القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية الصفحة الرئيسية
القران الكريم القران الكريم
أهل البيت ع أهل البيت ع
المجالس    المحاضرات
المجالس   اللطــــميات
المجالس  الموالــــــيد
الفيديو   الفــــــيديو
الشعر القصائد الشعرية
مفاهيم اسلامية
اسال الفقـــيه
المقالات المقـــــالات
القصص الاسلامية قصص وعبر
القصص الاسلامية
الادعية الادعيةوالزيارات
المكتبة العامة المكتبة العامة
مكتبة الصور   مكتبة الصور
مفاتيح الجنان مفاتيح الجنان
نهج البلاغة   نهج البلاغة
الصحيفة السجادية الصحيفة السجادية
اوقات الصلاة   اوقات الصلاة
 من نحــــــن
سجل الزوار  سجل الزوار
اتصل بنا  اتصــــل بنا
  مواقع اسلامية
خدمات لزوار الموقع
ويفات منوعة ويفات منوعة
ويفات ملا باسم الكلابلائي ويفات ملا باسم
ويفات ملا جليل الكربلائي ويفات ملا جليل
فلاشات منوعة فلاشات مواليد
فلاشات منوعة فلاشات منوعة
فلاشات منوعة فلاشات احزان
ثيمات اسلامية ثيمات اسلامية
منسق الشعر
فنون اسلامية
مكارم الاخلاق
كتب قيمة
برامج لكل جهاز

الامام الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله و سلامه عليهما


قليل من وقتك رشحنا لافضل المواقع الشيعية ان احببت شكر لكم

 

 

نسبه الشريف من فضائله ومكارم أخلاقه سلام الله عليه في استشهاد الإمام الحسن سلام الله عليه
مولده من كلماته سلام الله عليه معاوية يغري بنت الأشعث بقتل الإمام
كنيته الشريفة في صلح الإمام الحسن سلام الله عليه ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول
ألقابه الشريفة عام الصلح وصيته للحسين سلام الله عليهما
مدة إمامته دراسة وتحليل عائشة تحول دون دفن الإمام مع رسول الله
النص على إمامته موقف الإمام الحسين سلام الله عليه التعدّي على جثمان الإمام
نشأته إكذوبة أموية  

 

السلام عليك يابن رسول رب العالمين، السلام عليك يابن أمير المؤمنين، السلام عليك يابن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليك يا نور الله، السلام عليك يا صراط الله، السلام عليك أيها السيد الزكي، السلام عليك أيها العالم بالتأويل، السلام عليك أيها الشهيد الصِدِّيق، السلام عليك يا أبا محمد الحسن بن علي، ورحمة الله وبركاته.

نسبه الشريف

هو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأمّه سيدة نساء العالمين مولاتنا فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

مولده

وُلِدَ سلام الله عليه في يوم الخامس عشر (وقيل ليلة الخامس عشر) من شهر رمضان المبارك عام ثلاثة من الهجرة، في المدينة المنورة. وهو أول أولاد مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
روى ابن بابويه بأسانيد معتبرة عن الإمام زين العابدين سلام الله عليه أنّه قال: «لما ولدت فاطمة الحسن سلام الله عليهما قالت لعلي سلام الله عليه سمّه، فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخرج إليه في خرقة صفراء، فقال: «ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء»، ثم رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها، ثم قال لعلي: هل سمّيته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال صلّى الله عليه وآله: وما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل أنّه قد ولد لمحمد إبن فاهبط فاقرأه السلام وهنئه وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل سلام الله عليه فهنّاه من الله عز وجل، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه باسم هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر، قال: لساني عربي، قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن».

كنيته الشريفة:

أبو محمد.

ألقابه الشريفة:

الزكي، السيد، المجتبى، الزكي، الأمين، الحجة، البرّ، النقيّ، الزاهد، والسبط ومعناه ابن البنت أو الحفيد مطلقاً.

مدة إمامته:

عشر سنوات

النص على إمامته

إن الحسن سلام الله عليه هو الإمام والخليفة الشرعي على الأمة بعد وفاة أبيه أمير المؤمنين سلام الله عليه، الذي أوصى إليه ونصّ عليه بالإمامة، إضافة إلى نصوص جدّه الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله على إمامته وإمامة أخيه الحسين سلام الله عليه والتي أشهرها قوله صلّى الله عليه وآله:
«ابني هذان إمامان، قاما أو قعدا».
وجاء عن سليم بن قيس قال:
«شهدت أمير المؤمنين حين أوصى إلى إبنه الحسن وأشهد على وصيّته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، وقال له: يا بُنيَّ أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين، فقال: وأمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تدفعها إلى إبنك هذا، ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال: وأمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تدفعها إلى إبنك محمد بن علي، فاقرأه من رسول الله ومنّي السلام».
وقال الإمام الباقر سلام الله عليه:
«إن أمير المؤمنين لما حضره الوفاة قال لابنه الحسن: أدن منّي حتى أسرَّ إليك ما أسرّ إليَّ رسول الله وَأَئْتَمِنَكَ على ما أئتمنني عليه، ففعل».

نشأته

نشأ سلام الله عليه في كنف جده الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، وأحضان أبيه أمير المؤمنين وأمّه فاطمة الزهراء سلام الله عليهما، حتى إذا بلغ أشدّه كان صورة رائعة عن الإنسان الكامل، ونموذجاً مثالياً للمسلم القرآني، وقدوةً صالحة للأمة. وكان النبي صلّى الله عليه وآله يحبّه حباً شديداً.
فقد روى الأربلي في كشف الغمة فقال:
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله واضعاً الحسن على عاتقه وقال: «من أحبّني فليحبّه».
وروي عن أبي هريرة قال:
«ما رأيت الحسن قط إلا فاضت عيناي دموعاً، وذلك أنه أتى يوماً يشتدّ حتى قعد في حجر النبي صلّى الله عليه وآله، ورسول الله يفتح فمه ثم يدخل فمه في فمه ويقول:
«اللهم إنّي أحبه وأحبّ من يحبّه» يقولها ثلاث مرات.
وقال صلّى الله عليه وآله فيه وفي أخيه الحسين سلام الله عليهما:
«أبناي هذان إمامان قاما أو قعدا».
«الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».
«إنهما ريحانتاي من الدنيا».

من فضائله ومكارم أخلاقه سلام الله عليه

كان سلام الله عليه، عابداً، سخيّاً، كريماً، حليماً، عطوفاً، من أفضل الناس خلقاً وخُلقاً. كان كثير الصلاة والصيام والحج والصدقات حتى عُرف ببحر الجود، وبكريم أهل البيت سلام الله عليهم، وكان مرجعاً للفقهاء والعلماء في عصره يرجعون إليه لمعرفة الأحكام والسنن، وذلك كله من دلائل إمامته وموجبات خلافته بعد أبيه سلام الله عليهما.
وروى الصدوق عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال:
«حدثني أبي عن أبيه سلام الله عليهما، أن الحسن بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حج ماشياً وربما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.
وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عز وجل، وكان إذا ذكر الجنة والنار إضطرب إضطراب السليم، ويسأل الله الجنة ويعوذ به من النار، وكان سلام الله عليه لا يقرأ من كتاب الله (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال: (لبيك اللهم لبيك)، ولم يُر في شيء من أحواله إلا ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقاً».
وعن حذيفة بن اليمان قال:
«بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في جبل أظنّه حرى أو غيره ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي سلام الله عليه وجماعة من المهاجرين والأنصار وأَنَس حاضر لهذا الحديث، وحذيفة يحدِّث به إذ أقبل الحسن بن علي سلام الله عليهما يمشي على هدوء ووقار فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال:
إن جبرئيل يهديه وميكائيل يسدِّده، وهو ولدي والطاهر من نفسي وضلع من أضلاعي، هذا سبطي وقرَّه عيني بأبي هو.
فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وقمنا معه، وهو يقول له: أنت تفّاحتي، وأنت حبيبي، ومهجة قلبي، وأخذ بيده فمشى معه ونحن نمشي حتى جلس وجلسنا حوله ننظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو لا يرفع بصره عنه، ثم قال:
أما إنه سيكون بعدي هادياً مهديّاً، هذا هدية من رب العالمين لي، ينبئ عنّي، ويعرِّف الناس آثاري ويحيي سنّتي ويتولى أموري في فعله، ينظر الله إليه فيرحمه، رحم الله من عرف له ذلك، وبرّني فيه وأكرمني فيه».
وفي المناقب قال: قال واصل بن عطا: كان الحسن بن علي سلام الله عليهما عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك. وقيل له سلام الله عليه: إن فيك عظمة! قال سلام الله عليه: بل فيَّ عزة، قال الله تعالى: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين».
وكان سلام الله عليه إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه وقال:
«إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسئ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم».
وقال الإمام الصادق سلام الله عليه:
إن الحسن بن علي سلام الله عليهما حجّ خمساً وعشرين حجة ماشياً، وقاسَمَ الله تعالى (ماله) مرتين، وفي خبر قاسَمَ ربه ثلاث مرات».
ومن حلمه سلام الله عليه ما روي عن الكامل للمبرد وغيره:
«أن شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن سلام الله عليه لا يردّ، فلما فرغ أقبل الحسن سلام الله عليه فسلّم عليه وضحك فقال:
«أيها الشيخ أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا احملناك، وان كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت إرتحالك كان أعود عليك لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً وما لا كثيراً».
فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله اليّ، وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم).
وروى الشيخ رضي الدين علي بن يوسف بن مطهر الحلّي أنه:
(وقف رجل على الحسن بن علي سلام الله عليهما ، فقال: يا ابن أمير المؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه النعمة التي ما تليها منه بشفيع منك إليه، بل إنعاماً منه عليك، إلا ما أنصفتني من خصمي فأنه غشوم ظلوم، لا يوقّر الشيخ الكبير ولا يرحم الطفل الصغير.
وكان سلام الله عليه متكئاً فاستوى جالساً وقال له: من خصمك حتى أنتصف لك منه؟ فقال له: الفقر، فأطرق سلام الله عليه رأسه ساعة ثم رفع رأسه إلى خادمه وقال له: أحضر ما عندك من موجود، فأحضر خمسة آلاف درهم، فقال: أدفعها إليه، ثم قال له: بحق هذه الأقسام التي أقسمت بها عليّ متى أتاك خصمك جائراً إلا ما أتيتني منه متظلّماً».
وروى ابن شهر آشوب في المناقب عن محمد بن اسحاق قال:
(ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ما بلغ الحسن، كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما مرّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس، ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً، فما من خلق الله أحد رآه إلاّ نزل ومشى).
وروى ابن شهر آشوب أيضاً أشعاراً عن الإمام الحسن سلام الله عليه منها:
قل للمقيم بغيـر دار اقامة حان الرحيل فودع الأحبابا
ان الذين لقيتهم وصحبتهم صاروا جميعاً في القبور ترابا
وجاء في المناقب أيضاً:
وطاف الحسن سلام الله عليه بالبيت فسمع رجلاً يقول: هذا ابن فاطمة الزهراء، فالتفت سلام الله عليه إليه فقال: قل ابن علي بن أبي طالب، فأبي خير مني.

من كلماته سلام الله عليه

«نحن الآخرون، ونحن الأولون، ونحن النور، بنور الروحانيين، ننوّرُ بنور الله، ونروح بروحه، فينا مسكنُه، وإلينا معدِنُه، الآخرُ منّا كالأول، والأول منّا كالآخر».
«ما يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم، الذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، غيرُ محمد وذريته».
«والله لا يحبنا عبد أبداً، ولو كان أسيراً في الديلم، إلا نفعه حبُّنا، وإن حبَّنا ليُساقط الذنوب من بني آدم، كما يساقِطُ الريحُ الورق من الشجر».
«يا ابن آدم: عِفَّ عن محارم الله تكن عابداً، وارض بما قسم الله تكن غنيّاً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وصاحب الناس بمثل ما تحبُّ أن يصاحبوك به تكن عادلاً، إنه كان بين يديكم أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعُهُم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً. يا ابن آدم: لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمِّك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، فإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع».
قيل للإمام الحسن سلام الله عليه : مَنْ أعظمُ الناس قدراً؟
فقال: «مَن لم يُبالِ بالدنيا في يَدَي مَن كانت».
«أعرف الناس بحقوق إخوانه، وأشدُّهم قضاءً لها، أعظمُهُم عند الله شأن».
«ومَن تواضع في الدنيا لإخوانه، فهو عند الله من الصِّدِّقين، ومن شيعة علي بن أبي طالب سلام الله عليه».
«عجبتُ لمن يفكر في مأكوله، كيف لا يفكر في معقوله، فيجنِّب بطنه ما يؤذيه، ويودعُ صدره ما يرديه؟»
وسُئل عن الصمت؟ فقال سلام الله عليه:
«هو سترُ العيِّ، وزينُ العرضِ، وفاعله في راحه، وجليسُه في أمنٍ».
قال رجل للحسن سلام الله عليه: مَن شرُ الناس؟ فقال:
«مَن يرى أنّه خيرُهم».
«أسمعُ الأسماع ما وعى التذكير وانتفع به».
«أشدُّ من المصيبة سوء الخُلق».
«أوصيكم بتقوى الله، وإدامة التفكر، فإن التفكر أبو كل خيرٍ وأُمُّه».
«رأسُ العقل: معاشرة الناسِ بالجميل».
«المصائبُ مفاتيح الأجر».
«ما تشاور قوم إلاّ هُدوا إلى رشدهم».
«لا حياة لمن لا دين له».
«مَن نافسَك في دينك فنافِسْه، ومن نافسك في دنياك فألقِها في نحره».
في تفسير قوله تعالى: «آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة» قال:«هي العلمُ والعبادة في الدنيا، والجنةُ في الآخرة».
«البُخل جامع للمساوئ، والعيوب، وقاطع للمودات من القلوب».
«حسنُ السؤال نصف العلم، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤنة».

في صلح الإمام الحسن سلام الله عليه

اختلف المؤرخون اختلافاً كثيراً فيمن بادر لطلب الصلح فابن خلدون وجماعة من المؤرخين ذهبوا إلى (ان المبادر لذلك هو الإمام الحسن سلام الله عليه بعد ما آل أمره إلى الانحلال، وذهب فريق آخر إلى (أن معاوية هو الذي بادر لطلب الصلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمنة للغدر والفتك به متى شاء معاوية أو أراد)، وذكر السبط ابن الجوزي (ان معاوية قد راسل الإمام سراً يدعوه إلى الصلح فلم يجبه، ثم أجابه بعد ذلك)، وأكبر الظن أن معاوية هو الذي استعجل الصلح وبادر إليه وذلك خوفاً من العراقيين أن ترجع إليهم أحلامهم، ويثوب إليهم رشدهم وذلك لما عرفوا به من سرعة الانقلاب وعدم الاستقامة على رأي، ومما يدل على أن معاوية هو الذي ابتدأ في طلب الصلح، خطاب الإمام الحسن الذي ألقاه في المدائن فقد جاء فيه «ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة».
ومهما يكن من شيء فان تحقيق ذلك ليس بذي أهمية، لأن الإمام إن كان هو الذي استعجل الصلح فلا ضير عليه نظراً للمحن الشاقة التي أحاطت به حتى ألجأته إلى المسالمة، وإن كان معاوية هو الذي استعجل الصلح فلا ضير على الإمام سلام الله عليه أيضاً لما أوضحناه في أسباب الصلح، والمهم البحث عن الشروط التي اشترطها الإمام على خصمه.
فقد اختلف التاريخ فيها اختلافاً كثيراً، واضطربت كلمات المؤرخين في ذلك، وفيما يلي بعض تلك الأقوال.
1. ذكر بعض المؤرخين ان الإمام أرسل سفيرين إلى معاوية، هما عمرو بن سلمة الهمداني، ومحمد بن الأشعث الكندي ليستوثقا من معاوية ويعلما ما عنده. فأعطاهما معاوية كتاباً كان نصه:
«بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب للحسن بن علي من معاوية بن أبي سفيان، إني صالحتك على أن لك الأمر من بعدي، ولك عهد الله وميثاقه وذمته، وذمة رسوله محمد (ص)، وأشد ما أخذه الله على أحد من خلقه من عهد وعقد، لا أبغيك غائلة ولا مكروهاً، وعلى أن أعطيك في كل سنة ألف ألف درهم من بيت المال، وعلى أن لك خراج بَسَا ودار ابجرد، تبعث إليهما عمالك، وتصنع بهما ما بدا لك». شهد بها عبد الله بن عامر، وعمرو بن سلمة الكندي، وعبدالرحمن بن سمرة، ومحمد بن الأشعث الكندي، كتب في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين هجرية.
وتنص هذه الوثيقة على إعطاء معاوية للإمام الحسن سلام الله عليه ثلاثة أشياء:
1. جعله ولي عهده.
2. للإمام من بيت المال راتب سنوي ألف ألف درهم.
3. منحه كورتين من كور فارس يرسل إليهما عماله، ويصنع بهما ما شاء واحتفظ الإمام برسالة معاوية، فأرسل إليه رجلاً من بني عبدالمطلب وهو عبدالله بن الحارث بن نوفل وأمّه أخت معاوية فقال له: إئت خالك وقل له إن أمنت الناس بايعتك.
ولما انتهى عبدالله إلى معاوية عرض عليه مهمة الإمام وهي طلب الأمن العام لعموم الناس، فاستجاب له وأعطاه طوماراً وختم في أسفله وقال له: فليكتب الحسن فيه ما شاء، فجاء عبدالله بن الحارث بهذا التفويض المطلق إلى الإمام، فكتب سلام الله عليه ما رامه من الشروط.
2. روى كل من الطبري وابن الأثير صورة أخرى وخلاصتها ان الإمام راسل معاوية في الصلح واشترط عليه أموراً فان التزم بها ونفذها أجرى معه الصلح وإلا فلا يبرمه، فلما وصلت رسالة الإمام سلام الله عليه إلى معاوية أمسكها واحتفظ بها، وكان معاوية قبل ورود هذه الرسالة عليه قد بعث للإمام صحيفة بيضاء مختوماً في أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت وقد وصلت هذه الصحيفة إلى الإمام بعدما بعث إلى معاوية الوثيقة التي سجل فيها ما أراده، وسجل الإمام في تلك الصحيفة البيضاء أضعاف الشروط التي اشترطها أولاً ثم أمسكها، فلما سلم له الأمر طلب منه الوفاء بالشروط التي اشترطها أخيراً، فلم يفِ له بها وقال له: «لك ما كنت كتبت إليَّ أولاً تسألني أن أعطيكه فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك، فقال له الحسن سلام الله عليه: وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه، فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن من الشروط شيئ».
وهذه الرواية لم تذكر لنا الشروط التي اشترطها الإمام «أول» ولا ما سجله. «ثاني» في الصحيفة البيضاء التي بعث بها معاوية إليه إلا أن أبا الفداء في تاريخه نص على الشروط الأولى التي اشترطها الإمام فقال: «وكتب الحسن إلى معاوية واشترط عليه شروطاً وقال: إن أجبت إليها فأنا سامع مطيع، فأجاب معاوية إليها، وكان الذي طلبه الحسن أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة، وخراج دار ابجرد من فارس، وأن لا يسب علياً فلم يجبه إلى الكف عن سبّ علي فطلب الحسن أن لا يشتم علياً وهو يسمع فأجابه إلى ذلك، ثم لم يفِ له به».
وعندي ان ما ذكره ابن الأثير والطبري بعيد عن الصحة كل البعد وذلك لأن الشروط التي اشترطها الإمام أخيراً إن كانت ذات أهمية بالغة فلماذا أهملها ولم ينص عليها في بداية الأمر؟ ولو أغمضنا النظر عن ذلك فأي فائدة في تسجيلها مع عدم اطلاع معاوية عليها وإقراره لها، مضافاً لذلك ان معاوية في تلك المرحلة لو سأله الإمام أي شيء لأجابه إليه.
3. وروى ابن عبد البر: «ان الإمام كتب إلى معاوية يخبره أنه يصيّر الأمر إليه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحداً من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه، فأجابه معاوية وكاد يطير فرحاً إلا أنه قال: أما عشرة أنفس فلا أؤمنهم، فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول: إني قد آليت متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده، فراجعه الحسن إني لا أبايعك أبداً وأنت تطلب قيساً أو غيره بتبعة، قلت: أو كثرت! فبعث إليه معاوية حينئذ بِرِقٍ أبيض وقال: اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه، فاصطلحا على ذلك، واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده، فالتزم ذلك كله معاوية».
وقد احتوت هذه الرواية على أن أهم ما طلبه الإمام الأمن العام لعموم أصحابه وأصحاب أبيه، ولا شك أن هذا الشرط من أوليات الشروط وأهمها عند الإمام أما أن الصلح جرى بهذا اللون فأنا أشك في ذلك.
4. وذكر جماعة من المؤرخين ان الإمام ومعاوية اصطلحا وارتضيا بما احتوته الوثيقة الآتية وقد وقّع عليها كل منهما وهذا نصها:

 

بسـم الله الرحمن الرحيم

«هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله، وسنّة رسوله، وسيرة الخلفاء الصالحين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين، وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء وبما أعطى الله من نفسه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله (ص) غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق، شهد عليه فلان ابن فلان بذلك وكفى بالله شهيداً».
وهذه الصورة أفضل صورة وردت مبينة لكيفية الصلح فقد احتوت على أمور مهمة يعود صالح الأكثر منها إلى عموم المسلمين إلا أنا نشك في ان ما احتوت عليه هذه الوثيقة هو مجموع ما طلبه الإمام وأراده، ونذكر فيما يلي مجموع الشروط التي ذكرها رواة الأثر وإن كان كل واحد منهم لم يذكرها بأسرها إلا أن بعضهم نص على طائفة منها، والبعض الآخر ذكر طائفة أخرى، وقد اعترف الفريقان ان ما ذكره كل واحد من الشروط ليس جميع ما اشترطه الإمام وإنما هي جزء من كل، وها هي:
بنود الصلح
1. تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسيرة الخلفاء الصالحين.
2. ليس لمعاوية أن يعهد بالأمر إلى أحد من بعده والأمر بعده للحسن فإن حدث به حدث فالأمر للحسين.
3. الأمن العام لعموم الناس الأسود والأحمر منهم سواء فيه، وأن يحتمل عنهم معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنة.
4. أن لا يسميه أمير المؤمنين.
5. أن لا يقيم عنده الشهادة.
6. أن يترك سبّ أمير المؤمنين وأن لا يذكره إلا بخير.
7. أن يوصل إلى كل ذي حق حقه.
8. الأمن لشيعة أمير المؤمنين وعدم التعرض لهم بمكروه.
9. يفرق في أولاد من قتل مع أبيه في يوم الجمل وصفين ألف ألف درهم، ويجعل ذلك من خراج دار ابجرد.
10. أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ويقضي عنه ديونه ويدفع إليه في كل عام مائة ألف.
11. أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأهل بيت رسول الله (ص) غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.
هذه بنود الصلح ومواده التي ذكرها رواة الأثر اما أن الإمام قد اشترطها كلها أو بعضها فسوف نذكر ذلك عند دراسة الشروط وتحليلها وقبل أن نلقي الستار على هذا الفصل لا بد لنا من التعرض إلى أن الصلح في أي زمان نفذ؟

عام الصلح

وكما اختلف المؤرخون في المكان الذي وقع فيه الصلح فقد اختلفوا في الزمان أيضاً، فقد قيل: إنه كان سنة 41 هجرية في ربيع الأول، وقيل: في ربيع الآخر، وقيل: في جمادى الأولى، وعلى الأول تكون خلافته خمسة أشهر ونصف، وعلى الثاني فستة أشهر وأيام، وعلى الثالث فسبعة أشهر وأيام، وقيل: وقع الصلح سنة أربعين من الهجرة في ربيع الأول، وقيل غير ذلك، والأصح ان مدة خلافته كانت ستة أشهر حسب ما ذكره أكثر المؤرخين.
وعلى أي حال فقد اصطلح بعض المؤرخين على تسمية ذلك العام ـ الخالد في دنيا الأحزان ـ .... بعام الجماعة، نظراً لاجتماع كلمة المسلمين بعد الفرقة، ووحدتهم بعد الاختلاف، ولكن الحق ان هذه التسمية من باب تسمية الضد باسم ضده لأن المسلمين منذ ذلك العام قد وقعوا في شر عظيم، وانصبت عليهم الفتن كقطع الليل المظلم، حتى تغيرت معالم الدين، وتبدلت سنن الإسلام، وآلت الخلافة الإسلامية إلى المصير المؤلم تنتقل بالوراثة من ظالم إلى ظالم حتى أغرقت البلاد في الدماء والمآسي والشجون، يقول الجاحظ: «فعندها استوى معاوية على الملك واستبد على بقية الشورى، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه (عام الجماعة) وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكاً كسروياً والخلافة منصباً قيصري».
لقد انفتح باب الجور على مصراعيه منذ ذلك العام الذي تم فيه الملك إلى (كسرى العرب) فقد لاقى المسلمون وخصوصاً شيعة آل محمد (ص) من العناء والظلم والإرهاق ما لم يشاهد له التاريخ نظيراً في فظاعته وقسوته يقول ابن أبي الحديد عما جرى على المسلمين بعد عام الصلح: «لم يبق أحد من المؤمنين إلا وهو خائف على دمه أو مشرد في الأرض، يطلب الأمن فلا يجده»، وبعد هذا الظلم الشامل والجور المرهق هل يصح أن يسمى ذلك العام عام الجماعة والألفة؟

دراسة وتحليل

ولابد لنا من وقفة قصيرة للنظر في تحقيق الشروط التي اشترطها الإمام على معاوية، كما لابد من دراستها والإحاطة بها ـ ولو إجمالاً ـ لأنها قد احتوت على أمور بالغة الأهمية، فقد ألغمت نصر معاوية ببارود وعادت عليه بالخزي، وأخرجته من إدعائه الباطل بأنه من حكام العدل إلى حكام الجور والظلم.
أما الشروط التي ذكرت فانا نؤمن بجميعها سوى شرطين، وهما: أن يكون للإمام ما في بيت مال الكوفة، ومنحه راتب سنوي له، ولأخيه.
أما (الأول) فهو بعيد لأن ما في خزانة الكوفة من الأمتعة والأموال قد كانت تحت قبضة الإمام وبيده، يتصرف فيها حيثما أراد، ولم تكن محجوبة عنه أو ممنوعة عليه حتى يشترط على معاوية أن يمكنه منها، على أنا نشك أن خزانة الدولة قد احتوت على أموال كثيرة لأن سياسة أهل البيت تقضي بصرف المال فوراً على ما خصصه الإسلام لها.
وأما (الثاني) فغير صحيح لأن الإمام كان في غنى عن أموال معاوية وليس بحاجة لها، ولو سلمنا ذلك فانه لا ضير على الإمام من أخذها، لأن انقاذ أموال المسلمين من حكام الجور أمر لازم والذي أراه أن معاوية قد أعطى الإمام في بداية الأمر هذين الشرطين، فتوهم بعض المؤرخين انهما من جملة الشروط التي اشترطها الإمام عليه.
وعلى أي حال، فإن تلك الشروط كانت تهدف إلى طلب الأمن العام، والسلم الشامل لجميع المسلمين، وتدعوهم في نفس الوقت إلى اليقظة والتحرر من الاستعباد الأموي، كما دلت على براعة الإمام في الإحتفاظ بحقه الشرعي، والتدليل على غصب معاوية له، وإنه لم يتنازل له عن حقه، أما محتويات الشروط فهي كما يلي:
1. العمل بكتاب الله:
ولم يخل الإمام بين معاوية وبين المسلمين يتصرف في شؤونهم حيثما شاء، فقد أخذ عليه أن لا يعدو الكتاب والسنة في سياسته وسياسة عماله ولو كان يراه يسير على ضوء القرآن، ويسير على منهج الإسلام لما شرط عليه ذلك، وجعله من أهم الشروط الأساسية التي ألزمه بها.
2. ولاية العهد:
وعالج الإمام نقطة مهمة في تلك المعاهدة، وهي مصير الخلافة الإسلامية بعد هلاك معاوية، فقد شرط عليه أن تكون الخلافة له ولأخيه من بعده، وصرحت بعض المصادر ان الإمام اشترط عليه أن يكون الأمر شورى بين المسلمين بعد هلاك معاوية، وعلى كلا القولين فقد أرجح الإمام الخلافة إلى كيانها الرفيع، وإنما شرط عليه ذلك لعلمه باتجاهاته السيئة، وانه لابد أن ينقل الخلافة الإسلامية من واقعها إلى الملك العضوض، ويجعلها في عقبه من شذاذ الآفاق والمجرمين، فأراد الإمام إيقاظ المجتمع وبعثه إلى مناجزته ان قدم على ذلك.
3. الأمن العام:
وأهم ما ينشده الإمام من تلكم الشروط هو بسط الأمن، ونشر العافية بين جميع المسلمين سواء الأسود منهم والأحمر، وقد دلّ ذلك على مدى حنانه وعطفه على جميع المسلمين، كما نصت هذه المادة على أن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنة مما قد مضى، وإنما شرط عليه ذلك لعلمه بما سيعاملهم به من الإرهاق والتنكيل انتقاماً لما صدر منهم في أيام صفين.
4. عدم تسميته بأمير المؤمنين:
وفي رفض الإمام سلام الله عليه تسمية معاوية بأمير المؤمنين تجريد له من السلطة الدينية عليه وعلى سائر المسلمين، ولم يلتفت معاوية إلى هذه الطعنة النجلاء، فإنه إذا لم يكن على الحسن أميراً لم تكن له بالطبع على المسلمين إمرة أو سلطان، وكان بذلك حاكم جور وبغي، وقد جرده بذلك من منصب الإمامة والخلافة، وأثبت له الغصب لهذا المركز العظيم.
5. عدم إقامة الشهادة:
وهذه المادة قد فضحت معاوية وأخزته، ودلت على أنه من حكام الجور، فإن إقامة الشهادة حسب ما ذكره الفقهاء إنما تقام عند الحاكم الشرعي، فهي من الوظائف المختصة به، وإذا لم تصح إقامة الشهادة عند معاوية فهو ليس بحاكم عدل وإنما هو حاكم جور، وحكام الجور لا يكون حكمهم نافذاً، ولا تصرفهم ماضياً عند الشرع، ويجب على الأمة أن تزيلهم عن هذا المنصب الذي اُنيط به حفظ الدماء، وصيانة الأعراض وحفظ الأموال. وفي هذا الشرط بيّن الإمام أنه صاحب الحق، وأن معاوية غاصب له.
6. ترك سب أمير المؤمنين:
وأظهر سلام الله عليه بهذا الشرط تمادي معاوية في الاثم، فقد علم أنه لا يترك سبّ أمير المؤمنين والحطّ من كرامته، فأراد سلام الله عليه أن يبيّن للمجتمع الإسلامي مدى استهتاره، وعدم اعتنائه بشؤون الإسلام وتعاليمه، فإن سب المسلم وانتقاصه قد حرّمه الإسلام، ولكن ابن هند لم يقم للإسلام وزناً، فقد أخذ بعد إبرام الصلح يسب أمير المؤمنين على رؤوس الأشهاد كما سنبين ذلك عند التعرض لخرقه شروط الصلح. ولا يخفى أن الإمام قد فضحه بهذا الشرط وأماط عنه الستر الصفيق الذي تستر به باسم الدين.
7. الأمن العام:
كان الإمام سلام الله عليه حريصاً أشد الحرص على شيعته وشيعة أبيه، فقد صالح ومعاوية حقناً لدمائهم، وحفظاً عليهم، وقد اشترط على معاوية أن لا يتعرض لهم بمكروه وسوء، وهذا الشرط عنده من أهم الشروط وأعظمها قال سماحة المغفور له آل ياسين: «واعتصم فيها ـ أي في المعاهدة ـ بالأمان لشيعته وشيعة أبيه وإنعاش أيتامهم ليجزيهم بذلك على ثباتهم معه ووفائهم مع أبيه، وليحتفظ بهم أمناءً على مبدئه، وأنصاراً مخلصين لتمكين مركزه ومركز أخيه يوم يعود الحق إلى نصابه».
إن أغلب الشروط التي اشترطها الإمام كانت تهدف لصالح شيعته وضمان حقوقهم وعدم التعرض لهم بأذى أو مكروه.
8. خراج دار ابجرد:
واشترط الإمام على معاوية أموالاً خاصة ينفقها على شيعته وشيعة أبيه وهي خراج دار ابجرد والوجه في هذا التخصيص إن الذي يجلب إلى الدولة من الأموال يسمى بعضه بالفيء، وهو المال المأخوذ من الأراضي المفتوحة عنوة، وهذا يصرف على المصالح العامة، وعلى الشؤون الاجتماعية وذلك كتحسين الجيش، وإنشاء المؤسسات وما شاكل ذلك من المشاريع الحيوية، وقسم من الأموال يسمى (بالصدقة) وهي الضرائب المالية التي فرضها الإسلام في أموال مخصوصة وأنواع من الواردات يدور عليها رحى سوق التجارة في العالم فرضها على الأغنياء تجلب منهم وتدفع إلى الفقراء لمكافحة الفقر وقلع بذور البؤس، فقد قال صلى الله عليه وآله: «أمرت في الصدقة أن آخذها من أغنيائكم وأردها في فقرائكم»، وقد كره الحسن أن يأخذ من هذه الأموال لنفسه أو لشيعته، أما له فانها محرمة عليه لأن الصدقة حرام على آل البيت، وأما كراهة أخذها لشيعته فلأن أموال الصدقة لا تخلو من حزازة عليهم لأنها أوساخ الناس، وقد كره سلام الله عليه أن يأخذ منها لشيعته، وخصّ ما يأخذه لهم من دار ابجرد، لأنها قد فتحت عنوة، وما فتح عنوة فهو ليس بصدقة، وبذلك قد اختار لشيعته من الأموال ما هو أبعد عن الشبهة الشرعية وهي خراج دار ابجرد التي هي للمسلمين وعلى الإمام أن ينفقها على صالحهم.
9. عدم البغي عليهم:
ومن مواد المعاهدة أن لا يبغي معاوية للحسن والحسين، ولا أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله غائلة، ولا يخيف أحداً منهم، وإنما شرط عليه ذلك لعلمه بما سيبغيه لهم من الشر والمكر، فكان من غوائله لهم أنه دس السم للإمام ـ كما سنبينه ـ فأراد الإمام بهذا الشرط وبغيره من بنود الصلح أن يكشف الستار عن معاوية، ويبدي عاره وعياره، وأنه لا ذمة ولا حريجة له في الدين.
هذه بعض بنود الصلح، وقد حفلت بعناصر ذات أهمية بالغة دلت على براعة الإمام، وقابلياته الفذة في التغلب على خصمه، يقول سماحة المغفور له آل ياسين في هذه المعاهدة:
«ومن الحق أن نعترف للحسن بن علي على ضوء ما أثر عنه من تدابير ودساتير هي خير ما تتوصل إليه اللباقة الدبلوماسية لمثل ظروفه من زمانه وأهل زمانه بالقابليات السياسية الرائعة التي لو قدر لها أن تلي الحكم في ظرف غير هذا الظرف، وفي شعب أو بلاد رتيبة بحوافزها ودوافعها لجاءت بصاحبها على رأس القائمة من السياسيين المحنكين، وحكام الإسلام اللامعين، ولن يكون الحرمان يوماً من الأيام، ولا الفشل في ميدان من الميادين بدوافعه القائمة على طبيعة الزمان دليلاً على ضعف أو منفذاً إلى نقد، ما دامت الشواهد على بعد النظر وقوة التدبير، وسمو الرأي، كثيرة متضافرة تكبر على الريب وتنبو عن النقاش.
وللقابليات الشخصية مضاؤها الذي لا يعدم مجال العمل، مهما حدّ من تيارها الحرمان أو ثنى من عنانها الفشل، وها هي من لدن هذا الرجل تستجد ـ منذ الآن ـ ميدانها البكر القائم على الفكرة الجديدة القائمة على صيانة حياة أمّة بكاملها في حاضرها ومستقبلها، بما تضعه المعاهدة من خطوط وبما تستقبل به خصومها من شروط».

موقف الإمام الحسين سلام الله عليه

كان موقف سيد الشهداء الإمام الحسين سلام الله عليه من قضية الصلح كموقف أخيه الحسن سلام الله عليه تمثلت فيه الحيرة والذهول، وبعد دراسته للموقف استبان له ضرورة المهادنة، ولزوم المسالمة، وانه ليس من الحكمة ولا من المنطق فتح باب الحرب مع معاوية، فانه يعود بالمضاعفات السيئة على الإسلام، ويجر الويلات والخطوب للمسلمين وذلك لتفلل الجيش الذي نزح معهم، فقد ألمعنا في البحوث السابقة إلى الخيانات المفضوحة التي ظهرت من أغلب الأمراء والقادة العسكريين، والتحاقهم بمعسكر معاوية وضمانهم له الفتك بالإمام الحسن، أو تسليمه أسيراً له، فكيف يحاربه بهذه القوى الغادرة التي تبغى له الغوائل، وتتربص به الفرص للفتك به؟
إن الإمام الحسين سلام الله عليه كان من رأيه أن يستجيب أخوه للصلح، ولا يناجز معاوية نظراً للعوامل المريرة التي أحاطت به حتى جعلت من المستحيل التغلب على معاوية، والانتصار عليه، فما عمله الإمام الحسن من الصلح كان أمراً متعيناً، ولا سبيل لغـيره ـ كما أوضحنا ذلك في أسباب الصلح ـ ، فكيف يخالف الإمام الحسين أخاه في ذلك، ولا يقرّه عليه.
وزعم بعض المؤرخين ان الإمام الحسين سلام الله عليه كان كارهاً لما فعله أخوه، وانه قال له:
«أنشدك الله أن تصدق أحدوثة معاوية، وتكذب أحدوثة أبيك!!».
فأجابه الحسن:
«أنا أعلم بهذا الأمر منك».
وروا أيضاً: ان الحسن سلام الله عليه قال لابن عمه عبدالله بن جعفر: «إني رأيت رأياً أحب أن تتابعني عليه» فانبرى إليه ابن جعفر قائلاً:
«ما هو»؟
«رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها، وأخلي بين معاوية، وبين هذا الحديث، فقد طالت الفتنة، وسفكت فيها الدماء، وقطعت الأرحام، وعطلت الفروج».
فأيد ابن جعفر رأيه قائلاً:
«جزاك الله عن أمَّة محمد خيراً، وأنا معك».
ثم بعث نحو الحسين، فلما مثل بين يديه قال له:
«إني رأيت رأياً، وأحب أن تتابعني عليه».
«ما هو؟»
فذكر له رأيه في ذلك.
فانبرى الحسين وهو غضبان قائلاً:
«أعيذك بالله أن تكذب علياً في قبره، وتصدق معاوية».
فتأثر الحسن من كلامه، وقال له:
«والله ما أردت أمراً إلا خالفتني عليه إلى غيره، والله لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك، حتى أقضي أمري».
فلما رأى الحسين غضب أخيه وجدّه في الأمر انسحب عن فكرته وتنازل عن رأيه وقال له بصوت خافت: «أنت أكبر ولد عليّ، وأنت خليفتي، وأمرنا لأمرك متبع، فافعل ما بدا لك».

إكذوبة أموية

لا شك في افتعال ذلك كله وانه من الموضوعات لأن الإمام الحسين سلام الله عليه كان عالماً بالعلل والأسباب التي الجأت أخاه إلى الصلح وألزمته بالمسالمة... ومن المقطوع به أن رأيه في الصلح كان موافقاً لرأي أخيه لا يخالفه ولا يختلف عنه، ويدل على ذلك ان الإمام الحسن لما أبرم الصلح أقبلت إلى الإمام الحسين طائفة من الزعماء والوجوه يطلبون منه أن ينقض ما أبرمه أخوه ويناجز معاوية فأبى سلام الله عليه وامتنع، ولو كان رأيه مخالفاً لرأي أخيه لأجابهم إلى ذلك، ولما انتقل الإمام الحسن سلام الله عليه إلى حظيرة القدس رفعت إليه طوائف من زعماء العراق عدة رسائل يطلبون منه اعلان الثورة على معاوية فامتنع من اجابتهم وقال لهم:
«ما دام معاوية في قيد الحياة فلا أتحرك بكل شيء، وإذا مات نظرت في الأمر».
إن امتناعه من القيام بالأمر ما دام معاوية حياً يدل بصراحة أنه كان يرى ضرورة المهادنة والمسالمة المؤقتة، فإن الثورة لا تنتج ولا التضحية تجدي شيئاً مع وجود معاوية لأنه يلبسها ثوباً يخرجها عن اطار الاصلاح كما أوضحنا ذلك فيما تقدم، نعم لا شك ان الصلح قد ترك في نفس الحسين أسى مريراً وحزناً مرهقاً كما ترك في نفس الحسن أيضاً لوعة وحزناً، ولكنهما سلام الله عليهما ما ماذا يصنعان والظروف لم تكن مواتية لهما حتى يقوما بمناجزة معاوية.
ومما يدل على وضع تلك الأخبار وعدم صحتها انه جاء في الرواية الثانية ان الإمام الحسن قال لأخيه الحسين.
«ما أردت أمراً إلا خالفتني عليه».
ان هذا الكلام القاسي شاهد على الافتعال لأن الإمام الحسين سلام الله عليه تصده مثله العليا عن مخالفة أخيه وعدم طاعته له فقد تربيا معاً في حجر المشرع الأعظم، وأفاض عليهما مثله وتهذيبه وهديه حتى صارا صورة صادقة عنه، فكيف يخالف أوامر أخيه ولا يطيعه في أمر يعود بالصالح العام لجميع المسلمين، إن الإمام الحسين كان يكبر أخاه ويجله ولا يخالف له أمراً. فقد روى حفيده الإمام الباقر سلام الله عليه عن مدى اجلاله وتعظيمه له قال:
«ما تكلم الحسين بين يدي الحسن اعظاماً له».
وبعد هذا التقدير والاكبار هل يصح أن يقول الحسن لأخيه ما أردت أمراً إلا خالفتني عليه.
وانجرف الدكتور طه حسين بهذه الرواية المفتعلة فقال:
«كره صلح أخيه وهمَّ أن يعارض، فأنذره أخوه بأن يشدّه في الحديد حتّ يتم الصلح».
وقال: «وكان الحسين يعيب الصلح لأنه انكار لسيرة أبيه».
وقال أيضاً: «رأى الوفاء لأخيه حقاً فوفى له، وأطاعه كما أطاع أباه من قبله. وما أشك في أنه أثناء هذه السنين التي قضاها في المدينة بعد صلح أخيه كان يتحرق تشوقاً إلى الفرصة التي تتيح له استئناف الجهاد حيث تركه أبوه».
أما قوله: «كره صلح أخيه وهمّ بالمعارضة، فأنذره أخوه بأن يوثقه في الحديد، وأنه كان يعيب عليه لأنه انكار لسيرة أبيه» فيرده أنه لو كان كارهاً لذلك لأجاب الكوفيين إلى مناجزة معاوية بعد ما جرى الصلح، ولأعلن الثورة عليه بعد موت أخيه، مضافاً إلى أنه لو كان الصلح مخالفاً لسيرة أمير المؤمنين سلام الله عليه لما سكت الحسين لحظة واحدة لأن السكوت عن الحق جبن ومعصية، ولو كان مخالفاً لسيرة أمير المؤمنين التي هي امتداد لسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله لما أبرم الحسن سلام الله عليه الصلح نعم كان الحسين يتحرق شوقاً إلى الجهاد تحرق الضمآن إلى الماء، قد انطوى قلبه على شجى مكتوم وحزن مرهق ولكنه لم ينفرد بذلك، فقد شاركه أخوه في جميع محنه وأشجانه، وكانا معاً يترقبان بفارغ الصبر الفرصة السانحة للثورة على حكومة أميَّة، ولكن الفرصة التي يؤمل بها النصر والفتح كانت معدومة ما دام معاوية حياً، فإن فتح باب الحرب معه يعود بالضرر البالغ على الإسلام والمسلمين.
بقي هنا شيء لم نذكره في أسباب الصلح، وهو أنه لماذا لم يفتح الإمام الحسن باب الحرب مع معاوية، وإن عدم الناصر والمعين فيستشهد كما استشهد أخوه سيد الشهداء الإمام الحسين سلام الله عليه، وهذه الشبهة قد ذهب إليها بعض الناقدين للصلح، ولندع الجواب إلى إمام من أئمة المسلمين وهو آية الله المغفور له السيد عبدالحسين شرف الدين فقد كشف الغطاء عنها في مقال عنوانه (ثورة الحسين صدى لصلح الحسن) وقد نشر في أغلب الصحف المحلية، نذكره بأسره لما فيه من مزيد الفائدة قال رحمه الله:
«كان بنفسي من قديم أن أعني ببحث هذه المسألة بحثاً يدفع هذه الشبهة عن أبي محمد، في نفوس غير المتمكنين في فهم التاريخ فهماً صحيحاً وكثير من هؤلاء لا يرجعون إلى مصدر علمي في وزن هؤلاء النفر من أهل البيت، واخضاع حركاتهم في حالتي مدها وجزرها للمبدأ الأسمى، الذي طوعهم لخدمته، وأفنى ذواتهم في ذاته، فكانوا ينقبضون حين يشاء لهم الانبساط كذلك..
كان بنفسي أن أرد هذه الشبهة عن أبي محمد السبط بإقامة هذا الميزان العلمي الذي يجلو هذه الحقيقة، ويكشف خدرها، غير ان وارداً ثقيلاً من المشاغل التي تنتهي كان يصرفني عما بنفسي من ذلك؛.. فها أنا الآن أوجز الاشارة إلى هذه الشبهة ودفعها، وعسى أن تعود هذه النواة غرساً أتعهده أنا بما ينميه إن سنحت الفرصة أو لا فينميه قلم من هذه الأقلام الصقيلة، المغموسة بقلوب الأحرار، وعقول العلماء من خدام الحقائق.
أما الشبهة فقديمة كقدم النظر القاصر فيمن يأخذون من الأشياء بالظاهر والملِمّون بتاريخ الحسن سلام الله عليه يعرفون ان قوماً من صحابته أخذوا عليه قعوده عن حرب معاوية، ومناجزته إياه القتال، حتى لأوشك أن يذهب يومئذ ضحية هذه الفتنة، وحتى دخل عليه خاصته بسلام غليظ يقولون فيه: «السلام عليك يامذل المؤمنين»..!
وقد يكون لهؤلاء عذر بحماستهم التي نعرفها لذوي النجدة من فتيان الايمان الذين تغلب فيهم عاطفة الحماسة، واستقرار الرؤية وبُعد النظر.
وقد يكون ذلك ولكنا لا نقصد الآن إلى الاعتذار لهم بل نريد أن نثبت طرف هذه الشبهة عن الأول لنراها تتسلسل منه فتظهر بين حين وآخر طوراً على لسان أوليائه، وتارة على لسان أعدائه، وهي هنا وهناك لا تظهر إلا لتدل على جهل هؤلاء وأولئك.
فنحن حين نزن صلحه سلام الله عليه وحربه ترجح كفة الصلح من حيث اعتبرت المعايير المرعية، وكن إن شئت (مادياً) أو كن (روحياً) تتجاوز بايمانك وفهمك مدى المحسوسات المرئية.
كن أول الأمر مادياً وناقش حرب الحسن في جيش حكم على نفسه بالهزيمة، قبل أن يخوض المعركة، وغزاه معاوية الذي ثبت لعلي من قبل ولعلي معنوية عسكرية ترجف الأرض من خيفتها، مضافاً إلى معنوياته الأخرى التي لم يكن الحسن يتمتع بمثلها في نفوس معاصريه، بحكم انضوائه إلى لواء أبيه.
نعم لك أن تقول كان على الحسن أن يستشهد فيموت عزيزاً، ولكن أعد النظر في تاريخ هذه الفترة لترى ان الاستشهاد فيها ينمسخ إلى معنى من معاني (الخروج) فلم تكن يومئذ حقيقة وطنية ثابتة، ولا روح مبدئية مستقرة لتكون التضحية تضحية مقررة القواعد وليس أتفه ـ في هذه الحال ـ من الموت يعين على صاحبه ويميته مرة أخرى في معناه.
كانت الحياة الإسلامية تنتكس حقاً، وتتحول إلى ملك عضوض وكانت المطامع تتجند في ركاب الملك هاربة من حواشي الخلافة ولكنها كانت ما تزال تحتفظ بوسيلة الإسلام وظاهر مبادئه في (وصولية) صاغها معاوية بدهائه، وكان هذا وحده عذراً للحسن من ناحيتين.
1. كان عذره في الصلح لأن (الدنيا) كانت تظاهر معاوية فتستلب منه ابن عمه وقائد عسكره.
2. ثم كان عذره في القعود عن الشهادة لأن ذلك بعينه ليس ظرف الشهادة، لأنه كان قادراً على مسخها.
فأي ربح مادي في الموت لو اختاره الحسن كما يريد هؤلاء، غير انه يعين معاوية على نفسه حياً وميتاً.
إنني لا أرى شيئاً أدل على عظمة الحسن من هذه السياسة المادية التي حددت موقفه على هذا النحو في أخطر دور مرَّ به الإسلام. فكانت نواة لقلب الحكم الأموي، وفضح، كما كانت مادة ذلك البارود الجبار الذي انفجر في مصرع الحسين سلام الله عليه ذلك الانفجار، ولو لم يكن موقف الحسن هذا لأتيح لمعاوية سلطان لا يعرف الناس منطوياته، ولما اتيح للحسين أن يكون الفداء الخالد للمبدأ الخالد.
وبعد أن كنت مادياً فكن (روحياً) وناقش حرب الحسن لتجتمع لك الاعتبارات كلها على رجحان كفة الصلح.
الحسن سلام الله عليه ليس من طلاب (الأُمرة) لذات الأُمرة، بل هو ممن يريدون الخلافة وسيلة للاصلاح، وإقامة العدل والسلام بين الناس، وما أظن هذه العقيدة الروحية تعدم دليلها المادي، فأبوه وجده أثبتا في الإسلام انهما كذلك، وله قبل الإسلام إرث ينهض دليلاً على أنه من معدن مصلح لا يطلب النفوذ إذا استغنى عن فعل الخير.
ومن هنا كان سهلاً عليه أن يتنازل عن الخلافة لأنه في فترة لا تقدر هي على إبداء الخير في ظل ذلك الجيل المكبوت المشتاق إلى الشهوات يصيب منها فوق كفايته على موائد معاوية، بل لقد كان الواجب عليه أن يتنازل مع عدم القدرة على تذليل العقبة من اخضاع (الأموية) المندفعة، لأن تنازله يأتي وفق الخطة التي رسمتها له مبادؤه.
وليس عائبو تنازله أشد احساساً منه بآلام التنازل وهو المجروح، ولكنها التضحية الضخمة فرضت عليه أن يتحمل آلام القعود التي كتبتها عليه مُثُله العليا، ومبادؤه الحسنى.
وهي تضحية لا تقل قدراً ـ إن لم تزد ـ عن تضحية الحسين سلام الله عليه وكن الآن ما شئت، كن مادياً، أو كن روحياً فستنتهي آخر الأمر إلى نتيجة رائعة، وهي ان صلح الحسن مصدر من أكبر مصادر ثورة الحسين التحريرية، وإلى أن جوهر التضحية واحد عند الإماميين وإن اختلف مظهرهما.
والحق ان يوم الطف كان صدى ليوم المدائن صلى الله على سيدي شباب أهل الجنة، ونفع المسلمين بذكرياتهما المجددة المتجددة، ووفق العرب والمسلمين إلى الاهتداء بهديهما في مرحلتهم الصعبة هذه».
ورأي سماحة الإمام شرف الدين رأي وثيق تعضده الأدلة ويسنده المنطق العلمي من جميع جهاته، والحق إنه سلام الله عليه لو ضحّى بنفسه لذهبت تضحيته معدومة الأثر، لا تقيم حقاً، ولا تغير باطلاً، لأن معاوية بمكره وخداعه، يلقي المسؤولية على الحسن، ويبرئ نفسه عن ارتكاب الجريمة فيقول للناس: «إني دعوت الحسن للصلح، ولكن الحسن أبى إلا الحرب وكنت أريد له الحياة، ولكنه أراد لي القتل، وأردت حقن الدماء، ولكنه أراد هلاك الناس بيني وبينه..» ومعاوية له هذه القابليات التي يظهر بها نفسه مظهر العادل المنصف، وبذلك تكون التضحية مسلوبة الأثر معدومة الفائدة.
وأما الحسين سلام الله عليه فقد جاءت تضحيته الخالدة موافقة لظرفها الملائم ومنسجمة مع مقتضيات الزمن، لأن الأثيم يزيد ليس معه من يدير شؤونه ويردعه عن طيشه وغروره، فقد هلكت تلك العصابة التي كان يعتمد عليها معاوية في تدبير شؤونه كابن العاص، والمغيرة وأمثالهما من دهاة العرب، ولم يبقَ منهم معه أحد، فلذا نهض الإمام الحسين سلام الله عليه بتلك النهضة الموفقة التي جاءت بالنهاية المحتومة لدولة أميّة.
وبالجملة إن مهادنة الحسن وشهادة الحسين سلام الله عليهما قائمتان على فكرة عميقة مستمدة من وحي جدهما الرسول صلّى الله عليه وآله، ولولا صلح الإمام الحسن، وشهادة أخيه سيد الشهداء لما بقي للإسلام إسم ولا رسم، وقد صرّح بهذا الإمام كاشف الغطاء في مقدمته للجزء الأول من هذا الكتاب، قال رحمه الله:
«إنه كما كان الواجب والمتعين الذي لا محيص عنه في الظروف التي ثار بها الحسين سلام الله عليهما على طاغوت زمانه أن يحارب ويقاتل حتى يقتل هو وأصحابه، وتسبى عياله ودايع رسول الله صلّى الله عليه وآله كما كان هذا هو المتعين في فن السياسة، وقوانين الغلبة والكياسة مع قطع النظر عن الأوامر الإلهية، والمشيئة الأزلية، كذلك كان المتعين والواجب الذي لا محيص عنه في ظروف الحسن سلام الله عليه وملابساته هو الصلح مع فرعون زمانه، ولولا صلح الحسن، وشهادة الحسين سلام الله عليهما لما بقي للإسلام إسم، ولا رسم، ولضاعت كل جهود محمد صلّى الله عليه وآله وما جاء به للناس من خير وبركة ورحمة».
نعم: لولا صلح الحسن، وشهادة الحسين لقضي على الإسلام ولف لواؤه، فإن الحسن سلام الله عليهما بصلحه فضح معاوية وأظهر عداءه السافر للإسلام والمسلمين، والحسين سلام الله عليه بتضحيته وشهادته فتك بدولة أميّة وقضى عليها وعلى كل ظالم مستبد، وأعطى الدروس الخلاقة لكل مصلح يريد أن يثور على الظلم والطغيان والاستغلال.

في استشهاد الإمام الحسن سلام الله عليه

اعلم انّه وقع الخلاف في يوم استشهاد هذا الإمام المظلوم، قيل في الشهر السابع من شهر صفر سنة خمسين للهجرة، وقيل في الثامن والعشرين من ذلك الشهر، ووقع الخلاف أيضاً في مدّة عمره الشريف، والمشهور هو (47) سنة كما روى صاحب كشف الغمّة عن ابن الخشاب عن الإمام الباقر والصادق سلام الله عليهما انّه:
«مضى أبو محمد الحسن بن عليّ سلام الله عليه وهو ابن سبع وأربعين سنة، وكان بينه وبين أخيه الحسين مدّة الحمل وكان حمل أبي عبدالله ستّة أشهر، فأقام أبو محمد مع جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله سبع سنين، وأقام مع أبيه بعد وفاة جدّه ثلاثين سنة، وأقام بعد وفاة أمير المؤمنين سلام الله عليه عشر سنين».
وروى القطب الراوندي عن الإمام الصادق سلام الله عليه انّه قال: قال الحسن لأهل بيته: انّي أموت بالسم كما مات رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا: ومن يفعل ذلك؟ قال: امرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيس فانّ معاوية يدسّ إليها ويأمرها بذلك.
قالوا: أخرجها من منزلك وباعدها من نفسك، قال: كيف أخرجها ولم تفعل بعد شيئاً ولو أخرجتها ما قتلني غيرها وكان لها عذر عند الناس، فما ذهبت الأيام حتى بعث إليها معاوية مالاً جسيماً وجعل يمنّيها بأن يعطيها مائة ألف درهم أيضاً ويزوجها من يزيد وحمل إليها شربة سمّ لتسقيها الحسن.
فانصرف سلام الله عليه إلى منزله وهو صائم فأخرجت له وقت الافطار ـ وكان يوماً حارّاً ـ شربة لبن وقد ألقت فيها ذلك السمّ، فشربها وقال: ياعدّوة الله قتلتيني قتلك الله والله لا تصيبين منّي خلفاً، ولقد غرّك وسخر منك والله يخزيك ويخزيه.
(فاسترجع الإمام سلام الله عليه وحمد الله على نقله له من هذه الدنيا إلى تلك الدنيا الباقية ولقائه جدّه وأباه وعمّاه حمزة وجعفر) فمكث يومين ثم مضى، فغدر معاوية بها ولم يفِ لها بما عاهد عليه).
 

معاوية يغري بنت الأشعث بقتل الإمام

وقال الشيخ المفيد رضوان الله عليه: لما استقر الصلح بين الحسن سلام الله عليه وبين معاوية خرج الحسن سلام الله عليه إلى المدينة، فأقام بها كاظماً غيظه، لازماً بيته، منتظراً لأمر ربه عزّوجلّ، إلى أن تمّ لمعاوية عشر سنين من إمارته وعزم على البيعة لابنه يزيد (وكان هذا الأمر خلاف المعاهدة والمصالحة التي وقعت بين الحسن وبينه فكان يلاحظ ويخاف من الإمام ويهابه فعزم على قتل الإمام).
فدسّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن سلام الله عليه وحملها على سمّه (بالسم الذي ابتاعه من ملك الروم) وضمن لها أن يزوجها بابنه يزيد، فأرسل إليها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السمّ فبقي أربعين يوماً مريضاً ومضى لسبيله في شهر صفر سنة خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمانية وأربعون سنة وكانت خلافته عشر سنين.
وتولى أخوه ووصيّه الحسين سلام الله عليه غسله وتكفينه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف (رضي الله عنها) بالبقيع.
وروي في الاحتجاج للطبرسي انّه أتى الحسن بن عليّ سلام الله عليه رجل فقال: يابن رسول الله أذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً ـ لبني أميّة ـ ما بقي معك رجل، قال: ومم ذلك؟ فقال: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية.
قال: والله ما سلّمت الأمر إليه إلاّ انّي لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكنّي عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً انّهم لا وفاء لهم ولا ذمّة في قول ولا فعل، انّهم لمختلفون ويقولون لنا: انّ قلوبهم معنا وانّ سيوفهم لمشهورة علينا.
فكان يتكلم إذ تنخع الدّم فدعا بطست فحمل من بين يديه ملء ما خرج من جوفه من الدم، فقال الرجل: ما هذا يابن رسول الله انّي لأراك وجعاً؟
قال: أجل، دسّ إليّ هذا الطاغية من سقاني سماً فقد وقع على كبدي وهو يخرج قطعاً كما ترى، قال: أفلا تتداوى؟ قال سلام الله عليه: قد سقاني مرّتين وهذه الثالثة لا أجد لها دواء.

ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول

وروى صاحب كفاية الأثر بسند معتبر عن جنادة بن أبي أمية انّه قال:
دخلت على الحسن بن عليّ سلام الله عليه في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طست يقذف عليه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السمّ الذي أسقاه معاوية (لعنه الله).
فقلت: يامولاي ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال: ياعبد الله بماذا أعالج الموت؟
قلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ثم التفت إليّ، فقال:
والله لقد عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله انّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة ما منّا الاّ مسموم أو مقتول، ثم رفعت الطشت واتكى صلوات الله عليه.
قال: فقلت له: عظني يابن رسول الله، قال: نعم، استعد لسفرك، وحصّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم انّك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه، واعلم انّك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك الاّ كنت فيه خازناً لغيرك.
واعلم انّ في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فان كان ذلك حلالاً كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت الميتة، وإن كان العتاب فانّ العتاب يسير.
واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فأخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزّوجلّ...
فذكر سلام الله عليه من قبيل هذه المواعظ البليغة، حتى انقطع نفسه واصفرّ لونه فدخل الحسين سلام الله عليه والأسود بن أبي الأسود فانكبّ عليه حتى قبّل رأسه وبين عينيه ثم قعد عنده فتسارا جميعاً.
فقال أبو الأسود: انا لله، انّ الحسن قد نعيت إليه نفسه، وقد أوصى إلى الحسين سلام الله عليه (وأعطاه ودائع الخلافة) وتوفّى يوم الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبعة وأربعون سنة (ودفن بالبقيع).

وصيته للحسين سلام الله عليهما

ووفقاً لرواية الشيخ الطوسي وغيره انّه: دخل الحسين بن عليّ على أخيه الحسن بن عليّ سلام الله عليهما في مرضه الذي توفّي فيه، فقال له: كيف تجدك ياأخي؟
قال: أجدني في أوّل يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيّام الدنيا، واعلم انّي لا أسبق أجلي وانّي وارد على أبي وجدّي على كره منّي لفراقك وفراق اخوتك وفراق الأحبّة، واستغفر الله من مقالتي هذه وأتوب إليه بل على محبة منّي للقاء رسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأمي فاطمة وحمزة وجعفر وفي الله عزّوجلّ خلف من كلّ هالك، وعزاء من كلّ مصيبة ودرك من كلّ ما فات.
رأيت ياأخي كبدي في الطست، ولقد عرفت من دها بي ومن أين أُتيت فما أنت صانع به ياأخي: فقال الحسين سلام الله عليه: أقتله والله، فقال: فلا أخبرك به أبداً حتى نلقى رسول الله صلّى الله عليه وآله ولكن اكتب ياأخي: «هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن عليّ:
أوصى انه يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وانّه يعبده حقّ عبادته لا شريك له في الملك ولا ولي له من الذلّ وانّه خلق كل شيء فقدّره تقديراً وانّه أولى من عُبد وأحق من حُمد، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى.
فانّي أوصيك ياحسين بمن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفاً والداً وأن تدفنني مع رسول الله صلّى الله عليه وآله فاني أحقّ به وببيته ممن أدخل بيته بغير أذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده.
قال الله تعالى فيما أنزله على نبيّه صلّى الله عليه وآله في كتابه:
(ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يُؤذن لكم...) سورة الأحزاب، الآية 53.
فوالله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير أذنه ولا جاءهم الاذن في ذلك من بعد وفاته ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده.
فان أبت عليك الامرأة فأنشدك الله بالقرابة التي قرّب الله عزّوجلّ منك والرحم الماسّة من رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تهريق فيّ محجمة من دم، حتى نلقى رسول الله صلّى الله عليه وآله فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده.
(ووفقاً لرواية الكافي وغيره قال: احملوا جنازتي وادفنوني هناك جنب أمّي فاطمة، ثم قبض بعد اتمام وصاياه وذهب إلى رضوان الله ونعيمه).
قال ابن عباس: فدعاني الحسين بن عليّ وعبد الله بن جعفر وعليّ بن عبد الله بن العباس فقال: اغسلوا ابن عمكم فغسّلناه وألبسناه أكفانه، ثم خرجنا به حتى صلّينا عليه في المسجد، وانّ الحسين أمر أن يفتح البيت، فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان وقالوا:
«يدفن أمير المؤمنين (عثمان) الشهيد القتيل ظلماً بالبقيع بشرّ مكان ويُدفن الحسن مع رسول الله؟ لا يكون ذلك أبداً حتى تكسر السيوف بيننا وتنقصف الرماح وينفد النبل».
فقال الحسين سلام الله عليه: «أما والله الذي حرّم مكة، للحسين بن علي وابن فاطمة أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وبيته ممّن أدخل بيته بغير أذنه، وهو والله أحق به من حمّال الخطايا مسيّر أبي ذر رحمه الله، الفاعل بعمّار ما فعل وبعبدالله ما صنع، الحامي الحمى، المؤوي لطريد رسول الله صلّى الله عليه وآله لكنّكم صرتم بعد الأمراء وتابعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء».

عائشة تحول دون دفن الإمام مع رسول الله

وفي رواية أخرى انّ مروان بن الحكم ركب بغلة وأتى عائشة، فقال لها: ياأمّ المؤمنين انّ الحسين يريد أن يدفن أخاه مع رسول الله فالحقي به وامنعيه من أن يدفن معه، قالت: وكيف ألحقه؟ قال: اركبي بغلتي هذه، فنزل عن بغلته وركبتها وكانت تؤزُّ الناس وبني أميّة على الحسين سلام الله عليه وتحرّضهم على منعه ممّا همّ به.
قال ابن عباس: وكنت أوّل من انصرف، فسمعت اللّغط وخفت أن يعجّل الحسين على من قد أقبل ورأيت شخصاً علمت الشرّفيه، فأقبلت مبادراً فإذا أنا بعائشة في أربعين راكباً على بغل مرحّل تقدمهم وتأمرهم بالقتال، فلمّا رأتني قالت: إليّ إليّ يابن عباس، لقد اجترأتم عليّ في الدنيا تؤذونني مرّة بعد أخرى، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحبّ.
فقلت: واسوأتاه، يوم على بغل ويوم على جمل، تريدين أن تُطفئي نور الله وتقاتلي أولياء الله وتحولي بين رسول الله وبين حبيبه أن يدفن معه، فجاءت إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله فرمت بنفسها عن البغلة وقالت: والله لا يدفن الحسن ههنا أبداً أو تجزّ هذه، وأومت بيدها إلى شعرها.

التعدّي على جثمان الإمام

وفي رواية مضمونها انّه: رموا جثمان الإمام سلام الله عليه بالسهام حتى أخرج من جنازته سبعون سهماً، فأراد بنو هاشم المجادلة فقال الحسين سلام الله عليه: الله الله لا تضيّعوا وصيّة أخي فانّه أقسم عليّ إن أنا منعت من دفنه مع جدّه صلّى الله عليه وآله أن أخاصم فيه أحداً، ولولا وصيته لرأيتم كيف أدفنه في جنب النبي صلّى الله عليه وآله ورغمت معطسكم، فعدلوا به إلى البقيع فدفنوه جنب جدّته فاطمة بنت أسد (رضي الله عنها).
قال أبو الفرج: لمّا مات الحسن بن عليّ سلام الله عليه وأخرجوا جنازته حمل مروان سريره، فقال له الحسين سلام الله عليه: أتحمل سريره؟ أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ، فقال مروان: انّي كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.
وروى ابن شهرآشوب: لمّا وضع الحسن سلام الله عليه في لحده:
أأدهن رأسي أم أطيب محاسني ورأسك معفور وأنت سليب
بكائي طويل والدموع غزيرة وأنت بعـيد والمـزار قريب
وفي فضل البكاء عليه وزيارته ما رواه ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال:
«... فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسمّ ظلماً وعدواناً، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته، ويبكيه كلّ شيء حتى الطير في جوّ السماء والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تُعمى العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام».

 

 

موقع يا زهراء سلام الله عليها لكل محبي الزهراء سلام الله عليها فلا تبخلوا علينا بآرائكم ومساهماتكم وترشيحكم كي يعلو اسمها سلام الله عليها ونعلو معه