحسن،زوجتك سيدة نساء العالمين» .

قال علي (عليه السلام) :«فلما كان بعد شهر،دخل علي أخي عقيل،فقال:يا أخي،و الله ما فرحت قط بشي‏ء كفرحي بتزويجك فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه و آله) فإن تدخل قرت أعيننا باجتماع شملكما.

فقلت:و الله،و إني لاحب ذلك و ما يمنعني منه إلا الحياء من رسول الله (صلى الله عليه و آله) .

فقال:أقسمت عليك إلا ما قمت معي،فقمت معه نريد رسول الله (صلى الله عليه و آله) ،فلقينا في طريقنا ام أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه و آله) فذكرنا لها ذلك،فقالت:أمهلا و دعنا حتى نكلمه في أمرها،فإن كلام النساء أوقع في النفس من كلام الرجال،ثم أتيت إلى ام سلمة،فأعلمتها بذلك،و أعلمت نساء رسول الله (صلى الله عليه و آله) فاجتمعن امهات المؤمنين إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فكان في بيت عائشة فأحدقن،و قلن:يا رسول الله فديناك بآبائنا و أجدادنا،إنا قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الحياة لقرت بذلك عيناها».

قالت ام سلمة،فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قال:«أين مثل خديجة؟صدقتني حين كذبني الناس،و أعانتني على ديني و دنياي بمالها».

فقالت أم سلمة:يا رسول الله،إن خديجة كانت كذلك،غير أنها مضت إلى ربها عز و جل،فالله تعالى (1) أن يجمع بيننا و بينها في درجات الجنة،و هذا أخوك‏في الدين،و إبن عمك في النسب علي بن أبي طالب،يريد أن يدخل على زوجته فاطمة.

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) :«يا ام سلمة،أرسلي إلى ام أيمن،و آمريها أن تنطلق إلى علي فتأتيني به».

فخرجت ام أيمن فإذا علي (عليه السلام) ينتظرها،فقالت له:أجب رسول الله (صلى الله عليه و آله) .

قال علي (عليه السلام) :«فأنطلقت معها إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) ،و هو في حجرة عائشة،فقمن أزواجه،فدخلن البيت،فجلست بين يدي (2) مطرقا،فقال:«أ تحب أن تدخل على زوجتك؟

فقلت:نعم،فداك أبي و أمي،يا رسول الله

فقال:حبا و كرامة،و تدخل عليك في ليتنا هذه إن شاء الله».

قال علي:«ثم قمت من عنده فرحا مسرورا،فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن تزين فاطمة و تطيب و يفرش لها»و دفع النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي عشرة من الدراهم التي كانت عند ام سلمة،و قال له:اشتر بهذه تمرا و سمنا و أقطا.

قال علي (عليه السلام) :«فاشتريت ذلك و أتيت إلى النبي (صلى الله عليه و آله) ،فحسر عن ذراعه و دعا بسفرة من أدم،فجعل يسدح التمر بالسمن،و يخلطهما بالأقط حتى جعله حيسا،ثم قال:يا علي،ادع من أحببت،فخرجت (3) من المسجد فوجدت أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) ،فقلت:أجيبوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) ،فقام القوم بأجمعهم،فأقبلوا نحوه،فأخبرته أن القوم كثير،فجلل السفرة بمنديل،ثم قال:ليدخل عشرة عشرة،ففعلت ذلك،فجعلوا يأكلون و يخرجون،و السفرة لا تنقص حتى أكل من ذلك الحيس سبعمائة رجل ببركة النبي (صلى الله عليه و آله) .

ثم دعا رسول الله بفاطمة و علي فأخذ عليا بيمينه،و أخذ فاطمة بشماله،و جعلهما إلى صدره،و قبل بين عينيهما،ثم رفعهما إليه،و قال:يا أبا الحسن،نعم الزوجة زوجتك ثم قام يمشي معهما إلى البيت الذي لهما،ثم خرج و أخذ بعضادتي الباب،و قال:جمع الله شملكما،استودعكما الله،و استخلفه عليكما».

فأقبل علي (صلى الله عليه و آله) على فاطمة يلاطفها بالكلام حتى جن الظلام،فأخذت فاطمة في البكاء،فقال لها:«ما يبكيكـيا سيدة نساء العالمينـألم ترضي أن أكون لك بعلا،و تكونين لي أهلا؟

فقال:يا ابن العم،كيف لا أرضى و أنت الرضي و فوق الرضي،و إنما فكرت في حالي و أمري عند ذهاب عمري و نزولي في قبري،فشبهت دخولي إلى فراش عزي و فخري،كدخولي لحدي و قبري،و أنا أسألكـيا ابن العمـبحق محمد إلا ما بلغتني قصدي و إربي،و قمت بنا إلى محرابنا نتعبد في هذه الليلة،فهو أحق و أحرى بنا».

فنهضا إلى المحراب،و قاما إلى التهجد في خدمة رب الأرباب (4) .

و في بعض التواريخ:بعدما رجعت ام أيمن إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) ،قالت ام أيمن:فقال لي رسول الله (صلى الله عليه و آله) :«انطلقي إلى علي فآتيني به»فخرجت من عند رسول الله فاذا علي ينتظرني،ليسألني عن جواب رسول الله (صلى الله عليه و آله) ،و حضر علي (عليه السلام) عند رسول الله،فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله) :هيأ منزلا حتى تحول فاطمة إليه».

فقال علي (عليه السلام) :«يا رسول الله ما هاهنا منزل إلا منزل حارثة بن النعمان».

و كان لفاطمة (عليها السلام) يوم بنى بها أمير المؤمنين (عليه السلام) تسع سنين،فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) :«و الله،لقد استحينا من حارثة بن النعمان،قد أخذنا عامة منازله»فبلغ ذلك حارثة فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال:يا رسول الله،أنا و مالي لله و لرسوله،و الله ما شي‏ء أحب إلي مما تأخذه،و الذي تاخذه أحب إلي مما تتركه،فجزاه رسول الله خيرا،فحولت فاطمة إلى علي (عليه السلام) في منزل حارثة و بسطوا في بيت علي كثيباـو هو الرملـو نصبوا عودا يوضع عليه السقاء (القربة) ،و ستروه بكساء،و نصبوا خشبة من حائط إلى حائط،و بسط جلد كبش و مخدة ليف.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله) :«يا علي،اصنع لأهلك طعاما فاضلا»فجاء أصحابه بالهدايا :فأمر النبي،فطحن البر (5) و خبز و ذبح الكبش،و اشترى علي تمرا و سمنا،و أقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) حسر عن ذراعيه،و جعل يشدخ التمر في السمن،فقال النبي (صلى الله عليه و آله) :«يا علي،ادع من أحببت».

قال علي:«فأتيت المسجد،و هو غاص بالناس،فناديت:أجيبوا إلى وليمة فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه و آله) فأجابوا من النخلات و الزروع،و أقبل الناس إرسالا،و هم أكثر من أربعة آلاف رجل،و سائر نساء المدينة،و رفعوا منها ما أرادوا و لم ينقص من الطعام شي‏ء،ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالصحاف (الأواني) فملئت،و وجه بها إلى منازل أزواجه،ثم أخذ صحفة،و قال:هذا لفاطمة و بعلها» (6) .

و روى الصدوق ابن بابويه:أمر النبي (صلى الله عليه و آله) بنات عبد المطلب و نساء المهاجرين و الأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة (عليه السلام) ،و أن يفرحن و يرجزن و يكبرن و يحمدن و لا يقولن ما لا يرضي الله.

قال جابر:فأركبها على ناقتهـو في رواية على بغلته الشهباءـو أخذ سلمان زمامها،و النبي (صلى الله عليه و آله) و حمزة و عقيل و جعفر و أهل البيت يمشون خلفها،مشهرين سيوفهم،و نساء النبي (صلى الله عليه و آله) قدامها يرجزن،فأنشأت ام سلمة:

سرن بعون الله جاراتي‏ 
و اشكرنه في كل حالات‏ 
و اذكرن ما أنعم رب العلى‏ 
من كشف مكروه و آفات،

إلى آخره.

و كانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز،ثم يكبرن،و دخلن الدار،ثم أنفذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى علي (عليه السلام) ثم دعا فاطمة (عليها السلام) فأخذ يدها و وضعها في يده،و قال:«بارك الله في ابنة رسول الله،يا علي نعم الزوجة فاطمة،يا فاطمة نعم الزوج علي».

ثم قال:«يا علي هذه فاطمة،و ديعتي عندك».

ثم قال النبي (صلى الله عليه و آله) :«أللهم اجمع شملهما،و ألف بين قلوبهما،و اجعلهما و ذريتهما من ورثة جنة النعيم،و ارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة،و اجعل في ذريتهما البركة،و اجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك و يأمرون بما يرضيك،اللهم إنهما أحب خلقك إلي فأحبهما و اجعل عليهما منك حافظا،و إني اعيذهما بك و ذريتهما من الشيطان الرجيم».

ثم خرج إلى الباب،و هو يقول:«طهركما و طهر نسلكما،أنا سلم لمن سالمكما،و حرب لمن حاربكما و أستودعكما الله و استخلفه عليكما»و باتت أسماء عندهما في البيت،و أصبح الصباح و جاء رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى زيارةالعروسين،قال:«السلام عليكما،أأدخل؟ففتحت أسماء الباب فدخل النبي (صلى الله عليه و آله) فسأل عليا (عليه السلام) :«كيف وجدت أهلك؟» .

قال:«نعم العون على طاعة الله».

و سأل فاطمة،فقالت:«خير بعل»،و جاء النبي بعس (قدح) فيه لبن فقال لفاطمة:«إشربي،فداك أبوك»و قال لعلي:«إشرب،فداك ابن عمك».

ثم قال (صلى الله عليه و آله) :«يا علي،آتني بكوز من ماء»فجاء علي بكوز من ماء،فتفل فيه ثلاثا،و قرأ عليه آيات من كتاب الله تعالى،ثم قال:يا علي،اشربه و اترك فيه قليلا،ففعل علي ذلك،فرش النبي (صلى الله عليه و آله) باقي الماء على رأسه و صدره،ثم قال:«أذهب الله عنك الرجس يا علي و طهرك تطهيرا»و أمره بالخروج من البيت،و خلى بابنته فاطمة،و قال:«كيف أنت يا بنية،و كيف رأيت زوجك؟».

قالت:«يا أبه خير زوج،إلا دخل علي نساء من قريش،و قلن لي:زوجك رسول اللهـمن فقير لا مال له».

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) :«يا بنية،ما أبوك بفقير،و لا بعلك بفقير،و لقد عرضت علي خزائن الأرض من الذهب و الفضة فاخترت ما عند ربي عز و جل.

يا بنية،لو تعلمين ما علم أبوك لسمحت الدنيا في عينيك،و الله يا بنية ما ألوتك نصحا،إني زوجتك أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما.

يا بنية،إن الله عز و جل أطلع إلى الأرض إطلاعة،فاختار من أهلها رجلين،فجعل أحدهما أباك و الأخر بعلك،يا بنية،نعم الزوج زوجك،لا تعصي له امرا» (7) .

تعليقات:

(1) السياق:فاسال الله تعالى.

(2) الظاهر:يديه.

(3) السياق:إلى المسجد.

(4) كتاب الرقائق المعروف بالاخوانيات للشيخ عبد الله الحنفي ص 250 نقلا عن الإحقاق ج 4 ص .474

(5) البر:الحنطة.

(6) علي من المهد إلى اللحد ص .77

(7) علي من المهد إلى اللحد ص .73

الفصول المائة ج 1 ص 294

تأليف: السيد اصغر ناظم ‏زاده قمى‏

 

 

حياتها الزوجية

قد تقدم قول امير المؤمنين علي (عليه السلام ) : فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً ولقد كنت أنظر اليها فتنكشف عني الهموم والاحزان.

 

جاء في تفسير العياشي بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام ) قال : (ان فاطمة ضمنت لعلي (عليه السلام ) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت وضمن لها عليٌ ما كان خلف الباب: نقل الحطب وان يجيء بالطعام فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت : والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به قال : أفلا أخبرتني؟ قالت : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نهاني أن أسألك شيئاً فقال : لا تسألين ابن عمك شيئاً ان جاءك بشيء (عفو) والا فلا تسأليه).

 

بعد زواج فاطمة (عليها السلام ) قال عليٌ قالت فاطمة لأبيها: يا أبة لا طاقة لي بخدمة البيت، فأخدمني خادماً تخدمني وتعينني على أمر البيت فقال لها: يا فاطمة أولا تريدين خيراً من الخادم؟ فقال عليٌ: قولي بلى قالت : يا أبه خيراً من الخادم فقال : تسبحين الله عز وجل في كل يوم ثلاثاً وثلاثين مرة وتحمدينه ثلاثاً وثلاثين مرة وتكبرينه أربعاً وثلاثين مرة فذلك مائة باللسان وألف حسنة في الميزان يا فاطمة انك ان قلتها في صبيحة كل يوم كفاك الله ما أهمك من أمر الدنيا والاخرة.

 

أقول هذه فاطمة بضعة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على مكانتها الجليلة مارست العمل البيتي ودأبت عليه مدة طويلة حتى قالت بعض الروايات انها: (استقت بالقربة حتى أثر في صدرها وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها وقمت البيت حتى اغبرّت ثيابها) ، ويوم جاءتها فضة خادمة لم تلق اليها كل الاعمال وتخلد هي الى الراحة بل ناصفتها العمل فيوم على الزهراء (سلام الله عليها ) ويوم على فضة. فيالعظمة الزهراء ورحمتها واحترامها لانسانية الانسان.

 

 

 

 

 

 

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معها