" اللهم صل على
محمد و آل محمد ، و صل على أبينا آدم و أمُّنا حواء "
فاطمة الزهراء (
عليها السلام )
كمال السيد
قبل
ملايين السنين خلق الله العالم . . الكواكب و النجوم و السماوات . . و خلق الله
الملائكة من نور . . و خلق الجنّ من نار . . و خلق الله الأرض .
لم
تكن الأرض مثلما هي عليه اليوم . . كانت مليئة بالبحار ، و كانت الأمواج ثائرة ، و
الرياح تعصف بشدّة . .
و
البراكين مشتعلة ، و النيازك الضخمة و الشهب تهاجم الأرض .
و لم
تكن هناك من حياة على الأرض . . لا في البحار و لا في البراري .
وقبل
ملايين السنين ، ظهرت في البحر أنواع صغيرة من الأسماك ، و ظهرت في البر نباتات
بسيطة .
ثم
تطوّرت الحياة شيئاً فشيئاً ، و ظهرت على سطح الأرض حيوانات كالزواحف ، والبرمائيات
، و ظهرت الدنياصورات بأشكالها المتعددة و أنواعها المختلفة .

و
بين فترة و أخرى كانت الثلوج تغطّي الأرض فتموت النباتات و تموت الحيوانات و تنقرض
، و تظهر بدلها أنواع جديدة . . و بين فترة و أخرى تذوب الثلوج و تعود الحياة في
الأرض مرّة أخرى .
في
تلك الأزمنة السحيقة . . و ما تزال الأرض لم تهدأ بعد من البراكين و الزلازل . . و
العواصف العاتية ، و الأمواج الثائرة . . و لم تكن الثلوج قد ذابت بعد . . في تلك
الأزمنة البعيدة أخذ الله من الأرض تراباً . . من المرتفعات و من السهول ، و من
الأرض السبخة المالحة ، و من الأرض الخصبة العذبة . . مُزجت التربة بالماء و أصبحت
طيناً متماسك الجزئيات .

خلق
الله سبحانه من ذلك الطين ما يشبه هيئة الإنسان ، رأس و عينان و لسان و شفتان و أنف
و أذنان و قلب و يدان و صدر و قدمان .
تبخّر الماء و جمد التمثال البشري ، اصبح الطين حجراً صلداً يابساً إذا هبّت الريح
يسمع منه صوت ينُّم عن تماسكه .
و
على هذه الحالة ظلّ التمثال نائماً إلى أمد طويل لا يعلم مداه إلاّ الله سبحانه .
الأرض :
و في
تلك الفترة من الزمن هدأت الأرض ، هدأت الأمواج في البحار ، و هدأت العواصف ، و
انطفأ كثير من البراكين . . .
ونمت
الغابات أصبحت كثيفة و امتلأت بالحيوانات و الطيور ، و تفجّرت ينابيع المياه العذبة
، و جرت الأنهار .
اما
المناطق التي انعدم فيها الماء فقد كانت الرياح الطيبة تحمل لها الغيوم ، و هناك
تهطل الأمطار لتحيي الصحراء الخالية من الأنهار و النبات .
و
عندما يسافر المرء في الفضاء يشاهد الأرض من بعيد كرةً تدور في الفضاء حول الشمس
فتنشأ الفصول .
صيف
يعقبه خريف ، و خريف يعقبه شتاء و بعد الشتاء يأتي الربيع .
فتزداد الأرض خُضرةً و تصبح النباتات و الغابات أكثر بهجةً .
و
تتدفق الأنهار بالمياه العذبة ، و تفور الينابيع بالمياه الصافية الباردة .
و
تدور الأرض حول نفسها ، فينشأ الليل والنهار .
في
النهار تستيقظ الطيور فتطير باحثة عن رزقها ، و تستيقظ الحيوانات تبحث عن طعامها .
الغزلان تركض في الغابات و الوعول فوق سفوح الجبال ، و الفراشات تدور في الحدائق
تبحث عن الأزهار و الرحيق ، و الحيوانات المفترسة تزأر في الغابات .
كل
شيء في الأرض ينمو و يتكاثر ، فالأرض تمتلئ بالحياة و البهجة .
الأشجار تحمل الثمار ، و الخراف و الماعز تأوي إلى الكهوف تبحث عن مأوى يحميها من
الحيوانات الكاسرة .
كل
شيء يمضي في طريقه كما خلقه الله سبحان و تعالى .
أصبحت الأرض جميلة جدّاً . . . أصبحت ملوّنة . . زرقة البحار . . و خضرة الغابات و
التلال التي تكسوها الأعشاب ، و سمرة الصحاري . . و بياض الثلوج . . و أشعة الشمس
الحمراء في الشروق .
امتلأت الأرض بالحياة . . طيور و حيوانات ، و غابات و نباتات و أزهار و فراشات . .
. أمّا الإنسان فلم يكن له وجود بعد .
آدم . . الإنسان
الأول :
و في
لحظة من لحظات الرحمة و اللطف الإلهي ، نفخ الله في تمثال الصلصال من روحه ، عطس
وقال : الحمد لله .
نهض
آدم دبّت فيه الروح و أصبح بشراً سويّاً ، يتنفس و يجيل نظره . . أصبح إنساناً
يفكّر و يتأمّل . . يحرّك يديه و يمشي يعرف الجميل و يدرك القبيح . . يعرف الحق و
يدرك الباطل . . الخير والشر ، السعادة و الشقاء .
أمر
الله الملائكة أن تسجد لآدم . . ان تسجد لما خلقه الله بيده .
سجد
الملائكة جميعاً . .
الملائكة لا تعرف شيئاً سوى طاعة الله . . انها تسبح الله دائماً . . . خاشعة لله
في كل وقت . . . سجدت للإنسان لأن الله اختاره خليفة له في الأرض . .
لأن
الله جعله خليفة . . انه أرفع منزلة من الملائكة .
و
لكن هناك مخلوق آخر لم يسجد ! ! كان هناك جنّي خلقه الله قبل ان يخلق أبانا آدم
بستة آلاف عام . . لا يعلم أحد أهذه الأعوام كانت من أعوام الأرض أم من أعوام كواكب
أخرى لا نعرفها .
الجنّ خلقه الله من النار . . إبليس لم يسجد لآدم . . لم يطع الله قال في نفسه :
انه أفضل من آدم . لأن اصله من النار . . تكبّر إبليس . . و استنكف ان يسجد لآدم
المخلوق من الطين . .
كان
الملائكة جميعاً ساجدين . . الملائكة جميعاً يطيعون الله يسبّحون اسمه و يقدّسون
ذاته . . امّا إبليس فقد كان من الجن فعصى أمر الله و لم يسجد لآدم .
قال
الله سبحانه : لماذا لا تسجد لآدم يا إبليس ؟
قال
إبليس : أنا أفضل منه . . لقد خلقتني من النار أما آدم فمخلوق من الطين . . النار
أفضل من الطين .
طرد
الله إبليس المتكبّر من حضرته . . طرده من رحمته . . و من ذلك الوقت حقد إبليس على
آدم . .
حسده
أولاً ثم حقد عليه . . إبليس مخلوق متكبّر حسود و حاقد . . لا يحبّ أحداً سوى نفسه
.
أصبح
شغله و همّه كيف يقضي على آدم . . كيف يغرّه ليضلّه .
طرد
الله إبليس من رحمته . . قال له أخرج فإنك رجيم . . و إنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين
.
قال
: إبليس : أمهلني يا ربّ إلى يوم الدين . . قال الله سبحانه : إنك من المنظرين إلى
يوم الدين . . إلى وقت معلوم .
قال
إبليس : رب بما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ، لأغوينهم أجمعين . .
كم
هو ملعون إبليس . . كم هو مكابر وكذّاب . . انه يتهم الله سبحانه بانه هو الذي
أغواه . . لم يلق اللوم على نفسه لمعصيته . . لم يقل أنه حسد آدم و حقد عليه و انه
تكبّر فلم يسجد و لم يطع الله !
و
هكذا كفر إبليس . . استكبر ثم كفر . . ظنّ نفسه أفضل من آدم لأنه مخلوق من نار و
آدم اصله طين و تراب .
إبليس أناني . . نسي أن الله خلقه و هو يأمره و عليه أن يطيع الله . .
حوّاء :
خلق
الله آدم وحيداً . . ثم خلق من أجله حواء ، فرح آدم بزوجه ، وهي أيضاً فرحت بلقائه
.
اسكن
الله سبحانه أبانا آدم و أمّنا حواء الجنّة .
الجنة مكان جميل . . جميل جداً . . انهار كثيرة . . و أشجار خضراء خالدة .
ربيع
دائم . . ليس في الجنّة حرّ و لا برد . . نفحات طيبة .
عندما يملأ المرء صدره منها يشعر بالسعادة . .
قال
الله ربّنا لآدم : اسكن أنت و زوجك الجنّة و كلا منها حيث شئتما . . اسكن فيها حيث
تحبّ و كل فيها ما تحبّ . .
ستكون سعيداً فيها فليس في الجنّة تعب و لا جوع و لا عري . .
و
لكن ايّاك أن تقترب من هذه الشجرة . . ايّاك أن تسمع كلام إبليس ، فيخدعك انه عدوّ
لك و لزوجك . . انه يحسدك يا آدم ، يضمر لك الشرّ .
انطلق آدم و زوجه حواء في الجنّة ينعمان بظلالها ، و يأكلان من ثمارها . . كان آدم
سعيداً و كانت حواء سعيدة . .
كانا
سعيدين جداً . . لقد خلقهما الله بيده . . و رزقهما من كل شيء و كانت الملائكة
تحبهما ، لأن الله خلقهما و يحبّها . .
آدم
و حواء ينطلقان في الجنّة هنا و هناك ، يقتطفان من ثمارها و يجلسان على شواطئ
أنهارها .
شواطئ ساحرة جميلة من الياقوت و العقيق ، و المياه الصافية العذبة تغسل اقدامهما .
. و هناك انهار من عسل طيب و لذيذ ، و انهار من لبن ، و طيور و زهور . . لا حدود
لسعادة آدم و حواء كل شيء في الجنّة لهما . . أشجارها و ثمارها . .
كانا
يأكلان من كل الثمار . . ثمار مختلفة الشكل و اللون و الرائحة و لكنها جميعاً شهية
. .
و في
كل مرّة كانا يصادفان شجرة في وسط الجنّة . . شجرة جميلة المنظر تتدلى ثمارها . .
كانا ينظران إليها فقط . . لأن الله نهاهما عن الاقتراب منها و تناول ثمارها .
إبليس عدوّ
الإنسان :
طّرد
ابليس من صفوف الملائكة . . لقد ظهرت حقيقته في أول امتحان . . ظهرت أنانيته . . و
تكبّره . . أصبح ملعوناً رجيماً . . لم يعد له مكان بين الملائكة . .
إبليس يمتلأ حقداً و حسداً لآدم و زوجه . . أصبح شغله الشاغل كيف يخدع آدم و حواء و
يخرجهما من الجنّة ؟ .
قال
في نفسه : أنا أعرف كيف أخدعهما أنا أعرف أنهما سيصغيان إلى وسوستي . . سأدعوهما
لأن يأكلأ من تلك الشجرة . . و عندها سيشقى آدم . . سيصبح شقيأً مثلي . . سوف يطرده
الله من الجنّة ، حوّاء هي الآخرى ستشقى .
الشجرة :
جاء
إبليس إلى آدم و حوّاء . . جاء ليوسوس لهما . . ليخدعهما قال لهما : هل رأيتما
أشجار الجنّة كلها ؟
قال
آدم : نعم لقد رأيناها جميعاً . . و أكلنا ثمارها .
قال
إبليس : ما فائدة ذلك . . و أنتما لم تأكلا من شجرة الخلد . . انها شجرة الملك
الدائم و الحياة الخالدة . . عندما تأكلان من ثمارها تصبحان ملكين في الجنّة . .
قالت حواء : تعال لنأكل من شجرة الخلود .
قال
آدم : لقد نهانا ربّنا عن الاقتراب منها . . قال إبليس و هو يخدعهما : لو لم تكن
شجرة الخلود لما نهاكما عنها . . لو لم تصبحا ملكين لما قال لكما ربّكما : لا تقربا
هذه الشجرة انني أنصحكما أن تأكلاها . . و عندها سوف تصيرا ملكين و لن تموتا أبداً
. . ستصيرا خالدين تنعمان في هذه الجنّة إلى الأبد .
قال
آدم لزوجه : كيف اعصي ربّي . . لا . . لا .
قال
إبليس : هيّا لأدلّكما عليها انها هناك في وسط الجنّة ، ذهب إبليس و تبعه آدم و
حوّاء . . كان إبليس يمشي متكبّراً مغروراً .
قال
و هو يشير إلى الشجرة . . هذه هي الشجرة . . انظرا كم هي جميلة . . انظرا إلى
ثمارها كم هي شهية .
نظرت
حوّاء . . و نظر آدم . . حقّاً انها جذّابة . . شهية الثمار . . شجرة تشبه شجرة
القمح . . و لكن فيها ثمار مختلفة و تفاح و عنب . .
قال
إبليس : لماذا لا تأكلان منها . . اقسم لكما باني ناصح . . انصحكما أن تتناولا
ثمارها . .
أقسم
إبليس أمام آدم و حواء أنه يريد لهما الخير و الخلود !
و في
تلك اللحظة الرهيبة نسي آدم ربّه نسي الميثاق الذي أخذه الله عليه . . فكّر في نفسه
انه يستطيع أن يبقى ذاكراً لله و في نفس الوقت يعيش حياة الخلود . .
في
تلك اللحظات المثيرة . . مدّت حوّاء يدها و اقتطفت من ثمار الشجرة أكلت منها . .
انها حقّاً شهية أعطت آدم منها . . نسي آدم الميثاق فأكل منها . .
و
هنا فرّ إبليس . . راح يقهقه بصوت شيطاني . . لقد نجح في إغواء آدم و حواء .
الهبوط على
الأرض
و في
تلك اللحظة التي أكل فيها آدم و حواء من ثمار الشجرة حدث شيء عجيب . . تساقطت عنهما
ثياب الجنّة اصبحا عريانين . . بدت لهما سوء آتهما . .
كانت
هناك شجرة تين و شجرة موز عريضة الأوراق لجأ إليها آدم و حواء . .
كانا
يشعران بالخجل من نفسيهما . . راحا يخصفان من ورق التين و الموز ليصنعا لهما ثوباً
يستر ما بدا من سوء اتهما .
شعرا
بالندم و الخوف و الخجل . . لقد ارتكبا المعصية . . لم يسمعا كلام الله سمعا كلام
الشيطان . . الذي فرّ بعيداً و تركهما لوحدهما . .
سمع
آدم و حوّاء صوتاً يناديهما . . كان صوت الله سبحانه قال : ألم انهكما عن هذه
الشجرة . . ألم أقل لكما ان الشيطان عدو لكما فلا يخدعكما . .
بكى
آدم بسبب خطيئته . . و بكت حواء .. ليتهما لم يسمعا كلام الشيطان . .
قالا
و هما يركعان لله في ندم : نتوب إليك يا ربّنا . . فاقبل توبتنا .. . تجاوز عن
خطيئتنا ربّنا ظلمنا انفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين .
كان
آدم قد تعلم من قبل ان المغفرة و التوبة و الندم تغسل الخطايا . . لهذا تاب . . و
أناب إلى الله . .
ربّنا رحيم بمخلوقاته فتاب عليه ، ولكن من يأكل من هذه الشجرة ومن يعصي الله ، عليه
أن يخرج من الجنّة عليه أن يتطهّر من خطيئته . .
قال
الله سبحانه : اهبطوا إلى الأرض . . اهبطا انتما و ابليس إلى الأرض . . ستستمر
العداوة بينكما و بينه . . سوف يستمر في خداعه لكما . .و لكن من يتّبع أمري . . من
يتّبع كلماتي فسأعيده إلى الجنّة . . امّا من يكذّب ويكفر فسيكون مصيره مثل مصير
الشيطان .
قال
الله : اهبطوا بعضكم لبعض عدو ، و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين . . و فيها
تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون .
اهبطا منها جميعاً ، فامّا يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل و لا يشقى ، و من
أعرض عن ذكري ، فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى .
اصبح
آدم و حوّاء مؤهلين للحياة في كوكب الأرض . . لقد اكتشف آدم سوء اته . . اصبح
جاهزاً لأن يكون خليفة الله في الأرض يعمّرها . . و يسكنها . . و لا يفسد فيها .
لهذا
سجدت له الملائكة . . تصورت الملائكة أن آدم سوف يفسد في الأرض و يسفك الدماء . . و
لكن آدم يعرف اشياء لا تعرفها الملائكة يعرف الأسماء كلها ، الملائكة لا تعرف
الحرّية و الإدارة و لا تعرف التوبة . . لا تعرف الخطيئة . لا تعرف أن الذي يخطئ
يعرف كيف يصحّح خطأه و يتوب .
من
أجل هذا خلق الله آدم ليكون له خليفة في الأرض .
فجأة
و بقدرة الله المطلقة هبط آدم و حواء . . و هبط إبليس .
كل
واحد منهم هبط في مكان من الأرض .
هبط
آدم فوق قمّة جبل في جزيرة سرنديب،
و هبطت حواء فوق جبل المروة في ارض مكّة . . امّا إبليس فهبط في اخفض نقطة من
اليابسة . . هبط في واد مالح في البصرة قريباً من مياه الخليج .
و
هكذا بدأت الحياة الإنسانية فوق سطح الأرض ، و بدأ الصراع . . الصراع بين الشيطان و
الإنسان . .

عندما هبط أبونا آدم و أمّنا حواء على سطح الأرض كانت هناك حيوانات كثيرة تعيش . .
غير أنها لم تقاوم الثلج المتراكم منذ آلاف السنين فماتت و انقرضت . . كان حيوان
يدعى " الماموث " و هو يشبه الفيل و لكن جلده كان مغطّى بالصوف .
كان
هذا الحيوان يجوب سيبريا . . و كان حيوان آخر يشبه وحيد القرن و لكنه كان مغطّى
بالصوف أيضاً . . هو الأخر لم يقاوم الثلوج و البرد ، فماتت أنواعه و انقرضت . .
و
كانت هناك طيور عجيبة .. طيور عملاقة ماتت و لم يبق لها من أثر .
و
شاء الله سبحانه أن تذوب الثلوج و ينتهي البرد الشديد في الأرض و يعود الدفء شيئاً
فشيئاً .

و
شاء الله أن يهبط آدم و حواء ليكون الإنسان خليفة في الأرض . . يزرع و يبني ويعمّر
هذا الكوكب الجميل .
اللقاء
الملائكة كانت تحبّ آدم . . تحبّه لأن الله خلقه بيده . . و تحبّه لأنه خلقه و جعله
اسمى مرتبة من الملائكة . .
الملائكة سجدت لأدم لأن الله أمرها بالسجود له . . و عندما عصى آدم ربّه و اكل من
تلك الشجرة . . ندم و تاب و أناب إلى الله . .
الله
ربّنا رحيم ، قبل توبته . . و اهبطه إلى الأرض ليكون خليفته . .
الأرض إمتحان للإنسان هل يعبد الله أم يتبع الشيطان ؟
الملائكة تحب آدم و تحب له الخير و السعادة . .
تريد
له أن يعود إلى الجنّة ، أمّا الشيطان فهو يكره آدم هو يكره الإنسان و يحقد عليه
لهذا حسده و لم يسجد له . . استكبر على الله . .
لهذا
أغوى آدم و أزلّه فأكل من الشجرة . .
الشيطان يكره الإنسان يضمر له العداوة يريد له الشقاء . . يريد له الذهاب إلى
الجحيم .
هبط
آدم على الأرض . . و ظلّ ساجداً لله كان يشعر بالندم العميق لخطيئته . . تاب الله
عليه . . و اجتباه . . و اصبح آدم طاهراً من الخطيئة . .
تذكر
آدم زوجته حواء . . آدم يحبها كثيراً .
كان
سعيداً بها ولكن لا يدري أين هي الآن . . عليه أن يبحث لعلّه يعثر عليها .
راح
آدم يضرب في الأرض وحيداً يبحث عن زوجته حواء .
جاء
أحد الملائكة أخبره أن حواء في مكان بعيد من هذه الأرض . . انها تنتظرك . . هي
خائفة و تبحث عنك . . قال له إذا سرت في هذا الاتجاه فإنك ستعثر عليها . .
شعر
آدم بالأمل و انطلق يبحث عن حواء . . قطع مسافات شاسعة و هو يمشي . .
كان
يمشي حافي القدمين .
إذا
جاع تناول شيئاً من النباتات البرّية ، و عندما تغيب الشمس و يغمر الظلام الأرض ،
كان يشعر بالوحشة فينام في مكان مناسب . . و كان يسمع أصوات الحيوانات تأتي من بعيد
. .
سار
آدم أياماً و ليالي إلى أن وصل أرض " مكّة " ، في قلبه شعور أنه سيجد حواء في هذا
المكان . . ربما خلف هذا الجبل أو ذاك . .
كانت
حواء تنتظر ، تصعد هذا الجبل و تنظر في الأفاق . . و لكن لا شيء . . و تذهب إلى ذلك
الجبل و تصعده لتنظر . .
ذات
يوم رأت حواء و هي تنظر رأت شبحاً . . قادماً من بعيد . . عرفت أنه آدم انه يشبهها
. . هبطت حواء من الجبل . . ركضت إليه كانت تشعر بالفرحة و الأمل . .
آدم
لمحها من بعيد . . أسرع إليها ركض باتجاه حواء و حواء ، هي الأخرى كانت تركض باتجاه
آدم .
و في
ظلال جبل يدعى " عرفات " حدث اللقاء . . بكت حواء من فرحتها و بكى آدم أيضاً . . و
نظرا جميعاً إلى السماء الصافية . . و شكرا الله سبحانه الذي جمع شملهما مرة أخرى .
العمل و الحياة
لم
تكن الحياة في الأرض سهلة انها ليست مثل الجنّة . .
الأرض كوكب يدور في الفضاء .. تتغير فيه الفصول . . شتاء بارد حيث تنهمر الثلوج
فتغطّي السهول و الجبال . .
و
صيف لاهب حارّ . . و خريف . . تتساقط فيه الأوراق . . وتصبح الاشجار مثل الأعواد
الجافّة . .
ثم
يأتي الربيع . . فتبتهج الأرض ، و تغدو خضراء . . و يتذكر آدم حياة الجنّة الطيبة
فيبكي . . يحنّ إلى العودة إلى الجنّة و إلى الحياة الطيّبة هناك .
اختار آدم و زوجته بقعةً جميلة من الأرض ليعيشا فيها .
كانت
بعض النباتات البرّية قد نبتت فيها ، و اشجار مختلفة الشكل و الثمر . .
مضت
أيام السعادة في الجنّة . . لا حرّ و لا برد و لا جوع و لا تعب .
عليهما الآن أن يكدّا و يعملا . . عليهما أن يستعدّا للشتاء القادم و الرياح
الباردة . . أن يناما في الغار قبل أن ينتهيا من بناء كوخ لهما من خشب الأشجار .
كان
آدم يعمل و يعمل و يشقى . . كان يتصبّب عرقاً كل يوم و هو يعمل .
فحتى
لا يموت جوعاً ، عليهما أن يزرعا و يحصدا و يطحنا و يعجنا ثم يخبزا لهما رغيفين .
كانا
يتذكران ايام السعادة و يحنّان للعودة إلى الجنّة قرب الله الذي خلقهما .
و
كانا يتذكران خطيئتهما فيبكيان و يستغفران .
و
هكذا مضت حياتهما بين العمل و العبادة و بين التفكير في مستقبل أولادهما .

و
تمضي الأيام تلو الأيام . . و انجبت حواء ولداً و بنتاً . . ثم انجبت ولداً وبنتا .
اصبح
عدد سكان الأرض من البشر ستة أفراد .
فرح
آدم و حواء بابنائهما ، كانوا يكبرون يوماً بعد يوم . . اصبحوا شباناً . . قابيل و
أخوه هابيل كانا يذهبان مع ابيهما آدم يتعلمان منه العمل ، حراثة الأرض و رعي
الماشية . .
اما
اقليما و لوزا فكانتا تساعدان امهما في أعمال المنزل . . الطبخ الكنس الحياكة .
الحياة تتطلب العمل و النشاط و السعي . . و تمرّ الأيام والأعوام . .
قابيل وهابيل
نشأ
قابيل قاسياً شرس الأخلاق عنيف الطباع ، بعكس هابيل الهادئ الوديع المسالم .
كان
قابيل يؤذي أخاه دائماً . . يريد منه أن يصبح له عبداً يخدمه من الصباح إلى المساء
. .
يحرث
له الأرض ، إضافة إلى عمله في رعي الماشية . . حتى ينصرف هو إلى كسله و إمضاء و قته
في اللهو و اللعب كم ضرب قابيل أخاه ! !
و
كان هابيل يتحمّل و يصبر لأن قابيل أخاه و شقيقه . .
كان
يدعو الله أن يهدي أخاه قابيل و يصبح إنساناً طيباً .
كان
آدم يتألم . . و ربّما نصح ابنه قابيل إلاّ يكون شريراً . . قال له مرّة :
كن
طيباً يا قابيل . . مثل اخيك . .
و
مرّة قال له :
لا
تكن شريراً يا قابيل . . إن الله لا يحب الأشرار .
كان
قابيل لا يسمع نصائح والده . . كان يظن أنه أفضل من هابيل . . فهو أقوى بكثير من
أخيه . . عضلاته قوّية جداً و رأسه أكبر من رأس هابيل . . و أطول منه قدّاً . .
و
كان آدم يقول لابنه :
ان
التقي هو الأفضل . . أن الله ينظر إلى القلوب يا قابيل . . الإنسان الأفضل . . هو
الإنسان الاتقى .
كان
قابيل عنيداً . . كان يصرخ :
لا .
. لا . . لا أنا أفضل منه . . أنا الأقوى . . و الأضخم .
ذات
يوم صفع قابيل أخاه هابيل . . صفعه بقسوة .
لم
يفعل هابيل شيئاً كان يتحمّل أخاه . . هابيل قلبه طيب يحب أخاه . . يعرف أنه جاهل
.. هابيل يخاف الله . . لا يريد أن يكون شريراً مثل أخيه .
أراد
الأب أن يضع حدّاً لشرور قابيل . . أراد أن يفهمه أن الله يحبّ الطيبين . . ان الله
لا يحب الأشرار ، قال لهما :
ليقدّم كل منكما قرباناً إلى الله . . فمن يتقبل الله قربانه فهو الأفضل .. لأنّ
الله يتقبل من المتقين .
انطلق قابيل إلى حقول القمح . . جمع كوماً من السنابل كانت ما تزال طرية لم تنضج
بعد . .
و
مضى هابيل إلى قطيع الماشية . . فاختار كبشاً سليماً من كل عيب . . اختار كبشاً
جميلاً و سميناً .. لأنه سيهديه إلى الربّ . .
قال
آدم لابنيه :
إذهبا إلى هذه التلال . .
وضع
قابيل كوم القمح تحت ابطه و مضى إلى التلال .
و
راح هابيل يسوق كبشه الجميل إلى هناك . . ترك هابيل كبشه فوق التلّ و القى قابيل
كوم القمح قريباً منه . . سجد هابيل لله . . بكى خشية منه . . نظر إلى السماء
الصافية و دعا الله أن يتقبل قربانه .
أما
قابيل فكان عصبياً جداً ينظر هنا وهناك كأنه يبحث . . كان يريد أن يرى الله . . ترى
ماذا سيكون شكله !
مضت
ساعات طويلة .. لم يحدث شيء . .
هابيل جالس بوداعة ينظر إلى السماء و قد ظهرت بعض الغيوم . . امتلأت السماء بالسحب
.. سكن الهواء . . كان هابيل يدعو الله . . و كان قابيل يمسك بصخرة و يقذفها بعصبية
فتتكسر فوق الصخور . . كان عصيباً لا يدري ماذا يفعل . .
فجأة
لمع البرق في السماء . . و دوّى الرعد . . شعر قابيل بالخوف . . اما هابيل فكان
يدعو الله . . انهمر المطر غسل وجه هابيل . . غسل دموعه . . اختبأ قابيل تحت سن
صخري . .
لمع
البرق مرّة أخرى و أخرى . . فجأة انقضت صاعقة كالأعصار . . أصابت الكبش و حملته
بعيداً ابتهج قلب هابيل . . بكى فرحاً . . لقد تُقبّل قربانه . . ان الله يحب هابيل
لأن هابيل يحبّ الله . .
امّا
قابيل فقد امتلأ قلبه بالحقد و الحسد . . لم يتحمّل منظر كوم القمح و قد بعثرته
الريح . . امسك بحجر صخري و صرخ باخيه :
لأقتلنك . .
قال
هابيل بهدوء :
يا
قابيل يا أخي . . انما يتقبّل الله من المتقين .
صرخ
قابيل مرّة أخرى و هو يلوّح بقبضته :
سأقتلك . . انني أكرهك .
شعر
هابيل بالحزن لماذا يكرهه أخوه ؟ ! ماذا فعل لكي يحقد عليه ؟ !
قال
بمرارة و ألم :
لئن
بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لاقتلك . . إني أخاف الله ربّ
العالمين . . انت تظلمني يا قابيل . . و إذا ما قتلتني فسوف يكون مصيرك النار .
قابيل يفكر بطريقة وحشية . . فمادام هو الأقوى فمن حقّه أن يسيطر على أخيه . . أن
يستعبده . . أن يسخره كما يسخر الحيوانات الأخرى . .
انصرف هابيل إلى عمله يرعى ماشيته . . نسي تهديدات أخيه . . كان يرعى الماشية في
التلال و الوديان الخضراء الفسيحة يتأمل ما حوله بحب . .
يملأ
الايمان قلبه بالسلام .. ينظر إلى خرافه و هي ترعى في المروج . .
كل
شيء هادئ .. منظر الشمس في الأصيل جميل . . الأفق الأزرق الصافي . . و خرير الجدول
و هو يجري في الوادي الفسيح . . و الطيور البيضاء و هي تحلق في الفضاء الأزرق . .
كل شيء جميل . . و محبوب . .
و
هناك خلف التلال كان قابيل يسرع نحو أرضه . . كان عصبياً و زاد من عصبيته أنه كان
جائعاً . . رأى من بعيد أرنباً فركض فطارده . . قذفه بحجر تعثر الأرنب انكسرت رجله
. . لم يعد قادراً على الفرار و النجاة . . أمسك قابيل به . . قتله و أكله . . رمى
بالباقي فوق الأرض . .
هبطت
بعض النسور و راحت تتناول من الفريسة . . قابيل فكر في نفسه . . لو كان ضعيفاً . .
لأكلته النسور . . لماذا لا تأكلني هذه الطيور المخيفة . . لأنني قوي . . القوّي هو
الذي يستحق الحياة . . و على الضعفاء ان يموتوا . .
مرّة
أخرى فكر قابيل بطريقة وحشية . . انه لا يعرف الحق و الباطل أن يكون الإنسان طيّباً
أفضل من أن يكون شريرّاً . . مرّة أخرى شعر بالحقد و الحسد لأخيه . . ترك أرضه و
حقوله و مضى نحو التلال . .
راح
ينظر إلى أخيه هابيل في السفوح الخضراء . . و الماشية ترعى بسلام . .
كان
هابيل مستلقياً فوق العشب الأخضر . . ربّما كان نائماً . . هكذا خطر في بال قابيل
اشتعل الحقد في نفسه أكثر . . اشتعل الغدر في قلبه . . انحنى ليلتقط حجراً مسنّناً
.
ربّما فكّر انها فرصة لقتل هابيل . . للتخلّص من أخيه إلى الأبد .
انحدر قابيل من التلّ . . اقترب من أخيه . . كان حذراً جداً مثل نمر شرس . . عيناه
تبرقان بالجريمة و الغدر . .
كان
هابيل غافياً . . شعر بالتعب من كثرة ما دار في المراعي . . لهذا وضع رأسه على صخرة
ملساء و تمدّد فوق العشب و نام . . في وجهه ابتسامة و أمل . .
كان
نومه هادئاً لأنه يعرف ان هذا الوادي لا ترتاده الذئاب و لا الخنازير لهذا ترك
ماشيته ترعى بسلام .
لم
يخطر في باله أن هناك مخلوقاً آخر أكثر فتكاً من الذئاب . .
قابيل شقيقه الوحيد في هذه الدنيا الواسعة !
أصبح قابيل قريباً منه . . وقع ظله على وجه أخيه النائم . . فتح هابيل عينيه ابتسم
لأخيه . . و لكن قابيل كان قد تحوّل إلى وحش . . أصبح مثل الذئب ، بل أكثر قسوة . .

انقض
على أخيه بالحجر و ضرب جبهته . . سالت الدماء على عيني هابيل . . فقد وعيه . . و
كان قابيل يواصل الضرب . . إلى أن سكنت حركة هابيل تماماً .
لم
يعد هابيل يتحرك . . لم يعد يفتح عينيه الواسعتين . . لم يعد يتحدّث و لا يبتسم . .
انه لا يستطيع العودة إلى كوخه . . بقيت ماشيته دون راع . . ستتيه في هذه التلال و
الوديان . . ستفترسها الذئاب . .
كان
قابيل ينظر إلى أخيه . . و كانت الدماء ما تزال تنزف من جبهته .
توقف
نزف الدم . . ظهرت في السماء نسور راحت تحوم . .
حار
قابيل ماذا يفعل ؟ . . حمل جسد أخيه وراح يمشي . . لا يدري أين يذهب به كيف يبعده
عن هذا النسور الجائعة ؟ !
شعر
بالتعب . . الشمس تجنح نحو الغروب . . وضع جسد أخيه فوق الأرض . . وجلس ليستريح . .

فجأة
حطّ غراب بالقرب منه . . كان ينعب بشدّة يصيح : غاق . . غاق . . غاق . . ربما كان
يقول له : ماذا فعلت باخيك يا قابيل ! ! لماذا قتلت أخاك يا قابيل ؟ !
راح
قابيل يراقب حركات الغراب . . الغراب كان يبحث في الأرض . . ينبش التراب . . صنع
فيها حفرة صغيرة . . التقط بمنقاره ثمرة من الثمار الجافّة و القاها في الحفرة . .
راح يهيل عليها التراب . .
شعر
قابيل بانه اكتشف شيئاً مهمّاً . . عرف كيف يواري أخاه . . يحفظه من النسور و
الذئاب . . أمسك بعظم ربّما كان فك حمار ميت أو حصان أو حيوان آخر .
راح
يحفر في الأرض . . كان يتصبب عرقاً صنع حفرة مناسبة . . لا يمكن للنسور ولا
للحيوانات أن تنبشها حمل جسد أخيه و وضعه في الحفرة و راح يهيل عليه التراب . .
بكى
قابيل كثيراً . . بكى لأنه قتل أخاه . . و بكى لأنه كان عاجزاً عن فعل شيء . .
الغراب هو الذي علّمه كيف يواري سوءة أخيه . . انه مخلوق جاهل لا يعرف شيئاً يتعلّم
من الغراب . . نظر قابيل إلى كفيه نفض منهما التراب ماذا فعلت بنفسك يا قابيل ؟ !

كيف
طوّعت لك نفسك قتل أخيك . . ماذا كسبت ؟ !
ماذا
حصدت من عملك سوى الندم والألم . . غابت الشمس . . خيّم المساء . . و ملأ الظلام
الوادي و عاد قابيل إلى كوخه . .
من
بعيد و قبل أن يصل الكوخ رأى ناراً . . ناراً متأججة . . خاف قابيل . . اصبح يخشى
النار .. النار التي اخذت قربان اخيه و رفضت قربانه . . اراد أن يفرّ . . و لكن إلى
أين ؟
رأى
أباه آدم ينتظر . . كان ينتظر عودة ابنيه . . عاد قابيل وحيداً . .
شعر
آدم بالحزن و القلق . . سأل ابنه :
أين
أخوك يا قابيل ؟
قال
قابيل بعصبية :
و هل
أرسلتني راعياً لابنك ؟
أدرك
الأب أن شيئاً ما قد حصل .
قال
لقابيل :
أين
فقدته ؟
قال
قابيل :
هناك
في تلك التلال .
قال
الأب :
خذني
إلى ذلك المكان .
قابيل أشار إلى المكان . . و راح يمشي و أبوه يمشي وراءه . . سمعا من بعيد ثغاء
الأغنام و الماعز و رأى آدم الماشية مبعثرة في الوادي . . صاح :
هابيل . . أين أنت يا هابيل . .
لكن
أحداً لم يجب . . تحت ضوء القمر رأى آدم شيئاً يلمع فوق الصخور . . فوق الأرض . .
شم رائحة غريبة . . أدرك آدم كل شيء . . عرف أن قابيل قد قتل أخاه ، هتف بغضب :
اللعنة عليك يا قابيل . . لماذا قتلت أخاك ؟ لم يخلقك الله لتفسد في الأرض و تسفك
الدماء . . اللعنة عليك . .
فرّ
قابيل . . تاه في الأرض . . راح يعدو مثل المجنون . . ينام في المغارات ، و يركع
للنار . . يسجد لها اصبح يخاف منها . . اصبحت حياته عذاباً و ندماً .
و
عاد آدم إلى الكوخ حزيناً يبكي من أجل ابنه هابيل . . هابيل الطيب التقيّ . . هابيل
المظلوم . .
بكى
آدم أربعين يوماً . . و بكت حوّاء من أجل ولديها . . و أوحى الله إلى آدم أنه
سيرزقه ولداً آخر . . ولداً طيباً مثل هابيل . . و مضت تسعة اشهر . . و انجبت حوّاء
ولداً جميلاً وجهه يضيء كالقمر . .
فرح
آدم ملأت البهجة قلبه لقد عوّضه الله عن هابيل بولد مثله . . سبعة أيام و آدم يفكر
في اسم لولده . . و في اليوم السابع قال لزوجته :
نسمّيه شيث . . هبة الله . . لأن الله قد أهداه لنا . .
و
تمضي الأيام و الأعوام . . و كبر شيث ، و أصبح آدم شيخاً كبيراً . . و أصبحت حوّاء
إمرأةً عجوزاً . .
و
كان آدم راضياً . . لقد كبر أبناؤه و أصبح له أحفاد و ذرّية . . يعملون و يزرعون .
. و يبنون . . ويعبدون الله . . و هناك في مكان ما يعيش قابيل . . هو الأخر أصبح له
ذرّية في الأرض .
و
ذات يوم قال آدم لولده شيث :
اشتهي عنباً يا ولدي . .
نهض
شيث و انطلق إلى البساتين الواسعة حيث تنبت الكروم . . اقتطف بعض العناقيد الناضجة
و عاد إلى أبيه . . و لكن آدم قد مات . . توفي . . عاد إلى الجنّة . . بعد أن عاش
في الأرض ألف سنة . .
بِسْمِ
اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا
فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ
لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن
بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ
لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن
تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء
الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ
مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ
كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ
مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
}
.
بِسْمِ
اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ وَإِذْ
قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ
فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ
سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ
بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى
وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ
وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا
هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ
عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ *
فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ
هُمْ يَحْزَنُونَ }
|