موقع يازهراء سلام الله عليها
القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
   
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز


اذا كانت لديكم قصة جميلة ابعثوها وسننشرها في الموقع كي تعم الفائدة

السِّباق

غائماً كانَ الجَوُّ مُكْفَهِرّاً.. تَنبَعِثُ مِنهُ رائحةُ العاصفة.
كانَ ( السَّريع ) قد أرهَفَ أُذُنَيه.. لِيَسمَعَ صَوتَ حَوافِرِ العاصفة.
في خَيالِ ( السَّريعِ ) أنّ العاصفةَ حِصانٌ كبيرٌ جدّاً. حِصانٌ ذو أربَعِ حَدَوات، يَعدو بسُرعة.. فيَسحَقُ تحتَ سَنابِكهِ الثقيلَةِ كلَّ ما يَلقاهُ في طريقِه.
( السّريعُ ) كان حِصاناً سَريعاً خَفيفاً في الجَرْي، أشدَّ سُرعَةً وخِفَّة مِن سائر خُيولِ الصَّحراء. ومُنذ طُفولَتهِ ظَهَرَ علَيهِ أنّه سيَكونُ، في يَومٍ من الأيّام، حِصانَ الصحراءِ الذي لا مُنافِسَ لَه.
في أوّلِ شَبابهِ.. استَطاعَ أن يَسبِقَ كلَّ الخُيول، حتّى مَنْ كانوا مِثلَ ( الكُمَيْت ) (1) و ( الأزرَق ) اللّذَينِ ظَلاّ لسَنوات بلا مُنافِسٍ.
وبَعد هَزيمةِ ( الكُمَيْت ) و ( الأزرق ).. كانت الخُيول تَتَهامَسُ فيما بَينَها:
ـ ( السّريعُ ) ليسَ حِصاناً واحِداً. إنّهُ ألفُ رَعيل (2) مِن الخَيل!

* * *

ما كانَ ( السّريع ) قد رأى العاصفةَ بِعَينَيه، ولكنّهُ كانَ قد سَمِعَ أنّ الغَبَرةَ الشَّديدةَ كلّما هاجَتْ في الصحراء.. فإنّ العاصفةَ آتِيَة. وكان سَمِعَ أنّ قَصيفَ الرَّعد (3) هو صَوتُ صَهيلِ العاصفة. وسَمِعَ أنّها تَجري بسُرعةٍ فائقةٍ بحيثُ لا يُرى حتّى ظِلُّها!
وهذا قد جَعَلَ ( السّريعَ ) يُفكِّرُ في « السِّباقِ » مَع العاصفة.

* * *

كان الوقتُ سَحَراً.
( السّريعُ ) كان واقِفاً على تَلَّةٍ عاليةٍ يَنظُرُ إلى الطَّرَفِ الآخَرِ من الصحراء. وخلالَ نُورِ السَّحَر الخافِت، بَدَتْ على مسافةٍ منه.. أشجارٌ كثيرةٌ كانت تتَماوَج، وتَتَناثَرُ أوراقُها في الهواء.
هَبَطَ ( السّريعُ ) من التَلَّة، وجَرى نحوَ الأشجار.
استدارَ مُقابِلَ الأشجار التي كانت الرِّيحُ تُشابِكُ أغصانَها بعضَها في بعض. وَقَف قائماً على قَدَمَيه، وأطلَقَ صَهيلاً عالياً. زَمْجَر:
ـ يا هؤلاء.. أنا أتكلَّمُ معكم! لا تَخافوا مِن العاصفة. أنا سوفَ أهزِمُها!
فاجأهُ صوتٌ إعادَهُ إلى نَفْسِه:
ـ ( سَريع )!...
مَضى ( السّريع ) بدَهشَةٍ نحو مَصدَرِ الصوت. رأى أخاهُ ( الأشهَب ) واقِفاً خَلْفَه. هَزَّ رأسَه، ونَظَر إليهِ بغُرور.. وسأل:
ـ أهذا أنتَ يا ( أشهَب ) ؟! حَسَناً فَعَلتَ إذ جِئت! العاصفةُ في الطريق، وأنا مُستَعِدٌّ للسِّباقِ معها!
( الأشهَبُ ) سألَ مُتَعجِّباً:
ـ أحقّاً ما سَمِعتُ يا ( سريع ) ؟! سِباقٌ مع العاصفة ؟!
حَكَّ ( السّريعُ ) سَنابِكَهُ بالأرض، وقال:
ـ أجَلْ، سَمِعتَ هذا حقّاً! وأوَدُّ لو تَشهَد أنتَ أيضاً هذا السِّباق. لَدَينا اليومَ، أنا والعاصفة، سِباقٌ عظيم..
كان ( الأشهَبُ ) قد سَمِعَ مرَّاتٍ أنّ ( السّريع ) يُريدُ أن يُجْرِيَ سِباقاً مع العاصفة ولكنّهُ ما كان يُصَدِّق.
صَهَلَ ( الأشهَب ):
ـ كفَاكَ يا ( سريع )! غُرورُكَ أوقَعَكَ في الأوهام. مَتى سَمِعتَ أنّ حِصاناً قد سابَقَ العاصفة ؟!
اغتاظَ ( السريعُ ) وقال:
ـ لا يَهمُّني هذا الذي قُلْتَه! إذهَبْ.. ودَعْني وشأني! قُل للآخَرينَ أيضاً إنّ هذا اليومَ يومٌ عظيم! قُل لهم يأتُوا للتَّفرُّج! عَجِّلْ؛ فسَوف تَصِلُ العاصفةُ عمّا قريب!
وفَجأةً، وَصَلَ صوتُ قَعْقَعةِ الرِّيح.. شديداً مُتَوحِّشاً حادّاً. لاحَظَ ( الأشهَبُ ) أنّ عَيْنَي أخيهِ كانتا تَلتَمِعان هِياجاً وغُروراً.
كانَتِ العاصفةُ تَقتَرِب.
رَكَّزَ ( السّريعُ ) كلَّ وَعيهِ وحَواسِّهِ في أُذُنَيه.. لِيَعرِفَ مِن أيِّ صَوبٍ يأتي صَوتُ الرِّيح.
ازدادَتْ قَعْقعَةُ الرِّيحِ سُرعةً.
قالَ ( السّريع ):
ـ أتَسمَعُ يا ( أشهَب ) ؟ إنّ الرِّيحَ تُنادِيني!
وأمامَ عَينَيِ ( الأشهَب ) المُنَدهِشَتَين.. ارتَفَعَ ( السريعُ ) قائماً على رِجلَيْه، وزَمجَرَ يَصهَلُ صَهيلاً عالياً:
ـ أيّتُها الرِّيح! أنا هنا، هنا!...
خَشِيَ ( الأشهَبُ ) أن يكونَ ( السّريعُ ) قد فَقَد عَقلَه. إنّ الذي يَراهُ الآنَ أشبَهُ بالكابوس. ( السّريعُ ) لم يَعُد يَسمَعُ شيئاً غيرَ صوتِ قَعقَعاتِ الريح. كانَتِ الريحُ رسولَ العاصفةِ الذي يُخبِرُ عن قُربِ وصولِ الإعصارِ الكبير.
الريحُ.. أمَرَّتْ يَدَها ـ بمَحبّةٍ ـ على عُنُقِ ( السريع )، وَمَسحَتْ على شَعرِهِ المُستَرسِلِ الكثيف. قالت:
ـ لماذا تُريدُ أن تُسابِقَ العاصفة ؟... كُنْ عاقِلاً أيُّها الحِصانُ الشاب!
قال ( السريعُ ) نافِذَ الصَّبر:
ـ دَعِي النّصائحَ إلى وَقتٍ آخَر!
بَعدَئذٍ.. صَهَل:
ـ لكنْ.. أينَ هي هذهِ العاصفة ؟!
طأطأتِ الأشجارُ، بَغتَةً، رؤوسَها. ورأى ( السريعُ ) أنّ حِصاناً كبيراً جدّاً كان يَقتَرِبُ منه.
قالتِ الرِّيحُ بِفَزَع:
ـ ( سَريع )! لقد وَصَلَتِ العاصفة. علَيكَ بالفِرار!

* * *

عَظَمةُ العاصفةِ شَدَّتْ إلَيها أنظارَ ( السّريع )، فأخَذَ يُحَدِّقُ فيها. ما كانَ ( السّريعُ ) قد شاهَدَ مثلَ هذهِ العَظَمةِ والجَلالِ ـ حتّى في الخَيال.
ارتَفَعَ ( السّريعُ ) قائماً على رِجلَيْه.. وصَهَل:
ـ أيّتها العاصفة! ها أنَذا.. ( السّريع )! أسَمِعتِ باسمِي ؟!
ومَكَثَ ساكِناً.. لِيَسمَعَ جوابَ العاصفة.
وفَجأة دَوّى في السماءِ قَصيفُ رَعدِ العاصفة:
ـ أجَلْ.. يا ( سَريع )، سَمِعتُ باسمِكَ على ألسِنَةِ خُيولٍ لا عَدَدَ لها. مُنذُ زمانٍ وأنا أتمنّى أن أراكَ مِن قريب. والآن.. أنا سَعيدةٌ بِرؤيتِك.
أطَلقَ ( السّريعُ ) ضِحكَةً مَغرورَةً، وقال:
ـ إذَنْ.. سَمِعتِ أنّني أنا وَحدي الذي يُنافِسُكِ مِن بَينِ الخُيول!.. أفَانتِ مُستَعِدَةٌ الآنَ لِلسِّباقِ معي ؟
ظَلَّتِ العاصفةُ صامِتَةً. وظَلَّ ( السّريعُ ) يَنتَظِرُ أن يَسمَعَ جَوابَها نافِذَ الصَّبر.
بَعد لَحَظات.. جَلْجَلتِ العاصفةُ بقَصيفِ الرَّعد، وقالت:
ـ إسمَعْ أيّها الحِصانُ المُتَطاوِلُ المَغرور! أنا ما جِئتُ لِلسِّباقِ مَعك، بل جِئتُ لِتَحذيرِك.
سأل (السّريعُ ) بدَهشَة:
ـ تحذيري ؟! تَحذيري مِن أيِّ شيء ؟!
عاوَدَتِ الريحُ قَصيفَها المُجَلْجِل، وقالت:
ـ تَحذيرَكَ مِن العاقِبَةِ التي تَنتَظِرُك. أخشى أن يَقْضيَ علَيكَ غُرورُكَ في آخِرِ الأمر.
أطَلقَ ( السّريعُ ) ضِحكةً عالية. ظَنَّ أنّ العاصفةَ تَختَلِقُ عُذْراً لِلتَّخلُّصِ مِن السِّباقِ مَعه. قال في نفسِه:
ـ مسكينةٌ هي العاصفة! إنّها تَخافُ أن أهزِمَها!
وتَذَكّرَ ( الأشهَبَ ) الذي كان يُخوِّفُهُ مِن السِّباقِ مع العاصفة. فَكّرَ: « يالَيتَ ( الأشهَبَ ) هنا لِيَسمَعَ كلامَ العاصفة ! ».
لَم يَكُنِ ( السّريعُ ) يَعلَمُ أنّ ( الأشهَبَ ) و ( الكُمَيْتَ ) و ( الأزرَقَ ) كانُوا واقِفينَ على مَسافةٍ غيرِ بَعيدةٍ مِنه، يَنظُرونَ إليهِ قَلِقِين. كانوا يُريدونَ أن يَلتَفُّوا حَولَه، في الوقتِ المناسب.. لِتَمُرَّ العاصفة.
قَعقَعَةُ العاصفة.. أعادَتِ ( السّريعَ ) إلى نَفسِه:
ـ إسمَعْ يا ( سَريع )! دَعْ غُرورَكَ واذهَبْ مِن هنا.. قبلَ فَواتِ الأوان!
إعتَلَى ( السّريعُ ) قائماً على قَدَمَيه، لِيُوصِلَ صَوتَهُ بِوضوحٍ إلى سَمعِ العاصفة.. صَهَل:
ـ أنا أعرِفُ جَيّداً أنّكِ تَقولينَ هذا خَوفاً مِن الهَزيمَة. تَخافينَ أن تَنهَزِمي، وعندَها تَظَلِّينَ طُولَ عُمْرِكِ في خَجَل!
مَرَّت لَحَظاتٌ مِن الصَّمت...
شَعَر ( السّريعُ ) أنّ العاصفةَ قَدِِ استَعَدَّتْ لِلنِّزالِ مَعه. وعلى حِينِ غَفلَةٍ.. هاجَت غَبَرةٌ شَديدةٌ في الهواء.
إستَدارَ ( السّريعُ ) نِصفَ استِدارَةٍ.. وحَكَّ حَوافِرَهُ بالأرض.
( الأزرَقُ ) التَفَتَ إلى ( الأشهَب ) قائلاً على عَجَل:
ـ الأفضَلُ أن نَتَدخّل!
أمّا ( الأشهَبُ ) فقد كانَ مُتَرَدِّداً. إنّهُ يأمَلُ أن يَعودَ ( السّريعُ ) بنَفسِه إلى الصَّواب.
وأمامَ عَينَيِ ( السّريع ) اقتَلَعَتِ العاصفةُ شَجَرَةً قويّةً مِن الجُذور. ولكنّ ( السّريع ) لَم يَكتَرِثْ لهذا. وَثَبَ فوقَ الشَّجَرةِ المَقلوعَة، وقالَ لِلعاصفة بصوتٍ عالٍ:
ـ نَبدأُ الجَرْي مِن هنا.. إلى عَينِ الماءِ الواقِعَةِ في تلكَ الجهةِ مِن الصحراء. وعندَ العَينِ تُوجدُ عِدَّةُ أشجارٍ طويلَة. ومَن يَصِلْ إلى العَينِ قَبِلَ الآخَرِ يَنتَظِر عندَ تلك الأشجار، حتّى...
لَم يَكُنِ ( السّريعُ ) قد أتَمَّ كلامَهُ، حِينَ قَذَفَتْ بهِ العاصفةُ إلى الأمام.
التَفَتَ ( الأشهَبُ ) إلى ( الكُمَيت ) و ( الأزرَق ).. وقال بِنَظرَةِ فَزَع:
ـ ساعِدوني لإنقاذِه!
ولكنَّ الوَقتَ... قد فات.
كانَتِ العاصفةُ شَديدةً بِحَيثُ جَعَلَتِ ( السّريعَ ) لَحظةً، في حالةِ ذُهول. لكنّها لَم تَهزِمْهُ.
علَيهِ أن يَستَدرِكَ الفُرصَةَ التي أفلَتَتْ مِنه لِيَلحَقَ بالعاصفة. علَيهِ أن يَتَقَدَّمَ على العاصفة.
لَم يَتَباطأ. ركَّزَ كُلَّ قِواهُ في قَوائمهِ، ووَثَبَ كسَهمٍ انطَلَقَ مِن القَوس. لا ( الأشهَبُ ) بِقادِرٍ أن يَعتَرِضَ طريقَهُ الآن، ولا ( الأزرَقُ ) ولا ( الكُمَيت ).

* * *

ظَلَّ مِن أثَرِ ( السّريعِ ).. الغَبَرةُ التي أثارَها. الغَبَرةُ التي كانَت تَتَوارى في المَدى البَعيد.
كان ( السّريعُ ) يَجري ويَشتَدُّ بسُرعة.. حتّى أنّهُ لَم يَكُن يَرى الأرضَ التي تَحتَ أقدامهِ. كأنّما كانَ يَطيرُ بِجَناح. ثَمَّةَ شَراراتٌ كانَت تَتَقادَحُ أحياناً، مِن تَحتِ سَنابِكِه، وتَتَطايَرُ في الهواء. ما كانَ يَخطِرُ على بالهِ إطلاقاً أنّ في مَقدورِهِ أن يَجريَ بكلِّ هذهِ السُّرعة.
كَم تَمنّى ( السّريعُ ) أنْ لو يَتَوقَّف لحظةً واحِدَة، يَتَطلَّعُ فيها خَلْفَهِ.. لِيَرى مِقدارَ المسافةِ بَينَهُ وبَينَ العاصِفة. لكنَّهُ ما كانَ يَستَطيع. يَخشى أن تَسبِقَهُ العاصفة. حتّى لو أرا دَ التَّوقُّفَ لمَا استَطاع. كانَ قد فَقَد السَّيطَرةَ على أرجُلِه.

* * *

الغروبُ.. كانَ قد هَبَط.
ما يَزالُ ( السّريعُ ) يَجري ويَشتَدّ.
( الأشهَبُ ) و ( الكُمَيتُ ) و ( الأزرَقُ ) كانوا يَعْدُونَ وراءَهُ ساعات. لكنَّهُم ثلاثَتَهُم قَدِ انقَطَعَتْ مِنهُم الأنفاس. كان مَآلُ ( الأزرَق ) أنّه تَوقَّفَ، وقال:
ـ لا فائدة. لَن نَصِلَ إليه!
صَعَّدَ نَفَساً، وأضاف:
ـ الأفضَلُ أن نَرجِع. أنا مُرْهَقٌ جدّاً.
نَظرَ ( الكُمَيت ) فيما حَولَه، لَعلَّهُ يَجِدُ أثَراً لـ ( السّريع ). لكنَّهُ لَم يَجِدْ على مَرْمَى البَصَر أثراً لَه، حتّى ولا أثرَ الغُبار. تأوّهَ ( الكُميت )، وقال:
ـ لَقد أضَعْناه. لابُدَّ أنّهُ ذَهَبَ في طريقٍ آخَر! ما لَهُ مِن أثَر.
قال ( الأشهَبُ ) بقَلَقٍ وعَجَل:
ـ أنتُم سَمِعتُم! قالَ إنّهُ يَمضي إلى الأشجارِ في الطَّرَفِ الآخَرِ مِن الصَّحراء، جِوارَ عَينِ الماء. وبَينَنا وبَينَها مَسيرَةُ غُروبَينِ للشمس. لا يَنبغي أن نُفَوِّتَ الفُرصة!
التَفَتَ ( الأزرَقُ ) إلى ( الأشهَب ) غاضِباً، وصَهَل:
ـ أمَا رأيتَ خِلالَ الطريقِ كيفَ كانت بِرَكُ الماءِ قد جَفَّت، وكيفَ انَقَلَعتِ الأشجارُ الضَّخمةُ مِن الجُذور ؟! إنّ عاصفةً رَهيبَةً كهذهِ ما هَبّتْ من قَبلُ على الصحراء!
قالَ ( الكُميت ) بِنَظرَةٍ مَحزونَة، وبصَوتٍ أشبَهَ ما يكونُ بالأنين:
ـ حتّى أنّي لا أظُنُّ أنّهُ ما يَزالُ على قَيدِ الحياة.
نَظَر ( الأشهَبُ ) إلى الخُيولِ الكثيرةِ التي تَعِبَتْ وأصابَها اليأس، وراحَت تَتَفرَّقُ مُبتَعِدَة.
هذهِ الخيولُ كانَت قد قَطَعَت مسافةً طويلةً لِتَشهَدَ سِباقَ ( السّريع ). لكنّ ظَنَّها في رؤيةِ ( السّريع ) كانَ قد تَحوّلَ أيضاً إلى يأس. كانَت تُهَبِّطُ رؤوسَها، وتَعودُ وهي مُجْهَدَة.
صاحَ ( الأشهب ):
ـ ارجِعوا! أيْ.. يا هولاء! هَل تَظُنّونَ أنتم أيضاً أنّ ( السَريعَ ) قد مات ؟!
وبنظرةٍ لا تَعرِفُ التردُّد.. التَفَتَ إلى ( الأزرَقِ ) و ( الكُميتِ )، وصَهَل:
ـ إذا أرَدتُما أنتُما أيضاً.. فانكما تَستَطيعانِ أنْ تَذهَبا مَعَهُم! أمّا أنا فلَن أعودَ حتّى أعثُرَ على ( السريع ).

* * *

كانت ساعاتٌ قد مَرَّتْ على غُروبِ الشمس.
لم تَبْقَ إلاّ عِدَّةُ خُطُواتٍ ليَبلُغَ ( السّريعُ ) عَينَ الماء، وعلَيهِ الآنَ أن يَتَوقَّف. كانَ التَّعَبُ قد قَطَعُ مِنُه الأنفاس، وأصابَهُ الدَّوار. ما كانَ يَقِدرُ أن يُبقِيَ جَسَدَهُ مَحمولاً على قَوائمِه. أرادَ أن يُقلِّلَ مِن سُرعَتِهِ عِندَما التَوَتْ رِجلُهُ فَجأةً وانثَنَتْ رُكْبَتُه.. وراحَ يَتَدَحرَجُ على الأرضِ مِثل صَخرةٍ كبيرة.
لكنّهُ لَم يَمكُثْ على الأرض طويلاً. وَقَفَ بمَشَقّة. لقد قامَ لِئلاّ تَراهُ العاصفةُ فتَظُنَّ أنّهُ قد سَقَطَ مِن العَجزِ والوَهْن.
صهَيلُ ظَفَرهِ يَجوبُ الصحراء:
ـ أينَ أنتِ أيّتها العاصفة ؟!.. أين ؟!
ولكنْ.. ما كانَ يَتراءى للعاصفةِ مِن أثر.
حَنَى ( السّريعُ ) رأسَه، وألصَقَ أُذُنَهُ بالأرض. كان سَمْعُهُ مُرْهَفاً بحيثُ كانَ يَصِلُ إلى أُذُنهِ صوتُ حَفيفِ أوراقِ الشجر. لكنّهُ مَهْما أصْغى لَم يَسمَعْ صوتَ سَنابِكِ العاصفة!
مُجْهَداً.. كانَ ( السّريع ). أجفانُهُ كانَت تَثْقُلُ بِهُدوء. لكنَّهُ ما كانَ يَوَدُّ أن يَنامَ قَبلَ أن يَرى العاصفة. يُريدُ أن يَرى العاصفةَ وهي خَجْلى مِن هَزيمَتِها مُستَحْييَة. ثلاثَةَ مَطالِعَ للشمس كان قد جَرى وثلاثةَ مَغارِب.. وهو بهذا الأمَل!
تَذَكّرَ بَغتَةً الأشجارَ المُجاورَةَ لِعَينِ الماء. عندَ هذهِ الأشجارِ يَنبغَي أن يكونَ بانتِظارِ العاصفة. أطبَقَ جَفْنيهِ لحظَة، ثُمّ أدارَ طَرْفَهُ نحوَ الأشجار. ودَفَعةً واحِدَةً.. استَبَدَّ بهِ الفَزَع!
الأشجارُ كُلُّها كانَت مُلْقاةً على التُّراب.
إنّ أثَرَ مُرورِ العاصفةِ يُشاهَدُ في كُلِّ شَيء.
لَم يَكُنِ ( السّريعُ ) يُصَدِّقُ ما كانَ يَرى.
في هذهِ اللحظةِ.. اقتَرَبَ مِنهُ حِصانٌ شابّ. الحصانُ الشابُّ كانَ يَعرِفُ ( السّريعَ ) جيّداً.
سألَهُ ( السّريعُ ) بصوتٍ مُرْتَعِد:
ـ هل رأيتَ العاصفة ؟ متّى مَرَّتْ مِن هنا ؟
حَمْحَمَ الحِصانُ الشابّ، وقال:
ـ نَعَم.. رأيتُها. قبلَ ثلاثَةِ أيّام.. في أوَّلِ شُروقِ الشمس!
تأوّهَ ( السّريع ):
ـ قبلَ ثلاثةِ أيّام ؟!...
ومِثلَما يَقَعُ الظلُّ على الأرضِ.. وَقَع.

* * *

كانَ الليلُ قدِ انقَضى.
الشمسُ عادَت مِن جديد.
حَدَّقَ ( السريعُ ) في صُورتهِ المُنعَكِسَةِ في عَينِ الماء. كانَ يَرى في الماءِ حِصاناً عاجِزاً مَهزوماً. هَمَسَ في نَفْسِهِ:
ـ ( سرَيع )..! لَقَدِ انهَزَمتَ! هَزَمَتكَ العاصفة! ما أمَرَّ هذهِ الهَزيمَة!
سالَتْ مِن عَينَيهِ قَطَرةُ دَمْع، وسَقَطَتْ في الماء.. فَمَوَّجَتْ صُورَتَه.
.. في هذهِ الأثناء، قالَ صَوتٌ في قَلبهِ:
ـ كلاّ.. يا ( سَريع )!العاصفةُ ما هَزَمَتكَ أنت. إنّه غُرورُكَ الذي انهَزَم. وكم كانَ حَسَناً أن يَنهَزِم!
هَبَّ نَسيمٌ لَطيف.. حَرَّكَ الشَّعرَ في عُنُقِ ( السّريعِ ) فجَعَلَهُ يتموَّج. مَدَّ ( السّريعُ ) رأسَهُ في الماء، فأحَسَّ بالبُرودَةِ تَسْري إليه.

* * *

في ماءِ العَين.. صُورةُ ( السّريعِ ) تَضحَك.
وكانَت ظاهرةً في دائرةِ عَيْنيهِ.. صُورَةُ الشمس.

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه